يحيى عبد الحليم .. بطل العسلوج
بقلم/ الشيخ أحمد أحمد جاد
محتويات
مقدمة

عسلوح بلد تقع على الطريق الشرقى فى فلسطين .. استولى عليها اليهود فى أول أيام الهدنة ، فنقضوا العهد وذلك فى حرب فلسطين 1948 ..
وكانت رياسة الجيش المصرى تهتم باسترداد العسلوج بأى ثمن .. وقد استردها المجاهدون من الإخوان المسلمين بعون الله .. وكانت لهم بطولات فى فلسطين تعيد إلى الأذهان بطولات المهاجرين والأنصار ومن بعدهم .. أما فلسطين فهى أصلا بلاد عربية قبل الفتح وبعده .. فقد جاء إبراهيم عليه السلام إليها نحو 1900 ق . م بعقيدة التوحيد ، وكان إبراهيم ( حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين ) النحل : 123 ثم الدولة العثمانية 1516 – 1917 وقد شارك اليهود بفعالية فى إسقاط السلطان عبد الحميد من منصبه من خلال نفوذهم فى جمعية تركيا الفتاة التى قامت بالانقلاب العسكرى 1909 – 1914 ثم الانتداب البريطانى 1917 – 1948 ثم وعد بلفور 1917 بإنشاء وطن قومى لليهود ، وكان هذا أمراً غريباً إذا تعطى بريطانياً أرضاً لا تملكها لمن لا يستحقها ، وقام اليهود بالمذابح وتدمير بيوت أهل فلسطين وتشريدهم (1) وأخذت بريطانيا تغرر بالعرب وتدعى أن الوطن القومى لا يعنى قيام دولة ، إنما هو وطناً روحياً كالفاتيكان ، ثم كانت وعودها الزائقة ، بينما تمهد لقيام دولة لليهود ، وتدافع عنهم وتفتح لهم أبواب الهجرة إلى فلسطين (2) وكان اليهود يستغلون الهدنة لجلب المعدات والأسلحة ، ولاستراد المواقع .. وشعر العرب بخطورة الموقف فقاموا يدافعون عن أنفسهم وديارهم .
لماذا الكتابة عن العسلوج؟
مع أن البطل يحى عبد الحليم له مواقف فدائية بطولية فى القناة وفلسطين ؟ أقول : لربط الماضى بالحاضر حتى لا يذهب مع النسيان ، ولأن العسلوج كانت محل اهتمام قيادة الجيش بعد أن فقدها (3) ، لأن احتلال العسلوج يعنى قطع مواصلات الجيش المصرى فى الجهة الشرقية (4) ولأن استردادها لايكون إلا بالأعمال الفدائية ولأن معركة العسلوج موثقة فى حيثيات أحكام القضاء العادل ، حيث حقق رئيس محكمة الجنايات فى قضية سيارة الجيب واستمع إلى شهادة اللواء أحمد المواوي واللواء قؤاد صادق وغيرهم . الذين كانوا يشرفون على حرب فلسطين وشهدوا المعارك وأشادوا بالروح المعنوية العالية للمجاهدين من الإخوان ، وقد تأكد لرئيس المحكمة العادل المستشار أحمد كامل ، إخلاص و حسّن نية الإخوان وحبهم للوطن والدفاع عنه فأحب دعوتهم وأصبح منهم بعد أن كان يحاكمهم وذكرت صحيفة أخبار اليوم تحقيقاً صحفياً فى 12/7/52 فى هذا الموضوع (5)
أما علاقة قضية سيارة الجيب بحرب فلسطين ، فذلك لأن سيارة الجيب ضبطت فى 15/11/1948 أى بعد دخول حرب فلسطين ، وكان بها أسلحة ، فطالب الدفاع فى هذه القضية سماع شهادة اللواء أحمد المواوي واللواء فؤاد صادق واللواء سيد طه والصاغات كمال الدين حسين وصلاح سالم وغيرهم ليشهدوا بأن هذه الأسلحة كانت تجمع لحساب فلسطين (6) .
استرداد العسلوج
تحركت قوة كبيرة من الجيش النظامى تعاونها المدفعية والسيارات المدرعة ولكنها فشلت فى الاقتراب من القرية لاستماتة العدو فى الدفاع عنها ، فاستنجدت القيادة العامة بالبكباشى أحمد عبدالعزيز الذى وكل الأمر لليوزباش محمود عبده .. وفى القضية ، سأل الدفاع اللواء أحمد محمد المواوي .
هل كلفتم المتطوعين بعمل عسكرى ؟ أجاب نعم ... فقد أرسل رئيس هيئة أركان الحرب إشارة لاسترجاع هذا البلد .. فأرسل المرحوم أحمد عبد العزيز قوة من الشرق من المتطوعين وكانت صغيرة بقيادة ملازم ، وأرسلت قوة كبيرة من الغرب تعاونها جميع الأسلحة ، ولكن القوة الصغيرة هى التى تمكنت من دخول القرية والاستيلاء عليها ولما سأله المحامون عن السبب فى تغلب القوة الصغيرة أجاب : القوة العربية كانت من الرديف وضعفت روحهم المعنوية بالرغم من وجود مدير العمليات الحربية فيها .. المسألة مسألة روح .. ولابد من وجود الروح المعنوية . يقول كامل الشريف : وهكذا تحررت العسلوج وكان تحررها على يد قوة من الإخوان بقيادة ضابط ملازم هو الأخ المجاهد : يحي عبد الحليم من إخوان القاهرة وكانت خسائر العدو كبيرة وكانت خسائرنا صغيرة جداً لاتتجاوز عدداً من الجرحى من بينهم قائد القوة المهاجمة المجاهد : يحى عبد الحليم (7) .
وقرر الشاهد اللواء أحمد الوادي أن المتطوعين قاموا بانتزاع الألغام من النطاق الخارجى للمستعمرات اليهودية ، واستعملوا هذه الألغام ضد اليهود ... وكان هذا العمل من الإخوان له أهميته إذ لم يكن لدى الجيش معدات .. ويسأله الرئيس : هذا شئ عجيب ، كيف لا يكون لدى الجيش ألغام ؟ يقول الشاهد : من المعروف أن الجيش دخل الحرب بدون معدات .. ثم ذكر الشاهد كيف استمات الإخوان حتى استردوا العسلوج .. ثم استمعت المحكمة لشهادة اللواء فؤاد صادق باشا ، فكانت شهادته مطابقة لشهادة اللواء أحمد المواوي . (8) وقد روى اللواء المواوى قصة العسلوج كاملة ، قصة الذين قيل عنهم أنهم أرادوا إتلاف أسلحة الجيش المصرى ! .. لقد نفذت ذخيرة 1500 جندى من الجيش ولم يستطيعوا التقدم للاستيلاء على الموقع .. وتقدم 25 من فرسان الليل من كتيبة المرحوم احمد عبد العزيز ليستولوا على الموقع ونجحوا ، حقيقة كانوا قلة ولكن كان شعارهم الخالد ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) البقرة : 249 (9) .
هذا القاضى النزيه الذى لم يتأثر بالتقارير الحكومية وحكم بما يملى عليه ضميره .. وهذه اللواءات قالوا كلمة الحق فى ساحة القضاء وهذا كله ثابت وموثق فى القضية ، وبعد هذا كله نجد من ينكر جهاد الإخوان فى فلسطين ! أما الحقيقة فهى واضحة للمؤمنين ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) التوبة : 105 ( إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ) الروم : 53 .
الدول الاستعمارية تستعدى السلطات ضد الإخوان : من ذلك " فى أثناء حرب فلسطين كتبت فتاة صهيونية تدعى : روث كاريف نشرتها جريدة الصنداى ميرو فى مطلع 1948 ونقلته جريدة المصرى لقرائها فى حينه ، قالت : والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالمعركة الفاصلة التى توجه ضد التدخل المادى للولايات المتحدة فى شئون الشرق الأوسط .. وكان اليهود هم الهدف الأساسى لعدوان الإخوان .. وهم يعدون العدة الآن للاعتداء الدموى على اليهود فى عدن والبحرين ، وقد هاجموا دور المفوضيات والقنصليات الأمريكية " (10)
هل الدولة كرمت المجاهدين ؟
كان بعض المجاهدين يظنون أن الدولة ستكرمهم وتحتفل بهم ، يقول أحدهم " طلب منا تسليم السلاح .. وقد ساعد على ذلك ثقتنا الكاملة فى اللواء فؤاد صادق الذى يرعانا حق الرعاية ويدافع بصدق .. وكان ضباط الجيش متعاطفين معنا .. ومن الطريف ما قيل يومها إنه قد أعد لنا استقبال حافل فى مصر كذلك الذى استقبل به أبطال الفالوجا .. ثم أدركنا أننا رهن الاعتقال شأننا شأن إخواننا فى معتقل الطور ومعتقل هايكستب .. عز علينا هذا الموقف من الحكومة ، ولم ندر ماذا نفعل ؟ " (11) والذين استشهدوا لم تقرر لهم الحكومة معاشاً ولم ترصد لأبنائهم وأزواجهم تعويضاً ، حتى الصحف والإذاعة لم تعلن أسماءهم ولا حتى أشارت إليهم " (12) .
نعم : إن هذا الشباب أعطى القدوة فى التضحية والجهاد ، فقد ترك عمله وأهله وتجارته ، باع ماله وأمتعته ليشترى السلاح وباع نفسه للحصول على الشهادة التى هى وسيلة إلى الجنة ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا نصر الله قريب ) البقرة : 214 .
تعذيب بطل العسلوج
قال لى يحيى عبد الحليم أمام بعض الإخوة فى محنة 1965 أن شمس بدران ، وزير الحربية ، كان يعذبه بنفسه فى السجن الحربى ويقول له : عامل لى بطل فى فلسطين .. فيرد عليه يحيى : كانت غلطة يا بيه ! "
بطل الفالوجا فى السجن الحربى !
يقول حسن دوح رحمه الله وقد كان من المجاهدين فى فلسطين " ومن أشهر معارك الإخوان ومغامراتهم أنهم تمكنوا بقيادة المرحوم المجاهد معروف الحضري ، من تحطيم حصار الفالوجه ، وتحملوا الأهوال لإنقاذ القوة المصرية التى أحكم اليهود حولها الحصار ، وكان من بين المحاصرين جمال عبد الناصر ، والذى لقى معروف الحضري ولقيت على يديه الويل والعذاب " (13) وقد رأيت معروف الحضري رحمه الله فى محنة 1954 فى السجن الكبير فى الحربى فى الدور الأرضى وكان رحمه الله شخصية محترمة ، هادئاً مبتسماً شجاعاً .. ولا نزكى على الله أحداً . ونكتفى بذلك وأرجو من الله أن يعيد هذه الأمة أمة واحدة موحدة تعبده ولا تشرك به شيئاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الهوامش
1- فلسطين دراسات منهجية د. محسن محمد صالح – مركز الإعلام العربى طبعة سنة 2003 م .
2- الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين – كامل الشريف دار التوزيع والنشر الإسلامية .
3- أحداث صنعت التاريخ- محمود عبد الحليم – دار الدعوة بالإسكندرية جـ 2 ص 211 .
4- أحداث .. مرجع سابق ، جـ 1 ص 426 .
5- السابق جـ 2 / 322 .
6- السابق جـ 2 / 223 .
7- السابق جـ 1 / 426 وراجع : كامل الشريف مرجع سابق ص 148 .
8- أحداث مرجع سابق جـ 2 / 229 ، 230 .
9- السابق جـ 2 / 322 .
10- السابق جـ 1 / 490 ، 491 .
11- 25 عاما فى جماعة الإخوان دار الإعتصام ص 44 ، 45 . .
12- أحداث .. مرجع سابق جـ 1 / 489 .
13- 25 عاماً .. مرجع سابق ص 42 .