نظرات في كتاب الله

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مقالة-مراجعة.gif
نظرات في كتاب الله

للإمام الشهيد حسن البنا

مقدمة

" ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين علي أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسي أولئك أن يكونوا من المهتدين " ..

معلوم أن أمر الكعبة والمسجد الحرام انتقل من إسماعيل إلي ذريته من بعده حتى انتهي إلي قريش ومنها إلي عبد المطلب وبنيه حتى ظهر الإسلام ، وفي هذه الفترة أدخل العرب علي أعمال الحج من مظاهر التوحيد التي قام من أجلها البيت الحرام أعمالا من الشرك وضروبا من عبادة غير الله حتى كان فوق الكعبة نفسها أكثر من ثلاثمائة صنم وكانت تلبيتهم : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه ولا يملكك " ! وهي كما تري تلبية تتأرجح بين صفاء التوحيد وكدورة الإشراك بالله العلي الكبير .

واستمرت قريش تقوم علي المسجد الحرام وتمتاز بذلك علي سائر العرب حتى بعث الله نبيه بالإسلام ، وكتب له الفوز والنصر ، وآذن أولئك المشركين جميعا بالخصومة إلا أن يؤمنوا .

والإسلام دين التوحيد والكعبة والمسجد الحرام رمز هذا التوحيد فكان طبيعيا أن يحرم المشركون امتيازاتهم السابقة وأن يحظر عليهم حظرا باتا أن يعمروا مساجد الله التي لم تقم إلا لتوحيده وحسن عبادته وكان طبيعيا أن يكون هذا الحرمان أول ثمرة من ثمرات الخصومة والمقاطعة التي أعلنها عليهم الإسلام بعد فترة الهدنة " فسيحوا في الأرض أربعة أشهر وأعلموا أنكم غير معجزي الله " .

وشهادتهم علي أنفسهم بالكفر معلومة عملا بما يأتون من مظاهره كعبادة الأصنام ودعائها والحلف بها والنذر لها واعتقاد النفع والضر فيها وقولا بنطقهم بألسنتهم فأنت حين تسأل أحدهم ما دينك يجيبك غير الإسلام وهي شهادة صريحة منه علي نفسه بالكفر .

وأن بعضهم ليسجل هذه الشهادة علي أبنائه بتسميتهم بأسماء الأصنام فيقال عبد اللات وعبد العزى وعبد مناة .. إلخ .

وكل ذلك داخل في نفس شهادتهم علي أنفسهم بالكفر .

ومن كانت هذه حاله فقد حبط كل عمل له في الدنيا " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا علي شيء ذلك هو الضلال البعيد " وجزاؤهم يوم القيامة الخلود في النار التي وقودها الناس والحجارة " .

انتقال هذه الخصائص للمؤمنين

وبعزل المشركين عن هذه المهمة وإقصائهم عنها تسند إلي أحق الناس بها وأعرفهم بحقها من المؤمنين الصادقين الذين كملت فيهم شرائط الإيمان الظاهرية والباطنية والقولية والعملية .

فالقولية من التصريح بكلمة الإيمان بالله واليوم الآخر ، والعملية من إقامة الصلاة وهي العبادة البدنية ، وإيتاء الزكاة وهي العبادة المالية ، وخشية الله تبارك وتعالي دون سواه وهي العبادة الباطنية القلبية وهي كذلك أغلي ثمرات الإيمان وأظهر الأدلة علي استقراره في النفوس واستيلائه علي الجوارح والقلوب . فهؤلاء الذين توافرت فيهم هذه الصفات هم الذين اهتدوا بنور الله وتوفيقه إلي الصراط المستقيم وهم أحق الناس بعمارة المساجد والقيام عليها .

من أحكام عمارة المساجد

وعمارة المساجد صنفان : عمارتها ببنائها وتشييدها وترميمها إلخ وهي العمارة الحسية وعمارتها بالمواظبة علي أداء العبادات فيها وقصدها للذكر والدعاء وإحياء شعائر الله وكلتا الصفتين من خصائص المؤمنين لا ينهض بها غيرهم ولا يؤتمن عليها سواهم .

وهل إذا بني غير المسلم مسجدا أو تبرع بشيء من ماله في بناء مسجد أو تعميره ، يرد عليه ذلك ، أخذا من هذه الآية الكريمة ؟

والجواب لا يرد عليه ذلك ، ويقبل منه ما يتطوع به مادام قد خرج من ملكه لهذه الغاية وما دامت ليس له وراء ذلك غاية تضر بالمسلمين ، ومادام غير محارب لدينهم أو دعوتهم ، أما المحاربون أو ذوو الغايات والمقاصد السيئة فلا يقبل منهم شيء أبدا فلو أرادت دولة أجنبية أو مؤسسة يهودية مثلا أن ترمم المسجد الأقصى أو تؤسسه أو تقوم بشيء من عمارته وجب علي المسلمين جميعا منعها من ذلك وعدم تمكينها منه بحال لأنه ليس أكثر من ذريعة لمآرب سياسية لا يقرها الإسلام .

وقد ورد في عمارة المساجد بهذين المعنيين السابقين أحاديث كثيرة فمما ورد في المعني الأول قول رسول الله صلي عليه وسلم من حديث عثمان .

وقد لامه الناس لما وقع مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم وجدد بناءه قال : إنكم أكثرتم علي وإني سمعت رسول الله ، صلي الله عليه وسلم يقول : " من بني لله مسجدا يتقي به وجه الله بني له بيتا في الجنة ، وروي أحمد ابن عباس وغيرهما " من بني لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بني الله له بيتا في الجنة " وفي الصحيحين أن امرأة كانت تقم المسجد وتنظفه فماتت فسأل عنها النبي صلي الله عليه وسلم فقيل له ماتت فقال " أفلا كنتم آذنتموني بها ودلوني علي قبرها فأتي قبرها فصلي عليها " .

وقد ورد في المعني الثاني قول رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فيما رواه الشيخان " صلاة الجميع – وفي رواية الجماعة – تزيد علي صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة فإن أحدهم إذا توضأ وأحسن الوضوء وأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه ، ودعت له الملائكة مادام في مجلسه الذي يصلي فيه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يؤذ بحدث " .

وروي أحمد والترمذي وحسنه ابن ماجد والحاكم وغيرهم من حديث أبي سعيد قال " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم .. إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فأشهدوا له بالإيمان " .