﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾
بقلم / أ. د. محمد بديع
الإخوة والأخوات الفضلاء..
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
كان القرآن الكريم ينزل لتوجيه الصف المسلم وتربيته، منجَّمًا مع الأحداث، وسيظلُّ هو والسنة النبوية الشريفة مرجعيةَ كلِّ مسلم ومسلمة في كل موقف وكل حدث، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أو الوقعة، ونحن نعلم جميعًا أن صدور أي معلومات من شخص ونقلها وتبادلها مع آخرين له ضوابط شرعية عند مُصدِرِ المعلومة ومتلقِّيها، فيجب على الأول أن يتثبَّت أو يتيقَّن من صحة المعلومة وينسبها إلى مصدرها كي يمكن الرجوع إليه أو عليه، ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ ﴿فتثَبَّتوا﴾ في القراءتين للآية؛ لأن النتيجة الحتمية أننا عندئذٍ سنصيب قومًا بجهالة، وسنصبح بعد ذلك نادمين.
وأما المتلقي فإن القرآن الكريم يوجِّهنا إلى أن نردَّ الأمر إلى أهله وذوي القدرة على استنباط ما وراءه، حتى ولو كان أمرًا من الأمن أو الخوف، وتمَّ تقديم الأمن على الخوف في الآية حتى نتوقف عن إذاعة ما ليس بحقٍّ أو ما هو مشكوكٌ في صدقه أو صدق قائله، مهما كان تصوُّرنا نحن.. ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ (النساء: من الآية 83)؛ لأن أحد مداخل إبليس للنفس البشرية هو الشكوك والشبهات.
وقد بدا أول درس تعلمه سيدنا آدم عليه السلام وأمنا حواء، رضي الله عنها، أن إبليس يريد أن يشككهما في أمر الله، بل ويجعلهما يجرِّبان مخالفة الأمر، لعل وعسى تحدث نتيجةٌ أخرى، واستعمل الحلف الكاذب للوصول إلى غايته الخبيثة ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ (21)﴾ (الأعراف)؛ فهل يتصوَّر مسلم أن الشيطان حريصٌ عليه ناصحٌ له، فيقسم على أمرٍ خلاف ما أمرنا الله به، وقد جرَّبا فماذا كانت النتيجة؟!
أليست هي ما حذَّرنا الله عز وجل منه، وهو الملك الحق المبين، وهذا توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أننا يجب أن نكره ما يكرهه الله عز وجل"إن الله كره لكم قيل وقال"، والمهم أن ترتيب "قيل" يعني أن هناك كلامًا يتناقله الناس لا مصدر له، يكرهه الله عز وجل، وبعده كلام له مصدر، وهدفه إيقاع الفتنة ﴿يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ (التوبة: من الآية 47)، فكيف نسمع لهم وهذه نيتهم وهذا هدفهم؟!
إننا درجنا في جماعتنا المباركة هذه على أنَّ نقل الكلام الذي لا حقيقةَ له ممنوعٌ شرعًا؛ مهما كانت صور التناقل، ونعلم أن ما يقال على أخي يؤذيني أنا.. ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)﴾ (النور)، لولا جاءوا عليه بالدليل؟! إن كان قد قال فقد صدق؟ فهل قال أم لا؟ وهنا يجب تمحيص مصدر التلقي.
إن حماية القيم والمبادئ في جماعتنا المباركة يفرض علينا التزامَها في كل موقف ومع كل إنسان، وإننا تعلَّمنا وتربَّينا على الثقة في قيادتنا، وعلى إحسان الظنِّ الذي نحاسَب على غيابه؛ "لأن بعض الظن إثم"؛ من أجل ذلك نتجنَّب الكثير من الظن.
ختامًا.. إننا نتعبَّد لله بالالتزام بالشورى، ونظُم الجماعة، والثقة في القيادة، مع النصيحة الواجبة لأئمة المسلمين وعامَّتهم؛ بشرائطها الشرعية وآدابها، وإن وحدة القلوب وصفاءها بها نُنصر ونُؤجَر بإذن الله تعالى.
المصدر : نافذة مصر