وطن بحجم بكائنا
محمد طلبة رضوان - 04 نوفمبر 2015
من جملة سخافات و"لطميات" كثير من كتابنا – العاطلين عن الأمل – تعاطيهم بسلبية واستهتار ظاهر مع مشاعر الأسى بوصفها "كربلائيات" لا ترقى لمستوى الممارسة النقدية، والتفكير العقلاني، والعلمية، والواقعية، إلى آخر هذه "الماتيريال" لزوم صنع "الماكيت" الفكري الذي لا يجاوزه صاحبه المتخلف ذهنيا وإنسانيا، إلى "بنية" فكرية، طوال حياته، يظل "الأخ" يستهلك في منتوجات الغير، الجغرافي، أو التاريخي، "يمينا" و"يسارا"، إلى ما لا نهاية، وهو يحسب أنه يصنع جديدا، أو يشكل إضافة في محيطه، ثم لا شيء على الإطلاق، سوى المزيد من إهدار فرص الوصول.
إسراء الطويل بكت. من إسراء؟ لا أعرف، ليست من دائرة أصدقائي، عرفتها من مواقع التواصل، بنت عادية، ليست ناشطة، ولا حقوقية، ولا أي من الأوصاف التي تتسبب في "تعذيب" الحيوان الذي يحكمنا، إسراء بنت ناس، تحب التصوير، وتحب قطتها التي تبدو إلى جوارها في الصور، لا تعرف أيهما أكثر براءة، "اعمل سيرش" على صور إسراء، شاهدها، الصور وحدها كافية لتدرك أن بكاءها جريمة يستحق فاعلها التنكيل بأيامه السوداء..
أخبرتك أنها تحب التصوير، امتدت الهواية على استقامتها، صارت محترفة، تصور وترسل إلى صحف، ومواقع، وتحصل على بعض الدخل، "شاطرة"، ذهبت تلتقط صورا لبعض النشطاء، أمام مسجد مصطفى محمود، 25 يناير 2014، "إيفنت" عادي، لم يكن مظاهرة ولا يحزنون، وقتها كانت الثورة قد تحولت إلى ذكرى، على الأقل عند شريحة ممن قاموا بها، وأنكروها، إلا من ذاكرتهم، "نوستالجيا الهروب"، أجواء عادية، هادئة، لافتات، ووقفة، وصفها بالسلمية يعد مبالغة لا يحتملها السياق، وقفة "وديعة"، لا شيء أكثر من "الأسى" و"الائتناس"، فجأة انهال الرصاص الحي من كل جانب، اخترقت رصاصة ظهر "إسراء".. أصيبت بالشلل.
إسراء 23 سنة، وقتها كانت 22، مشلولة، وعلى كرسي متحرك، لا داعي أن تعتبرها ابنتك، اعتبرها أي أحد.
بدأت العلاج، محاولات التعافي، ثمة أمل، جاءها اثنان من أصدقائها، واصطحباها في "فسحة"، على النيل، عادي، لا، ليس عاديا، قبض عليهم !!!، لماذا؟، لا أحد يعرف، قبض عليهم، عفوا، لم يكن قبضا، لم يكن ضبطا شرطيا، كان "اختطافا"، الأول يكون بسبب، إجراءات ومحاضر ومحامي وتحويل إلى النيابة، والأهم قانوني، وبالتالي معلن، أما الثاني فـ"شغل عصابات.
جاء أصحابهم ليسألوا، أخبرهم أمناء الشرطة بأن هذه الأوصاف تنطبق على ثلاثة من الشباب، جاءوا اليوم وهم الآن في الحبس، أما الضباط فأنكروا، ذهبوا إلى المأمور، أنكر، لم نرهم، لا نعرف عنهم شيئا، الأمر كله يبدو محاولات بائسة من ضباط فاسدين يريدون أن يثبتوا لرؤسائهم أنهم يعملون، 15 يوما والبنت ومن معها مختطفون في مقر سلخانة أمن الدولة بلاظوغلي، 15 يوما ثم النيابة، (سرا)، فالتلفيق (سرا) فالترحيل إلى طرة (سرا)، ولولا أن رآها أحد المحامين أثناء نزولها بملابس السجن وهي تُعرض على النيابة للمرة الثانية (صدفة)، ما أدركها أحد، ولا عرف بمكانها أحد، ولظلت مختطفة في يد سلطة، تخطف عيال الناس، وترمي بهم في غياهب السجون دونما ذنب جنوه، سوى أنهم يعيشون هنا، في مصر السيسي، تذكر: إسراء ليست منا آل الشغب، إسراء تربي قطة، وتلتقط الصور، وتأكل السيريلاك، نزلت "فسحة" ذهبت إلى السجن!!
إسراء الطويل، بلا تهمة حقيقية إلى الآن، لفقوا لها الانتماء للإخوان، على اعتبارها تهمة، لم يثبتوا، إسراء "مش إخوان طبعا"، ومع ذلك أصروا، لا دليل، تجديد حبس 45 يوما على ذمة "التلفيق"، لا دليل، تجديد آخر، لا دليل، تجديد ثالث، وصلنا إلى 45 يوما، لا دليل، تجديد رابع، خامس، سادس، لا دليل، الآن وصلنا إلى التجديد التاسع، أكثر من 120 يوما سجن، بلا دليل، ليسوا فشلة فقط في القانون، بل فشلة حتى في الشيء الوحيد الذي يجيدونه، في التزوير.
في الجلسة الأخيرة، أول أمس، بكت إسراء، يقول أبوها:
ليعلم الجميع أن إسراء لم تبك اليوم ولا قبل ذلك خوفا من السجن.. بكت إسراء لأن البيه وكيل النيابة، وسأحتفظ باسمه، في أول جلسة بعد ظهورها بعد الاختفاء القسري قال لها بالحرف الواحد ليس هناك أي تهمة وستخرجين الجلسة القادمة، ثم اختفى حضرته حتى الجلسة قبل الماضية في نيابة أمن الدولة العليا، وعندما رأته إسراء بكت بكاءً شديدًا، حتى إن البيه وكيل النيابة بكى لبكائها ووعدها بأنها ستخرج في الجلسة القادمة، أي جلسة التجديد العاشرة والأخيرة، ولم يأت حضرته إلى النيابة، فتم حبسها مرة أخرى للعرض على المحكمة للمثول أمام قاضي وليس أمام النيابة، وكل المحامين قالوا إنها ستأخذ إخلاء سبيل بمجرد وصولها إلى المحكمة.. فجأة وبدون سابق إنذار أو حتى إبلاغ المحامين للحضور، قرر الجبناء أن يكون عرضها اليوم على المحكمة أمام أحد قضاة الإعدامات، وهو معتز خفاجي، لذلك بكت إسراء الطويل ظنا منها أن أهلها وأصدقاءها وكل أحرار مصر غير متابعين أو أنهم لن يتمكنوا من الحضور معها".
المصدر
- مقال: وطن بحجم بكائنا موقع شبكة رصد