ولادة حركة فتح وعلاقتها بالإخوان

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ولادةحركة فتح وعلاقتها بالإخوان

ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم الدكتور عبد الله أبو عزة

مقدمة

في يوم من أيام شهر تموز من سنة 1957م لا أستطيع تحديده بالضبط جاءني إلى البيت الأخ الأستاذ هاني مصطفي بسيسو رحمه لله ، يحمل مذكرة مكتوبة في بضع ورقات من الورق المسطر من حجم (الفولسكاب) ...

وقال: إن الأخ خليل الوزير قدمها إليه ، وفيها مقترحات تقدم مشروعا لنشاط إخواني كي يتبناه التنظيم ، وطلب الأستاذ هاني أن أدرس المذكرة وأعطيه رأيي فيها .

وقد كنت آنذاك ، وفي ذلك الأسبوع بالذات ، أعيش فترة اختبارات شهادة الثانوية العامة ، إذ كانت إدارة التعليم قد أخرت موعد الامتحان في تلك السنة بسبب ما تعرض له القطاع من ظروف الاحتلال الإسرائيلي.

لذا فإنني لم أشعر بأنني أستطيع إعطاء المذكرة حقها من الدراسة ، فضلا عن عدم تصوري آنذاك لما يمكن أن يكون لمحتواھا من أھمية في المستقبل؛ فاعتذرت للأخ ھاني بظروفي تلك ، وأعدت المذكرة بعد أن ألقيت عليها نظرة سريعة .

كانت المذكرة تدعو إلى أن يتبنى الإخوان الفلسطينيون إقامة تنظيم خاص بجانب تنظيمهم بحيث لا يحمل لونا إسلاميا في مظھره وشعاراته بل يحمل شعار تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح ، وأن يتولى التنظيم الجديد الإعداد لهذا الكفاح ، وأن يبدأ بممارسته متى توفرت له الإمكانات في حدها الأدنى الضروري .

وعلى الذين ينضمون إلى التنظيم ، سواء كانوا من الإخوان ، أو من الذين ستوجه لهم الدعوة من خارج صفوف الإخوان ، أن يخلعوا ثيابهم الإخوانية أو الحزبية ويلبسوا بدلا منها ثيابا فلسطينية؛

كما أن عليهم أن يمتنعوا عن الدعوة لأية عقيدة أو أيديولوجية حزبية ، وأن لا يقفوا مع أو ضد أية حكومة عربية، بل عليهم أن يحرصوا على الاستقلال عن كل الحكومات والحركات والأحزاب.

وقد نوھت المذكرة بأن التنظيم الجديد سوف يفتح الأبواب المغلقة ، بين الإخوان والجماھير ، ويفك عنهم طوق الحصار الناصري الذي لايرحم.

وفضلا عن ذلك فإن العمل المسلح سوف يبقي القضية الفلسطينية حية، ويقطع الطريق على محاولات تصفيتها،كما أنه سيجبر الدول العربية على خوض الحرب ضد الكيان الصهيوني.

الاختلاف حول مشروع فتح

لم أر المذكرة بعد ذلك .. ويبدو أن ھانئ ومن تداول الأمر معهم لم يأخذوها مأخذ الجد، وشابه شعورھم في ذلك شعوري . بيد أن المجموعة التي كانت وراء الفكرة ، والتي ظھر فيما بعد أن الأخ خليل الوزير كان متعاونا معها، تابعت الخطة منفردة ، وأخذت تلح على أفراد الإخوان ، من وراء ظهر قيادتهم، لإقناعهم بالمشروع ، وثابرت على ذلك؛

فأحدث نشاطها أقدارا من البلبلة في صفوف الإخوان شغلتهم ما يزيد على ثلاث سنوات ، إلى أن توصلوا إلى فهم واضح ورأي حاسم ومحدد حيال التطور الجديد ، ولكن بعد أن فقدوا أعضاء كثيرين من أنشط عناصرھم.

ولم يبق السيد خليل الوزير في القطاع فترة طويلة بعد تقديم المذكرة ، بل غادر غزة عائدا إلى مصر قبل انتهاء العطلة الصيفية الجامعية.

والذي أرجحه أن مذكرة الأخ خليل الوزير لم تكن خطوته الأولى ، ولم يكن قصده من ورائها أن يحصل على الموافقة فعلا لكي يمضي في الطريق الذي تراءى له ، بل ظني أنه وآخرين كانوا قد قطعوا شوطا في مناقشاتهم ،وأنهم أرادوا تقريب الإخوان إلى المدى الذي وصلوا إليه، وربطهم بمشروعهم .

ومع عدم استجابة الإخوان واصلت المجموعة متابعة الفكرة إلى أن ولدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في عام 1958 ، كما قال السيد كمال عدوان رحمه لله في مقابلته مع السيد طاهر عبد الحكيم ومضت بضعة أشهر قبل أن يواجه الإخوان بأفراد من داخل صفوف تنظيمهم في قطاع غزة يدعونهم إلى الفكرة الجديدة.

وكان من الذي تصدوا لنشر الفكرة بين صفوف الإخوان ومحاولة إقناعهم بها في ھذه المرحلة الأخ سعيد المزين ، والأخ غالب الوزير ،وھو أخ أصغر لخليل ؛ ومن المرجح أن أشخاصا غيرھما تحركا نحو إخوان من أعضاء التنظيم الفلسطيني المقيمين خارج قطاع غزة .

وأتذكر الآن وأنا أخط ھذه السطور أسماء عدد من الإخوان الذين اشتھرت أسماؤھم فيما بعد أنھم انضموا إلى "فتح" ، بينما ظلوا في المرحلة الأولى يظھرون أنهم على ولائهم للإخوان، وأذكر من ھؤلاء: السيد أسعد السفطاوي رحمه لله ، والسيد سليم الزعنون ، والسيد صلاح خلف رحمه لله.

وكان هؤلاء قد أنهوا دراستهم في الجامعات المصرية وتوظفوا في غزة، حيث عمل صلاح وأسعد مدرسين في مدرسة خالد بن الوليد الثانوية في منطقة النصيرات ، بينما عمل سليم في وظيفة وكيل نيابة؛

ولقد حرص تنظيم الإخوان في وضعه الجديد على إبقاء ھذه العناصر بعيدة عن أي وضع تنظيمي بحجة أنها عناصر مكشوفة ، وأن انضمامها للتنظيم الإخواني الجديد في وضعه السري ينطوي على خطر كبير . ومع ذلك فقد كنا نلتقي بهم ، ونزورھم في بيوتهم في المناسبات العامة، ونتداول معهم قضايا الإخوان.

وكانت لأسعد وصلاح مواقف إسلامية معروفة في مدرستهم وبين طلابهم ، خاصة في فترة الصراع مع الشيوعيين التي تلت نهاية الاحتلال الإسرائيلي بما لا يدع مجالا للشك في انتمائهم لفكرة الإخوان، بيد أنھم جميعا حسب اعتقادي كانوا يمرون بفترة انتقال وتردد بين القديم والجديد ، ويبدو أن سنة 1958 على وجه التقريب كانت الوقت الذي اتخذ فيه صلاح موقفا حاسماومكشوفا .

وبالتدريج أخذ الإخوان يشعرون بحجم المشكلة لأن عناصرھم في قطاع غزة وفي مصر وبلدان الاغتراب في الخليج أخذت تتعرض لضغط شديد يتخذ شكل حوار يستهدف حك وإثارة ضمير الأخ وجرحه، كما يستهدف إحراجه،

وكان الحوار يأخذ الشكل التالي:

  • ألسنا فلسطينيين؟
بلى
  • ألسنا إسلاميين؟
بلى.
  • أليس من واجبنا أن نعمل لتحرير فلسطين؟
بلى .
بلى.
  • إذن ، لماذا لا نؤدي الواجب؟ ولماذا يمتنع الإخوان عن القيام بفريضة الجهاد؟ ومن ذا ننتظر أن يحرر لنا فلسطين؟
  • ھل لو انتظرنا عملا من الدول العربية، أو من المنظمات الدولية ، أو الدول الكبرى، ھل يمكن أن تفعل لنا شيئا يعيدنا إلى وطننا ؟
كلا.
  • إذن .. فلم الانتظار؟ وإلام التخاذل؟
  • وإلى متى ، ومن أجل أي سبب تقف قيادة الإخوان متفرجة؟

والمحصلة النهائية: هلم إذن إلى التنظيم الجديد ، فمؤسسوه من تعرف، ورجاله من تعرف من خيرة الإخوان ، وھم لن يتخلوا عن الإسلام ، بل إن العمل من أجل التحرير سوف يوسع شعبيتنا ويكثر أنصارنا والمتعاطفين معنا .. كل ما في الأمر أن الظروف تفرض علينا أن نرفع شعار فلسطين وحده ، وأن نحدد مواقفنا من مختلف القوى على أساسه ، مع تجنب الدخول في الخلافات العربية أو التبعية لأي من الأنظمة العربية.

وكان أفراد الإخوان يحتاجون إلى أجوبة مقنعة تبرر عدم الاستجابة لهذه الدعوة ، وإذا لم يجد الأخ الأجوبة المقنعة فإنه لا بد وأن ينساق إلى الانضمام إلى التنظيم الفلسطيني الجديد الذي لم يكن قد أعلن اسمه في تلك المرحلة المبكرة .

وفي اللقاءات العديدة التي جرت بين أفراد النخبة من الإخوان أنفسهم، وتلك التي تمت بين ممثليهم من ناحية، وممثلي التنظيم الجديد من ناحية أخرى كان النقاش ينصب على الجزئيات ، لكن لم تجر مناقشة منهجية شاملة ، ولم يتوصل الإخوان أنفسهم إلى تصور واضح للقضية ، ولم يحددوا منها موقفا واضحا ومبررا إلا بعد مضي سنوات ثلاث.

وقد فقدوا خلال ھذه الفترة أفرادا من أفضل عناصرھم. ولعل مما ساعد على ذلك وجود أعداد كبيرة من الإخوان الفلسطينيين مبعثرة في أقطار متفرقة، بحيث يصعب على القيادة الاتصال بها وتوجيهها بشكل منتظم، في فترات متقاربة؛

ومن ناحية أخرى فإن كون معظم رجال الحركة الجديدة من الإخوان ، وكون معظم قادتهم شخصيات إخوانية وقيادية معروفة لا يشك في سابقتها وإخلاصها وولائها ، كل أولئك سهل على التتنظيم الجديد اقتناص أفراد كثيرين وممتازين من الإخوان ، كما ذكرنا .

وغني عن القول أن الإخوان لم يكونوا يعترضون على الهدف الرئيسي والفكرة الرئيسة باعتبار ذلك واجبا وھدفا لكل الفلسطينيين يتوقون إلى تحقيقه ويشعرون بأن الجهاد

من أجل ذلك أعظم الجهاد ، إذ أن التحرير والجهاد من أھم أھدافهم ، بل ومن أھم دوافعهم التي ساقتهم للانضمام إلى الإخوان المسلمين منذ البداية حيث كانت سابقة حركة الإخوان في مصر لنصرة القضية الفلسطينية ودورها الجهادي في فلسطين على رأس ھذه الدوافع ؛وكان دور الإخوان المسلمين المصريين في حرب فلسطين...

وفي دعم القضية الفلسطينية منذ سنة 1935 ھو الذي دفع بالشباب الفلسطيني نحو حركة الإخوان لقد اعترض الإخوان الفلسطينيون على الخطة والأسلوب في مشروع "فتح" إذ اعتبروھا تقوم على توقعات افتراضية خيالية، بعيدة عن الممكن ، لذلك لن توصل إلى ھدف التحرير، أو قريبا منه ؛ كما رأوا إنشابا لمعركة من غير أن تكون القوى الأساسية للأمة مهيأة لها .

وبناء على الدرس الذي استفدناه من عدوان سنة 1956 فإن ھناك احتمالا كبيرا لإقدام إسرائيل على احتلال غزة والضفة الغربية، فيما لو تطورت اشتباكات الحدود إلى حرب مفتوحة لم تهئ الدول العربية لها نفسها ؛ وبذلك تكون القضية قد انتكست، ويكون ھدف التحرير قد صار أبعد وأصعب منالا .

وعندما وضعت فتح موضع التنفيذ حدث كل ذلك وأبعد منه ، وصار البكاء الآن والمحاولات تتركز على المطالبة باستعادة الضفة الغربية ، ورفع الحصار عن غزة. وحتى ھذه المناطق التي لم تكن محتلة، ولم يتصور مؤسسو فتح أنها ستصبح محتلة يوما ، صارت استعادتها بعيدة المنال ، أو شبه مستحيلة .

أما مقولة مؤسسي فتح بأن الدول العربية الثورية ستسمح للتنظيم الفلسطين المقترح بالنشاط فوق أرضها ، فإن ھذه الدول ستحرص كذلك على إخضاعه لسياستها وانسجامه مع تلك السياسة ، وستقف مخابراتها وأجهزة أمنها تراقبه وتحصي عليه أنفاسه، وستحصر نشاطه فوق أرضها فيما دون مرحلة القتال.

أما إذا أراد أن ينطلق لمهاجمة العدو قتاليا فلن تسمح له بذلك من حدودھا ، بل ستوجهه للانطلاق من حدود دولة عربية أخرى مجاورة ، ليس لأن تلك الدولة أقدر على مواجهة رد الفعل الإسرائيلي ، بل لمجرد إحراج وتوريط السلطة في تلك الدولة .

أي أن قضية التحرير ستظل في إطار المهاترات الرخيصة بين عدد من زعماء الدول العربية. ولو افترضنا أن التنظيم حاول الخروج على تعليمات الدولة المضيفة فإنها في ھذه الحالة ستبطش به وتوقف نشاطه وتعلن الحرب عليه ؛

وھي في حربها على التنظيم لن تعلن أنها تقاوم جهوده الرامية إلى تحرير فلسطين، بل ستتهمه بأنه يتآمر مع جهة أجنبية ، ويعمل ضد أھداف وأماني الأمة العربية.

ثم جاءت الأحداث خلال العشرين سنة التي تلت انطلاقة نشاط فتح (1965-1983) وأكدت كل ذلك الذي توقعته قيادة تنظيم الإخوان المسلمين الفلسطيني ؛ وقد جاء تأكيد ذلك على لسان السيد ياسر عرفات رحمه لله؛

فقد ذكر أبو عمار أن بعض الأنظمة "التقدمية" رددت الإتهام بأننا نريد توريط الدول العربية ..وقيل إننا كعملاء لحلف السنتو نتآمر لإحراج الأنظمة التقدمية لإسقاطها فوق ساحة القضية الفلسطينية.

وبعد 5 حزيران قيل لنا "والكلام ما زال كلام ياسر عرفات":إذا أطلقتم رصاصة واحدة اعتبرناكم مجرمين وخونة .. إن عملكم غير المسئول الآن سيؤدي إلى تدمير الأمة العربية.

ولو جارينا مقولة فتح الإفتراضية بأن التنظيم الفتحاوي نجح في تجميع أعداد من الأنصار، وصار له وزن سياسي ، ولو بمقياس صغير ، فإنه سيصبح من غير شك ھدفا للأحزاب العقائدية التي ستعمل على التسلل إلى صفوفه للسيطرة عليه.

وإذا كان التنظيم يقبل ويشجع الحزبيين مشترطا أن يخلعوا ثيابهم الحزبية على عتبة مدخله ، فما الذي يضمن ، وما الذي يجعلنا نتأكد أن ھذا الشيوعي أو البعثي السابق قد تخلى بالفعل عن انتمائه السابق قلبيا لا مظھريا وخداعا فقط ، حتى يتسنى له الدخول والقبول؟

أما القول بأن التنظيم سيفتح الأبواب المغلقة بيننا وبين الجماھير ويزيل الحواجز التي أقامتها الدعاية الناصرية ضد الإخوان المسلمين، فإن ھذه المقولة لا تثبت أمام النقاش كذلك ، فلو افترضنا جدلا أن تنظيم فتح نجح واجتذب أعدادا كبيرة من الأعضاء والأنصار؛

وقد تحقق ھذا بالفعل ، فإن ھذا التأييد الشعبي لن يكون للإخوان أو للإسلام ،بل لفكرة تحرير فلسطين ، إذ أن مؤسسي فتح حرصوا على إبعاد كل ما يشير إلى الإسلام من قريب أو بعيد، وقد حمل ذلك كثيرين منھم على التظاهر باللا إسلام ليصدقهم الحكام المتشككون .

في ضوء ذلك فإن هذه النقطة المسوقة على أنها مؤيدة لفكرة انخراط الإخوان في تنظيم فتح تسقط من الحسبان ، وعلينا أن نزن الأمور بعد اسقاطها واستبعادها، وبذلك يثبت أن افتراض إيجابية ھذه النقطة في الموازنة تصبح غير ذات موضوع.

لقد تمت دراسة وتحليل العرض الذي قدمه رواد حركة فتح وواصلوا عرضه وترديده أمام أفراد الإخوان الذين كانوا يحاولون اقتناصھم ، في مذكرة مطولة تبلغ حوالي عشرين صفحة من حجم (الفولسكاب) .

وفيما يلي تلخيص لما تضمنته تلك المذكرة من محاججة وأفكار:

أولا: إن الإخوان الفلسطينيين على استعداد لتجميد نشاطهم الإسلامي وتحويل جهود تنظيمهم إلى العمل من أجل تحرير فلسطين ، مع استبعاد أية مظاهر قد تربطهم بالإخوان أو بالنشاطات الإسلامية ، بشرط واحد فقط ، ھو أن تكون الخطة مقنعة من الناحية المنطقية والعملية وبأنها ستؤدي إلى تحقيق ھدف التحرير.
فإذا لم يتوفر ھذا الشرط بدرجة يقينية ، فليس أقل من أن يتوفر بدرجة ترجيحية؛ أما أن يطالبوا بالتخلي عن حركتهم وأھدافهم لمجرد تصورات عاطفية خيالية يستحيل تحقيقها في عالم الواقع فذلك ما لا يرضونه؛
وقد توصل الإخوان إلى الاقتناع بأن مشروع فتح سيواجه بعدد من العقبات الكأداء التي لا يمكن تجاوزها،وأنه ينطوي على مخاطر لا تؤدي إلى ضياع الجهد والوقت والأرواح والمال فحسب ، وإنما ترجع بالقضية الفلسطينية نفسها إلى الوراء وتؤخر عملية التحرير وتحطم كل الآمال .

ثانيا: العقبات:

(أ) معارضة الحكومات العربية: إن الشعب الفلسطيني يعيش ظروف غير طبيعية ، حيث استولت الهجمة الصهيونية على معظم أراضيه ، ويترتب على ذلك أن نشاطه العسكري من أجل التحرير سيجري في أراضي الدول العربية ثم ينطلق من تلك الأراضي لمهاجمة العدو.
وأكثر الدول العربية ، خاصة تلك المحيطة بفلسطين المحتلة، تحكمها أنظمة لاينتظر منها أن تسمح بأي نشاط سياسي أو عسكري غير صادر عنها، أو غير موحى بها منها على أرضها ثم إن ھذه الحكومات تخشى من أي تحرك سياسي على أرضها، حتى لو لم يشارك فيه شعبها، لأن أي نشاط من ھذا النوع ستنتقل عدواه إلى أفراد شعبها.
وبجانب ذلك ، فإن ھذه الحكومات ترتعد فرقا من رد الفعل الإسرائيلي ، وتفتقر إلى الثقة بقدرتها على مواجهته ، وتطلب السلامة بتجنب إثارته أو السماح به والسكوت عنه ، وتكتفي بالتصريحات الكلامية عن التحرير .
ومن هنا فإن المقاتلين الذين سيتجهون إلى مهاجمة المواقع الإسرائيلية سيصطدمون بجنود الدولة العربية المضيفة التي يمرون في أراضيها قبل أن يصلوا إلى الحدود الفلسطينية .
وإذا تمكنوا من الإفلات ووصلوا فإن جنود الدولة العربية سوف يترصدونهم في طريق عودتهم ، أو في طريق انسحابهم إذا اضطروا إلى الانسحاب . وستزداد شراسة الأنظمة بتزايد العمليات الإنتقامية الإسرائيلية.
(ب) أما القول بأن تحرير فلسطين يمكن أن يتم بالطريقة التي تحررت بها الجزائر فقد تبين من خلال المناقشة أنه مستوحى من نظرة سطحية؛ فالوضع القانوني لفرنسا في الجزائر ، من وجهة نظر القانون الدولي غير الوضع القانوني للصهيونية في فلسطين، وأھداف فرنسا في الجزائر تختلف عن أھداف الصهاينة من القدوم إلى فلسطين.
فرنسا في الجزائر دولة مستعمرة،أما الصهيونية في فلسطين فيعتبرها المجتمع الدولي والقانون الدولي دولة مستقلة تقوم على الأرض التي خصصتها لها الأمم المتحدة ، بغض النظر عما يثار من انتقاد للإجراءات والمقدمات والقرارات الأممية. لذا فإن كيان الدولة الصهيونية الذي قام على الاغتصاب والظلم يبدو ويعتبر كيانا شرعيا يحميه القانون الدولي .
ثم إن الصهاينة أرادوا فلسطين وطنا لا وطن لهم غيره ، أما فرنسا فقد أرادت استعمار الجزائر واستعمرتها، بينما الوطن الفرنسي الأصلي يقبع قريبا عبر البحر في الجهة المقابلة من ناحية الشمال..،
والمستعمرون الفرنسيون في الجزائر لديهم وطنهم الأم يستطيعون العودة إليه والإقامة فيه في أي وقت، والأمر ليس كذلك بالنسبة للصهاينة في فلسطين. والتأييد الذي تلقاه الصهيونية في فلسطين لا تلقاه فرنسا في استعمارھا للجزائر .
والشعب الجزائري يعيش في أرضه كلها، بكامل حدودها ، بينما الشعب الفلسطيني يعيش معظمه خارج وطنه ، ولذا فإن الشعب الجزائري يحارب من داخل أرضه ، بينما الشعب الفلسطيني سيحارب من خارج أرضه .
ثم مساحة الأراضي الجزائرية الضخمة لا تقارن بمساحة الضفة الغربية التي لا تزيد عن ستة آلاف كيلو متر مربع. وبينما لا تجرؤ فرنسا على إعادة احتلال الأراضي التونسية أو المغربية التي كان يستخدمها الجزائريون في بعض عملياتهم العسكرية الكبيرة ، فقد أقدمت إسرائيل على احتلال قطاع غزة وسيناء سنة 1956 . وقد تكرر ذلك سنة 1967 واحتلت ما ھو أكثر من غزة وسيناء.
(ت) إن مواجهة إسرائيل لا يمكن أن تتم بجزء صغير من قوة أمتنا، قد لا يصل إلى واحد في الألف ، بل ينبغي أن تحشد للمواجهة كل قوى الأمة ، وربما لا نكون قادرين على حشد قوة توازن قوة العدو إن لم تفقها.
وھذا النقص في القدرة لا ينبغي أن يبرر لنا السكوت والتخاذل ، ولا يبرر لنا الاندفاع العاطفي الأعمي، بل الواجب واللازم أن نحشد كل ما لدى الأمة من طاقات، ثم ننطلق واثقين من نصر الله سبحانة وتعالى لحقنا .
وإذا كانت الحكومات التي تحتكر السلطة ومعظم عناصر القوة ترفض توظيفها للمعركة ، صراحة أو مداورة ، فإن علينا أن نغير ھذا الوضع عن طريق إقناع الحكومات بأن تغير موقفها ، أو بالضغط عليها بالعصيان المدني، وغير ذلك من الوسائل المناسبة .
وفي ضوء ھذه المناقشة التي اكتفيت بتقديم خلاصتها يتبين أن جميع الأھداف التي وردت في مشروع فتح التأسيسي لم تكن قابلة للتحقيق العملي المؤدي إلى التحرير.

ثالثا:الحل البديل كما تصوره الإخوان:

وإذ تبين أن مشروع فتح التأسيسي المقترح مسرف في أوھام التمنيات بعيد عن التوقعات العملية فإن على الإخوان أن يضاعفوا جهودھم في نصرة دعوتهم ورفع شأن حركتهم ، لأن حركة الإخوان حين تنتصر ھي التي ستحرر فلسطين.
وعندما يأخذ الإخوان أهبتهم للتحرير فلن يكون الفلسطينيون وحدھم المضطلعين بالمهمة ، بل ستشاركهم الأمة الإسلامية في كل أقطارھا. وھذه بالشعوب والأقطار الإسلامية كلها .
وهكذا حسمت ھذه المذكرة كل تردد ، ووضعت تنظيم الإخوان الفلسطينيين في موقف واضح ،فتوقف تساقط الأعضاء وتحصن أفراده ضد الإحراج والتشكيك . وتلك كانت قناعات قيادة التنظيم الإخواني الفلسطيني ، وذلك ھو ما عملت على إيصاله إلى الأعضاء المنضوين تحت لوائه سنة1960 م.

المواجهة بين تنظيم فتح وتنظيم الإخوان في قطر

لم تنته المشكلة بهذا الحسم الذي توصل إليه الإخوان أو ظنوا ذلك سنة 1961 ؛ لقد انتهت من جانب إحدى الفريقين المتقابلين، داخل الصف الإخواني ، بيد أنها لم تنته بالنسبة للفريق الآخر الذي ظل ھدفه قائما ، وھو ضم الإخوان إلى تنظيم فتح بأية طريقة مع الاستمرار في الهجوم ومواصلة الضغط .

بل إن مشكلة الإخوان الفلسطينيين بالنسبة للموضوع نفسه عادت إلى الظهور سنة 1965 وتفجرت في إطار آخر ، إخواني وغير فلسطيني سنؤجل الحديث عنه الآن. وھكذ ظل الإخوان الفلسطينيون في موقف دفاع عن تنظيمهم ، لكنه دفاع لم يتزعزع.

وقد حصر الإخوان ردود فعلهم في ھذا الإطار الدفاعي إنطلاقا من أنهم لم يكونوا يعارضون ھدف فتح الرئيسي ، هدف التحرير ، أويعارضون أشخاص قادتها ، بل كانوا غير مؤمنين بالخطة الرئيسية ، بالاستراتيجية المتبعة للوصول إلى ذلك الهدف الرئيسي.

ومعنى ذلك أن المعركة مع فتح ، بالصورة التي وصفنا ، لم تكن خيارا إخوانيا، بل كانت خيارا ومبادرة عدوانية فتحاوية . ولقد استمرت ھذه المواجهة في كل دولة تصادف فيها وجود مجموعات من الفريقين الإخواني والفتحاوي ، وكانت أوضح ما تكون في قطر (1962-1969)؛

نظرا لظروف خاصة تميز الوضع فيها ھناك بالمقارنة بما كانت عليه الحال في البلاد العربية الأخرى ؛ وسأحاول في الصفحات التالية وصف تلك المواجهات المؤسفة، التي تظل صغيرة في حجمها، على الرغم من أنها تبعث على الأسف .

لم تكن المعلومات تصل إلي في صورة إشاعات أو روايات للتسلية ، بل كانت تصلني باعتباري عضوا في اللجنة التنفيذية للتنظيم الفلسطيني ،وعضوا وممثلا في المكتب التنفيذي لقيادات الإخوان المسلمين في البلاد العربية، الذي كان مقره في بيروت.

كان للإخوان المسلمين وضع خاص في قطر يعود منشؤه إلى عام 1954 عندما قدمت عناصر مصرية إخوانية، مضطرة للفرار على أثر اندلاع المعركة بين جماعة الإخوان المسلمين وجمال عبد الناصر أواخر سنة 1954 .

وكان من بين من قدموا في ذلك الوقت من مشاھير الإخوان الشيخ عبد المعز عبد الستار ، والأستاذ عبد البديع صقر الذي كان قد صدر بحقه حكم بالإعدام ؛ ھذا فضلا عن كثيرين غيرھما ، منهم الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ أحمد العسال ، وكانا في مطلع شبابھما، ولم يكن الدكتور القرضاوي قد وصل إلى مرحلة الشهرة في ذلك الوقت المبكر .

وكان يرأس دائرة المعارف شيخ من الأسرة الحاكمة. وبعد مجئ الأستاذ عبد البديع صقر ، رحمه لله ، إلى قطر تم تعيينه مديرا للمعارف (أي دائرة التربية والتعليم) ، فتزايدت فيها أعداد الإخوان بالتدريج ، جاءوا من أقطار وجنسيات متعددة؛

ثم أبعد عبد البديع صقر عن التربية وعين لإدارتها قيادي بعثي سوري مشهور ھو الدكتور عبد الله عبد الدايم ، ومع ذلك بقيت للإخوان فيها مواقع مهمة ، حتى بالرغم مما حصل بين الإخوان من تنافس ارتفعت وتيرته إلى مستوى الصراع.

وقد أطاح ذلك الصراع بمدير التربية الإخواني السوري الحلبي ، الدكتور عبد الرحمن عطبة ، الذي حل محل الدكتور عبد الله عبد الدايم ، المدير البعثي.

وحين ظھرت فتح في الساحة كانت معظم المناصب الرئيسية في التربية يشغلها منتسبون للإخوان ، من جنسيات متعددة؛ فالأستاذ كمال ناجي، مدير دائرة التربية ، والأستاذ رفيق النتشة ، أبوشاكر ، كان مديرا لمكتب الشيخ رئيس الدائرة؛

والسيد محمد يوسف النجار، رحمه لله ، كان سكرتيرا للسيد رفيق النتشة، والدكتور أحمد رجب عبد المجيد الأسمر كان مديرا لمنطقة أم صلال التعليمية ، والدكتور عز الدين إبراهيم ، رحمه لله ، كان مسئولا عن التوجيه الفني؛

والأستاذ عبد الحليم محمد أبو شقة ، رحمه لله ، كان مديرا للمدرسة الثانوية؛ ھذا بالإضافة إلى أعداد أخرى من مديري المدارس والفنيين والإداريين ، وأعداد كبيرة من المدرسين ، فضلا عن فنيين وموظفين في إدارات أخرى غير التربية ؛

وكان من بين ھؤلاء المهندس كمال عدوان رحمه لله ، الذي كان ھو ومحمد النجار من قادة فتح البارزين ، كما ظھر واشتهر فيما بعد. وقد تبين أن رفيق النتشة، صار من مؤيدي فتح ومنتسبيها، كما كان محمد يوسف النجار.

أما بالنسبة للإخوان المصريين فقد كانوا يعتبرون "فتح" حركة إخوانية ؛ ولذلك لم يحاولوا تفهم واستيعاب موقف الإخوان الفلسطينيين والمحاذير التي أملت على التنظيم الفلسطيني موقفه.

ولقد دأبت العناصر الموالية لفتح والمؤيدون لها من غير الفلسطينيين على الضغط الشديد على العناصر الفلسطينية الرافضة لفكرة الانضمام إلى فتح ، واستخدم الإداريون منهم في التربية سلطاتهم الإدارية في ذلك.

وزاد الطين بلة، والموقف تعقيدا أن ھذه المواجهة اختلطت بصراع حاد نشب في نطاق الإخوان العاملين في التربية من أجل الاستئثار بالمناصب الرئيسية والسلطة، فأنهيت خدمات بعضهم، واضطر بعضهم إلى الاستقالة ومغادرة البلد نهائيا ، هربا من جو الصراع الخانق.

وكان من ھذه العناصر التي أبعدت أو ابتعدت الدكتور عز الدين إبراهيم، والأستاذ عبد الحليم أبو شقة ، رحمهما لله ، والأستاذ عدنان سعد الدين.

وقد شملت إجراءات التضييق على الإخوان الفلسطينيين الملتزمين الحرمان من الترقيات، وإيقاف العلاوات السنوية المنتظمة، والنقل التعسفي ، والتهديد بالفصل من العمل ، ومحاولات الإغراء بالمنافع الوظيفية والمادية.

وبينما صمدت عناصر للإضطهاد والحرمان ، واستقالت عناصر أخرى وغادرت البلد اختارت فئة أخرى من الإخوان أن تمسك بالعصا من منتصفها ، إذ حرصت على تجنب الاضطهاد والحرمان، كما حرصت على تحصيل المنافع الوظيفية والمادية ، كما حرصت في الوقت نفسه على ارتباطھا بالإخوان .

وقد كان مسلك ھذه الفئة الأخيرة مصدر إرباك ومشاكل للتنظيم المحلي وقيادته، ولقيادة التنظيم الفلسطيني العام ، لدرجة استدعت تدخل اللجنة التنفيذية بإيفاد أحد أعضائها إلى قطر أكثر من مرة ، فضلا عن مناقشة الموضوع أثناء اجتماعات اللجنة التنفيذية ومجلس الشوري.

وقد ظل ھذا الوضع قائما إلى وقت انسحابي من الإخوان نهائيا عام 1973 ، ولست أدري عنه شيئا بعد ذلك. وكان الضغط على أعصاب الإخوان المسئولين شديدا لدرجة أن رئيس اللجنة التنفيذية، المرحوم عبدالبديع عثمان صابر لم يقو على التحمل إذ هده المرض ، واشتد عليه ارتفاع ضغط الدم، فقدم استقالته قبل انتهاء ولايته بسنتين، فلم يقبلها مجلس الشوري؛

بل اعتبره في إجازة مرضية ،على أن يتولى نائبه سلطاته إلى حين إبلاله من مرضه. والذي أرجحه أن الوضع الإداري الرسمي في دائرة التربية قد انتهى بتسلم العناصر القطرية المواطنة والمتعلمة للسلطات الإدارية الفعلية .

وقد كان طبيعيا في ھذا الجو المحموم أن يحدث تطرف في مواقف بعض الإخوان من فتح ردا على تطرف عناصر فتح في اضطهاد أفراد الإخوان. وھذا ما يفسر تجاوز بعض الإخوان لحدود الموقف الرسمي الذي حددته قيادة التنظيم الفلسطيني سنة 1961؛

والذي نص على:

"أن الإخوان لا يعادون فتح ولا يحاربونها ، ولكنهم غير مقتنعين بمخططها و (استراتيجيتها) ولا يتعاونون معها ؛ وإذا تعرضوا للهجوم من قبل عناصرها فإن عليهم أن يردوا الهجوم في أضيق نطاق، وفي حدود حماية أنفسهم وتنظيمهم ، وليس بهدف الانتقام."

ولا أستطيع أن أختم الحديث عن المواجهة بين الإخوان وفتح في قطر قبل أن أتناول بالتعليق واقعة "فصل" أبي يوسف، محمد يوسف النجار، من الإخوان ، تلك الحادثة التي كان أشار إليها ھو نفسه ، في مقابلة صحفية سبقت استشهاده بوقت قصير .

لقد ذكر أبو يوسف ، رحمه لله ، في تلك المقابلة أن الإخوان فصلوه من تنظيمهم عقوبة له على انضمامه لمنظمة فتح . لقد اتخذت قيادة التنظيم الفلسطيني بالفعل قرارا بحق السيد محمد النجار ، وذلك خلال اجتماع لأول مجلس شورى للإخوان في قطاع غزة ، وذلك قبل أن توضع للمجلس لائحة، وقبل أن يسمى مجلس الشوري.

لقد انعقد ذلك المجلس في صيف سنة 1962 في خانيونس ، وفيه استعرض الإخوان علاقتهم بفتح ، وفي ھذا السياق استعرضوا موقف الأخ محمد يوسف النجار. والقرار الذي صدر بحقه لم يكن قرارا بفصله من الجماعة ، بل كان قرارا نص على اعتباره تاركا للجماعة ، مستنكفا عن استمرار عضويته فيها.

وقد بني ھذا القرار على مبدأ تنظيمي تبناه التنظيم الفلسطيني ينص على عدم جواز الجمع بين الانتماء إلى الإخوان والانتظام إلى تنظيم سياسي أو عقائدي آخر في الوقت نفسه.

وقد يثير هذا التوضيح تساؤلا عن عدم صدور قرارات مماثلة بشأن أشخاص آخرين تركوا الإخوان وانضموا إلى حركة فتح أو شاركوا في تأسيسها، ومنهم السيد خليل الوزير ، والسيد أسعد السفطاوي ، والدكتور رياض الزعنون ،والسيد سليم الزعنون ، وغيرھم كثيرون.

الحقيقة أن الأمر كان مختلفا بالنسبة للسيد أبو يوسف النجار. وبغض النظر عن الاختلاف في الرأي والاختيار فإنني أقدر الشهيد أبو يوسف رحمه لله ، وقد عرفته منذ الصغر ، فهو ابن بلدتي يبنا، وھو زميل دراسة في مدرستها الابتدائية؛

وقد باعدت الهجرة بين دارينا، فصار ھو من سكان رفح بينما كنت أنا من سكان غزة. ثم جمعنا انتماؤنا للإخوان المسلمين وأخوتنا في إطارھا من أوائل سني الخمسينات.

ونقطة الاختلاف بينه وبين التاركين الآخرين أنه ظل يظھر تمسكه بالانتماء للإخوان ، بينما الآخرون انكمشوا، أو انقطعوا عن الاتصال بالجماعة بأية صورة. فالسيد صلاح خلف، مثلا، رغم أن التنظيم الإخواني تجنب إعادة إدخاله بعد انتهاء دراسته في الأزهر وعودته إلى غزة؛

فقد ظللنا نتصل به ، ونزوره في بيته في المناسبات من حين لآخر ، وظل ھو يتعاون مع مدرسي الإخوان وطلبتهم ، وكثيرا ما تصدى لخصوم الإخوان في مواقف علنية معروفة، إلا أنه قطع ھذه الصلة تماما بعد أن اقتنع بمشروع فتح ، لدرحة أنه عندما قابلني في أحد الشوارع ورآني من بعيد ، وذلك في خانيونس عام 1961 ، أشاح بوجهه عنى كأنه لم يرني .

أما الأخ محمد النجار فقد ظل يظهر أنه متمسك بالإخوان ، مخفياعلاقته بفتتح ، إلى أن سافر مرة لحضور اجتماع لفتح وبرر سفره بأنه ذاھب لزيارة أخيه، ثم تبين أنه سافر لحضور الاجتماع. وعلى . ھذا الأساس كان قرار الإخوان باعتباره تاركا لجماعتهم.

المصدر