نكسة نيويورك

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
نكسة نيويورك

حين كان مؤتمر الحوار بين الديانات والحضارات منعقداً في نيويورك بحضور عدد من القادة العرب، على رأسهم العاهل السعودي الملك عبدالله، كانت غزة غارقة في الظلام، والمعابر المؤدية إليها مُحكمة الإغلاق أمام صف طويل من الشاحنات المحمَّلة بالأغذية والأدوية، في استمرار لسياسة تجويع الفلسطينيين وإذلالهم.

وفي ذات القاعة التي جلس فيها الملك عبدالله وغيره من القادة العرب، كان هناك شمعون بيريز رئيس إسرائيل وتسيبي ليفني، لم يخل المؤتمر من مفارقات مخزية، إذ رغم انعقاده تحت شعار «حوار الأديان والثقافات»، فإنه وقف صامتا ومتجاهلا تماما لعملية الابادة المنظمة والبطيئة التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

الأدهى من ذلك والأمرّ أن المتحدثين العرب لم يُشر احد منهم إلى جرائم الاحتلال الاسرائيلي، سواء المتمثلة في الحصار او في الغارات والمذابح التي تنفذها في غزة بين الحين والآخر، رغم أن اخبار تلك الجرائم كانت تملأ شاشات التلفزيون طوال انعقاد المؤتمر.

كان محزناً أن خطاب العاهل السعودي لم يُشر إلى الحاصل في فلسطين، في حين ركّز كلامه على التنديد بالإرهاب، وكأن ما يجري هناك من مذابح وجرائم ليس إرهابا رغم أنه لو أشار الى الاحتلال في فلسطين والممارسات الاسرائيلية هناك لضرب اكثر من عصفور بحجر واحد.

من ناحية لأنه سيسجل موقفا شريفا إزاء قضية العرب والمسلمين العادلة من فوق المنبر الدولي الذي وفره المؤتمر، ومن ناحية ثانية، فإنه كان سيخفف من الصدمة التي شعرنا بها حين وجدنا خادم الحرمين يجلس تحت سقف واحد مع بيريز وليفني، في تراجع نسبي عن الموقف السعودي المُعلَن على الأقل، الذي اعتاد ان يحتفظ بمسافة إزاء قضية التطبيع.

ما سكت عنه الملك عبدالله خاض فيه شمعون بيريز، الذي لم يفوت الفرصة، حين ارسل في كلمته رسالة غزل للمملكة رحب فيها بالمبادرة العربية التي اطلقها الملك عبدالله حين كان وليا للعهد، لكنه تحفّظ على وضع القدس، والفرق بين الكلمتين أن الأولى قالت للعرب والاميركيين ما يودون سماعه، اما الثانية فقالت للشعب الاسرائيلي ما يستريح إلى سماعه.

ماذا كانت نتيجة المهرجان الكبير؟ صحيح أن اعلانا صدر، تضمن تعهدا بتشجيع حقوق الانسان والحريات الاساسية للجميع، لكنه يظل وثيقة لم تُضِف شيئاً الى الوثائق المختلفة التي عالجت الموضوع، ولم تحترم واحدة منها في التعامل مع القضية الفلسطينية، لكن أحدا لا يستطيع ان يدّعي ان حوارا حدث، لا حول الديانات ولا حول الثقافات، وأن ما جرى كان مؤتمرا سياسيا في حقيقته، ومهرجانا خطابيا في ظاهره عبّر فيه المتحدثون عن أمنياتهم للمستقبل،والى جانب ذلك برزت عنه ملاحظات من أهمها ما يلي:

- أن المتحدثين العرب جميعاً أكدوا تراجع أولوية القضية الفلسطينية في اهتماماتهم.

- أن السعودية خسرت نقطة حين أسقطت المسافة التي حرصت على إقامتها بين سياستها وبين عملية التطبيع وأجوائها، صحيح أن التطبيع لم يتم، لكن الحذر السعودي في الموضوع تراجع على نحو رحبت به الولايات المتحدة بطبيعة الحال، لكنه أثار درجات متفاوتة من الاستياء والإحباط في العالمين العربي والإسلامي.

- إن إسرائيل كانت الفائز الوحيد، فقد كسبت نقطة في اقترابها من السعودية، باشتراك الملك عبدالله وشمعون بيريز في المؤتمر، وكان الأخير محقا في وصفه بأن المؤتمر «نقطة تحوّل»، في الوقت نفسه فإن إسرائيل قدمت نفسها باعتبارها الدولة المسالمة التي تفتح ذراعيها للمبادرة العربية، في ذات الوقت الذي تواصل فيه خنق الشعب الفلسطيني وقمعه وتجويعه.

يبدو أنه قدر نيويورك أن تظل شاهدا على سوء تدبيرنا، مرة من خلال أحداث سبتمبر التي أطلق عليها تنظيم القاعدة «غزوة نيويورك»، ومرة ثانية من خلال المهرجان السياسي الخطابي الذي أريد به تحسين الصورة، لكنه أخفق واستحق أن يوصف بأنه «نكسة نيويورك».