وما زالت الانتفاضة هي خيار الشعب
بقلم : معتصم حمادة
خيار الانتفاضة نحو الاستقلال والعودة ما زال هو الخيار القائم في أذهان الشارع الفلسطيني وممارساته.
وصون هذا الخيار رهن بالعودة عن حالة الانقسام وما ترتب عليها من نتائج، واستعادة الوحدة الداخلية.
تدخل الانتفاضة، هذا الأسبوع، عامها الثامن.
وقد قطعت سبع سنوات من عمرها، مرت خلالها في منعطفات حادة، وتعرضت فيها لأكثر من محاولة للذبح، سياسياً وعسكرياً، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي والمناورات والخطط والمشاريع السياسية المتعددة.
كان أبرزها خطة الطريق، وأخرها حالة الانقسام في الوضع الفلسطيني، والتي دفعت بانتفاضة الاستقلال هذه، بل وبمجمل الحالة الفلسطينية، إلى حافة الهاوية.
وعندما يحتفل الفلسطينيون بدخول انتفاضتهم عامها الثامن، لن يستطيعوا، على الإطلاق، أن يتحرروا من الضغوط التي تسببها لهم حالة الانقسام هذه، بكل ما أحدثته من زوابع وعواصف داخلية، وبكل ما استدعته من تدخلات خارجية، فتحت شهية الجانبين الإسرائيلي والأميركي لاقتناص الفرصة، بما يديم حالة الانقسام، ويؤبدها، وبما يفرض على الحالة الفلسطينية الرضوخ للضغوطات والقبول بالعروض البائسة، المقدمة تارة تحت عنوان «مبادرات إسرائيلية» وتارة أخرى تحت سقف اجتماع نيويورك والذي يحاول البعض أن يزوره، فيحوله ـ بقدرة قادر ـ إلى مؤتمر مزعوم للسلام في المنطقة.
وقد نستطيع الاسترسال في استعراض ما تعرضت له الانتفاضة من مخططات لإجهاضها ومنعها من تحقيق أهدافها، وما شهدته في الإطار الداخلي من انفجارات كادت أن تعرض المكاسب الوطنية لخطر محقق ولكن ما يجب التأكيد عليه، بالمقابل، أن الانتفاضة نجحت في تخطي كل هذه العوائق والصعوبات والمخاطر، وأن تواصل سيرها قدماً إلى الأمام، مع الاعتراف الواضح والصريح أن الظرف الذي تعيشه الانتفاضة، في هذه المرحلة بالذات، ظرف شديد الصعوبة، أزهق الانتفاضة وأربكها، وأدخلها في متاهات، جرى الانشغال بها، على حساب التصدي لاستحقاقات مقاومة العدوان.
والانتفاضة برأينا، هي خيار سياسي يجري التعبير عنه بأساليب وأشكال مختلفة هي خيار سياسي يعلن بوضوح أن الطريق الذي سار عليه المفاوض الفلسطيني، منذ أوسلو، وحتى مفاوضات الوضع الدائم فيكامب ديفيد في تموز (يوليو) 2002، أثبت فشله، وعجزه عن تحقيق الأهداف الوطنية.
فالمفاوضات ليست عملية إقناع للعدو بصحة مواقفنا، ومشروعية حقوقنا، وأحقية الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وفي العودة إلى الديار والممتلكات في مناطق 48. المفاوضات هي عبارة عن صراع سياسي ميدانه الطاولة، والخطط والاقتراحات والمطالب، وطرح الحقوق كما يراها أصحابها.
وإذا كانت المفاوضات تحتاج إلى أساليب وتكتيكات تفاوضية سليمة وذكية وناجحة، وتحتاج إلى قدرة متقدمة في عرض المواقف والمطالب والتمسك بها فإنها، تحتاج في الوقت نفسه، إلى ما يوفر للمفاوض عناصر القوة التي تكفل له القدرة على الصمود والثبات على مواقفه، وتكفل له كذلك القدرة على الضغط على العدو، لإرغامه على التسليم بالمطالب المحقة، وبالحقوق المشروعة.
من هنا، يجب القول إن الانتفاضة جاءت لتحقيق هدفين كبيرين:
@ الهدف الأول ضبط العملية التفاوضية، عبر رسم مسارها وأهدافها، بما هي قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 67، وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم في مناطق 1948، عملاً بالقرار 194، وعلى هذا الأساس ضبط المفاوض الفلسطيني ومنعه من النزول تحت هذه الحقوق، باعتبارها الحد الأدنى المقبول، والمتوافق عليه وطنياً، كأساس لتسوية سياسية مع العدو الإسرائيلي.
@ أما الهدف الثاني، فتوفير أوراق قوة بيد المفاوض الفلسطيني، عبر شن أوسع مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. بجوانبها العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية، و«إقناعه»، عبر تكبيده الخسائر، باستحالة تجاهل الحقوق الفلسطينية وباستحالة رفضها، وباستحالة فرض حلول بديلة لها.
لذا كنا أول من رفع شعار: «الانتفاضة والمقاومة بيد، والبرنامج السياسي باليد الأخرى»، في معركة واحدة ضد الاحتلال ولأجل الحقوق الوطنية المشروعة, وبقينا نتمسك بهذا الشعار، لإدراكنا أن الانتفاضة والمقاومة ليستا هدفاً بحد ذاته، بل هما وسائل وأساليب كفاحية لتحقيق أهداف سياسية، وإن تجاهل الأهداف السياسية للانتفاضة والمقاومة، ليس من شأنه سوى تعريضهما للخطر الجسيم، لأنه يفتح الباب لانحرافات متعددة الأشكال، بعضها يأخذ شكل التنازل السياسي المعلن والصريح، وبعضها الآخر يأخذ شكل التطرف اللفظي، وهما سياستان لا تقودان سوى إلى إلحاق الضرر بالأهداف الوطنية، وبمسيرة الانتفاضة والمقاومة.
كما كنا، في السياق نفسه، وما زلنا، في مقدمة المتمسكين بالوحدة الوطنية ليست بما هي مجرد شعارات ترفع في المناسبات، بل بما هي ممارسة حقيقية، ضمن أطر وطنية تقدم على أسس ديمقراطية، تصون البرنامج الوطني، والمسيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني، كما تصون، لكل قوة سياسية، في الوقت نفسه، حقها في التمسك برنامجها الخاص، ولكن دون أن تفرض برنامجها هذا بديلاً للبرنامج الوطني المتوافق عليه من قبل مكونات المجتمع الفلسطيني وحركته الوطنية.
وفي هذا السياق، لم نتردد في اتخاذ الموقف الواضح والصريح، من كل محاولات الخروج على البرنامج الوطني، أياً كان مصدرها، من اليمين أم من اليسار، وأياً كانت الشعارات التي تحاول أن تتلطى خلفها، وأن تغلف بها نفسها.
وذلك لإدراكنا أن الخروج عن البرنامج الوطني، لن يقود سوى إلى إلحاق الأذى بالمسيرة الوطنية، عبر إضعافها، وفتح الثغرات والثقوب في جبهاتها المختلفة.
ولمعالجة هذه التجاوزات للبرنامج الوطني، كنا ندعو للحوار الوطني باعتباره السبيل الوحيد للوصول إلى توافقات وقواسم مشتركة وضوابط ملزمة للجميع دون أن يحول ذلك في انتقاد هذه التجاوزات وإبراز مخاطرها، وهذا الانتقاد، القائم على مفاهيم ديمقراطية، إنما هدفه تعميق الحوار وإنجاحه، وإخراجه من دائرة التوافقات اللفظية، سريعة الانبهار، إلى دائرة التوافقات السياسية ذات المضمون البرنامج.
ولعل محطة الحوار الأهم والأبرز، هي تلك التي انتظمت ما بين رام الله وغزة، وانتهت في 27/6/2006، بالإعلان عن وثيقة الوفاق الوطني، التي حددت، للمرة الأولى، أهداف النضال الوطني الفلسطيني، باعتبارها موضع إجماع القوى والفعاليات الفلسطينية كافة، على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية.
وكان يمكن لوثيقة الوفاق هذه أن تتحول إلى برنامج جديد للانتفاضة والمقاومة، يجدد من قواها، ويعيد إطلاقها، تحت سقف سياسي متوافق عليه، كما كان يمكن لوثيقة الوفاق هذه أن تشكل أساساً لإعادة بناء المؤسسات على أسس ديمقراطية، وبما يجسد حقيقة الوحدة الوطنية بعيداً عن سياسة الكوتا، والمحاصصة، وسياسة الاستفراد والاستئثار والإقصاء.
كذلك كان يمكن لوثيقة الوفاق الوطني أن تشكل أساساً لإعادة بناء المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، في إطار وطني موحد، عسكرياً وسياسياً، وبما يضمن للمقاومة أن تجدد نفسها، وأن تحمي بندقيتها، أولاً من خلال التمييز بينها وبين بنادق الفلتان الأمني، ومن خلال، ثانياً، مرجعية سياسية لهذه البندقية، توجه عملها بما يخدم المصالح الوطنية، في تصعيد القتال، عند الضرورة، وفي التهدئة أيضاً عند الضرورة.
يبقى بعد كل هذا، أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي:
«هل ما زالت الانتفاضة، بعد مرور سبع سنوات على انطلاقتها، هي خيار الشعب الفلسطيني بكل فئاته السياسية وعلى اختلاف اتجاهاتها؟»
نستطيع أن نجيب على هذا السؤال، وبكل شجاعة: نعم، ما زالت الانتفاضة هي خيار الشعب الفلسطيني، ليس فقط بعد مرور سبع سنوات على انطلاقتها، بل، وأيضاً رغم حالة الانقسام التي تعيشها الحالة الفلسطينية.
فخيار الاستقلال، والسيادة، واستعادة القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ما زال هو خيار الفلسطينيين. ولا يضعف من هذا الخيار بعض المواقف التي تبعت بين فترة وأخرى، بإشارات تنبئ بالاستعداد للتنازل عن بعض جوانب هذا الخيار.
فقد سبق لأطراف فلسطينية، تمتعت بمواقع زعاماتية وتاريخية، في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية أن جربت حظها في لعبة التنازلات هذه، وفي لعبة المس ببعض جوانب الحقوق الوطنية الفلسطينية، لكنها اكتشفت أن هذه اللعبة شديدة الخطورة، وأنها لن تعود على أصحابها ـ أي الذين يلعبون هذه اللعبة إلا بالضرر الشديد لذلك وجدوا أنفسهم مرغمين على التراجع والعودة إلى التمسك بالموقف الوطني الواضح والصريح، ودون لف أو دوران.
@ وخيار العودة إلى الديار والممتلكات في مناطق 48، ورفض التوطين، ما زال هو الخيار الوطني الذي يوحد الشارع الفلسطيني من أقصاه إلى أقصاه.
ولا يضعف هذه الوحدة، بعض المواقف المتلونة، التي تحاول أن «تتخلص من أعباء» قضية اللاجئين وحق العودة، فموضوع التوطين مطروح على جدول أعمال الجانبين الأميركي والإسرائيلي منذ حوالي ستين عاماً، ومع ذلك فإن الجانبين، رغم ما يملكان من قوة، وقدرة على الضغط، فشلا في أن يشقا الطريق لخيار التوطين على حساب خيار العودة.
بل إن خيار العودة آخذ في التصلب والتمسك يوماً بعد يوم، وأكثر فأكثر.
@ وخيار الانتفاضة، كسبيل نضالي لدعم الخيارات والحقوق الوطنية ما زال هو الخيار القائم في أذهان الشارع الفلسطيني وفي ممارساته.
ولا يمكن النظر إلى العمليات العدوانية الإسرائيلية من اغتيالات واعتقالات وعمليات توغل ومداهمات، إلا باعتبارها اعترافاً من العدو الإسرائيلي، بأن الانتفاضة ما زالت قائمة وما زالت خياراً فلسطينياً رئيسياً، بل الخيار الفلسطيني الذي يوحد الحالتين الشعبية والحزبية.
وإن صون هذه الانتفاضة، واستعادتها لقدرتها على إرهاق العدو، رهن باستعادة الوحدة الداخلية، وتجاوز حالة الانقسام، وما ترتب عليها من نتائج، ونعتقد أن الانتفاضة، هي نفسها، الأقدر على انجاز هذه المهمة المعقدة. فالانتفاضة هي الأقدر على حماية نفسها، ما دامت هي خيار الشعب الفلسطيني، بشرائحه كافة.
المصدر
- مقال:وما زالت الانتفاضة هي خيار الشعبالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات