هل تفيد الحكومة.. من الاسترخاء السياسي قبل التأزم الإقليمي؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
هل تفيد الحكومة.. من الاسترخاء السياسي قبل التأزم الإقليمي؟


بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري

الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان

ل تفيد الحكومة.. من الاسترخاء السياسي قبل التأزم الإقليمي؟

بعض المراقبين يلقي باللائمة على حادث سقوط الطائرة الإثيوبية. لأن النكبة التي حلت بركاب الطائرة وذويهم، وبالتالي بجميع اللبنانيين، عطلت عمل الحكومة، وأخرت قرارات مجلس الوزراء.. من اجازة قانون الانتخابات البلدية، الى اصدار تعيينات موظفي الفئة الأولى في الإدارة والقضاء والأجهزة الأمنية والعسكرية..

بينما يخالف مراقبون آخرون، حين يعتبرون أن حادث سقوط الطائرة أتاح فرصة واسعة لحكومة الوحدة الوطنية كي تعالج هذه الملفات بهدوء وأعصاب باردة، وأن يظهر كبار رموز السلطة (رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس الوزراء) في باحة مطار بيروت مع ذوي المصابين، أو في مناسبات تقبّل العزاء، سواء في الكنيسة أو قاعة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مما خفف الاحتقان ووفّر أجواءً ايجابية تصالحية يمكن أن تساعد في الوصول الى تسويات للقرارات الهامة محل الخلاف، دون أن تنعكس سلباً على الأجواء السياسية التي شهدت حالة من الاسترخاء أو الهدنة المعلنة كما وصفها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله.

لكن هل يمكن لهذه الأجواء أن تستمر لفترة أطول.. خاصة أن الأوضاع الداخلية والإقليمية لا توحي بالكثير من الاطمئنان والثقة.

فعلى الصعيد اللبناني تبدو عدد من القوى السياسية غير مرتاحة لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، لأنها خرجت منذ أشهر قليلة من أجواء الانتخابات النيابية، وبعضها لا تزال تعالج جروحها وتلملم «عدّة الشغل» عندها وتستنهض قواعدها الشعبية التي فاجأتها المصالحات المتوالية، خاصة في فريق 14 آذار، بعد «مراجعات» وليد جنبلاط منذ 2 آب الماضي، وزيارة الرئيس سعد الحريري لدمشق والأجواء الايجابية التي أعقبتها، سواء على مستوى العلاقة الشخصية مع الرئيس بشار الأسد أو العلاقات الرسمية بين البلدين.

أما في الجانب الآخر، فريق 8 آذار، فإن السجالات التي دارت بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحليفه العماد ميشال عون حول تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، هزّت أركان تكتل 8 آذار.

اضافة الى أن إحياء ذكرى 14 شباط تربك جميع القوى السياسية، لأن أجواء التصالح السائدة تجعل من اعتبار هذه الذكرى مناسبة جامعة أمراً ممكناً، خاصة بعد التوجه الجامع الذي صدر عن المتحدثين باسم تكتل 14 آذار وامكانية أن تشارك فيها كل القوى السياسية، من رئيس المجلس النيابي الى الأمير طلال ارسلان وغيرهما.

أما في الساحة الاقليمية فإن هناك استحقاقين يضغطان على المنطقة بأسرها، وزيارة رئيس المحكمة ذات الطابع الدولي (أنطونيو كاسيزي) المتعلقة بجرائم اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري ورفاقه، وجولته على كبار الرسميين اللبنانيين، توحي بأن هناك جديداً في ملف القضية، وهناك من يتحدث عن امكانية صدور القرار الظني (الاتهامي) خلال شهري آذار أو نيسان، وأن الادعاء الدولي سوف يفرج عن جميع المعلومات التي توصل اليها التحقيق، وان اعلان القرار سوف يجري تحويله الى مجلس الأمن الدولي ليناقشه في أولى جلساته، ثم يعلنه الأمين العام للأمم المتحدة.

وهذا ما سوف تكون له تداعيات وانعكاسات بالغة الأهمية على الوضع اللبناني، سواء تأكد التوجه القديم للتحقيق أو أخذ منحى آخر تحدثت عنه مجلة دير شبيغل الألمانية، مما قد يعصف بجميع المصالحات التي توصل اليها اللبنانيون.

الاستحقاق الاقليمي الثاني والأهم هو احتمال تعرض لبنان لهجوم اسرائيلي استتباعاً لتداعيات البرنامج النووي الايراني واصرار الكيان الصهيوني على أن ايران سوف تكون قادرة على انتاج سلاح نووي يلغي التفوق الاسرائيلي ويخلّ بمعادلة الرعب القائمة حتى الآن على تفرد اسرائيل بهذا السلاح.

وقد حملت الأيام القليلة الماضية تهديدات اسرائيلية واضحة في هذا الاتجاه، باعتبار أن حزب الله يشارك في الحكومة اللبنانية، وأن هذه الحكومة تسمح له بتطوير قدراته القتالية بما يهدد «المدنيين» على الجانب الآخر.

وقد اتهم رئيس وزراء العدوّ يوم الثلاثاء الماضي خلال مؤتمر صحفي عقده مع الرئيس الايطالي سيلفيو برلسكوني، الحكومة اللبنانية بأنها تسمح لحزب الله بتطوير قدراته العسكرية، وأردف نتن ياهو: «اننا قلقون لآخر المستجدات في لبنان وتدفق الأسلحة والصواريخ في انتهاك فاضح للقرار الدولي رقم 1701»، وأضاف «أن حزب الله يشارك في الحكومة اللبنانية ويطوّر قوته العسكرية في ظل هذه الحكومة».

ويشير وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك لأول مرة الى أنه «في حال اندلاع مواجهات على الحدود مع لبنان، فإن اسرائيل لن تحصر نفسها في ضرب أهداف لحزب الله فقط». والتهديد الاسرائيلي يستهدف قطاع غزة كما يستهدف لبنان، وهذا مرهون بموقف المقاومة الإسلامية، في لبنان وقطاع غزة، من أي مواجهة تقع في المنطقة خلال الأشهر القليلة القادمة.

ويتحدث المراقبون عن أن الكيان الصهيوني لن يغامر بدخول مواجهة غير محسوبة, سواء على الجبهة الشمالية مع لبنان أو الجنوبية مع قطاع غزة، استناداً الى سيناريوهات جرى الحديث عنها على كلتا الجبهتين، تتحدث عن اجتياح بري من الجنوب اللبناني باتجاه البقاع وصولاً الى قطع طرق الامداد من سوريا، والعودة الى احتلال قطاع غزة مرة أخرى.

ويرى محللون صهاينة أن اسرائيل جربت حظها سواء في اجتياح قطاع غزة أو اختراق الحدود اللبنانية براً، وقد منيت بخسائر كبيرة، ثم كانت مضطرة للانسحاب بعد أيام، وهذه المرة سوف تعتمد القصف من بعيد، جواً وبراً وبحراً، بحيث يجري تدمير كل ما تصل اليه القذائف والصواريخ.. خاصة أن المطلوب هو شل فاعلية شبكة صواريخ حزب الله في الجنوب اللبناني، وصواريخ حركة حماس في قطاع غزة، حتى لا تكون عنصراً فاعلاً في المواجهة المحتملة مع إيران.

ويتوقع المراقبون أن تكون أشهر الربيع القادم حاسمة بالنسبة للموقف الاسرائيلي من البرنامج النووي الإيراني، وان مناورات أجراها الطيران الاسرائيلي أثبتت امكانية قصف المفاعلات الإيرانية والعودة الى قواعدها.

أما ردود الفعل الايرانية فهي محسوبة كذلك، وباتت بطاريات الباتريوت تغطي سواحل بلدان الخليج، لا سيما الكويت وقطر والبحرين ودولة الإمارات، فضلاً عن القطع البحرية الأمريكية التي لن تكون متفرجة خلال هذه المواجهة.

بقي القول ان لبنان لن يكون بمنأى عن هذا الاستحقاق، وحبذا لو تفيد الحكومة اللبنانية من أجواء المصالحة - الداخلية والاقليمية - حتى يكون الموقف اللبناني، الرسمي والشعبي، واحداً.. أو على الأقل متكاملاً، فتؤدي الحكومة دورها، وكذلك الجيش والمقاومة والقوى الحية في المجتمع اللبناني.

المصدر