يا حكامنا أين حمرة الخجل مما يحدث في موريتانيا
بقلم:القاضي محمود رضا الخضيري
نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي القضاة بالإسكندرية
حقاً إذا لم تستح فافعل ما شئت ، هذا المثل ينطبق تماماً على ما يفعله المسئولون عندنا في مصر ، فهم قد خلعوا تماماً برقع الحياء ولم يعد يهمهم أو يعنيهم سوى رضاء صاحب السلطة في بقائهم في الحكم ، أما الشعب فليذهب إلى الجحيم الذي أعدوه له وأعطوه المشروعية بالنص عليه في الدستور الذي أصبح لعبة في أيديهم يعبثون به كما يشاءون في الوقت الذي يريدون ، ولا أحب القول بأن الرئيس لا يعلم بما يحدث وأن من حوله يضللونه ويزينون له السوء ، لا أحب هذا القول لأنه غير حقيقي ، فالرئيس عندنا منذ 23 يوليو 1952 هو من الشعب ويعرف تماماً ما يحدث ، وما يحدث لا يخفى على عاقل ولا أتصور أن أي من الرؤساء الثلاثة الذين حكموا مصر كانوا يعتقدون أن نسبة تؤيدهم كانت تصل 99.9 % أو أقل من ذلك قليلاً ، ويعرف أن هذا غير حقيقي ولكنه يريده لأن هذه النتيجة ترضي غروره خاصة وأن صوت الشعب الرافض لذلك لم يكن يتعدى الهمس والغمز واللمز لأن عصا الأمن كانت غليظة تطال المولود في بطن أمه والنفس قبل أن يخرج من الجسد وحتى عندما خفت يــد الأمن قليـلاً فــي عهد الرئيس السادات ومبـارك حيث رفع كــل منهما شعــــار دعمهم يقولون ما يقولون ولنفعل نحن ما نريد أن نفعله ، ولهذا فإن الأمن الآن لا يتدخل إلا عندما تتحول الأقوال إلى أفعال وهنا تظهر يد الأمن الغليظة لتهوى على رؤوس المطالبين بالحقوق والحريات وتفتح أبواب السجون والمعتقلات لتستوعب الغاضبين الناكرين للجميل ، صوت الشعب لا زال ضعيفاً لا يسمعه حاكم ولا يقض مضجع ظالم ، النخبة عندنا تقول ولا تفعل ومن يفعل حتى الآن قليل من كثير ، يرى الفعل صعب لا يليق به ويد الأمن أقوى من أن يتحملها جسده المرهف الضعيف ، وإيمانه أضعف من أن يعينه على تحمل الصعاب والصبر على المكارة في سبيل الحرية والديموقراطية .
من العجب في هذه الأيام أن نلقي لوم ما يحدث عندنا من تزوير للإرادة وكبت للحريات ونهب للأموال وهتك للأعراض وتعذيب – على غيرنا وعلى جموع الشعب بصفة عامة ، فنقول أن الشعب ضعيف ، إنه لا يريد أن يضحي ، إن الشعب خائف ، إن الشعب مستكين وكأننا نتحدث عن شعب آخر غير الشعب المصري الذي ننتمي إليه وكأن الشعب المصري الذي نتحدث عنه ليس هو مجموع الأفراد الذين يتحدثون وغيرهم ولذلك فقد صدق فينا قول الشاعر :
نعيب وزماننا والعيب فينا
- وما لزماننا عيب سوانا
معجب أنا أشد الإعجاب بما حدث في الشقيقة الصغرى موريتانيا وفي ظني أن مصر ستسارع إلى قطع علاقاتها بها حتى لا تصيبها العدوى مما حدث فيها وهو أشد ما يخشاه الحكام عندنا ، لا يهمهم عدوى أنفلونزا الطيور ولا الحصبة الألمانية ولا السل ولا الدرن فكل ذلك بسيط لأنه في النهاية يصيب الشعب ولا يصيب الحكومة المحصنة ضد كل الأمراض بما فيها بالطبع أمراض الديموقراطية وأعراضها القاتلة لها ، وإصابة الشعب بأي مرض هو خير للحكومة لأنه يخلصها من أعداد من البشر كانت تمثل عبئاً عليها وقد يكون من بين من تتخلص منهم عن طريق انتشار المرض بعض المعارضين اللذين يسببون لها بعض الصداع والمشاكل فتكون الفائدة مزدوجة .
ومعجب أنا أيضاً بالاحتفاء بهذه التجربة الذي بدى في صحيفة (المصري اليوم ) ونشرها للتحقيقات والمقالات التي تشيد بهذه التجربة حتى تكون تحت بصر الشعب لعله يفكر في الاهتداء بها ويسير على نهجها وليس عيباً أن نفكر في الإقتداء بالأصغر منا إذا كان في سلوكه ما يستحق الإقتداء به لأن الحكمة هي ضالة المؤمن يتلمسها في أي مكان وقد لفت نظري في عدد الجريدة الصادر يوم الأحد 1 / 4 / 2007 مقالين أحدهما للأخ الصديق الدكتور / حسن نافعة بعنوان ( متى تستطيع مصر اللحاق بموريتانيا ؟ ) وتساءلـت فـي نفسـي متى يتم ذلـك ؟ ومدى إمكـان أن يتم ؟ ولقد وجدت الإجابة في المقال المنشور بذات العدد وذات الصفحة بقلم الأخد / سيد أحمد ولد أحمد الهادي رئيس تحرير جريدة القلم الموريتانية بعنوان ( الموريتانيون ناضلوا من أجل التغيير ولم يكن منة أو كرماً من ولد محمد فال ) والبادي منه أن الرجل قد انزعج مما يقال ويكتب عن مدح للأخ ولد محمد فال واعتبار أن ما حدث منه كان منحة منحها للشعب الموريتاني وليس للشعب في هذا فضل لأن الحرية والديموقراطية قد جاءته على طبق من ذهب لم يدفع فيه ثمن أو يريق فيه دماً ولم يخسر فيه بعض أرواح الشهداء أو حرية المكافحين من أجل الديموقراطية وهو انزعاج مبرر يستقيم على المنطق والفعل فليس من الطبيعي أن يتخلى إنسان عن السلطة لو شعر بأنه يمكنه البقاء فيها ولكن يتخلى عنها عندما يشعر أنه ليس بإمكانه التمسك بها وأن ثمن التمسك بها سيكون غال لا يستطيع دفعه وهذا ما يريد كاتب المقال أن يقوله ويذكر به بأن الفترة السابقة على الانتخابات قد شهدت بعض الشد والجذب بين سلطة المرحلة الانتقالية والشعب حين حاولت هذه السلطة تمديد الفترة الانتقالية لأن هذا أول الأعمال التي يمكن أن تمثل ردة عن الوعد الذي قطعته على نفسها وأول خطوة نحو التمسك بالسلطة جابهتها القوى الوطنية بما تستحق من مقاومة انتهت إلى ما حدث من استجابة وإجراء انتخابات حرة شهدها أكثر من 300 مراقب أوروبي شهدوا جميعاً بنزاهتها واعترف العالم كله بشفافيتها ولذلك استحق الشعب الموريتاني الشقيق ما يطمح فيه الشعب المصري وسبقه في هذا المضمار واستحق ما يحسد عليه وقاه الله شر الحاسدين ، لقد وجدنا إجابة تساؤل الصديق الدكتور / حسن نافعة في إجابة الأخ / سيد أحمد ولد محمد الهادي وبقى الآن أن نضع هذه الإجابة موضع التنفيذ حتى نكون جديرين بالنتيجة التي حصل عليها أشقاؤنا في موريتانيا وأن نقف إلى جوارهم فخورين بما حققناه .
الأمر إذن ليس أمر إنسان وفي بوعوده فقط وإن كان هذا يحسب له في النهاية إذ كان في إمكانه أن يفعل مثل غيره ويتمسك بالسلطة ولو إلى حين كما يفعل جميع الحكام الطامعين في السلطة والجاه ولكن الرجل فضل الوفاء بوعده وسلم السلطة في الموعد المحدد لمن اختاره الشعب اختياراً حراً ولو أنه رشح نفسه في هذه الانتخابات الحرة لما لامه أحد ولكنه فضل أن يبقى في قلوب شعبه من أن يبقى على كرسي الحكم الزائل .
الشعب الموريتاني إذن هو الذي حطم القيود وفك الأغلال ودفع ثمن الحرية من كفاحه ونضاله وتضحيته ، وبقى أن نفعل مثله فلسنا أقل منه طمعاً في الحرية والديموقراطية ولسنا أقل منه حاجة إليها ولسنا أقـل منه مقدرة على الحصول عليها كلنـا يرغب وكلنا يريد وكلنا يطمع ولكـن الحقيقة ليس كلنـا يرغب فـي دفع الثمن ، البعـض ينتظـر البعـض أن يتقدم والبعـض يطالب البعـض بـأن يكون فـي المقدمـة ، ويوم نتسابق علـى المقدمة ونتدافـع من أجـل التضحية ونحزن أن فاتنا الصف الأول من الجهاد و نحسد الشهداء ونفاخر بهم ونقدم أبناءنا فداء للوطن والحريـة والديموقراطية يومها سنكون جديرين بالحرية والديموقراطية ويزعن الحاكم إن شاء أو يفر مزعورا خائفاً من مصير لـم يعمل لـه حساب ويوم لـم يكن يظن أنه قادم ويرفع الشعب المصري رأسـه عاليـاً ويفاخر حقيقة بحضـارة سبعة آلاف سنة قاد فيها وتسيد ويـأخذ مكانـه اللائـق به بين الأمم .