هندسة "ساسة بوست"
د.م أحمد عبدالحميد 11 نوفمبر 2015
(1)
برشلونة
بالكاد أغمضت عيني بعد منتصف الليل في ذلك الفندق الضيق في برشلونة. صمم الفندق بالكاد ليطبق على رأس المرء في أحلامه. مجهد، غارق في سبات عميق، تقطعه مكالمة هاتفية من مصر في الرابعة فجر ذلك اليوم. لا أحتاج لأن أخمن فحوى المكالمة، لقد تم اعتقال عزيز آخر.
في آخر مرة تلقيت مثل الخبر ذاته عن العزيز نفسه، انتفض جسدي كله، وأصيب الجهاز العصبي بمرض عضوي.. حسنًا، هذه المرة أنا أقوى، أستطيع تحمل الخبر، مرة أخرى. في خلال أقل من 3 ساعات، أحتاج أن أكون حاضرًا بتركيز في أول أيام رمضان، في مسابقة شبكة المحررين الدوليين لهذا العام؛ حيث ألتقي سارة للمرة الأولى.
(2)
إسطنبول
فزنا للتو بهاكاثون منتدى الشرق 2015. الهاكاثون هو مسابقة لعدد من الأيام في الصحافة، تتنافس فيها فرق صحفية. كل فريق مكون من صحفي ومصمم ومطور. الصحفي يعطي الرؤية والمعلومات لحل مشكلة ما، المصمم يقوم بعمل الألوان والأشكال المناسبة للمستخدمين، والمطور يتحمل عبء تنفيذ كل ذلك معهما.
تجاوز الفريق الذي تم تشكيله للتو خمس منصات صحفية عربية، ليتقرر أنه سيشترك في نهائيات برشلونة 2015.
كانت فكرة الفوز بسيطة ولكنها مؤثرة. كل الحلول الحالية لحل مشكلة تسجيل وتدوين ومتابعة حالات المعتقلين تعسفيًّا، غير فعالة، وربما يستمر أمر التسجيل وحده لمئات الأعوام .. دون نتيجة. والمعتقلون أكثر من 40 ألفًا في مصر، وأكثر من 20 ألفًا في السعودية والعراق، وأكثر من 6 آلاف في فلسطين، وأكثر من 3 آلاف في لبنان، و5 آلاف في الأردن والإمارات .. حسنًا، لقد كانت لدينا فكرة كيف يمكن حل ذلك؟ بدلًا من مئات الأعوام، في عشرات الأيام، لا أكثر. وفزنا، وتأهل الفريق للنهائيات العالمية.
وقابلت هارون.... على الباب.
(3)
هارون
ماذا لو كان من الممكن اختلاق زيارات وهمية لموقع وول-ستريت جورنال؟ ربما تتأثر مساحة "الأكثر قراءة" التي تتغير ديناميكيًّا على الصفحة الرئيسية مثلا؟ قطعًا ستتأثر. هل يمكن كذلك اختلاق تعليقات، بحيث تتأثر المساحة "الأكثر تعليقًا"؟ هل يمكن مثلا، أن يحظى تعليق بعينه على عدد من الإعجاب "اللايك" أكثر من غيره بحيث يظهر أولًا؟ أو بعدد من عدم الإعجاب بحيث يختفي من على مقال ما بعينه؟ نعم، وهذا بالضبط عمل هارون الأساسي.
هارون يعمل في شركة تتخصص في حماية المؤسسات الصحفية من تلك الأعمال. ذلك يعني أيضًا أن هارون بإمكانه دائمًا العبث في الصفحة الرئيسية لأشهر المنصات الصحفية. بإمكان هارون كتابة "سكريبت" برنامج كمبيوتر صغير، يتسبب في صعود مقال ما لقائمة الأكثر قراءة، أو "الصاعد" Trending ويصبح فجأة في مواجهة عشرات الملايين من القراء بغير وعي منهم، بذلك يصبح هارون هو الناشر باختياره أهم ما يقدمه موقع ما، لا نيو-يورك تايمز، أو فاينانشال تايمز.. خطير عمل هارون، صح؟!
(4)
سارة
"افتح هاتفك، أرني ما لديك"، هكذا طلبت سارة مني، مباشرة.
حسنًا، لا أملك الكثير على هاتفي، فقط حساب RSS لمتابعة كل ما ينشر على ساسة-بوست طوال الوقت، وحساب برنامج إدارة الأعمال والإدارة لمتابعة نشاط أعضاء المجتمع، وبعض تطبيقات التواصل المعتادة، وتصفحت الكل مع سارة، وشاركتها كيف يمكن أن تتم متابعة مئات الأشخاص وأعمالهم طوال الوقت. أنا مهندس في النهاية، ودوري لم يكن أبدًا "تحريريًّا" وإنما "إداريًّا".
سارة صحفية، أربعينية، أم لطفلين، ربما ثلاثة. وهي المسؤولة عن الصفحة الرئيسية لبي بي سي. لم أكن أعرف وقتها. مالت ناحيتي، فتحت هاتفها، وقالت: "كل ما أحتاج فعله هو أن أضغط على هذا الزر، ليتم نشر إشعار Push Notification لأكثر من 50 مليون شخص، الآن .. تحب أن تشاهد؟!"
حسنًا، حان وقت أن أفاجئ سارة: أخبرتها أنني توليت مسؤولية ساسة منذ بضعة أشهر، وأننا قاربنا على ما هو أكثر من 20 مليون مشاهدة، بعد أن كان كل ما وصلنا إليه في العام الماضي بالكاد 3 ملايين مشاهدة، يكفي أننا هنا الآن نتنافس معك، ونخسر سويًّا يا سارة!
علمت من سارة، أن تطبيقًا بسيطًا لصحافة البيانات وحده على البي بي سي، تسبب في فيض من الزوار أكبر من 25 مليون زائر في خلال أسبوع، أيام الألعاب الأوليمبية في لندن. وأن واشنطن بوست وحدها تملك 50 فريقًا، يتضمن كل فريق مصممًا ومطورًا وصحفيًّا، وكأنها تقول: أنت هنا وحدك.
أنا؟ كنت أقول شيئًا آخر: أنا على الطريق.
المصدر
- مقال: هندسة "ساسة بوست" موقع شبكة رصد