وحدة الفلسطينيين
بقلم : محمد الجندي
الوعظ بوحدة الفلسطينيين أمر مضحك مبك في آن واحد: شعب تعرض للتشريد، ويتعرض اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة للإبادة، يحتاج الوعظ بالوحدة! الشعب يتعرض للإبادة، لا لانتهاك حقوق الإنسان فقط، يتعرض للقتل والاغتيالات وهذه إبادة، وللتجويع، وهذه إبادة، وللحرمان من مصادر الرزق والغذاء، وهذه إبادة، وللتلوث البيئي وهذه إبادة، ولحرمان الجزئي أو الكلي من المياه ومن البناء والسكن، وهذه إبادة، وللاعتقال بالآلاف وهذه إبادة، ولحرمان فلسطيني 48 من أغلب الحقوق واعتبارهم مواطنين من الدرجة الدنيا وهذه إبادة، وللتضييق المتعدد الأوجه في مختلف بلدان اللجوء العربية، وهذه إبادة.
ورغم سيف الإبادة المصلت يحتاج الفلسطينيين الوحدة للدفاع عن أنفسهم!
منظمة التحرير الفلسطينية وحدت الفلسطينيين ورسخت نفسها الممثل الشرعي والوحيد لهم، واستطاعت بنضالها وبدعم التقدميين في العالم، أن تصبح عضواً مراقباًُ في الأمم المتحدة، وأن تنشئ ممثليات لها في بلدان عديدة.
ولكن ورط الأسلويون المنظمة في الاتفاقات المجحفة المعروفة، التي همشت المنظمة عملياً، وأغرقت الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في ظلام دامس. لقد بين بانتوستان (معزل) فلسطيني، وأقيمت فيه إدارة، سميت بالسلطة الفلسطينية، وهي تابعة بكل شيء للإدارة الإسرائيلية، وهي زيادة على ذلك ملزمة بموجب الاتفاقات بأمن إسرائيل.
وتتالت السيناريوهات المؤلمة: الأراضي المحتلة منطقة صيد مباحة للعسكرية الإسرائيلية تفعل فيها ما تريد: تقتل، تغتال، تعتقل، تهدم البيوت، تقلع الأشجار، تجرف الأراضي، تبني «الجدار»، ولا أحد لا دولياً ولا إقليمياً يقف في وجه ذلك.
الإدارات العربية لا تريد، إلا ما تريده الإدارة الأميركية، أي ما تريده العسكرية الإسرائيلية، وحتى عندما تدعم مالياً القادة الفلسطينيين، فإنها تفعل بإذن من الإدارة الأميركية، فالدعم والحالة هذه يقتضي نقطة استفهام.
ومع ذلك فالدعم يصل بجزء بسيط منه إلى الشعب الفلسطيني، رغم الحاجة الملحة، ويذهب بأغلبه لا يدري المرء إلى أين؟
ليت المسألة بالنسبة لوحدة الفلسطينيين هي في: الحق على من؟
ولا في الشرعية وعدم الشرعية.
بالنسبة لـ: الحق على من؟
هناك دم فلسطيني أهرق بأيد فلسطينية، وهذه الأيدي من المفروض أن يحاسبها الشعب الفلسطيني، ولكن مع الأسف الأيدي إياها هي التي تحاسب الشعب الفلسطيني، بدلاً من العكس.
أما «الشرعية» فلا شرعية موضوعياً لأحد. الشرعية الوحيدة الموجودة في الأرض المحتلة هي الشرعية الإسرائيلية.
لقد دخل النضال الفلسطيني منذ أوائل القرن الماضي في منعطفات خطرة ساهمت في ضياع الأرض وفي الشتات الفلسطيني الذي يوجد له نظير الآن هو الشتات العراقي.
المشكلة الأولى أمام النضال الفلسطيني كانت في أن الفلسطينيين واجهو الغزو الاستعماري المنظم بردة فعل طائفية وجدت تعبيرها بشكل مزدوج، بشكل مسالم ومتعاون من جانب الملك عبد الله (الأول)، وبشكل مقاوم ومنافس من جانب المفتي أمين الحسيني: كانت المسالة منافسة على النفوذ على الفلسطينيين، أكثر منها مقاومة ودفع الشعب الفلسطيني تضحيات ضخمة وصلت ذورتها في 1936 ولكنها ذهبت هذراً بسبب المشكلة الثانية أمام النضال الفلسطيني، والتي كانت في المظلة العربية للمقاومة، وهذه المظلة كانت في حقيقتها مظلة استعمارية.
بعد الحرب العالمية الثانية بقيت المظلة العربية تخيم على النضال الفلسطيني، فكان الشتات، وكانت إقامة دولة إسرائيل، وكانت فوق ذلك الشتائم التي وجهت إلى الكونت برنادوت، الذي دعا إلى عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، فكان الموقف منه هو نفس موقف إسرائيل، التي اغتالته.
وفي ستينات القرن الماضي أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) وتسلمتها الفصائل المسلحة، فتح في البداية ثم الفصائل الأخرى فيما بعد.
وارتكبت أخطاء فادحة، ومع ذلك بقيت للمنظمة أهميتها في كونها تمثل الكيان الفلسطيني كان من الممكن أن تعمل م.ت.ف. الكثير على الصعيد الدولي، وأيضاً على الصعيد العربي، ولا سيما أنها كانت مدعومة على نطاق واسع.
ودون التطرق إلى ما سلف من أخطاء، أخطرها كان التأرجح السياسي، واعتماد «الشطارة» بدلاً من المنظور النضالي البعيد الأفق، فقد ارتكبت الخطأ الأكبر في 1993 بتورطها في اتفاقات أوسلو.
ليست المشكلة في تلك الاتفاقات أنها صالحة أو غير صالحة، مجحفة، أو غير مجحفة، المشكلة فيها أنها ألغت عملياً النضال الفلسطيني.
وبالتزامها بالحفاظ على أمن إسرائيل ألغت حق الاحتجاج، الفلسطينيون في الشتات أصبحوا في حالة تحييد وعدا ذلك أصبحوا أيضاً تحت مطرقة الإدارات العربية، التي تمثل عملياً المطرقة الأميركية.
أما فلسطينيو الأرض المحتلة، ففلسطينيو أرض 1948 بقوا تحت المطرقة الإسرائيلية، وفلسطينيو 1967 دمرت حياتهم وقدموا تضحيات رهيبة في الانتفاضة الثانية، وما زالوا يقدمون، ولكن من أجل ماذا؟
لقد تدنت المطالب إلى التسهيلات على المعابر، وإلى فتح معبر رفح، وإلى التزويد بالوقود، وبهذه المادة التموينية أو تلك.
لقد ألغي عملياً النضال الفلسطيني، وألغي حق الاحتجاج الفلسطيني، بل ألغي حق الحياة للفلسطينيين، وألغيت عملياً المطالب الوطنية الفلسطينية (حق تقرير المصير، حق العودة، الخ).
الردة الطائفية لدى الفلسطينيين بفعل الأموال البترولية تزيد المأساة الفلسطينية: لقد ضاعت بذلك البوصلة الوطنية، واستعيضت ببوصلة طائفية.
الشعب الفلسطيني بمنظماته هو الذي يحدد مساراته النضالية ولا أحد يستطيع تحديدها بدلاً منه.
غير أن النضال، كي يكون تحررياً، يجب أن يكون ضد الاستعمار بوجهيه: الاحتلال والهيمنة، وبالنسبة للفلسطينيين يجب أن يكون بالدرجة الأولى ضد الاحتلال، وهذا لا يتفق مطلقاً مع التصالح والاحتلال لا واقعياً ولا نظرياً، والأمر هو خلاف ذلك على أرض الواقع.
أيضاً النضال الفلسطيني معقد، وليس مجرد تحرش بقوة الاحتلال يؤدي إلى دمار قرى وبلدات بكاملها.
النضال المسلح ليس تحرشاً وإنما يرتكز العمل المسلح على منظورات إستراتيجية وسياسية، وقديماً قال المتنبي، مع عدم موضوعية الاستشهاد بالشعر في المقال السياسي:
ووضع الندى في موضع السيف في العلا: مضر كوضع السيف في موضع الندى.
طبعاً نريد أن نفهم الكلام هنا، بأن استخدام السلاح في غير محله، أو بشكل لا يتفق فيه مع المنظورات الإستراتيجية ـ السياسية هو مضر مثل عدم استخدامه واعتماد «الشطارة» في الوصول إلى الأهداف التحررية.
منظمة التحرير الفلسطينية هي الطرف، الذي ينتظر المرء منه، أن يخرج من التهميش الأوسلوي، وأن يستقطب الشعب الفلسطيني كما استقطبه قبلاً في الشتات وفي الأرض المحتلة، وان يضع المنظورات الإستراتيجية ـ السياسية لنضال الشعب الفلسطينية في منافيه، كما في ظل الاحتلال.
ولكي تحمل منظمة التحرير الفلسطينية مسؤوليتها التاريخية، من المفروض أن تقوم بقفزة نوعية، هل تستطيع ذلك؟ نتمنى.
المصدر
- مقال:وحدة الفلسطينيينالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات