هل جماعة الإخوان دستورية؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

هل جماعة الإخوان دستورية؟

يري النظام الحاكم أن جماعة الإخوان المسلمين، جماعة محظورة قانونا، وأن النشاط السياسي للجماعة محظور أيضا بحكم الدستور، ويضيف لذلك حظر أي نشاط سياسي لأي حركة إسلامية، علي أساس ما قام به النظام من تعديلات دستورية حظرت قيام حزب أو نشاط سياسي علي أساس الدين أو علي مرجعية دينية. وهذا الموقف من قبل النظام يعني أن جماعة الإخوان محظور عليها العمل في السياسية،


وأن من ينتمي لهذه الجماعة ليس له الحق في ممارسة العمل السياسي، والتعبير عن موقفه السياسي. وهذا الموقف من قبل النظام يمثل عملية إقصاء سياسي لتيار مهم، من خلال بعض الصيغ القانونية والدستورية، والأهم من ذلك أن عملية الإقصاء تحدث في الواقع عبر العديد من الأساليب. ونفهم من هذا، أن النظام قد قرر أن يكون المجال السياسي خاليا من أي فصيل أو حزب إسلامي. والحقيقة أن الحياة السياسية في مصر تشهد انسدادا وجمودا كاملا، يمنع الحراك السياسي أساسا، ومع هذا يوافق النظام ظاهريا أو شكليا علي وجود أحزاب يسارية أو ليبرالية، ولكنه يرفض وجود أحزاب إسلامية.


ومؤدي هذا، أننا بصدد تجريم فكر والسماح بغيره، وتلك عملية سيكون لها العديد من الآثار علي الواقع وعلي المستقبل. فهذا الموقف من النظام الحاكم يعني تجريمه لأي فكر سياسي نابع من المرجعية الإسلامية، رغم الانتشار الواسع الذي تحققه الحركات الإسلامية، مما يعني عمليا جعل الفكر فعلا مجرما، والدعوة له جريمة، وتلك في الواقع هي أشد مظاهر الاستبداد. فتجريم الفكر يسقط كليا أي شكل من الديمقراطية، وحرية التعبير، كما يسقط أي شكل من الحقوق السياسية والمدنية، لأنه ببساطة موقف عنصري ضد فكر بعينه. ولنا أن نتخيل ما آل إليه المجتمع، وهو يشهد انتشارا واسعا للحركات والتيارات الإسلامية، وفي الوقت نفسه تفرض عملية حظر سياسي علي تلك الحركات، مما يعني ضمنا فرض حظر سياسي علي قطاع واسع من المجتمع المصري.


وهنا يجب ملاحظة الأثر السلبي لعملية تجريم الفكر، لأنها تعني منع فكر معين من التواجد في الساحة السياسية، أيا كان حجم المؤيدين له. ومعني هذا ضمنا فرض الوصايا علي المجتمع المصري، ومنعه من اختيار التيار السياسي الذي يمثله، بل ومنعه أيضا من التعبير عن رأيه في المجال السياسي. وفرض الوصاية يهدم فكرة الديمقراطية من أساسها، لأن تلك الوصاية تحدد مسبقا للناس أي فكر تختار، أو تحدد لهم الاختيارات التي يلزم عليهم الاختيار بينها. وبهذا تقف عملية التفاعل الحر في المجتمع، والتي بدونها لا تتشكل القوي السياسية بحرية، حتي تظهر أوزانها ومدي تواجدها في المجتمع.


وكل وصاية علي الأمة، هي شكل من أشكال الاستبداد، لأنها تكون خصما من حرية الأمة في اختيار التيار السياسي المعبر عنها، وفي اختيار الحاكم الذي يمثلها. فإذا أضفنا لهذا مدي ما تتمتع به الحركات الإسلامية، سواء التي تعمل في المجال السياسي أو التي لا تعمل بالسياسة، من شعبية في المجتمع المصري، نكون بصدد حرمان قطاع واسع من المجتمع من التمثيل في المجال السياسي.


ولهذا لا يعد تجريم الفكر حرمانا لتنظيم معين من العمل السياسي، مثل جماعة الإخوان المسلمين، بل يعد حرمانا لكل من يؤيد الجماعة أو يؤيد فكرها، ولكل من يؤيد الرؤي السياسية الإسلامية، من القيام بدوره والتعبير عن نفسه واختيار من يمثله، في العملية السياسية. وهذا ما نريد التشديد عليه، فالمسألة لا تتعلق بتنظيم معين، رغم خطأ وخطورة منع تنظيم من حقه في العمل السياسي، ولكن تتعلق بالمكونات الاجتماعية للمجتمع نفسه. فحظر تنظيم هو حظر لقطاع من المجتمع، وهو نوع من التمييز الفج بين الناس، وحرمان قطاع واسع منهم من كل حقوقه السياسية. وعندما يتم هذا الحظر للتيارات الإسلامية، ويسمح للاتجاهات الليبرالية واليسارية أن تمارس دورها السياسي، رغم تضاؤل شعبيتها، يصبح تجريم العمل السياسي الإسلامي، هو منع للجماهير من ممارسة حقوقها السياسية، وفرض اختيارات عليها لا تلقي تأييدا جماهيريا ملحوظا، وبهذا تتحول الساحة السياسية إلي ساحة تغيب عنها الجماهير كليا أو جزئيا، خاصة أن النظام الحاكم يواجه الحركات الإسلامية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، بسبب شعبيتها. وبهذا يتم تنحية المجتمع من العملية السياسية، لأن كل تيار سوف يحظي بشعبية يمكن أن يتم تحييده بنفس الطريقة، وهي تجريم الفكر. فمن يفتح باب تجريم الفكر، ومن يوافق عليه، يؤسس لموقف مستبد يتخلص من خصومه السياسيين من خلال تجريم فكرهم.


وفي المقابل سنجد أن الفكر السياسي الغربي لا يجرم في العملية السياسية المصرية، بمعني أن من يأخذ عن الفكر السياسي الغربي، يتاح له العمل السياسي، ومن يأخذ فكره السياسي من المرجعية الإسلامية، يجرم عمله. وعليه تصبح المرجعية الإسلامية مجرمة، والمرجعية العلمانية مباحة. وهذا الوضع يؤدي إلي خلل آخر، حيث يصبح الأخذ عن الغرب متاحا، والأخذ عن المرجعية الحضارية للأمة غير متاح. وهذا الموقف من النظام الحاكم يضعه في موضع الإدانة من الجماهير، لأنه يمنع مرجعية الأمة الحضارية، وفي الوقت نفسه يفتح الباب أمام التغريب علي الأقل في المجال السياسي. والخروج عن مرجعية الأمة، وتجريم من ينتمي للمرجعية الحضارية الإسلامية، يؤدي إلي موقف صدامي من قبل النظام الحاكم مع المجتمع، أو مع شريحة غالبة فيه. مما يؤدي إلي خلق فجوة بين المجال السياسي وبين المجتمع. وهذا نوع من حصار المجتمع ومرجعيته، وحصر المجال السياسي في مرجعيات وافدة. والصدام بين النظام السياسي ومرجعية المجتمع، أمر يؤدي إلي صدام حقيقي علي أرض الواقع، في أي لحظة من اللحظات، ومهما تأجلت تلك اللحظة، إلا أنها تظل محتملة. فغياب مرجعية المجتمع الحضارية عن النظام السياسي، تجعل هذا النظام غريبا عن المجتمع، ومعاديا له. ومن ثم تصبح عملية الصدام محتملة، أيا كان التوقيت الذي تحدث فيه. أما الحجج التي يتذرع بها النظام ومنها أهمية فصل الدين عن السياسة، فهي لا تجوز أن تكون قاعدة عامة علي كل التيارات، بل يكون علي كل تيار تحديد موقفه من العلاقة بين الدين والسياسة. ويكون للناس أن تختار بين تلك التيارات المتنافسة.


والحاصل أن التأييد الجماهيري الملحوظ للتيارات الإسلامية، يدل علي وجود قاعدة عريضة من الناس، تجعل الدين مرجعية للسياسة، وبالتالي يكون تحريم المرجعية الدينية للسياسة متعارضاً مع رغبة قطاع واسع من المجتمع، وحرمانا لهذا القطاع من التعبير عن رأيه.


وحيث إن الأمة مصدر السلطات فهي إذن مصدر الشرعية الأول. والأمة فوق الدستور، بمعني أن الدستور يعبر عن اتفاق أو إجماع الأمة، وأي نص دستوري لا يعبر عن الأمة، يظل نصا معيبا ومجروحا في شرعيته.

لأن الأصل أن يكون الدستور هو دستور الأمة، يعبر عنها، ويحكم المجال السياسي طبقا للقيم الغالبة في الأمة.

ولا يمكن أن يكون الدستور قيدا علي الأمة، يمنعها من اختيار من يمثلها أو من يحكمها.

فحرية الأمة وحقها كمصدر للسلطات والشرعية، سابقة علي الدستور، الذي يأتي نتاجا لها. ومن هنا تتحقق دستورية جماعة الإخوان المسلمين، لأنها تمثل قطاعا من المجتمع، وتعبر عن رؤيته السياسية، ولها حق أصيل في ممارسة العمل السياسي طبقا لهذه الرؤية. وللمجتمع أن يختارها ويحدد وزنها النسبي، ويعطيها الأغلبية أو يحرمها منها. فحظر النشاط السياسي للجماعة، أو أي حركة إسلامية أخري، هو تعد علي حق الأمة في الاختيار. وجماعة الإخوان تعمل من خلال النهج السلمي الإصلاحي، ولذا فهي تعمل بين الناس وتدعوهم لرؤيتها، وحقها في هذا العمل جزء من حق الأمة في الاختيار. وعمل الجماعة السياسي، يتمثل في أنها تقدم نفسها للمجتمع ليختارها أو يرفضها، ويصبح حقها في العمل السياسي مرتبطا بحق الأمة في اختيار ممثليها. وأي قيود يضعها النظام علي الجماعة، هي في الواقع قيود علي المجتمع، وهي بهذا تمثل اعتداء سافرا من النظام الحاكم علي حقوق الأمة.


المصدر : نافذة مصر