يوم في الميدان
محتويات
مقدمة
- الحضور: حشود من البشر جاءت لتحضر تكبيرات أول عيد في الاعتصام.
في يوم العيد يظهر المسلمون الفرح والسرور، ويتمتعون بالمباحات والطيبات، ويتبادلون التهاني والزيارات، ويشكرون الله تعالى على نعمه الكثيرة، وعلى أداء الشعائر العظام من صيام وقيام وحج، وطواف، وذبح الهدي والأضاحي، والتكبير والصلاة، وشكر على نعمة الصيام.
لقد كان الميدان يمتلئ بالصائم والقائمين والركع السجود، فترى هذا تالى للقرآن ، وهذه باكية من خشية الرحمن، وأخر يجور ليرطب وجه الصائمين، وثالث قائم على تجهيز الصيام، وأخريات يغنيين فرحا بقرب العيد فقمن بتجهيز الكعك والبسكويت.
وانشق فجر يوم العيد، وأعلنت التكبيرات، وزحف الناس من كل حدب وصوب، واصطف الجميع خلف الإمام حتى ضاق المكان، فكانت جماعات متتالية، وبعد أن ختم الإمام خرج الجميع سعداء يهنئ كل من يقابله يعرفه أو لا يعرفه، قابله من قبل أم لم يقابله، فالجو لم يشهده من قبل، ورغم ذلك لا تحرش، ولا انتهاك للحرمات، القلوب ترفرف في معية الله، والوجوه الطيبة تبتسم لكل من تقابله، وانطلاقات المسرات بالأغاني والبهجة، حتى أنك إذا سألت أحد عن شعوره، قال: لم أشاهد عين مثل هذا من قبل.
إنه يوم عيد في الميدان، لم يرغب الكثيرين في مغادرة هذا اليوم، وحزن من لم يحضره في الميدان، ووقت أن كان البعض يزحف في المنازل إلى الراحة كان الميدان يزدهر بوجوه الأطفال السعداء، والآباء والأمهات التي حرصت على قضاء هذا اليوم في جو الميدان.
إنه يوم العيد، والذي كان يخبئ خلفه يوم عيد أخر لارتقاء الشهداء.
لقد زحف الجميع لأن الأصل أن تؤدّى صلاة العيد في الخلاء؛ فالخروج للصحراء أو الأماكن الخالية خارج حدود العمران والبناء فيها إبراز هيبة المسلمين من خلال خروجهم جماعات رجالا ونساء للصلاة في وقت محدد عقب فريضتي الصوم والحج، وإظهارًا لشعائر الدِّين إلا في مكة المكرمة فإنّها تُصلّى في المسجد الحرام، ولكن إنْ تعذرَ الخروج للصحراء تُصلّى في المسجد.
فعَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: أمَرَنَا رَسُولُ، أنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ الله! إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قال: «لِتُلْبِسْهَا أخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا». متفق عليه.
سنن مهجورة
حرص الأستاذ البنا أن يوضح للأمة ماهية عيدها الذي سنة الله للمسلمين فلا تختلط المفاهيم عليهم، وليعمدوا لتعظيمها والعناية بها، فيقول: أما عيدنا الشرعي فهو عيد الفطر غرة شوال، بعد أن تتم فريضة الصوم التي هي ركن من أركان الدين، وحق من حقوق رب العالمين، وصدق الله العظيم وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185].
ولهذا العيد شعائر يجب أن نتعرفها ونعلنها، ونحافظ عليها ونقوم بها ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32].
فمن شعائره زكاة الفطر التي شرعها الإسلام برًا بالفقراء والمساكين، وتدعيمًا لروح التكافل الاجتماعي بين الأمة الواحدة بمناسبة هذا الموسم المبارك. ومن شعائر العيد إحياء ليلته بذكر الله تبارك وتعالى، وشكره على ما وفق إليه من إتمام شهر الصوم، وتجديد التوبة، والاستعداد لما بعد رمضان بالعزم الأكيد على المحافظة على طاعة الله -تبارك وتعالى-، والبعد عن معصيته؛ فإن الله -تبارك وتعالى- باق لا يفنى، ولا يزول، ولا تغيره الأيام ولا الشهور، وهو المعبود المقصود في كل آن؛ فعلينا أن نجدَّ في طاعته في غير رمضان، كما كنا نجدُّ في رمضان.
ومن شعائره بعد ذلك التزاور والتواد، ونسيان الشحناء والبغضاء والحزازات، وصلة الأرحام، وتفقد الأقارب، والإكثار من الصدقة على الضعفاء والأيتام...ذلك عيدنا الشرعي نقوم بشعائره امتثالا لأمر الله، واحتسابًا لما عنده، وإحياء لشعائره (1).
وهذا ما رأيناه وسط الميدان، كان الجميع فرحا مسرورا، فقاموا بين يدي الرحمن سجدا ركعا، يحيون ليلة العيد بالذكر والشكر والتهليل والتكبير. لقد كتب الأستاذ عمر التلمساني - المرشد الثالث للإخوان- أيضا موضحا هذا الأمر فقال: وإذا كانت الصلات الطيبة بين الناس في حاجة إلى عقد، فالبسمة الودود هي التوقيع على هذا العهد الجليل، إذا كانت القلوب أوعية مغلقة فالبسمة هي مفتاح هذه المغاليق، وإذا استعصى قضاء الحاجات على طالبيها، فالبسمة أكبر الأعوان على تحقيق الحلو من الأماني العذاب إذا اكفهر وجه الود بسورة من سورات الغضب، جاءت البسمة كقطرات الندى، تنعش الوسنان من البراعم والأزاهير.
هل لي أن أقدم لك هدية العيد، قف في عيدك إلى جانب الله فهو العدة العظمى في نجاح الدعوة إلى الله وانتصارها، وهدية أخرى .. كن جنديًا في دعوة الله، وثق أنه لا انتصار لك في هذا الميدان إلا بتقوى الله.. تراني ذهبت بك بعيدًا عن مظاهر العيد ومقتضياته؟؟ أبدًا إنه العيد، وأيام العيد وعيد شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه أسلافنا كما أراده دين الله (2).
وكتب الأستاذ محمد حامد أبو النصر – المرشد الرابع للإخوان- يقول:
- لقد مضى الشهر الكريم.. شهر رمضان الذي فرض الله صيامه على المسلمين، وكان بين أشهر العام كالروضة الفيحاء وسط الصحراء، كان فرصة طيبة سانحة لمن أراد أن يتزود بخير زاد وهو زاد التقوى، وقد تفاوت المسلمون في قدر استفادتهم من هذا الشهر الكريم ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، وحق للذين وفقهم الله فيه لعمل الخير وحسن العبادة أن يفرحوا يوم العيد السعيد راجين من الله القبول، فالمؤمنون يفرحون بفضل الله وبرحمته ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 58).
وفي يوم العيد يتزاور المسلمون مهنئين بعضهم بعضًا بعون الله لهم بأداء فريضة الصيام، ويفرح الأطفال بلبس الجديد وممارسة الألعاب وشراء الحلوى وغير ذلك(3).
الإخوان والغرس الإسلامي
كانت بدايات البنا في جمعية الشبان المسلمين والتي نشأت عام 1927م غير أنه لم يجد فيها بغيته، وهذا ما وضحه في قوله: إن الغاية العامة بين الإخوان والشبان مشتركة، وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق يسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة القائمين بها وتوجيه جهودهم في كلتا الجماعتين (4).
ولذا ما إن استقر به المقام في الإسماعيلية حتى بدأت خطواته نحو نشر المفاهيم الصحيحة للإسلام، وتصادف أن اقترب العيد فأخذ في نشر ثقافة الوحدة والتجمع في مكان واحد بين المسلمين، لكنه وجد في البداية صدود، غير أنه ظل صابرا عما يقال ويرسخ لمعاني التربية الإسلامية في نفوس الناس، ويصف الأمر بقوله: كنت أقوم في رمضان بتدريس بعض الأحكام الإسلامية عقب صلاة الفجر في المسجد العباسي وكانت أكثر ما تتعرض لأحكام الصيام والزكاة ورمضان. وقبيل نهاية رمضان تناولنا أحكام صلاة العيد بالبيان، وجاء في هذه الأحكام أن من السنة أن يصلى العيد في ظاهر البلد وأن يخرج لها الناس رجالاً ونساء يشهدون الخير وجماعة المسلمين، وأن الأئمة قد اتفقوا جميعاً على أفضلية صلاتها في الصحراء ما عدا الإمام الشافعي الذي أفتى بأن صلاتها في المسجد أفضل إذا كان في البلد مسجد يتسع لأهلها جميعاً.
وبينما نحن نقرر هذه الأحكام إذ اقترح أحد المستمعين أن نحيي هذه السنة ونقوم بصلاة عيد الفطر في الصحراء ، وبخاصة وليس بالإسماعيلية حينذاك إلا مساجد صغيرة لا تتسع لبعض أهل البلد فضلاً عن كلهم ، ومن حولها صحراء قد اتسعت لجنود الاحتلال وتحمس السامعون جميعاً لهذا الاقتراح فلم أر بداً من موافقتهم عليه ولكن مراعاة لما أعلم من سرعة انقسام الآراء في هذا البلد حول المسائل الدينية لشدة حساسيته في هذه الناحية ولقرب عهده بالخلافات الماضية اشترطت ألا نخطو خطوة حتى نستشير العلماء ونتفق معهم على أسلوب التنفيذ فإن وافقوا فذاك وإلا فإن اجتماع الآراء على خلاف الأولى أفضل من افتراقها وتشتيت الكلمة على ما هو أفضل.
وحاولت أن أخطو هذه الخطوة فإذا بي أفاجأ بحملة عنيفة من المتربصين بالدعوة واتهامات قاسية بأن هذه ابتداع بالدين وتعطيل للمساجد ومحاربة للإسلام وإفتاء بالباطل، ومن ذا الذي يقول: إن الشارع أفضل من الجامع ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين وانتشر الخبر بسرعة البرق وأصبح حديث الناس في المقاهي والمساجد والمجتمعات العامة والخاصة وكانت حملة يا لها من حملة. وتصادف أنني كنت حينذاك معتكفاً العشر الأواخر من رمضان بالمسجد العباسي، فكان الناس يتقاطرون علي عقب كل صلاة ويسألونني عن هذه البدعة الجديدة وأنا أستغرب هذه الحملة التي لا أساس لها، وأقرر حكم الدين بكل بساطة وبراءة وأطلع الناس على النصوص الفقهية في هذا المعنى. وأتجنب الجدل والمراء وأوصي بجمع الكلمة والبعد عن الخصومة ولكن الأمر كان قد خرج من يدي ويد العلماء وتحمس الجمهور للحق والسنة وأعلنوا أن الصلاة ستكون ظاهر البلد، وأعدوا المصلى لذلك فعلاً وكنت لا بد أن أحضر إلى القاهرة لأقضي العيد مع الأهل فيها. فحضرت ليلة العيد ورتب الناس أنفسهم وصلى بهم الشيخ محمد مدين إمام مسجد العرايشية. وكان سرور الناس وانشراحهم بهذا المظهر الإسلامي عظيماً، وحلت في نفوسهم بركة السنة النبوية المطهرة، وعدت من إجازة العيد ورأيت آثار هذا الارتياح بادية على كل وجه، وخمدت العاصفة المغرضة وتقررت السنة المباركة واستمرت صلاة العيدين إلى الآن ظاهر البلد في مهرجان جميل (5).
وفي العيد التالي اقترح الإمام البنا على مجلسه الذي كان يعقده في بيت الحاج حسين الزملوط أن يخرج الناس إلى الشوارع ليكبِّروا جميعًا تكبيرة العيد، فوافق الناس وخرجوا ليطوفوا بحي العرب بالإسماعيلية في مظاهرة حافلة يشق تكبيرها عنان السماء، ولكن تلك المسيرة لم يكن لها أن تسير أو تقترب من الحي الإفرنجي الذي يسكنه الأجانب، ولكن الإمام البنا أراد أن يكسر الحاجز النفسي عند أهل الإسماعيلية فاقترح أن تعبر المسيرة شارع الثلاثيني لتجوب شارعًا أو شارعين من الحي الإفرنجي.
ثم بعد ذلك وفي العام التالي راحت مسيرات العيد تمتد من شارع إلى شارع داخل الحي الإفرنجي؛ مما أزعج الإنجليز، فما كان منهم إلا أن طلبوا نقل الإمام الشهيد حسن البنا من الإسماعيلية، وقد فوجئ أهل الإسماعيلية بذلك الخبر، وأعلنوا رفضهم، واعتبروا نقل الأستاذ حسن البنا نوعًا من التحدي لشعبها؛ ولذلك سافر معظم كبار رجالها إلى القاهرة مع نائبها في البرلمان المرحوم سيد حسين المحامي، وعرضوا الأمر على السلطات المختصة في وزارة المعارف العمومية في ذلك الوقت، ورفضوا العودة إلا ومعهم حسن البنا، وتمت الاستجابة لمطلبهم، ولكنها كانت معلقةً على شرط ألا تتخطَّى مسيرة حسن البنا حي العرب، وألا تمتد إلى الحي الإفرنجي (6).
يوم فرح وسرور
حرص الإخوان على إدخال السرور على الفقراء يوم العيد، فسعوا لجمع الزكاة لهم، وشراء الملابس الجديدة لأطفالهم، وتوفير المأكل والمشرب لهم. ومن ضمن هذه الجوانب الجانب الخدمي الذي قدَّمه الإخوان للمجتمع وفقرائه؛ انطلاقًا من دعوتهم التي تدعو إلى التعارف والتكامل والتكافل بين أفراد المجتمع؛ حتى لا يبيت أحد شبعان وجاره جائع لا يجد ما يسد حاجته، ولذلك كانوا حريصين على إدخال السرور على الفقراء بقدر المستطاع، فكان الأخ يقتطع من قوته وقوت أبنائه ليطعم الفقراء أو يكسوهم، وخاصة في الأعياد التي كان ينظر الفقير فيها للغني؛ فلا يفرح بالعيد، فعمل الإخوان بوسائل عدة على إدخال السرور عليهم، سواء كان بإطعامهم أم كسوتهم أم تنظيم رحلات ترفيهية.
ففي عيد الأضحى كان الإخوان يقومون بجمع الأضاحي وتوزيعها على الفقراء الموجودين في بلادهم، خاصة أن البلاد كانت واقعة تحت الاحتلال، وكان معظمها من الفقراء.
ففي "أسوان" قام الإخوان بمشروع لسد حاجات الفقراء، حتى بلغ جملة ما أنفقوه في هذا المشروع نهاية عام 1941م حوالي 71 جنيهًا، ويوضح الجدول الآتي نواحي الإنفاق، كما قامت "شعبة المنيا" بإطعام مائتين من فقراء المدينة (7).
وقد كان لشعبة "برمبال" بمحافظة الدقهلية السبق في عمل لجان جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء، وقد عُمِّمت لجان جمع الزكاة بعد ذلك ووُضِعَت لها لائحة.
وبالرغم من تعرض الإخوان للضربات والمحن إلا أنهم ما عادت جماعتهم في السبعينات حتى كانوا أول من اقاموا صلاة العيد في الخلاء ، حيث انطلق العمل الطلابي في كل مكان يعيد مظاهر الحياة الإسلامية مرة أخرى، فانتشرت صلاة العيد في الخلاء، كما انتشرت الدروس الدينية، كما انتشر الحجاب مرة أخرى، وصارت بعد ذلك سنة مألوفة لدى الجميع يحرصون عليها، في المساجد الكبرى كمسجد مصطفى محمود والشيخ الغزالي ومسجد عمرو بن العاص، والدكتور القرضاوي الذي حرص الطلاب على خطبة العيد.
المحن لا تمنع الفرحة
رغم السجون والمحن التي مر بها الإخوان إلا أن حرصوا أن تظهر شعائر دينهم الإسلامي حتى ولو تحت السياط، يقول الدكتور محمود عزت: كانت في سجن "طره" عنبر الإيراد الذي كان مغلقًا علينا، وأنيسنا فيه العسل والخبز والأرز واليمك (الخضار الطري)، فإذا جاء العيد كنا نقوم بعمل تورتة، ونقدمها هدية للزنازين، وكنا نصنع التورتة من الأرز والعسل والخبز المحروق، فكنا نكبس الأرز في الطبق، ثم نقلبه على طبق آخر، ونزينه بالعسل، ثم نكتب عليه بالخبز المحروق "تقبل الله منا ومنكم وكل عام وأنتم بخير"، وهو ابتكار أدخل الفرحة على الإخوان في يوم العيد، وكان طعمها جميلاً، بفضل العاطفة المصاحبة لهذا العمل.
أما المرحلة الثالثة؛ عندما سمحوا لنا بالزيارات آخر الحبسة، وفي هذه المرحلة كان اهتمامنا الأكبر بالإخوة المتزوجين؛ حيث كنا نعد الهدايا لأولادهم وأسرهم، وندخل الفرحة عليهم يوم العيد الذي يقضون جزءًا منه معنا، وفي بعض الأوقات كانت إدارة السجن تسمح لنا بدخول الورش، فكنا نعمل فيها الفوانيس وحامل المصحف لنقدمه للأسر وقت الزيارة يوم العيد.
وليس ذلك فحسب فكنا نأتي بالمناديل، ونرسم عليها، وكان فارس الحلبة في هذا المجال الأخ الكريم علي نويتو، فكان يرسم لنا تحفًا لا تزال بعضها موجودة لدى الإخوان.
وقبل الخروج بوقت بسيط سمحوا لنا أن نجلس مع الأهالي ونسلم عليهم، فكنا نعد لهم بعض الأناشيد والمسرحيات الطريفة، وبعد دخولنا الزنازين كنا نكمل برنامجنا الترفيهي من أناشيد ومسرحيات، وكان الدكتور محمد بديع منشد السجن يتحفنا ببعض بين الحين والآخر، بالإضافة للأخ سعد سرور عليه رحمة الله (8).
ويذكر الأستاذ أحمد أبو شادي: ومن القصائد التي ألقيت في ذلك اليوم قصيدة من شعر المحنة للأخ الكريم الأستاذ عبد العزيز جمعة من إخوان شبين الكوم جاء فيها :
صباح العيد يا قوم
- صباح الأجر والمغنم
طريق الحق محفوف
- بأشواك كما نعلم
وكل الناس ذو حس
- وذو قلب به يرحم
فإن أحزن فلي عذري
- وإن اصبر فذا أكرم (9).
تفاعل شعبي لإحيائها
لقد كانت صرخة الأستاذ حسن البنا في الناس بالاعتناء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يتجاهلها الناس، لها صدى عظيم في نفوس الناس. يقول الدكتور السيد عبدالستار المليجي: واستحدثنا بالمساجد عادات إسلامية كانت قد ماتت، في مقدمتها الاعتكاف، وعقد القران، وعقيقة المولود، وصلاة العيدين خارج المساجد، وكان أعظم مظاهر النهضة في الحي انتشار الزي الإسلامي.
وقد بلغ عدد المصلين في آخر صلاة عيد قبل اعتقالات سبتمبر 1981 حوالي 200 ألف مصل في ميدان عابدين بالقاهرة وكانت هناك بالقاهرة تجمعات للصلاة في أحياء أخرى، كذلك حذت كل المحافظات حذو القاهرة، أما الإسكندرية فكان اجتماعها الرئيسي في الإستاد الرياضي وهكذا خرجت الجموع الإسلامية من الأحياء متوجهة لمكان الصلاة هاتفة "الله أكبر ... الله أكبر" وأصبح الناس يعيشون طوال العام انتظارا ليوم صلاة العيد وما فيه من شهود الخير وعزة الإسلام. (10).
المراجع
- مجلة الإخوان المسلمين: السنة الخامسة، العدد 165، 29رمضان 1366هـ / 16أغسطس 1947م صـ3.
- مجلة الدعوة: العدد (40)، غرة شوال 1399ه ـ سبتمبر 1979م، صـ (8، 9)
- مجلة لواء الإسلام: السنة الثانية العدد 45 ، شوال 1410هـ / 26/4/1990م.
- رسالة المؤتمر الخامس
- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، صـ 122.
- عثمان أحمد عثمان: صفحات من تجربتي، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1981م صـ 358.
- جمعة أمين عبد العزيز: سلسلة أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، (نشاط الشعب).
- مقال: الإخوان والعيد.. احتفالات رغم الأسوار ،تحقيق عبده دسوقي وأحمد الجندي، موقع إخوان أون لاين، رابط http://cutt.us/0CJQx
- أحمد أبو شادي: رحلتي مع الجماعة الصامدة، دار التوزيع والنشر والإسلامية، القاهرة، 1998م، صـ 110
- السيد عبد الستار: تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري، طـ 1 (القاهرة، الزهراء للإعلام العربي، 2009م) صـ 165.