فلسطين في العصر العباسي

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث


فلسطين في العصر العباسي

    • النصارى ينعمون بالحرية والأمن .. وإعادة إعمار الأقصى مرات عدة
    • عناية "الرشيد" بحماية النصارى الذين يفدون لزيارة بيت المقدس
في ظل الخلفاء العباسيين شهدت "القدس" فترةً من أزهى عصورها، وعاش النصارى في كنفهم في أمن وحرية وتسامح لم تشهدها أي أقلية من الأقليات في أي عصر من العصور. وهاكم التفاصيل:
أعلن "الحكم بن ضيعان بن روح بن زنباع" خضوعَ "فلسطين" لحكم العباسيين سنة (132 هـ = 750م)، فجاء إليها القائد العباسي "صالح بن علي" عمُّ "السفاح" في خمسين ألف مقاتلٍ، واحتلها وألقى القبض على من فيها من زعماء الأمويين.
وبرغم إحكام العباسيين سيطرتهم على "الشام" بعد قضائهم على "الأمويين" إلا أن ذلك لم يؤدِّ إلى استسلام أهل "الشام" للحكم الجديد، وشهدت تلك البلاد حالةً من الثورة والغليان استمرَّت لأعوامٍ طويلة بعد دخول العباسيين إليها.

عهد أبي جعفر المنصور:

بعد وفاة "السفاح"- "أبو العباس عبد الله بن محمد"- تولَّى الخلافة "أبو جعفر المنصور" سنة (136هـ = 754 م)، وكان قد وُلِدَ في "الحميمة" من أرض "فلسطين" وتربَّى بها، وفي أوَّل عهده حدثت بعض القلاقل والثورات ضده من قِبَلِ أهل "الشام"، الذين أعلنوا البيعة للأمير الأموي "هاشم بن يزيد" حفيد "معاوية بن أبي سفيان"، فطلب "أبو جعفر" من عمه "صالح بن علي" - الذي كان واليًا على "مصر"- أن يرسل إليه أحد قواده لقتال الثائرين، فأرسل إليه "أبو عون" الذي نجح في إخماد الثورة والقضاء على الفتنة، وإعادة الأمن إلى "فلسطين" و"الشام".
هبط "أبو جعفر المنصور"بعد ذلك "بيت المقدس"، وكان "المسجد الأقصى" قد أُصيب بخرابٍ شديدٍ إثر زلزال حدث عام (129هـ = 747م)، ولم يكن لديه من المال ما يكفي لتعميره، فأمر بنزع صفائح الذهب والفضة التي كانت تكسو الأبواب، وأنفقها على تعمير "المسجد الأقصى"، فأتم عمارته سنة (154هـ = 771 م).
وبعد ثلاث سنين حدث زلزال آخر عام (157هـ = 774 م) أضرَّ بالمسجد من جديد، وكان الضرر في هذه المرَّة بالغًا، وكان على كرسي الخلافة "محمد المهدي بن منصور"، وعندما زار "المهدي" "القدس" عام (163هـ =780م)، أمر بتعمير ما أضره الزلزال من المسجد، ولم يكن في خزانة الدولة من المال ما يكفي لذلك، فكتب "المهدي" إلى عماله في جميع أنحاء دولة الخلافة ليسهموا في إعادة إعماره وتجديده، فلقي منهم استجابة كبيرة وتعاونًا عظيمًا.
وقد نعِم النصارى في عهده بقدر كبير من الحرية والأمن وعاشوا في جوٍّ من الاستقرار، وحظوا بعناية كبيرة ورعاية من الخليفة الذي أنشأ لهم حيًّا في "القدس" يسكنون فيه.

عهد هارون الرشيد:

عندما تولى "هارون الرشيد" الخلافةَ شهدت "القدس" فترةً من أزهى عصورها، وعاش النصارى في كنف هذا الخليفة في أمنٍ وحرية وتسامح لم تشهدها أي أقلية من الأقليات في أي عصر من العصور، كما سمح للإمبراطور "شارلمان" بترميم بعض الكنائس، بل إنه سمح له ببناء "كنيسة العذراء".
وأقام الخليفة "هارون الرشيد" علاقاتٍ طيبةً مع كثيرٍ من دول "أوروبا"، وتبادل معها السفراء والهدايا، ففي سنة (180هـ = 796 م) أهدى "الرشيد" إلى "شارلمان" ساعة وفِيلاً وأقمشة نفيسة، وقد ردَّ عليه "شارلمان" بهدايا مماثلة، وكان يرسل إليه وفدًا كلَّ عامٍ يحمل إليه الهدايا الثمينة، وقد عاد الوفد في إحدى المرات حاملاً معه مفاتيح "كنيسة القيامة" كرمز للتسامح والسلام.
وقد عُنِيَ "الرشيد" بحماية الحجاج المسيحيين الذين يفدون لزيارة "بيت المقدس"، وتأمين طرق الحج البرية والبحرية.
وبالرغم من أن "المأمون" كان هو الابن الأكبر للخليفة "هارون الرشيد"، ومع كل ما كان يتميز به من نجابة وذكاء وعلو همة، وما حظي به من ثقة أبيه فيه.. فإن "الرشيد" آثر أن يجعل البيعة بولاية العهد للأمين، وقد كان لزبيدة أم "الأمين" الدور الأكبر في ذلك؛ فقد كان لها من المكانة لدى "الرشيد" ما لم يكن لأم "المأمون"، فاستغلت حظوتها لديه ومنزلة أخوال ولدها "الأمين" ومكانتهم لدى زوجها "الرشيد" في حثِّه على إعلان ولاية العهد لابنها "الأمين"، وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره سنة (175 هـ = 791هـ)، ولكن "الرشيد" عاد فأشرك "المأمون" مع أخيه في ولاية العهد سنة (183 هـ = 799م).

الأمين والمأمون:

وبعد أن تُوفي "الرشيد" شبَّ النزاع بين ولديه "الأمين" و"المأمون"، خاصة بعد تراجع "الأمين"- الذي تولَّى الخلافة- عمَّا قطعه لأبيه من عهود ومواثيق، حيث جعل ابنه "موسى" وليًا للعهد بدلاً من أخويه "المأمون" و"المؤتمن"، كما رفض أن يردَّ إلى أخيه "المأمون" مائة ألف دينار كان والده قد أوصى بها إليه، وسرعان ما تطور الخلاف بين الأخوين إلى صراع وقتال، ودارت حرب عنيفة بين الجانبين، وقامت جيوش "المأمون" بمحاصرة "بغداد"، وانتهى الأمر بمقتل "الأمين" عام (198هـ = 813م)، وتولى "المأمون" على إثر ذلك الخلافة في عام (198هـ= 813 م).
وشهدت "الشام" و"فلسطين" حركة عمران وإصلاح واسعة في عهده فجدد عمارة "مسجد الصخرة"، وزار "بيت المقدس" في أواخر عام (216 هـ = 831 م)، وفي عهده كذلك زار الإمام "محمد بن إدريس الشافعي" "بيتَ المقدس"، كما زاره عدد كبير من العلماء.
ولكن مع نهاية عهد "الدولة العباسية" ومع حالة الضعف وسوء الأحوال التي بدأت تلك المنطقة تشهدها في أواخر أيام العباسيين، سادت حالةٌ من الفوضى والاضطراب؛ بسبب الثورات الكثيرة التي نشبت فيها، وقد انعكس ذلك كله بشكلٍ ملحوظ على الحياة في أرض "فلسطين"؛ فأدَّى ذلك إلى ركود اقتصادي وانعدام الأمن، فضلاً عن الخمول السياسي وخواء الحياة الفكرية في تلك الفترة.

موضوعات ذات صلة