يا سيادة الرئيس من الأفضل لنا ولك أن تصير رمزاً

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
يا سيادة الرئيس من الأفضل لنا ولك أن تصير رمزاً



بقلم:المستشار/ محمود الخضيري


أعجب كثيراً من أمر الحاكم الذي يود البقاء في الحكم إلى أخر نفس يتردد في صدره - ومصدر عجبي أن الإنسان عندما يكبر في السن تنهال عليه الأمراض وتظهر عليه أعراض الشيخوخة تطبيقا للحكمة الإلهية التي ذكرها الله في محكم كتابه حين قال ﴿ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون﴾ الآية 68 من سورة يس. فالإنسان طبقا لهذه الحكمة الإلهية عندما يكبر سنة تصيبه بالضرورة أعراض الشيخوخة حتى وإن لم يكن به مرض عضوي يزيد الحالة سوءً وفي هذه الحالة يصبح بحكم الزمن جسداً بلا عقل يدبر أو ضمير يوجه أو معلومات تعين على اتخاذ قرار أو موقف، من المشاكل التي تعرض عليه وهي مشاكل معقدة تجهد عقول ذوي العقول الشابة ويصبح دمية يحركها من يتحكم فيها وإن بدا الظاهر غير ذلك وفي الحقيقة أن ما يصدر عنه من تصرفات في هذه الحالة لا ينسب إليه إنما ينسب إلى المحيطين به من أبنائه وزوجته والبطانة التي حوله فهم يصدرون القرارات ويتصرفون باسمه ويتحمل هو في النهاية نتيجة هذه التصرفات سواء أمام الله أو الناس. ومن الحالات التي حدثت أمامنا حالة الرئيس الراحل بورقيبه الذي ظل يحكم حتى وهو في غرفة الإنعاش إلى أن قام وزير داخليته الرئيس الحالي لتونس بإعلان خلعه وتنصيب نفسه مكانه وقد كان في إمكان أي إنسان أخر واتته الجرأة أن يفعل ذلك، ترى هل كان الرئيس بورقيبه يحكم فعلا وهو في غرفة الإنعاش في غيبوبة لا يشعر ولا يدري حتى من أمر نفسه شيئا؟ أم أن من كان يحكم هم من حوله الذين قاموا بخلعه عندما تيقنوا من أن حالته ميئوس منها.

الحاكم في أخر حياته عند تقدمه في السن لا يستمتع بالحكم ولا يشعر بلذة السلطة لأنه يقضي ما بقى من حياته حتى إن كان سليم الجسم نائما أو جالسا وحيدا يحدث نفسه أو يشغلها بأي شيء تافه، لذلك فإن الحاكم الحصيف يترك السلطة في الوقت المناسب وقد يكون ذلك في أوج تألقه حتى أنه عندما يغيب عن الملعب تظل الناس تذكره بالخير لما فعل وتثني على عهده ويصبح رمزاً يحتذي به، ولما كان القليل من الحكام هم من يفعلون ذلك ويتركون ملعب السلطة في الوقت المناسب لذلك لجأت الكثير من الدساتير إلى تحديد مدة الرئاسة بمدتين لا تزيد عن عشر سنوات وهي أقصى مدة يتحملها الإنسان العادي في حمل هموم وطن ومسئولياته طبقا لتقارير علماء النفس والأعصاب في العالم وبعدها يذهب ليستريح في الظل بعيدا عن المسئولية العامة وكل ما يمكن أن يتحمله في هذا الوقت هو المسئولية الشخصية عن نفسه وأسرته والمقربين من حوله، وحتى إذا شغل نفسه بالأمور العامة فمن أجل إشباع الهواية وقضار الوقت مثلما يفعل الرئيس الأمريكي السابق كارتر الآن، والرئيس والزعيم نيلسون مانديلا الذي قضى في السجن من أجل وطنه سبعا وعشرين عاما ولم يستطع البقاء في السلطة أكثر من فترة رئاسية واحدة مدتها خمس سنوات خرج بعدها من سجن السلطة إلى حرية الحياة الخاصة متنقلاً في رشاقة مثل العصفور ينعم بحياته متنقلاً بين أرجاء العالم رمزاً للحرية والديموقراطية لا في بلده فقط بل في بلاد العالم كلها ملاقيا الاحترام والتقدير من الشعوب قبل الحكومات لما بذله من تضحية في سبيل وطنه وشعبه.

تذكرت كل ذلك وغيره كثير وأنا أرى الرئيس مبارك يحرص على السلطة والبقاء فيها لا نعرف إلى متى وهل يمكن أن يسمح له الزمن بالبقاء مدة أخرى في الحكم وحتى إذا سمح الزمن فهل تسمح الصحة العقلية أو الجسمية له بذلك؟، إني لأخشى أن يتحول الرئيس مبارك إلى بورقيبه جديد لمصر وأن يبقى في الحكم حتى أخر نفس يتردد في الصدر وهنا نكون نحن وهو في خطر جسيم من أن يأتي مقامر أفاق ممن حوله ويستولي على الحكم لغياب النظام الذي يمنعه من ذلك خاصة وأن البلد لم تعد تحكم بقانون بل بقوة عسكرية سواء من الداخلية أو القوات المسلحة التي يردد الكثير بأنها لن تسمح بخروج الحكم من عباءتها، وحتى إذا كان الرئيس يخطط لوصول ابنه إلى الحكم عن طريق الدستور الذي تم تعديله لهذا الغرض والقوانين التي يضعها لتمهيد الطريق أمام ابنه للصعود إلى الحكم رغم المعارضة القوية لذلك، أقول رغم ذلك فإن أحدا لا يستطيع أن يضمن المستقبل ولا يعرف ما تخبئه الأيام وإذا كان ما يخطط له الرئيس سيجد طريقه إلى التنفيذ على أرض الواقع أم أن الأقدار قد تأتي بما لا يشتهي السفن.

يا سيادة الرئيس لو أنك بدأت من الآن في إفساح المجال للديموقراطية الحقيقية وأجريت تعديلا دستوريا لا تصنعه ترزية القوانين الذين كثر عددهم وفاحت رائحتهم النتنة التي أصبحت تزكم الأنوف بل تضعه لجنة تأسيسية من كبار رجال القانون الدستوري المشهود لهم بالحيدة ولنزاهة وأجريت استفتاءً حرا عليه تراقبه الأمم المتحدة، ثم أجريت بعد ذلك انتخابات حرة لاختيار مجلس شعب حقيقي يمثل إرادة الأمة حقا عن طريق انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة، كما يحدث في أغلبية بلاد العالم المتقدم ثم تنحيت عن الرئاسة لمن يختاره الشعب اختيارا حرا مباشرا دون شروط مانعة أو قيود معجزة ثم تدور بعدها عملية الإصلاح السياسي تليها عملية الإصلاح الاقتصادي عن طريق حكومة تدين بالولاء للشعب الذي أتى بها إلى الحكم تحاول استرضاءه والعمل على راحته فيتغير حال مصر وتقوم من عسرتها وتأخذ مكانها اللائق بين الأمم المتقدمة وتكون أنت قد ختمت حياتك ختام السعادة وتقضي ما بقى لك من عمر في سكون وهدوء بعد أن تشعر أنك أديت الأمانة التي وضعها الشعب في عنقك، وتصير رمزا لمصر تفاخر به وتذكره بكل خير كلما شعرت أن ما ننعم به من رخاء هو من ثمار الإصلاح الذي قمت به.

يا سيادة الرئيس الموت قادم قادم لا محالة والوقت مهما طال قصير والعمر مهما امتد سينتهي، وتمهيد الطرق للابن لكي يصل إلى الحكم إن كان يسعدك الآن وأنت تدرك ما حولك بحكم عاطفة الأبوة إلا أنك لن تشعر به حتى في الدنيا عندما تتقدم بك السن وتظهر عليك أعراض الشيخوخة وآفة النسيان أما في الآخرة فإن عذاب الله شديد وحسابه قاس على كل ما قدمت وقدم من ساعدته على ذلك وفي حالة إعانة ابنك على الوصول إلى الحكم بغير حق فإنك ستتحمل وذر كل ما يفعل من سيئات لأنك أنت الذي مكنته من ذلك بطريقة غير شرعية.

سيادة الرئيس لا تغضب مما قلته لك فهو لمصلحتك الشخصية ولمصلحة هذا الوطن المنكوب بأعوانك الذين أساءوا إليك وإلى الوطن وحولوا أيام حكمك إلى كابوس ينتظر الناس الخلاص منه ولو تلفت حولك لشعرت بذلك ويكفي أن يطالب البعض بجعل يوم ميلادك يوم إضراب وحداد ولا تظن أن عدم نجاح هذه الفكرة دليل على عدم موافقة الناس عليها فإن عوامل عدم نجاحها كثيرة تعرفها ويعرفها المحيطون بك الذين يحلوا لهم أن يصوروا الأمور على غير حقيقتها، وأعتقد أن فشل هذا الإضراب لا يعني هدوء الأوضاع لأن المشاكل التي دعت إليه لازالت باقية بل يمكن القول أنها تتفاقم كل يوم.