هل أسدل الستار على قضية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؟
بقلم/ د. عصام العريان
بالإفراج عن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد والأمين العام لاتحاد الأطباء العرب ومعه بقية المتهمين، وعلى رأسهم د. أسامة نصر عضو مكتب الإرشاد، ولم يتبق إلا د. أسامة سليمان صاحب شركة الصرافة المتهم بتحويل الأموال وغسيلها يكون السؤال مشروعًا: هل أُسدل الستار على القضية التي عُرفت باسم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؟
نستطيع أن نقول نعم، بخبرة التعامل مع قضايا سابقة، فسيتم إيداع الأوراق في أدراج "نيابة أمن الدولة العليا" دون قرار، مثلها مثل عشرات القضايا التي تم القبض على آلاف الإخوان المسلمين فيها، ولم يتم التصرف فيها حتى الآن منذ قضية "سلسبيل" الشهيرة ومرورًا بأحداث كثيرة.
وهنا يحق للرأي العام أن يتساءل: لماذا يتم استخدام هيئات لها احترامها ومكانتها في تنافس سياسي يجب أن يكون محترمًا ومشروعًا؟.
إن القبضَ على د. أبو الفتوح وزملائه من قبله ومن بعده ثم إخلاء سبيلهم بهذه الطريقة في أيام معدودات تم بقرارٍ سياسي وليس بقرار قضائي أو أمني، ولحساب أهداف سياسية وليس لمعاقبة متهمين على جرائم ارتكبوها أو اتهموا فيها.
وتم توظيف قوات الأمن وعشرات الضباط والجنود ثم نيابة أمن الدولة وعشرات المحققين، ومعهم جهاز إعلامي حكومي وخاص ومستقل لخلق صورة ذهنية ولتصفية حسابات سياسية ولتشويه أداء الإخوان المسلمين مثلما تم كل فترة طوال تلك السنين التي يُحاصر فهيا الإخوان حصارًا شديدًا، ويُمنعون من النشاط والحركة الطبيعية ويُعتقل منهم الآلاف وتُصادر لهم الممتلكات والأموال، ويُطاردون في كلِّ انتخابات ويُمنعون من المشاركة كمواطنين أصلاء في بلادهم رغم رفع شعار "المواطنة"، وتنتهك كافة حقوقهم القانونية والدستورية في ظلِّ رفع شعار "حقوق الإنسان".
لقد جاءت تلك القضية التي لم تكتمل فصولها حتى الآن وينتظر لها أن تودع الأدراج بجوار قضايا سابقة في إطار معاقبة الإخوان على موقفهم من حرب غزة التي ما زالت آثار الدمار فيها باديةً للعيان ويقوم بزيارتها كأطلال وفود من شتى أنحاء العالم إلا مصر، ويستمر الحصار الذي خلفته على شعب غزة الصابر الصامد حتى الآن، وكان صوت الإخوان هو الأعلى- إن لم يكن الوحيد- اعتراضًا على الموقف الهزيل والضعيف الذي اتخذته مصر الرسمية، وقامت ببثِّ الرعب في قلوب الشعب والقوى والنخب السياسية لمنعها من إدانة ذلك الموقف المشين الذي شوَّه صورة مصر التاريخية، فكانت جرأة الإخوان في التصدي للحرب المجنونة رفعًا للتشويه الذي جعل مصر صامتةً أو متواطئةً أو مشاركةً في ذلك العدوان، والذي حاول العدو الصهيوني أن يستغل ذلك الموقف غير المبرر وغير الواضح في موقف يجب أن يجتمع كل المصريين عليه ضد العدوان الصهيوني في إظهار مصر مشاركة في الحصار ومشاركة في العدوان.
هنا كان يجب على النظام أن يُكرِّم الإخوان أو على الأقل أن يتفهم دواعي احتجاجهم لمصالح مصر العليا، وأن يوظف تلك الاحتجاجات لصالح مصر، ولمنع العدوان، ولوقف الحرب المدمرة على أشقائنا في غزة.
لكن الذي حدث كان العكس بسبب انحراف بوصلة السياسة المصرية أو ترددها بين حماية المصالح الوطنية وحماية مصالح فئة خاصة تسللت إلى قمة الهرم من ساسة يطمحون إلى وراثة البلاد ورجال أعمال لا مانعَ لديهم من المتاجرة بكل شيء ولو في دماء أهل غزة ودمار مساكنهم.
لقد عظُم على هؤلاء أن ينطق الإخوان بما يخالف رؤيتهم في السياسة الخارجية أو يُهدد مصالحهم الخاصة، ولو كان لحماية مصالح البلاد العليا، فكانت تلك القضية التي ظهرت دوافعها من بداية القصف الإعلامي في صحف رجال الأعمال وصفحات الصحف القومية التي سيطر عليها أتباع "لجنة السياسات" وبدا واضحًا من البداية أن الهدف سياسي لا أمني أو وطني.
الذي تغيَّر خلال تلك الشهور هو أن الأطراف الأخرى استفادت من الحرب، بينما خسرت مصر الكثير من مكانتها ودورها.
نجح اليمين الصهيوني في كسب الانتخابات، وأصبحت مسيرة السلام معطلة أو قل عليها السلام، وبات في "خبر كان".
وانحاز "محمود عباس" إلى الصفِّ الأمريكي، وغرق في الوهم الصهيوني، وضاعت كل أوراق اعتماده التي وضعها في جيب "بوش" و"أولمرت" ولم يحصل على شيء، وانهارت مكانته بعد أزمة "تقرير جولدن ستون"، وأعلن رغبته في اعتزال موقع الرئاسة وعدم التجديد له وترك الجميع في حيرة؛ هل هي مناورة أم نية حقيقية؟ وإذا كانت حقيقية فمن البديل؟ وهل تنهار السلطة بخروج عباس ويتم تسليم الأمور إلى "سلام فياض" رجل البنك الدولي والمؤسسات الدولية؟ وهو ليس على وفاقٍ مع مصر ولم يزرها أبدًا تقريبًا؟.
وذهب "بوش" وجاء "أوباما" بملفات أخرى، وتبخرت وعوده مع الأيام وضاع أثَّر كلامه الجميل في "القاهرة"، وتأخَّرت القضية الفلسطينية على جدول أعماله، وأصبح مهمومًا بالأزمة الاقتصادية والمالية ومشروع الرعاية الصحية.
وظهرت تركيا في الأفق كوكيل إقليمي حصري يجمع شتات الملفات ويتدخل في كل القضايا، ويظهر كالساحر الذي يقلب الموازين في ظل تراجع العرب أجمعين وفي مواجهة التمدد الإيراني الذي بات العرب في حيرةٍ من أمره ولا يعرفون كيف يتعاملون معه.
وانكفأت مصر على نفسها تلملم جراحها وتداوي ما ظهر من آثار الحرب على غزة وتحسَّنت علاقتها إلى حدٍّ ما بحماس وخففت الضغوط عليها وعلى القطاع، وبدا أن الأمور ستظل مجمدةً، وأن الأموال الموعود بها في مؤتمر "شرم الشيخ" للإعمار ستتأخر طويلاً بعد أن ضاعت جهود مصر في المصالحة بسبب تعنت الرباعية وأمريكا وجورج ميتشيل وهيلاري كلينتون وليس بسبب رفض حماس كما يُروِّج الإعلام.
اختلطت الأوراق واختلفت الأولويات، ولم يعد من المناسب الضغط على الإخوان وعلى حماس.
وتأخَّر الهم الداخلي لأن ضبط الانتخابات القادمة ممكن وميسور دون الحاجة إلى قضية في ذلك الحجم، وبذلك الاسم (التنظيم الدولي) في هذا الوقت، وانتصر الجناح الذي لم يكن مرحبًا بمثل تلك القضايا في الشأن الخارجي ولا بمثل تلك المعاملة، ولا ذلك التهييج الإعلامي الذي اختلطت فيه المصالح الخاصة بالشأن العام الوطني.
أما الدكتور أبو الفتوح فلعل له شأن خاص يتعلق بدوره في رسم صورة مختلفة عن الإخوان غير تلك النمطية التي يروجها النظام في الداخل والخارج بانفتاحه على كل القوى التيارات واتصالاته الخارجية المتينة ومشاركته في ندوات متعددة مع أوروبيين وأمريكيين مما أزعج النظام.
هنا جاء قرار الإفراج عن د. أبو الفتوح ود. أسامة نصر وإخوانهم وجمال عبد السلام ود. أشرف عبد الغفار وبقية الإخوان قبل عيد الأضحى المبارك ليحتفلوا بالعيد مع أسرهم وأولادهم وإخوانهم بعد شهورٍ طويلةٍ قضوها ظلمًا في غياهب السجون.
فمرحبًا بالحرية، وآملين أن يخرج كل المظلومين من سجون مصر وسجون العرب والمسلمين
المصدر: نافذة مصر