وسقط الوهم

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
وسقط الوهم
شعار حماس.jpg


بقلم : معتصم حمادة

التعويل على زحزحة الموقف الإسرائيلي المتعنت، بالمفاوضات وحدها، ما هو إلا وهم، والتعويل على خشبة إنقاذ أميركية تنتشل المفاوض الفلسطيني من أزمته، ما هو إلا وهم آخر. الحل في استعادة أوراق القوة الفلسطينية والعربية، والمدخل إلى ذلك إنهاء حالة الانقسام.

أخيراً، اعترف المفاوض الفلسطيني بأن الوصول إلى اتفاق مع الجانب الإسرائيلي، أمر شبه مستحيل، حتى أن رئيس الوفد الفلسطيني أحمد قريع صرح للمقربين منه أنه لن يعود إلى طاولة المفاوضات في هذه الفترة، لاقتناعه بأن مثل هذا العمل بات مضيعة للوقت. فالإسرائيليون متصلبون ويرفضون الاستجابة للحد الأدنى من المواقف الفلسطينية.

وهكذا يمكن القول، إن الطرف الفلسطيني المفاوض، تلمس بيديه الاثنتين، أن الدخول في سجال مع حكومة أولمرت، ومع وزيرة خارجيته تسيبي ليفني، على أمل الوصول إلى أساس متفق عليه لإطلاق العملية التفاوضية، وللوصول إلى حل دائم للقضايا الكبرى في الصراع... ما هو إلا وهم.

@ فأولمرت، كما بات واضحاً للعيان، ورغم محاولاته الدائمة الظهور بمظهر الحريص على إنجاح المباحثات مع الفلسطينيين، أكد، في الممارسة العملية، أن حرصه على صون تحالفه الحكومي، يفوق حرصه على إنجاح المفاوضات. يدفعه إلى ذلك المزايدة السياسية التي تأتيه من جهة تحالف «ليبرمان ـ يشاي» (إسرائيل بيتنا + حزب شاس المتدين) كما تأتيه من جهة أيهود باراك وزير الدفاع ورئيس حزب العمل، والذي يصفه خصومه في الحزب، ومنهم عمير بيرتس أنه انتقل في مواقفه إلى موقع الليكود في رفضه التسوية مع الفلسطينيين.

@ وليفني هي الأخرى تتصلب في مواقفها، وتتجاوز رئيس حكومتها في منصبه، وعينها على الكرسي الذي يتربع فوقه، تنتظر اللحظة التي تطيح به، لتحتل مكانه على رأس كاديما، ورأس الائتلاف الحكومي. لذلك يقول الفلسطينيون، إن ما يتم الاتفاق عليه مع أولمرت، تتولى ليفني نسفه، ولا تعترف به، وتعود بالمفاوضات على الدوام إلى نقطة الصفر.

ولعل واحداً من الأوهام التي هيمنت على عقلية المفاوض الفلسطيني إنه يمكن عبر المباحثات، مع «إبداء حسن النوايا»، دفع الجانب الإسرائيلي إلى القبول بما كان لا يقبل به.

وقد تناسى المفاوض الفلسطيني أن العملية التفاوضية هي تعبير عن موازين قوى على الأرض، وأنه بقدر ما تختل موازين القوى، ميدانياً لصالح هذا الطرف أو ذاك، بقدر ما يعكس ذلك نفسه إلى طاولة المفاوضات.

ومعضلة المفاوض الفلسطيني، وأزمته، أنه دخل العملية التفاوضية في ظل حالة فلسطينية منقسمة على نفسها، وفي ظل حكومة إسرائيلية محكومة لإطرافها الأكثر تطرفاً، وفي ظل حالة أميركية محشورة إقليمية تبحث لنفسها عن حل لهذه الحشرة عبر البوابتين الفلسطينية والعربية.

وثمة أمر خطير ينزلق إليه المفاوض الفلسطيني، يبرز كم هو أسير لأوهامه السياسية. هذا الأمر يتمثل في لجوء هذا المفاوض إلى «الوسيط» الأميركي باعتباره منقذاً للعملية التفاوضية من مأزقها، وحافظاً لماء وجه المفاوض الفلسطيني في مواجهة التصلب الإسرائيلي، وقد تناسى المفاوض الفلسطيني أن حديث الرئيس الأميركي جورج بوش عن رؤيا الدولتين جرت ترجمته ـ بفعل موازين القوى الميدانية ـ في خطوتين لهما دلالاتهما الواضحة جداً.

@@ الخطوة الأولى تتمثل في رسالة الضمانات الأميركية من الرئيس بوش إلى رئيس حكومة إسرائيل السابق شارون في 14/4/2004 وقد حملت تأييداً أميركياً (هو في حقيقته يقدم التصور الأميركي لتطبيق رؤيا الدولتين) للمفهوم الإسرائيلي للحل. فهو ضد العودة إلى حدود الرابع من حزيران، أي أنه ضد تفكيك المستوطنات وضد العودة عن احتلال القدس ومع ضمها إلى إسرائيل عاصمة أبدية لها، وضد عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، باعتبار أن الدولة الفلسطينية صارت هي مأواهم الأخير... وإذا كان بوش قد صرح فيما بعد أنه ما زال يرى المفاوضات سبيلاً للوصول إلى الاتفاق الدائم، فإن ذلك معناه أن أية مفاوضات ستنعقد، يفترض بها أن تصل إلى النتائج الواردة في رسالته إلى شارون.

@@ وما جاء في رسالة بوش إلى شارون، هو بالضبط ما جاء على لسان ليفني في مفاوضاتها مع قريع، وهذه هي الخطوة الثانية التي تظهر المفهوم الأميركي ـ الإسرائيلي لرؤيا الدولتين. ليفني تقول: لا عودة إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو)، ومع ضم المستوطنات. لا تراجع عن القدس المحتلة، لا عودة للاجئين الدولة الفلسطينية هي الوطن القومي للفلسطينيين (من هم في الضفة، وفي غزة وفي الشتات، وفي داخل إسرائيل نفسها) وهكذا تلتقي ليفني مع الرئيس بوش، من جهة ومع زميلها في الحكومة أفيغدور ليبرمان، من جهة أخرى في دعوته إلى ترحيل الفلسطينيين وطردهم من إسرائيل إلى مناطق السلطة الفلسطينية، تحت عنوان «تبادل الأراضي» بحيث تضم إسرائيل مناطق الكتل الاستيطانية، وتعطي للجانب الفلسطيني المناطق ذات الغالبية الفلسطينية داخل الدولة الإسرائيلية.

لذلك يبدو التعويل على خشبة إنقاذ تلقى إلى الجانب الفلسطيني في بحر الأوهام من قبل الجانب الأميركي، هو وهم جديد والتعويل على كلمة للرئيس بوش في أنابوليس تنقذ المفاوض الفلسطيني من أزمته، هو وهم إضافي: @ الخروج من الوهم يتطلب الاعتراف باستحالة الوصول إلى حل متوازن ومقبول مع الجانب الإسرائيلي في ظل الانقسام الفلسطيني.

والخروج من الوهم يتطلب الاعتراف باستحالة الوصول إلى هذا الحل، في ظل سياسة تعتمد المفاوضات خياراً وحيداً لا تسانده أية خيارات أخرى، كخيار المقاومة (أولاً وقبل كل شيء).

@ والخروج من الوهم يتطلب الاعتراف باستحالة الوصول إلى هذا الحل دون تضامن عربي، والتضامن العربي يجب أن يستند إلى موقف فلسطيني صلب ومتماسك وهذا ما يعيدنا إلى النقطة الأولى: لا إمكانية لموقف فلسطيني صلب ومتماسك ومحصن ضد الابتزاز السياسي (الإسرائيلي الأميركي) في ظل حالة الانقسام.

نسوق هذا الكلام وفي البال أن الجانب الفلسطيني المفاوض مقبل على أنابوليس ولسنا ممن يراهنون على احتمال أن يقاطع الفلسطيني (والعرب) مثل هذا اللقاء الذي تدعو له الولايات المتحدة ونسوق هذا الكلام ونحن ندرك أن الأطراف الفلسطينية لن تستعيد وحدتها في الساعات القليلة التي تفصلنا عن أنابوليس ومع ذلك لا بد من تحصين الموقف الفلسطيني، والتأكيد على أن ما تم رفضه في مفاوضات أريحا، و القدس ، يجب أن يرفض في أنابوليس. والتأكيد على ضرورة أن يكون الموقف الفلسطيني واضحاً، صريحاً، جلياً، بشكل أساساً لموقف متماسك ضد الضغوط، وأساساً لدعم عربي غير متلوٍ.

من هنا نرى أن على اللجنة التنفيذية في م.ت.ف. أن تتحمل مسؤوليتها في هذه اللحظة بالذات، وأن تضع النقاط فوق الحروف، وأن تتولى هي ـ وليس الوفد المفاوض ـ صياغة الموقف الفلسطيني إلى أنابوليس، في وثيقة ترسم حدود الموقف الفلسطيني، وتؤسس لعملية فلسطينية داخلية تفتح الباب لاستعادة الوحدة، واستعادة عناصر القوة الفلسطينية والتحضير لجولات من المجابهة مع العدو الإسرائيلي، ميدانياً، وسياسياً.

ولا نعتقد أن على اللجنة التنفيذية أن تبحث كثيراً لتهتدي إلى وثيقة فلسطينية توحيدية، تقدم إلى أنابوليس فوثيقة الوفاق الوطني تشكل أساساً جيداً للتعبير عن الموقف الفلسطيني وهي وثيقة وقعتها فصائل العمل الوطني الفلسطيني دون استثناء، إلى جانب فعاليات المجتمع المدني والقطاع الخاص وصف من الشخصيات الوطنية وممثلين عن المؤسسات (الرئاسة + التشريعي + الحكومة + المجلس الوطني).

كما نفترض، في السياق نفسه، أن الجانب العربي يمتلك هو الآخر وثيقة تشكل أساساً لوحدة الموقف العربي هي المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت (2000) وأعادت التأكيد عليها قمة الرياض (2007) وهي واضحة وصريحة وتقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وبالتالي يفترض عند تقديمها الالتزام عربياً بما ورد فيها فلا يتحول أنابوليس من لقاء لبحث قضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلى محطة للالتفاف على هذه القضية، لصالح بناء أقنية خلفية عربية ـ إسرائيلية تمهد للتطبيع، وتنسف مبدأ «الأرض مقابل السلام».

يستطيع الفلسطينيون، والعرب، إن هم أرادوا أن يقلبوا الطاولة على الأميركيين والإسرائيليين، إذا ما تحصنوا ضد الضغوط الأميركية، وضد التعنت الإسرائيلي، وإذا ما أعادوا تجميع أوراق القوة بين أيديهم، وهي عديدة.. وواحدة من أوراق القوة الإصرار على طرح مجمل قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، (على مساراته الفلسطينية والسورية واللبنانية) والدعوة إلى حل يشمل هذه المسارات.

من قال إن على القطار الأميركي أن يسير بالضرورة دون عراقيل، وكما رسمت طريقه رايس وليفني؟


المصدر

  • مقال:وسقط الوهمالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات