نهوض اليسار قضية وطنية ملحة
بقلم:محمد خضر قرش - القدس
محتويات
لاوطن بلا يسار
لا يستقيم العمل الوطني في فلسطين وحتى في أي دولة أخرى , بدون وجود تيار أو تنظيم يساري حقيقي له مقومات وصفات وعناصر اليسار المعروفة.
ولعل أهمها تمثيله للطبقة العاملة والفئات الفقيرة صاحبة المصلحة الحقيقية في بناءالوطن الخالي من الاستغلال والاحتكار والفساد وقبل هذا وذاك – بالنسبة لفلسطين – ان يعمل على محاربة ودحر المحتل الغاشم الجاثم فوق الأرض الفلسطينية وان يتصدر ويتقدم الصفوف ويقود النضالات بكل أشكالها مما يتيح له تبوأ مكانة متميزة تتناسب ونضالاته وتضحياته الكبيرة.
فمن أساسيات وبديهيات التيار اليساري أنه يشكل الطليعة الثورية الاكثر صلابة وتفانيا في خدمة قضايا الوطن والشعب,فهو في طليعة الاحزاب والقوى المدافعة عن تراب الوطن ,لذلك تجده دائما يقود المعارك الوطنية والاجتماعية والاقتصادية ويطرح البرامج الكفيلة في تحقيق الاهداف ويقوَم ويراجع المسيرة النضالية بين كل فترة وأخرى وخاصة أمام المحطات والمفاصل الرئيسة.
وحينما تتلمس الطبقة العاملة والفئات الفقيرة - وهي أغلبية الشعب الفلسطيني - بأن هذا الحزب يدافع عن مصالحها فأنها لن تتردد في الانضمام اليه والنضال داخل صفوفه والدفاع عنه وتقوية شوكته أمام الاحزاب الاخرى.
اليسار هو القدوة
اليسار هو النموذج والقدوة والمثال الذي يتم الاقتداء به للدفاع عن مصالح الشعب.فهل اليسار الفلسطيني هو حقا كذلك ؟وحتى نجيب على هذا السؤال لا بد في البداية ان نشيرالى – وبالادق نقتبس - مقولة فلاديمير لينين حينما أعلن بشكل لا لبس فيه أو غموض ما نصه " ما وجد حزبان شيوعيان ( يساريان ) في دولة أو إقليم واحد إلا كان أحدهما إنتهازيا ".
أي غير صادق ومنافق ولا يخدم الطبقة العاملة,بل وفي حقيقة الامر يخدم أعداء الوطن في الداخل والخارج.فإذا حاولنا ترجمة مقولة لينين على الواقع الفلسطيني فسنجد مايلي:هناك أربعة أحزاب ( جبهات ) على ألأقل تقول في أدبياتها بأنها يسارية,ثلاثة منها تنحدر من أصل أو جذر واحد حيث كانت سابقا في جبهة واحدة والرابع يمثل الشيوعيين الفلسطينيين .
وطبقا لمقولة لينين انفة الذكر,فان ثلاثة من هذه الاحزاب – الجبهات – إنتهازية وفقط واحدا منها يساريا حقيقيا يمثل الطبقة العاملة ومصالحها.للاحزاب الاربعة المشار اليها خمسة نواب في المجلس التشريعي,أي بنسبة أقل من 4% ولها نسبة دون ذلك في المجالس المحلية.
فالحزب اليساري الطليعي - وفقا للادبيات الثورية- يمكن وبسهولة مشاهدته في وسط النضالات الجماهيرية وفي كافة المواقع التي تتطلب درجة عالية من التضحية والاقدام والتفاني ,لان من صفاته التواجد في الاماكن والمواقع التي تشكل التحدي المباشر لاعداء الوطن.
وعودة الى الساحة الفلسطينية فأن واجب ومهمات الحزب اليساري التواجد بشكل دائم ومشاهد من كل قطاعات ومكونات الشعب,في مواقع الاشتباك والمواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي وهي كثيرة جدا واكثر من ان تحصى في الضفة والقطاع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر,فأن وجود الجدار العنصري وأكثر من 600 حاجز عسكري إسرائيلي ومنع شعب فلسطين من زيارة عاصمته بالاضافة الى الاقتحامات المتكررة للمدن والمخيمات والقرى والاعتقالات المستمرة في الليل والنهار...الخ كلها تشكل الظروف الموضوعية المواتية لليسار الفلسطيني ليثبت قدرته على قيادة النضال الوطني بكل أشكاله.
فحتى كتابة هذه السطور لم يقدم اليسار الفلسطيني المبررات التي تحول دون قيامه بتكرار مواجهات نعلين وبلعين الاسبوعية في مناطق أخرى مثل جيوس والمعصرة وبيت إكسا والخضر وقلنديا وحوارة ..الخ والتصدي لحملات الاحتلال للاستيلاء على منازل وبيوت المقدسيين في الشيخ جراح وسلوان والقدس القديمة ورأس العامود...الخ.
وصع مخزي لليسار
أليس من المخزي ان لا يتمكن اليسار مجتمعا من فرز بضع أفراد من كوادره للاحتجاج على مصادرة البيوت وإخلاء سكانها المقدسيين وأن يتم عمل مناوبات فيما بينهم لشد أزر العائلات والتضامن معها؟اليسار الفلسطيني غائب عن مجمل الفعاليات والانشطة داخل مدينة القدس وغيرها ولا يكاد يظهر في الصورة سوى عدة أشخاص موظفين يستلمون رواتب في نهاية كل شهر من السلطة- عددهم أقل من أصابع اليد الواحدة والمحسوبين على حركة فتح - فكيف يمكن للشعب أن يلتف حول اليسار إذا لم يشاهده وسط معمعة النضال والمواجهة!
هل يمكن لقيادة اليسار أن تقدم الاسباب أو الحيثيات التي تحول دون مشاركتها الفعالة في المواجهات ضد الاحتلال!فحينما يتقدم اليسار للمشاركة الملموسة في هذه الفعاليات النضالية فأنها ستشكل بداية إستنهاض لقوى اليسار وإظهار قدراته وإمكانياته على تنظيم وإدارة النضالات مما يؤهله لقيادتها أولا وزيادة تأثيره الجماهيري على نطاق واسع ثانيا ويعيد ثقة الشارع الفلسطيني به من جديد مما يمكنه من مضاعفة وزنه النسبي ثالثا.إذن طريق تقوية اليسار متاحة بل ومفتوحة على مصراعيها.
فالساحة الفلسطينية تفتقد حقيقة للطلائع الثورية المدافعة عن مصالح شعبها.لا نريد من اليسار ان يتمسك بقشور ومظاهر اليسارية كما تفعل التيارات والاحزاب والحركات الاسلامية حينما لاترى من النهج الاسلامي سوى حقها في الزواج مثنى وثلاث ورباع ووضع الحجاب والبرقع وإطفاء مظاهر وقشور الاسلمة بعيدا عن مضمون الإسلام وجوهره الحقيقي , متناسية قول الله عزوجلَ " وإن خفتم ان لا تعدلوا فواحدة " وفي اية اخرى " ولن تعدلوا" وأن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وليس القتال ضد الاعداء ودع الخلق للخالق والدين لله والوطن للجميع.
لا نريد من اليسار ان يظهر يساريته وثوريته من خلال الجهر بالافطار في شهر رمضان وينسى كل الفعاليات النضالية سالفة الذكر؟فالتفاخر في الافطار يبعد اليسار عن قاعدته وشعبه حيث أكثر من 95% منه يصوم رمضان ويصلي التراويح ويعظم شعائر الله .
لا يمكن لليسار ان يتصدر الصفوف ويعيد ثقة شعبه به ما دام يمارس علنا وجهرا ما يتعارض أو يتعاكس مع ما يؤمن به شعبه.فتأييد الشعب لليسار يقتضي بالضرورة إحترام اليسار لمعتقدات الشعب وأهمهاطقوس العبادات والدين.
نعم هناك فرص مواتية كثيرة لاستعادة اليسار لمكانته في المجتمع الفلسطيني شريطة ان لا يعزف اليسار عن النزول الى الشارع وأن يتصدر النضالات والفعاليات الوطنية بكل أشكالها ويتجنب كل ما من شأنه إستفزاز مشاعر الغالبية العظمى من الشعب الذي من المفترض أنه يمثله ويعبر عن مصالحه .
الظروف الموضوعية لإستنهاض قواعد اليسار متوفرة وقائمة في فلسطين ولا أعتقد بأن اليسار لا يدرك ذلك.كل ما ينقصه هو إعادة لملمة وتجميع قواه الذاتية وتخليص نفسه من اليأس والاحباط والكسل والفساد والبيروقراطية القاتلةالتي أصابت قيادته قبل منظماته وقواعده.
لن تقوم لليسار قائمة في فلسطين ما دامت نفس القيادات مستأثرة بكل شيء وتبرر لنفسها كل الاخطاء التي تقوم بها أو تفعلها وتضع نفسها فوق المساءلة والمحاسبة.
وحتى لا نذهب بعيدا فأن قوة اليساروتأثيره قبل 15 عاما في فلسطين - أي منذ بداية العمل بإتفاقية أوسلو - كانت أكبر وأقوى وأكثر نفوذا مما هي عليه اليوم,فكيف يمكن تفسير ذلك ؟ لقد تكلس وتجمد تفكير القيادات الحالية ولم يعد بالامكان إزالته عبر أستخدام أدوية مزيلة للتكلس .
لقد بلغ التكلس حدا لم يعد يفيد فيه اي علاج.والمشكلة الاخرى انه أمام كل مراجعة أو مؤتمر تعقده فصائل اليسار يتم تطويق ومحاصرة الاصوات الناقدة وإسقاطها من الهيئات القيادية باسلوب أقل ما يقال فيه بأنه لا يتوافق ومقولة "دع الف زهرة تتفتح " التي حمل لوائها اليسار منذ نشأته .
قيادة اليسار فوق المحاسبة
فقيادة اليسار في فلسطين لا تخطىء ابدا وإنما كوادر وقواعدالتنظيم هي التي تخطىء ويتوجب محاسبتها وإتخاذ إجراءات ضدها لعدم إلتزامها بتعليمات القيادة.فقيادة اليسار دائما على حق تيمنا بإسلوب التسويق الرأسمالي "الزبون دائما على حق "وأنه لولا قواعد التنظيم غير الملتزمة بالتعليمات لامكن لقيادة اليسار تحقيق المعجزات !!!حالها بذلك حال كل السلاطين والحكام.
لذلك فهي لا تتردد في إخراج كل الكوادرالتي تحمل طموحا مشروعا في بلوغ أعلى المواقع والمسؤليات ,لتبقى هي دون غيرها متربعة على سدة الامر والنهي والقيادة.وجود اليسار بات أكثرمن ضرورة في الوقت الحالي ويجب عدم الملل أو اليأس من إستمرار الضغط على القيادة البيروقراطية الحالية المستأثرة بالقرار لإجبارهاعلى إعطاء الفرصة لغيرها لقيادة النضال.
لقد ناضلت وقادت العمل الوطني لعقود طويلة ماضية وقد إستنزفت إداريا وتنظيميا وسياسيا وفكريا ولم يعد بامكانها قيادة اليسار مرة أخرى بنفس الروح والفعالية التي كانت تبذلها قبل أربعة عقود وذلك لإختلاف الظروف الموضوعية وتنوع أدوات النضال وتغيرها.
بل هي لم تعد قادرة على ان تكون عنصر إستنهاض وتوحيد لقوى اليسار الكثيرة بحكم العامل الذاتي.فكل الاحترام والتقديروالشكر والعرفان لها لقد أعطت كل ما عندها وزيادة وحان لها بحكم العمروالزمن أن تسلم دفة القيادة لطلابها وكوادرها,هذا إذا كانت ترغب برؤية قوى اليسار تتقدم وتنمو وتنهض من جديد أثناء حياتها أمد الله في عمرها أولا ,لترى وتشاهد نتائج أعمالها وجهودها وقد إستقرت وباتت حقيقة لا يشق لها غبارفي الشارع الفلسطيني.لا يمكن تصور الخارطة السياسية والنضالية الفلسطينية بدون يسار فلسطيني حقيقي .
فالحركات الاسلامية غير مؤهلة لالف سبب وسبب لقيادة النضال الوطني الفلسطيني كما أن قيادة حركة فتح وإسلوبها في قيادة النضال فشل بعد أكثر من أربعة عقود من إستئثارهابالسلطة سواءفي منظمة التحرير أوفي إدارة مشروع الحكم الذاتي.
باعتقادي ان اليسارالفلسطيني مؤهلا بما يكفي لطرح أفكاره ووجهة نظره وبرامجه وقيادة حركة النضال الوطني وأمامه فرصة حقيقية لانجاز ذلك.فالشعب الفلسطيني عانى من تجربتين مريرتين قاسيتين دفع ثمنهما غاليا وما زال يدفع وبات بحاجة ماسة الى قيادة جديدة واسلوب جديد.
ألانقسام الفلسطيني الحاد الحالي بين الضفة و غزة يجب ان يكون هو عنوان النهوض ودافعه بالاضافة الى ما سبق ذكره. فالفرص مفتوحة امام اليساروالظروف الموضوعية أكثر من ناضجة للبدء بالعمل ولكن هذا مشروط بلملمة وتوحيد قوى اليسار وإزالة العوائق الذاتية والشخصية فهل اليسار مستعد لذلك أم أنه سيعيد نسخ محاولاته المتكررة والفاشلة في إنشاء جبهات تحالف يسارية جديدة لالهاء قواعده مرة أخرى بإعادة نسخ ما فعلته المرأة التي وضعت الماء والحجارةفي قدرعلى النارلإقناع أولادها بأن الطعام على وشك النضوج قبل ان يمرَ عليها الخليفة العادل عمر بن الخطاب ليغير ما في القدر.
اعتذار واجب
ولا يسعنا في هذا المقام سوى الإعتذار لفلاديمير لينين ونقول له بأنه يمكن وجود اربع حركات – أحزاب- يسارية ثورية في بلد واحد دون أن يكون ايا منها إنتهازيا !!!. ففي فلسطين كل شيء ممكن .
والدليل على ذلك أن هناك إحتلالا جاثما على الارض والانفاس وسلطة وطنية ومنظمة تحريروجبهات من كل نوع ولون لتحرير فلسطين على مرأى ومسمع من الاحتلال ومراقبته ومفاوضات مستمرة منذ عقد ونصف وإستيطان متواصل وإنتخابات تشريعية ومحلية ودولة تحت الانشاء والتأسيس وإتفاقيات تجارية توقع مع دول العالم المختلفة ومؤتمرات وطنية تعقد( مجلس وطني ومركزي وتشريعي ومحلي وفصائلي ..الخ) بموافقة المحتل .
فالدخول والخروج من والى فلسطين يحتاج الى موافقة من سلطات الاحتلال هذا عدا برامج التنمية والبناء وسط القصف والحرب والتدمير ووجود حكومتين ونظامين في نفس المكان والحدود,ولا داعي للإشارة الى الموقف العربي وغيره .
هل يمكن لإحد في العالم ان يقدم نموذجا مماثلا لما يجري ويتم في فلسطين ؟؟؟ فلما لا يكون هناك اربعة أحزاب يسارية ثورية طليعية بعكس ما يقوله لينين أو غيره.ومن باب ألإستزاده بالشيء وتعقيد ألإستغراب ,أليس غريبا أن يكون لممثلي قوى اليسار ضعف ممثلي حركة فتح في اللجنة التنفيذية القائدة لمنظمة التحرير؟مع أنها تشكل أقلية محدودة في الشارع حاليا.
ورغم ضعفها الملموس فقد,وقف أحد قادة اليسار الذي أنتخب في اللجنة التنفيذية والقى خطابا عرمرميا قويا يطالب بإجراء إنتخابات جديدة للمجلس الوطني يعلم جيدا بأنه لن ينجح ولن يتمكن من الجلوس على مقاعد اللجنة التنفيذية ولا حتى المجلس الوطني ناهيك عن التشريعي والمحلي ؟
كافة النظريات التي تخص اليسار وغيره لا يمكن تطبيقها في فلسطين لكونها عصية على التحليل؟ومن لا يعتقد بذلك عليه التفضل بالقيام بهذه المهمة ونأمل ان لا يخرج بنتائج سوداوية أكثر وكل رمضان وأنتم بخير.
المصدر
- مقال:نهوض اليسار قضية وطنية ملحة موقع : المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات