نواب الإخوان يسجِّلون موقفًا تاريخيًا لاحترام أحكام القضاء
03-01-2004
مقدمة

• عدم تنفيذ الحكومة لأحكام القضاء إعدام للعدالة وذبح للقضاء.
• فتح باب الترشيح في دوائر نواب التجنيد تحدٍّ لأحكام أربعة محاكم.
• الحكومة- بهذا الإجراء- تدفع الناس للعنف للحصول على حقوقهم.
• نواب الإخوان يحذرون من تلاعب الحزب الحاكم بالسلطة التشريعية.
سجَّل نواب (الإخوان المسلمين) بمصر موقفًا تاريخيًّا عندما أعلنوا في جلسة البرلمان- التي عُقدت السبت 27 ديسمبر الجاري- رفضهم لعدم تنفيذ الحكومة الأحكام القضائية الخاصة بالانتخابات التكميلية لمجلس الشعب (البرلمان المصري)، وقد شهدت الجلسة مناقشةً عنيفةً بين الدكتور "محمد مرسي"- رئيس الكتلة البرلمانية لنواب (الإخوان المسلمين)- وبين الدكتور "أحمد فتحي سرور"- رئيس البرلمان- حول ما اعتبره الدكتور "مرسي" إعدامًا للأحكام القضائية على يدِ السلطة التشريعية الممثَّلة في مجلس الشعب.
وكانت جلسة السبت قد بدأت بقيام بعض النواب الذين فازوا في الانتخابات التكميلية- التي أُجرِيَت يوم الخميس 25 ديسمبر الجاري- بحلف اليمين الدستورية، فطلب الدكتور "محمد مرسي" التحدث باسم اللائحة، وعندما أعطاه رئيس المجلس الكلمة انتقد رئيس كتلة الإخوان قيام الحكومة بفتح باب الترشيح من جديد في الدوائر التي خلَت باستقالة نواب التجنيد، كما انتقد البرلمان لموافقته على ذلك باعتباره السلطة التشريعية.
ذبح القضاء وإهدار الاحكام
واتَّهم د. "مرسي" الحكومة والبرلمان بذبح القضاء وإهدار أحكامه، مدلِّلاً على ذلك برفض الحكومة تنفيذَ أحكام القضاء الإداري التي أعلنت ضرورة قصر إجراء الانتخابات التكميلية على الذين خاضوا انتخابات عام 2000م، مشيرًا إلى أن دور البرلمان أساسٌ في التشريع والرقابة كمؤسسة تشريعية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والقضائية، وأكد أن أكبر أربع محاكم بمصر قضت بذلك، وهي المحكمة الدستورية العليا، ومحكمة النقض، ومحكمة القضاء الإداري، ومحكمة مجلس الدولة، ورغم أحكام هذه المحاكم التي تمثل عصب القضاء بمصر فقد أصرت الحكومة على تنفيذ مخططها بما يُخالف أحكام القانون ونصوص الدستور، وأضاف أن الحكومة تجاهلت الأحكام القضائية المتتالية التي صدرت عن القضاء الإداري، وأصرَّت على فتح باب الترشيح في الدوائر أمام الجميع، وهو ما اعتبرَه النائبُ بأنه حكمٌ بالإعدام على السلطة القضائية واغتيال للأحكام الصادرة عن الحكومة.
ووجَّه الدكتور "مرسي" خطابه لرئيس المجلس، قائلاً له: إنك أستاذ قانون كبير، وموافقتك على ما قامت به الحكومة فيه اغتيال لأحكام القضاء، وإهدار لكرامة المؤسسة التي يلجأ إليها المصريون وهم مطمئنون، وأضاف "مرسي" أن القضاء نفسه لم يجعل حكم القاضي نهائيًا، بل جعل لذلك درجات، مشيرًا إلى أن المواطن الذي يقف أمام القضاء ليس مهمًا عنده أن يكون ملمًّا بأحكام القانون بقدر راحته واطمئنانه في عدل القاضي ونفاذ حكمه دون التواء، وما يحدث الآن يقتل هذا المعنى في نفوس المصريين الذين يكنون كل تقدير واحترام للقضاء وأحكامه.
وأضاف الدكتور "مرسي" أن إصرار الحكومة على تجاهُل أحكام القضاء، وعدم تنفيذها، والضرب بها عرض الحائط... هو ما يدفع الناس للعنف لأخذ حقوقهم بأيديهم، وأمام الهجوم الشديد من رئيس الكتلة الإخوانية على الحكومة والبرلمان..
حاول الدكتور "فتحي سرور" إنهاءَ الكلمة بأيِّ شكل، مُتحجِّجًا بأن ما يطرحه الدكتور "مرسي" ليس له دخل في اللائحة، وطلب من الدكتور "مرسي" تقديم طلب إحاطة عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية، إلا أن الدكتور "مرسي" أصرَّ على استكمال حديثه، مؤكدًا أن مصر كلها تنتظر كلمة المجلس وموقفَه في احترام أحكام القضاء، فقام رئيس البرلمان بأخذ موافقة نواب الحزب الحاكم الذين يشكِّلون الأغلبية في المجلس على إخراج الدكتور "مرسي" من الجلسة؛
بحجة أنه لم يلتزم باللائحة، إلا أن الدكتور "مرسي" رفض الخروج رغم موافقة نواب الحزب الحاكم على طلب رئيس المجلس الذي قدم طلبًا جديدًا بتحويل الدكتور "مرسي" للجنة القِيَم؛ لأنه رفض "السكوت"، وهو ما قابله نواب الإخوان وعدد من النواب المستقلين برفض قاطع وبهجوم على الحزب الوطني والحكومة التي أهدرت كرامة القضاء، عندما أصرت على عدم تنفيذ أحكامه.
ونتيجةً للمجهود الشديد والمناقشات الساخنة تعرَّض الدكتور "مرسي" لأزمة صِحيَّة بسيطة، وتم نقلُه للبَهو الفرعوني بالمجلس، وقام الدكتور "حمدي السيد"- رئيس لجنة الصحة بالمجلس ونقيب أطباء مصر- بإجراء الإسعافات اللازمة للدكتور "مرسي" الذي تعافَى وأكمل جِلسةَ البرلمان التي ناقشت عدة تقارير أخرى، خاصةً وأنَّ رئيسَ المجلس أعلن عن قراره بسحب كل الإجراءات التي اتَّخذها ضدَّ الدكتور "مرسي".
أزمة الاستقالة
ولم تكد تنتهي مناقشة الدكتور "مرسي" الساخنة حتى دخل نواب المعارضة في مناقشةٍ أخرى ساخنة مع رئاسة المجلس، عندما عرض رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية التقرير الخاص بقيام النائب "عبدالرحمن راضي" سحب استقالته التي وافق عليها المجلس في 5 ديسمبر الجاري، باعتباره أحد نواب التجنيد، وقيام النائب بسحب استقالته التي وافق عليها المجلس؛ لأنه اكتشف فجأةً أنه لم يؤدِ الخدمة العسكرية لسبب قانوني، ولم يكن متهرِّبًا من التجنيد، كما حدث من النواب الـ18 الآخرين الذين قبل المجلس استقالاتهم.
حيث اعترض نواب الإخوان على قرار اللجنة العامة بموافقتها على سحب الاستقالة، مؤكدين أن ذلك يُعدُّ سابقةً برلمانيةً خطيرةً لم يشهدها البرلمان المصري طوال تاريخه، وأنها ستكون سببًا في زيادة تراجع هيبة واحترام المجلس أمام الجماهير التي لم تعُد تثِق في المجلس ولا في قراراته، وفي كلمته قال نائب الإخوان المهندس "السيد حزين":
إن عدول المجلس عن قراره- بقبول الاستقالة- كارثة خطيرة؛ لأن الاستقالة لم تكن مسببة بأنها بسبب تهرب النائب المذكور من التجنيد، ولكنها كانت استقالةً عامة من المجلس، وقد قبِلها المجلس بالفعل.. فما الداعي لرجوعه عنها، خاصةً وأنها لم تكن مسببة؟! وحذَّر "حزين" من خطورة إقدام المجلس على هذه الخطوة؛ لأنها ستكون بمثابة بدعةٍ سيئة البرلمان في غنىً عنها.
وهو نفس ما أكده النائب المهندس "صابر عبدالصادق"، الذي أكد أن المجلس بهذا الإجراء أصبح هيئةً من هيئات الحزب الحاكم، الذي ينفذ ما يشاء ووقتما يشاء، وأعلن النائب رفضه ورفض كتلته لهذا الإجراء الذي يُسيء لسمعة المجلس ولسمعة نوابه، كما اتهم النائب المهندس "محمد فريد حسنين"- رئيس الهيئة البرلمانية للحزب الناصري- بعض نواب الحزب الحاكم بالحصول على رشاوى من نواب التجنيد؛
ليوافقوا على مبدأ الاستقالة الذي يخالف القانون والدستور، وقد قدَّم 23 نائبًا- يمثلون نواب الإخوان وعددًا من نواب المعارضة والمستقلين- مذكرةً للدكتور "فتحي سرور" رئيس البرلمان، أكدوا فيها أنه عند مناقشة موضوع استقالة النائب "عبدالرحمن راضي" ثار جدل واسع، وانقسم الرأي إلى فريق يرى أن تفسير المحكمة الدستورية يبطل عضوية الزميل، وبالتالي يجب مناقشة تقرير اللجنة الدستورية حول موقفه من التجنيد، وليس مناقشة استقالته التي تعد باطلةً؛ لأن عضويته باطلةٌ من الأساس.
وفريق آخر- وكانت معه رئاسة المجلس- يرى أن العضوية تثبت بالإرداة الشعبية للناخبين، وبالتالي فإن المجلس يناقش موضوع استقالة مقدمة من العضو بإرادته ودون إبداء أسباب، وأُخذت موافقة المجلس، وتم إعلان خلوّ الدائرة، وأشار النواب في مذكرتهم أنه لم يكن هناك أيةُ سوابق برلمانية في هذا الصَدَد، ولم توضِّح اللائحة الخاصة بالبرلمان ذلك؛ حرصًا وتأكيدًا منها على أن المؤسسة التشريعية يجب أن يكون أعضاؤها بمنأىً عن التردد، خاصَّةً في الأمور الهامة كالعضوية.
وأعلن النوَّاب أنهم- لما سبق- يُعلنون رفضهم لتقرير اللجنة العامة، وحذَّروا المجلس من الموافقة عليه؛ لأنها ستكون سابقةً برلمانيةً سيئة للمجلس.
المصدر
- خبر: نواب الإخوان يسجِّلون موقفًا تاريخيًا لاحترام أحكام القضاء موقع اخوان اون لاين