هل نعيد الفن الحميد من جديد ؟
بقلم : السيد خميس النقيب
هناك لحظات فارقة، وأوقات حاسمة، وأحداث كاشفة، وساعات خافضة رافعة كأنها يوم القيامة ..!! خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ "(الواقعة:3) ترفع أناس وتخفض آخرين... والثورة البيضاء في مصر كانت من تلك اللحظات الفارقة والأحداث الكاشفة ..!! كانت زلزال قوي خشعت له قلوب ، وارتجفت منه نفوس ، وتحركت له ضمائر ، والله يقدر الأحداث ويداول الأيام بين الناس ليعلم الجميل من القبيح ، والخير من الشرير ، والصالح من الطالح ، والعبد من الحر ...!!" لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "(الأنفال:37) نعم إنها أظهرت الغث من السمين ، وبينت الرخيص من النفيس ، وكشفت المعادن الأصيلة في هذا البلد الأصيل ..!!
كل ذلك كان بعفوية وتلقائية وبساطة لم يسبق لها مثيل.. !! رغم أن الخطب عظيم، و الأمر جلل ، والموقف لا يحتمل أي خلل ، بل كان حياة أو موت ..الوسط الفني انقسم بين شرفاء وأوصياء ومشككين ومترددين ومتحولين ومتخاذلين ومخذلين ...!! وربما ازداد الامر بعد زيارة نفيب الممثلين الي فضيلة المرشد وكأن الدنيا قامت ولم تقعد بسبب اختلافات في بعض الرؤي التي قد تجنح الي امر الدنيا فحسب ، فقط من اجل ربح دنيوي لصحيفة او لفضائية او لمجلة ..!! وهذا الربح قد يكون اولا يكون ، واذا كان فانه يدوم او لا يدوم ، واذا دام فان صاحبه ابدا لايدوم وانما الدوام والبقاء لله لا لأحد سواه ...!! " قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً* أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ.."( النساء :76-78)
الفنان المفروض هو نبض الشعب، ومرآة المجتمع، وعين الحدث، سواء (المذيع- المراسل – الصحفي - المصور – المؤلف – المنتج – المخرج – الممثل ) ...واسمحوا لي أن أطلق علي كل من هؤلاء لفظ ( فنان) لان كل منهم كان بالفعل فنان في الميدان أو في نقله عن أحداث الميدان وكل مكان كان يناضل في الثورة ويقول لا للمستبدين والمفسدين فهو تابع للميدان ..!! نعم كنت انظر إلي وجه المذيع اعرف ما وراءه من بريق عينيه أومن نبرة صوته أومن فلتات لسانه ..!!
والثورة أظهرت لنا قائمة من الشرفاء علي مستوي الحدث ربما لم يتأثر بهم الشعب في أعمالهم الفنية بقدر ما تأثر بهم في ميدان التحرير، ربما لم يبكوا الشعب في أيامهم العملية بقدر ما ابكوه من الشجاعة والإقدام في أيام الخلاص والحرية ، مواقفهم كانت رائعة، وصفوفهم كانت مانعة، ووجوههم كانت ساطعة.وشعاراتهم كانت لامعة .!! هناك زرعوا في قلوبنا الانتماء ، وأضفوا علي حياتنا الشموخ والإباء ، ورفعوا رؤوسنا فوق حتى لامست السماء ، كانوا في مقدمة الصفوف في الضراء قبل السراء ، لذلك كانوا وسيظلوا- بإذن الله - في قلوبنا شرفاء ..!!
أيها الفنانون الشرفاء صنعتم المجد ارجوا أن تظلوا في طريقه ...!! أبهرتم العالم ارجوا أن تبقوا مبهرين دائما، عشتم الحرية بل جلبتم عصر الحرية من جديد ارجوا أن تحافظوا علي حريتكم وثورتكم ... اعلم أن معظمكم كان يقدم فنا جيدا وآخرون كانوا يقدمون الغث ربما لضغوط النظام البائد ،الآن أصبحتم أحرار وانتم من أعظم فناني العالم طاقة وإبداعا ، شموخا وإكراما ...
هل نري عمر المختار من جديد ؟!! هل نري الرسالة من جديد ؟!! هل نري الشيماء من جديد ..؟ هل يولد مع الثورة فنا راقيا علي مستوي الحدث لا فنا خليعا يزكم الأنوف ويخلع القلوب ويطمس القيم ويزرع الجريمة ويمهد للميوعة ويناصر الفساد والإفساد ..!! أظن أنكم تعلمون ما اقصد ..!! الفن عندنا علي مدار عقود كثيرة كان لا يعبر إلا عن الخلاعة والميوعة والسفور حتى المسلسلات الدينية كانوا يلوثونها بمشاهد تعف عنها النفس..!!
لقد ناديتم بالتغيير وجاء وقت التغيير نريد فنا يضاهي الفن السوري الراقي الرائع.. دينيا واجتماعيا وشعبيا دونما إخلال بقيم المجتمع الأصيلة ودون أن تجرح شعور احد ، نريد أن تشاهد الأسرة بكاملها مسلسل يعبر عن مشكلة اجتماعية حقيقة يجد الحائر فيه حلا لمشكلته ، والضال نورا لطريقه ، والمهموم تفريجا لهمه ، ولا تفاجأ بمشهد مخل يضرب كرسي في الكلوب و كل يخفض رأسه ، أو يمسح عرقه ، أو يندب حظه ، أو تتفرق الأسرة بعد اجتماع كل في مكانه..!!
نريد فنا جديدا ، نريد فنا حميدا ، نريد فنا سعيدا ، نريد فنا جميلا نريد أن ندرس لتلاميذنا في المدارس الغزوات والبطولات والإبداعات في فنا راقيا دون إخلال بالمبادئ الدينية أو القيم الاجتماعية ، نريد أن نبني حياتنا علي مستوي أحداث ميدان التحرير من الإبداع والحب والوفاء والأخوة والصبر والمثابرة وإنكار الذات ، نريد أن تستمر الثورة لكن بمعني آخر .. ثورة علي الخلاعة ثورة علي الميوعة ، ثورة علي العري ، ثورة علي اللحم الرخيص ...!!
أيها الفنانون الشرفاء.. الأمر ليس هين وكذلك ليس صعب..!! فسراقة خرج يوم الهجرة صباحا طالبا لرأس محمد صلي الله عليه وسلم وعاد في المساء حارسا لها ..!!
وعمر بن الخطاب خرج من بيته ليقتل محمد وهو لا يدري انه سيؤمن به ويدافع عنه ، ويقتل بعد ذلك من يتجرأ عليه ولا يرضي بحكمه ..!!والقلوب بين يدي خالقها "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" (الأنفال:24) وكذلك أهل بدر خرجوا يوم ان خرجوا من اجل العير والبضائع ، وكانوا لا يدرون أنهم سيقتلعون بأمر ربهم رءوس الفساد والإفساد ..!!
" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ "(الأنفال:7) وموسي عليه السلام بعد ان مر من البحر بمعجزة هائلة "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ"(الشعراء:63) أراد أن يضرب البحر ثانية ليفصل البحر بينه وبين الملعون فرعون إلا ان الله أراد للدنيا ان تتخلص من ذلك الفرعون للأبد بالغرق " وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ "(الدخان:24) مع الإبقاء علي بدنه فقط للعبرة والعظة "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ "(يونس:92) لكن للأسف لم يتعظ من الفراعنة اللاحقين احد فكان ما كان ..!! وانتم خرجتم مع الثوار من اجل إصلاحات محدودة ، وطلبات معدودة فأراد الله لكم ان تقتلعوا بتوفيقه الفراعنة الحديثة ، والأصنام الخبيثة والخزائن الحبيسة ..رؤوس الفساد والاستبداد ...!!
أيها الفنانون الشرفاء .. بعيدا عن قائمة العار الذين نافقوا النظام، وسخروا الأقلام، وسخروا من الأعلام ، ولونوا الكلام ، وداهنوا وزير الإعلام ، وأرادوا للثوار السقوط والظلام ..!! وأرادوا أن يشوهوا الثورة ولم يندي لأحد منهم جبين ويقول كنت مخطئ ثم يعتذر ..لا.. إنهم حاولوا ان يمثلوا علي الثوار وتحولوا 180 درجة شمال ..!! لكن هيهات هيهات ان يمثلوا علي الثورة أو الثوار ، إنهم..ثوار فاهمين يعني إيه ثوار ، يدركون متي يثورون وكيف يهداون ليقوموا بالبناء ، يعني يحملون معاول لهدم الفساد والاستبداد وإعلاء رايات المجد والرشاد وبناء الحرية والعدالة وإعادة الأمجاد ، بدلا من التخويف والتشكيك والتخوين أيها الفنانون الشرفاء
انطلقوا نحو المجد والإبداع ، نحو الأصالة والإمتاع ، نحو البناء والإصلاح بناء النفوس وايقاظ العقول ، وتطهير الضمائر وإصلاح المقاصد وكل ذلك سيعمل معا علي بناء الوطن من جديد ، سيعيد مصر الي مكانتها التي تليق بها لان الفن الصحيح مرآة المجتمع ...فهل بذلك نعيد الفن الحميد من جديد ؟ لعل العهد الجديد بدأ فعلا بإطلاق الحرية للمذيعات المحجبات أن يظهرن علي شاشة التلفاز المصري الشامخ طبعا بعد الثورة ، وحبذا بعد إتمام نجاحها ...!!
اللهم وفق الجميع لما فيه خير البلاد والعباد ، اللهم أتم نجاح هذه الثورة العظيمة ، اللهم ارفع راية الحق المبين ، اللهم وفق ولاة أمورنا لما فيه خير البلاد والعباد ، اللهم اجعلنا من جند الحق وأنصار الحرية ،اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا وصلي اللهم علي محمد وعلي أهله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
المصدر
- مقال:هل نعيد الفن الحميد من جديد ؟موقع:الشبكة الدعوية