وحدويّ في زمن المذهبيّين

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
وحدويّ في زمن المذهبيّين


علي محمد حسين فضل الله

أن تكون وحدويّاً في زمن المذهبيّين، وأن تكون إسلاميّاً في زمن «المتمذهبين»، فأنت تدرك سلفاً حجم الضَّريبة الّتي تدفعها حيّاً، وربّما تستمرّ بدفعها ونيل الأجر والثّواب عليها، حتّى بعد الرّحيل عن هذه الفانية.

وقد كان الشيخ فيصل المولوي يعرف أنّه وثلّة من علماء الأمّة المخلصين يسبحون عكس التيّار، عندما يتصدّون بالموقف الحاسم والفتوى الجامعة لكلّ محاولات شقّ الصّفّ الإسلاميّ، ولكلّ عمليّات التّمزيق التي تظهر فيها الأمّة كعشائر متناحرة ومتقاتلة، فيما الاحتلال الصّهيونيّ والهيمنة الغربيّة يقهقهان لمشهد يتعاظم سوءاً، ويجعلهما أكثر راحةً في السّيطرة والبطش من خلال الحفر عميقاً في جرح الأمّة النّازف.

لقد عرف الشَّيخ المولوي، وهو المطلّ على السّاحة الإسلاميَّة من الشّرفة العلميّة، ومن موقع الفقاهة والأصالة، ومن الموقع الإسلاميّ الحركيّ الّذي انفتح فيه على كلّ الأقطاب داخل الواقع الإسلاميّ، أنّ التّركة ثقيلة وكبيرة في خطّ الوحدة الإسلاميّة، ولكنّه لم يسمح لليأس بأن يأخذ طريقه إلى قلب الأمّة، فعمل على التصدّي بطريقةٍ نوعيّةٍ فاعلةٍ لكلّ الإثارات والحساسيّات الّتي انطلقت في السنوات الفائتة، والّتي خطّط المستكبرون من خلالها لإدخال الأمّة في متاهات الحروب المذهبيّة، والتي انطلق الحديث فيها قبل سنوات على لسان مسؤولين غربيّين بأنّ الخطّة هي إدخال المنطقة في حرب المئة عام بين السنّة والشيعة.

كان موقف الشيخ المولوي بارزاً أثناء «حرب تموز»، واستطاع من خلاله أن يعيد توجيه البوصلة إلى الموقع الصّحيح، وأن يخاطب عقل الكثير من العلماء والفقهاء لكي يتوازنوا في مواقفهم، وليكونوا أكثر دقّةً في الحكم على المسلمين الشّيعة اللبنانيّين وتصدّيهم لغزوة الفرنج، وكذلك في الحكم على موقف المسلمين السنّة عموماً من الاحتلال الأجنبيّ... ليطلق صرخةً مدويّةً كان لها أصداؤها في كثيرٍ من المواقع الإسلاميّة المؤثّرة على مستوى العالم الإسلاميّ، ليعرف الجميع أنّ السنّة والشيعة يمثّلون الموقف الإسلاميّ الرّائد في مواجهة الاحتلال، وإن تراخت فئة صغيرة هنا، أو انحرفت فئة صغيرة هناك.. لأنّ المسألة لم تنطلق من اختلاف فقهيّ أو شرعيّ حيال المحتلّ الغاصب، بل من ضيق أفق البعض هنا أو هناك.

إنّ هذا الموقف الّذي صوّب فيه الشّيخ المولوي الأمور، لم ينطلق كموقفٍ لحظوي، ولم يكن ابن ساعةٍ سياسيّة معيّنة، لأنّه انطلق من رؤيته الإسلاميّة البعيدة المدى، ومن نظرته إلى العمق الإسلامي كفقيهٍ وكمجدّد، ولذلك رأينا سيرته كلّها تتحرّك في هذا الاتجاه، سواء في قيادته للجماعة الإسلاميّة، أو في دوره داخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أو في المجلس الأوروبي للإفتاء، أو عندما كان أميناً عاماً لجماعة عباد الرَّحمن في لبنان.. أو في الحقول الإسلاميَّة الواسعة التي عمل على زراعتها بالمواقف الوحدويّة والدّروس الحركيّة المنتجة، بعيداً عن كلّ الحسابات المذهبيَّة أو السياسيَّة.

لا نريد القول إنَّ الساحة الإسلاميَّة خسرت آخر الوحدويّين في غيابه، ولكنَّ المأساة تبدو كبيرةً، وفي هذه المرحلة بالذَّات، حيث نفتقد هؤلاء الكبار في الزَّمن الصَّعب الّذي تدور فيه الدَّوائر على الكثيرين، فيشهرون سلاح المذهبيّة والعصبيّة قبل أن يتبيّنوا ويتثبّتوا.. ومن دون أن يدقّقوا في حجم الهجمة الكبرى الّتي تستهدف الأمَّة...

رحمك الله يا شيخ فيصل، وعوّض الأمّة بعلماء يسيرون في خطّ الوحدة الإسلاميّة، ويدفعون الغالي والرّخيص لصون وحدة الأمّة الّتي لا تزال تتداعى الأمم عليها، كما تتداعى الأكلة على قصعتها.

المصدر