هل هي مؤامرة على الشريعة الإسلامية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
هل هي مؤامرة على الشريعة الإسلامية

بقلم صالح عشماوي

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين

مقدمة

إن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية من أول مبادئ الإخوان المسلمين منذ فجر دعوتهم، ارتفع بها صوت الإمام الأول ومؤسس الجماعة وإمامها الشهيد حسن البنا، منذ خمسين عاما، وظل يرددها ويصر عليها حتى آخر رمق من حياته، وآخر نبض من نبضات قلبه الكبير وآخر نفس من أنفاسه الطاهرة.

وكان هذا دأب الأستاذ الهضيبي رحمه الله. وقد آمن الإخوان المسلمون بهذا الهدف إيمانا أرسخ من الجبال وأعمق من الأنهار والمحيطات ولكن المستعمرين وأذنابهم من الحكام أنكروا عليهم هذا المطلب منذ اللحظة الأولى، وكانوا يسخرون منهم ويقولون لهم (أتريدون قطع يد السارق وجلد الزاني؟‍) وينظرون إليهم كبقايا من العصر الحجري أو فلول من أهل الكهف!

فلما رأوا إصرارهم على الحق وثباتهم علي المبدأ، حلوا جماعتهم وصادروا ممتلكاتهم وأموالهم، واغتالوا مرشدهم، وعلقوا المشانق وفتحوا لهم أبواب السجون والمعتقلات، وسلطوا عليهم ألوانًا من التعذيب والتنكيل تقشعر من هوله همجية القرون الوسطى وتستحي منه فظائع محاكم التفتيش..

فعلوا كل ذلك ليفتنوهم عن دينهم وتحكيم شريعتهم فما ازدادوا إلا إيمانا مع إيمانهم، وما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا، وكلما خرجوا من محنة دخلوا محنة أخرى، وفي كل مرة يخرجون أقوى يقينا وأصلب عودًا!

نصر وفتح قريب

هذه صفحة من جهاد مرير وتاريخ قديم لعل أكثر شباب هذا الجيل لا يعلم عنه شيئًا، ولكنه فتح عينيه وأرهف أذنيه وهو يرى ويسمع أصوات جماهير الشعب من مختلف الطبقات تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية ويرى استجابة من الحكومة لهذه الرغبة الشعبية فتؤلف لجنة من وزارة العدل لهذا الغرض، وحركة في صفوف أعضاء مجلس الشعب تتقدم بالأسئلة ومشروعات القوانين وتؤلف اللجان، ونرى جميع الأحزاب السياسية وعلى رأسها زعماؤها، تضع تطبيق الشريعة الإسلامية الغراء على رأس برامجها.

وحتى الحزب الماركسي في مصر قد ركب الموجة كعادته يتخلف عن الركب فأعلن موافقته على تطبيق الشريعة الإسلامية بتحفظ الشروط والقيود!

بل إن الأمر يخرج من المستوى الإقليمي إلى المستوى القومي فإذا بوزراء العدل في الدول العربية يبحثون في اجتماعهم الأخير توحيد التشريعات العربية على أساس أحكام الشريعة الإسلامية.

ولا شك أن ما نراه ونسمعه الآن حول المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية وتوحيد القوانين على أساسها في مصر والبلاد العربية والإسلامية هو ثمرة هذا الجهاد الطويل والنضال المرير للإخوان المسلمين.

وقد سقط على الطريق شهداء .. وخاض الإخوان دون ذلك بحرًا من الدماء والعرق والدموع حتى كلل الله كفاحهم بنصر من عنده وفتح بينهم وبين قومهم بالحق، وبدت بوادر فجر عهد جديد يسود فيه الإسلام ويحكم القرآن.

أعداء الإسلام .. يتحركون؟

ولكن ما كان أعداء الإسلام الذين لا يرضيهم أبدًا تطبيق الشريعة الإسلامية ليقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا التيار الجارف والحركة الزاحفة لكتائب المؤمنين وبدأوا يخططون لثورة مضادة ومؤامرة خبيثة ليحبطوا هذه الحركة المباركة أو يلووا عنقها وذراعها، ويطوقوها ويحولوها عن أهدافها ويفرغوها من مضمونها.

وقد اتخذت هذه المؤامرة خطوطًا مختلفة في أنواعها متباينة في اتجاهاتها لكنها كلها تلتقي وتصب عند هدف الحياة كما أراد الله وبلغة رسوله صلوات الله وسلامه عليه.

التمهيد والإعداد

ومن هنا بدأنا نسمع نغمة تردد: إننا نرحب بتطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن لابد من تمهيد وإعداد وتحضير للمجتمع الإسلامي الذي تطبق فيه الشريعة. وعلينا أن نبدأ (بالعقيدة) فهي بمثابة الأساس من البناء وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكمل الناس عقلاً وأحسنهم أخلاقًا وأكثرهم كمالاً وجلالاً ومؤيدًا بالوحي، قد قضى ثلاثة عشر عامًا في مكة ليثبت العقيدة في نفوس أصحابه، فكم يلزمنا نحن وفي عصرنا هذا من السنين لنغرس العقيدة الصافية الصحيحة في نفوس الناس؟

ونسي هؤلاء المخادعون أن العقيدة عند الناس في مصر موجودة وموروثة، وهي راسخة متينة، فليس فيهم من كان يعبد آباؤه أو يعبد هو الأصنام والأوثان، وإذا كان بعض الشوائب لصقت بالعقيدة في عصور الجمود والانحطاط، فما أسهل تجليتها وتنقيتها لتبرز مصقولة مضيئة تشع نورًا ويقينًا.

التدرج في التطبيق

وقال أعداء وخصوم تطبيق الشريعة الغراء لابد من التدرج في هذا التطبيق كما تدرج الشارع في تحريم الخمر، ونسي هؤلاء المكابرون أن الرسالة قد تمت واكتملت يوم نزلت الآية الكريمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فلسنا نبدأ شريعة جديدة وليس لأحد أن يزيد عليها أو ينقص؛

فنحن أمة مسلمة من واجبها أن تحيا حياة مسلمة وأن تنزل على حكم الإسلام كاملاً في كل شأن من شئونها، فهذا مقتضى الإيمان بالإسلام (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا) (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).

التسويف والمماطلة

وهناك بعض المسئولين رأى بدهاء أن يمتص غضب الشعب على القوانين الوضعية واحتواء الرغبة في تطبيق الشريعة الإسلامية عن طريق التسويف والمماطلة فأعلنوا عن قيام لجنة بوزارة العدل لتعديل القوانين بما يتمشى مع الشريعة الإسلامية.

وحصرت اللجنة عملها في تقنين الحدود الإسلامية وهي لا تتعدى خمسة أو ستة وأبرز هذه الحدود قطع يد السارق ورجم الزاني أو جلده. ومضت فترة طويلة والشعب في انتظار انتهاء اللجنة من عملها وكتبنا مرارا على صفحات هذه المجلة نقول (كفى تسويفًا ومماطلة) وكان المفروض أن تعرض مشروعات هذه القوانين على مجلس الشعب السابق لإقرارها ولكن المجلس (استنفد قوته القانونية وهي خمس سنوات وانفض ولم يعرض عليه شيء)!

وجاء المجلس الجديد (الحالي) وانتهت اللجنة من عملها وراجع مجلس الدولة (قانون الردة) وأتم فضيلة الإمام الأكبر الراحل شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله مشروع قانون وضعته مشيخة الأزهر للحدود وآخر للأسرة، وحمل هذه المشروعات الشيخ صلاح أبو إسماعيل عضو مجلس الشعب إلى المهندس سيد مرعي رئيس مجلس الشعب السابق، فوضعها في درجه وحبسها في مكتبه!

وتقدم عدد كبير من أعضاء مجلس الشعب يطلب مناقشة هذه القوانين على وجه السرعة طبقا للائحة الداخلية للمجلس ولكن رئيس المجلس آنئذ سيد مرعي أصم أذنيه، وانتهت الدورة البرلمانية ولم يعرض على المجلس شيئًا!.

رئيس جديد ونشاط جديد

وجاءت الدورة الحالية لمجلس الشعب وانتخبت الدكتور صوفي أبو طالب رئيسًا للمجلس ومنذ اللحظة الأولى لانتخابه قام الرجل يذكر بأنه آن الأوان لتنفيذ الدستور الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع وأن الإسلام دين الدولة.

وتكلم عن تطبيق الشريعة الإسلامية في المجلس وحاضر عنه خارج المجلس ودب نشاط جديد بعد فترة طويلة من الانتظار والركود.

وانتهت هذه الحركة الجديدة بتأليف أربع لجان في مجلس الشعب لتطبيق الشريعة الإسلامية مهمتها البحث والدراسة وضمت اللجان لها أعضاء من خارج المجلس من علماء الفقه ورجال القانون الوضعي.

وأكبر ما نخشاه أن ندور في حلقة مفرغة، وأن نعود من جديد إلى سياسة التسويف والمماطلة وكسب الوقت تحت ستار اللجان التي تبحث وتدرس!

والمعروف في مصر أنه إذا أراد المسئولون قتل مشروع أحالوه على لجنة فما بالك إذا كان المشروع محولاً على أربع لجان؟! إن هذه اللجان تبحث في القانون الجنائي والمالي والمدني والتجاري فضلاً عن الناحية الاقتصادية والاجتماعية ونظام الحكم والقضاء؛

وإذا كان الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا رحمه الله قد أمضى 33 عاما في وضع القانون المدني وحده فكم من السنوات تلزم للانتهاء من القانون الجنائي والمدني والتجاري؟ إننا نخشى أن يتحول مجلس الشعب من (سلطة تشريعية) إلى (مجمع للبحوث) أو (معهد للدراسات الإسلامية)!

النيات بالأعمال

وإذا كانت الأعمال بالنيات فإن النيات بالأعمال والقلوب لا يطلع عليها ويعلم خفاياها إلا علام الغيوب ولكن النيات الخالصة والعزيمة الصادقة لابد أن يبدو أثرها من عمل واضح وصريح.

ونحن لا ندعي أننا نعلم نوايا هؤلاء المسئولين ولكننا نقول لهم هناك مشروعا قوانين تمت فعلا وهي موجودة في أدراج مكتب رئيس مجلس الشعب فما الداعي لانتظار الانتهاء من جميع المشروعات لتعرض دفعة واحدة؟ لماذا لا تعرض فورا المشروعات الجاهزة لإقرارها ثم يعرض ما سيتم بعد ذلك ويكون في هذا الإنجاز دليل على حسن النية وصدق العزيمة؟

نموذج من الباكستان

إنني أقدم للمسئولين في مصر نموذجًا من باكستان الصادقة في تطبيق الشريعة الإسلامية. فقد وجه الرئيس الباكستاني الفريق محمد ضياء الحق خطابًا إلى الأمة في مستهل العام الهجري الجديد تحدث فيه عن خطوات حكومته لتطبيق (نظام الإسلام)

جاء فيه:

(وبإمكاني بفخر وتواضع القول بأن الحكومة الحالية منذ مجيئها إلى السلطة وهي لا تترك مجهودًا إلا بذلته في سبيل تطبيق نظام الإسلام الذي هو دستور حياة أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى آخر أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم قبل 14 قرنًا وسجل ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة).

ومضى الرئيس الباكستاني ضياء الحق يقول (إن الإسلام يتكون من ثلاثة أجزاء:

الجزء الأول يتعلق بالعقائد وهذه المعتقدات خالية من أي عنصر من عناصر الإكراه. أما الجزء الثاني فهو العبادات والصلاة ذات أهمية خاصة بين العبادات.
وسنبدأ بخطوة إلى الأمام في هذا المضمار فقد أصدرت الآن توجيهات بضرورة إعداد الترتيبات خلال أسبوع لأداء الصلاة في كافة المؤسسات الحكومية خلال ساعات العمل. وأنا أتوقع من كافة رؤساء الأقسام أن يكونوا قدوة لموظفيهم بأداء الصلاة إن لم يقدروا على إمامة المصلين أنفسهم. وعندما يحين وقت صلاة الجمعة فلابد أن تغلق كافة الحوانيت ومراكز الأعمال.
أما القسم الثالث من الإسلام فيتعلق بالقوانين وبعضها شخصية بينما الأخرى عامة. أما فيما يتعلق بالقوانين الشخصية فإن المحاكم تقوم فعلاً بحسم القضايا استنادًا إلى معتقدات كل مواطن.
وأما القوانين العامة فالذي أعنيه هو ما يتعلق بمؤسسات الزكاة والعشر وهي أعمدة هامة للنظام الاقتصادي الإسلامي ومن المواضيع المهمة الأخرى إلغاء الربا ويبحث خبراء ذوو تفكير إسلامي هذا الموضوع وعندما يجد هؤلاء حلاً عمليًا سيطبق فورًا.

أما في الوقت الحاضر فإنني أعلن الخطوات التالية:

  1. إلغاء الربا على المبالغ المستغلة من الموارد الحكومية.
  2. عدم استيفاء أية فوائد على القروض الممنوحة لموظفي الحكومة.
  3. ستقوم مؤسسة الاستثمار القومي على أساس المشاركة وليس على أساس الفوائد (الربا).

ومن الخطوات العملية الأخرى إقامة (هيئة تشريعية) من حق الحكومات الاتحادية والإقليمية وكل مواطن أن يطرح أي قانون سنته الحكومة أمام الهيئة لتقرير هل هو إسلامي أو غير إسلامي؟

المصدر