غزة نموذج كسب المجتمع

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث


غزة نموذج كسب المجتمع
الرئيس شافيز

سفينتان من قبرص تكسر الحصار المفروض على قطاع غزة "، "شافيز يطرد سفير الكيان الصهيوني من فنزويلا"، "بوليفيا تطرد سفير الكيان الصهيوني من أراضيها"، "حقوقيون غربيون يطالبون أوروبا بمقاطعة إسرائيل"، " 300 منظمة مدنية تشكو الكيان الصهيوني إلى "الجنائية الدولية".

وسط سيل من الأخبار قبل وأثناء وبعد الحرب على غزة، انطلقت هذه الأخبار كقنابل لا تخطئها العين، ربما أصاب صوتها البعض بالفزع والدهشة، باعتبار أن نصرة الشعب الفلسطيني العربي المسلم، لم تأت على أيدي إخوان لهم في الدين والعروبة، وشركاء في اللغة، ولهم حقوق الجار، بل جاءت على أيدي أناس لا يدينون بديانتهم، ولا يتحدثون بلغتهم، ولا يشتركون معهم في حدود جغرافية تنادى إنسانيتهم، تستدر عطفهم، وهم يرون المآسي اليومية لمليون ونصف المليون من البشر صامدين أمام جبروت العدو وغدر الصديق.

وربما جاءت تلك الأخبار بردًا وسلامًا على آخرين، باعتبار أن صوت المظلومين قد وصل إلى آفاق بعيدة، واستحال صراخاً لا يمكن تجاهله ولا السكوت عليه، وصل إلى مدى شعر فيه ألإنسان بإنسانيته قبل أن يفكر في حساباته السياسية ونزعاته الدينية والعرقية، وعلى اعتبار أن دعوة الحق قد اخترقت جدار الصوت والصمت معًا، لتصبح أقوى من القنابل الفسفورية، وربما على اعتبار أن الأمرَ قد أصبح بيد الغرب المساند للكيان الصهيوني على طول الخط، فإذا اهتزت مشاعره تغيَّرت مواقفه، ورجحت كفة الميزان لتعدل ساعة، بعد ظلم دام على مدار الساعة.

في كل الأحوال احتاجت تلك الأخبار إلى تحليلٍ يرصد دوافعها، ويكشف عن أسبابها، ويبحث في مزاياها، ويحاول توظيف نتائجها فيما يُفيد الحقَّ، والدعوة إلى الحق، والدعوة إلى الله. لكن التاريخ يعيد نفسه..

منذ زمنٍ بعيد.. منذ أكثر من أربعةِ عشر قرنًا، وبالتحديد في السنة السادسة من البعثة النبوية، واجه الرسول مع أصحابه الذين آمنوا به، ومع أناسٍ كثيرين من بني هاشم وبني عبد المطلب، حصارًا وحشيًّا لمدة ثلاث سنوات، بدعوةٍ من قريش لمقاطعة عامة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا بيعَ ولا شراءَ ولا زواج، لكن إنسانية رجل واحد (غير مسلم)، تحرَّكت فكسرت شيئًا من الحصار.

لم يتحمَّل هشام بن عمرو أن يرى أُناسًا يتضورون جوعًا وأطفالاً تبكي وتأن من الألم، وهو يرى الطعام يُلقى في طرقاتِ مكة لا يجد مَن يأكله، فكان يتسلل ليلاً ليسرب بعض الطعام والشراب إلى شعبِ أبي طالب.

وعندما طال الحصار احتال هشام على صحيفة قريش بحكمةٍ ودهاء، فذهب أولاً إلى زهير بن أبي أمية المخزومي- وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب- فأثار حميته قائلاً له: "أرضيت أن تطعم الطعام، وتشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم؟" فاحمرَّ وجه زهير وقال له: "ويحك.. فما أصنع وأنا رجل واحد؟، أما والله لو كان معي رجلٌ آخر لقمتُ في نقضها!"، قال: قد وجدت رجلاً، قال: فمَن هو؟، قال: أنا، فأجابه زهير: أبغنا رجلاً ثالثًا.

وما زال هشام يعمل بحيلته حتى جمع مع زهير ثلاثة رجال غيره: المطعم بن عدي وأبا البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، فصاروا جميعًا خمسة، وفي الصباح غدا زهير إلى الكعبة، فطاف سبعًا، ثم أقبل على الناس قائلاً: يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يُباع ولا يُبتاع منهم؟، والله، لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة للرحم الظالمة، فقال أبو جهل غاضبًا: كذبت! والله لا تشق؛ فثار زمعة على أبي جهل ثم أيَّده أبو البختري، فالمطعم، فهشام بن عمرو، وهنا بُهِتَ أبو جهل ثم قال بمكر: هذا أمر قُضي بليل، تشوروا فيه بغيرِ هذا المكان.

وكان أبو طالب جالسًا في ناحيةٍ من المسجد، فأخبرهم بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن الأرضةَ قد أكلت صحيفتهم حتى لم يبقَ فيها إلا "باسمك اللهم"، وتحداهم أبو طالب قائلاً: فإن كان كاذبًا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقًا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، فأجابوه لذلك، وقام المطعم ليمزق الصحيفة، فوجدها كما قال أبو طالب، فنُقضت وعاد بنو هاشم وبنو عبد المطلب إلى مخالطةِ قريش.

الأكثر دهشةً وإعجابًا وإبهارًا، هو أنه لم يُعرف أن أحدًا من مشركي بني هاشم وبني عبد المطلب (لا حظ أنهم مشركون) لم يتمرد ويخرج من الحصار المفروض عليه، رغم كل ما يُلاقيه من أذى في سبيل قضيةٍ ليست قضيته من الأساس، ولم يُعرف أن أحدًا منهم قد فقد أعصابه وتطاول على الرسول أو سبَّ المسلمين، أو اتهم الرسول بأنه سبب ما يتعرضون له من أذى قريش من سنوات.

لقد تحملوا مثل ما تحمَّل المسلمون، بكل رجولةٍ وإباءٍ وشهامة، حتى انفكَّ الحصار عنهم.

الدوافع والأسباب

ما الدوافع التي تدفع أحدًا أن يناصر غيره وهو على غير دينه؟ وأن يتحمَّل في سبيل ذلك المشقة والتضحية والأذى؟، وما الأسباب التي تجعل أحدًا لا يُنادي بما تقول وربما يختلف معك، يقف بجانبك ويساندك عندما تتعرض لظلم؟

أولاً: الإنسانية

طالما وُجِدَ الإنسان، وجدت معاني الرحمة والخير والشفقة بداخله، فهي جزءٌ من مكوناته مثل الشر تمامًا، لا يمكن أن تنفصل عنه، ولكنها تظهر عندما تُستثار وتستدعي بموقفٍ أو بمشهدٍ يُخرجها من مكمنها، لا فرقَ هنا بين مسلم وكافر أو بين مصري وأمريكي وألماني، المشاعر لغة مشتركة في قاموس الإنسانية لن تحذف منه أبدًا ما دامت الحياة وما دام البشر.

ثانيًا: المكانة

بعض الناس يرى أن مكانته في عشيرته أو مدينته أو بلده أو دولته، لا تتفق أبدًا مع سكوته عن ظلم، خاصةً إن هذا كان هذا الظلم واضحًا وبينًا أمام الجميع، فيشعر بدافعٍ غريزي أنه لا بد أن يتكلَّم ويتحرك، ويكون له دور ما أمام عشيرته وأهله، فهو دور يتفق مع شخصيته ومكانته.

ثالثًا: المصلحة:

البعض الآخر سواء على مستوى الأفراد أو الدول، يرى أن التدخل في حدوث مشكلة، وسيلة للاستثمار السياسي للظهور على الساحة، وإظهار القدرات والمكانة وحل المشكلات، والثقل الاجتماعي بين الأهل والعشيرة، ومحاولة التفوق على أشخاصٍ أو دول أخرى كان لهم دور واضح، ولكهم تقاعسوا أو تخاذلوا، فيكون هذا التدخل بمثابة ميلاد دور سياسي أو اجتماعي لهم.

مواصفات ضرورية

كلما تمتع صاحب الدعوة بمواصفات معينة في إدارته للأمور وعلاقته بالناس، كان أقدر على اجتذابِ أنصارٍ له في محنته، حتى وإن كانوا مختلفين معه، أو كانوا على غير ملته، أو ليسوا من بني جلدته.. هذه المواصفات هي:

أولاً: منطقية الدعوة:

لا بد من وصول الدعوة إلى الناس بالعقل وبالفهم وبالمنطق وبالأدلة العملية، لا بالكلام المرسل غير المفهوم وغير الواقعي وغير المنطقي وغير العملي، هذه المنطقية في الدعوة ستجعل الناس يُقدِّرون مفاهيم الدعوة ويحترمونها، حتى وإن ظلوا من غير المؤمنين بها أو من أنصارها، فالكثير من الناس قد يقتنع بالفكرة، ولكنه غير قادر على تطبيقها لأسباب تختلف من شخصٍ لآخر، ولكنه في النهاية، يقف من الفكرة موقف المدافع المساند لها.

ثانيًا: حب الناس والعمل من أجلهم

لا بد أن يقتنع الناس أن أصحابَ هذه الدعوة يحبونهم ويحترمونهم وعلى الاستعداد للتضحية من أجلهم، وأنهم أهل عدل، لا يُفرِّقون في ذلك بين مَن يوافقهم على مبادئهم أو مَن يختلف معهم، ويظهر ذلك في إسداءِ خدماتهم الخالصة للمجتمع دون مصلحة إلا بدافع الإنسانية والأخوة والعلاقات السامية بين البشر، وإنهم بعيدون كل البعد عن التعالي عليهم، أو النظر إليهم بدونية أو اتهام.

ثالثًا: تطابق الواقع العملي لأصحاب الدعوة مع مبادئ الدعوة

ينظر الناس دائما لعمل أصحاب الدعوات أكثر من كلامهم، فإذا لمحوا تناقضًا بين الكلام والفعل، سقطوا من نظرهم، واتهموهم بينهم وبين أنفسهم بالكذب والخداع، أما إذا وجدوهم يطبقون ما ينادون به على أنفسهم قبل الناس، ترتفع أسهمهم لديهم، ويزاد قدرهم واحترامهم عندهم، ولا يتوانون عن الوقوف بجانبهم إذا صادفتهم المحن والنوائب، كل قدر استطاعته.

رابعًا: الصمود

لحظة المحنة هي لحظة اختبار المبادئ، وهي اللحظة التي يترقب فيها الناس صاحب الدعوة، هل سيصمد أمام الاختبار ويصر على ما كان ينصح به الناس؟ هل يؤمن بما يقول حقًّا حتى وإن أُوذي؟ أم أنه لا يستطيع الدفاع عما يؤمن به؟ فإذا صمد وثبت، عدَّه الناس في مصافِّ الأبطال، واجتهدوا في التحرك للدفاع عنه ومساعدته والوقوف بجانبه حسب ما يستطيعون.

هذه المواصفات تصنع شعبية لصاحب الدعوة، شعبية حقيقية تحمي الدعوة من أعدائها والمتربصين بها مهما كان عداؤهم لها، دعوة لا يمكن أن تنتهي أو تزول؛ لأنها احتمَّت بأقوى الأنصار، الناس، بعد أن احتمت وتوكَّلت على ربِّ الناس

موضوعات ذات صلة