نحن وأوباما.. ونتنياهو
بقلم : معتصم حمادة
ما هي حقيقة الخلافات الأميركية ـ الإسرائيلية، وماهي حدودها، وما هو المطلوب من العرب والفلسطينيين إزاء هذه الخلافات؟
تواصل أسهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، في الصعود عربيا.
وكانت هذه الأسهم معرضة لانتكاسة ليست بالبسيطة لو أن إطلالة أوباما على الشرق الأوسط، اكتفت بالنافذة التركية.
ويبدو أن مستشاري أوباما وصانعي سياسته في البيت الأبيض كانوا مدركين لمثل هذه المخاطرة، فكانت زيارتا الرياض والقاهرة.
وبذلك استعادت أسهم أوباما صعودها في السماء العربية باعتباره الرئيس الأميركي الذي يحمل بين يديه التغيير المطلوب لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، والعمل على ترميم وإصلاح كل ما خربته سياسة الرئيس السابق بوش الابن وفريق عمله.
ومن العوامل الكبرى التي أسهمت، وتسهم، في تعزيز رصيد أوباما عربيا، هي تلك الأنباء المتواردة عن خلافات (بل وصدامات) بين سياسة إدارته وسياسة حكومة نتنياهو.
ليست هي المرة الأولى التي تتحدث فيها وسائل الإعلام والدوائر المعنية عن خلافات في الرؤية بين إدارة البيت الأبيض، وبين حكومة إسرائيل.
إذ يسجل التاريخ أن حكومة بن غوريون، (وهي أول حكومة تقوم في إسرائيل) خالفت رأي إدارة الرئيس أيزنهاور حين اقترح إعادة حوالي مئة ألف لاجئ فلسطيني إلى ديارهم، مقابل توطين الباقين (حوالي 700 ألف آخرين) وقيام سلام عربي ـ إسرائيلي في المنطقة.
ويمكن للباحث والمؤرخ أن يسجلا أكثر من محطة برزت فيها خلافات بين واشنطن وتل أبيب، نذكر منها أيضا، على سبيل المثال لا الحصر، الخلاف بين إدارة بوش الأب من جهة وحكومة رابين من جهة أخرى حول الاستيطان، مما اضطر الإدارة الأميركية إلى حسم المبالغ المستعملة في الاستيطان من مجموع عشرة مليارات دولار قدمت إلى إسرائيل كقرض بضمانة أميركية لـ «تشجيعها» على الدخول في عملية مدريد التفاوضية وبالتالي يمكن القول إن خلافات أوباما ـ نتنياهو ليست الأولى في تاريخ العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، ولن تكون الأخيرة.
ولعلنا لا نذهب بعيدا حين نقول إن هذه الخلافات لن تكون سببا في إضعاف التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب.
إذ أكد أوباما، قبل انتخابه، وبعده، التزامه المبادئ السياسية التي التزمتها غيره من الإدارات السابقة إزاء إسرائيل، بما في ذلك ضمان أمنها، وتفوقها الاستراتيجي على جيرانها العرب، والاستمرار في دعمها اقتصاديا، وعسكريا، وسياسيا، وتأكيد الاعتراف بها وطنا قوميا لليهود (دولة يهودية).
وإذا كان أوباما لم يتناول القضايا الأخرى بالوضوح ذاته في تناوله ما ذكرناه أعلاه، فإن البحث في طيات كلام أركان إدارته وثناياه يقودنا إلى أن أوباما لم يتراجع عن اعتراف الإدارات السابقة بالقدس (المسماة موحدة) عاصمة لإسرائيل، ولم يتراجع عن موقفه في رفض الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.
وإذا أردنا أن نرسم حدودا لقضايا الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، لأمكننا القول إن الخلاف يتمحور حول مسألة الاستيطان، وحول مسألة «حل الدولتين».
وهو خلاف ليس جزئيا.
فمسألة الاستيطان تشكل في المشروع الوطني الفلسطيني مسألة حياة أو موت.
لذلك بات هناك إجماع على ضرورة رفض العودة إلى طاولة المفاوضات إلا بوقف الاستيطان أما مسألة «حل الدولتين» فإن الأمر يحتاج إلى تدقيق مطول من القوى الفلسطينية حتى لا تنجر إلى فخ سياسي اسمه «حل الدولتين»، بشقه الأول (أي دولة إسرائيل) غير معروفة الحدود والصلاحيات خاصة في ظل قيام «الجدار» ومشاريع توسيع المستوطنات وتهويد القدس، وشقه الثاني (أي الدولة الفلسطينية) مضمونه مجهول وغامض، ما دامت علاقات الشق الأول تبقى غامضة هي الأخرى.
إذن، هناك خلافات بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، لكنها خلافات ذات حدود معروفة لم ترق (ولن ترق) إلى حدود الطلاق السياسي بينهما، أو إلى حدود تغيير واشنطن لتحالفاتها.
أهمية هذا الكلام ليست في محاولته تبهيت الخلافات الأميركية الإسرائيلية، بل الإشارة إلى أن العديد من وسائل الإعلام العربية، ولأسباب ليست خافية على أحد، لا تتوقف عن النفخ في قربة هذا الخلاف، وتكبيره، وتقديمه إلى الرأي العام العربي على أنه خلاف استراتيجي، يكاد أن يهدد العلاقة بين العاصمة الأميركية وبين إسرائيل.
ولا تتوقف عن الإيحاء أن الرئيس الأميركي يخوض معركة ضد السياسة الإسرائيلية دفاعا عن المصالح العربية وأنه بصدد إعادة النظر بسياسة بلاده، والتراجع عن أخطاء الإدارة السابقة بقيادة بوش الابن.
كما لا تتوقف عن الإيحاء وكأن العلاقات العربية ـ الأميركية تدخل مرحلة جديدة على حساب العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية.
ولا تتردد بعض وسائل الإعلام، كما لا يتردد بعض كبار المعلقين، وصانعي الرأي في المنطقة العربية عن دفع الأمور إلى الأمام، بحيث يطلبون إلى العرب أن يكونوا جزءا من معركة أوباما ـ نتنياهو، باعتبارهم، موضوعيا، طرفا فيه، شاؤوا أم أبوا، وبالتالي عليهم أن يقفوا إلى جانب أوباما ويدعموه بكل ما أوتوا من قوة، ليفرض إرادته على نتنياهو، ويرغمه على الانصياع للرأي الأميركي.
قد يبدو مثل هذا الكلام، في ظاهره، قابلا للنقاش.
إذ من المصلحة العربية، والفلسطينية، أن تضغط واشنطن على إسرائيل لوقف الاستيطان.
ومن مصلحة العرب والفلسطينيين إعادة نتنياهو إلى طاولة المفاوضات ضمن الشروط التي تضمن الحقوق العربية والفلسطينية، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 67، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.
لكن شيئا من التدقيق يدفع بنا إلى الاستدراك والحذر من حقيقة هذه الدعاية التي تبالغ في تصوير الخلاف الأميركي ـ الإسرائيلي، والتي تدعو العرب إلى التدخل لصالح أوباما، ودعمه في مواجهة نتنياهو.
لأن الدعم المطلوب، كما يتكشف، يوما بعد يوم، ليس في حقيقته سوى تقديم تنازلات مجانية إلى أوباما، وعبره إلى نتنياهو، وبالتالي توفير مكاسب لنتنياهو، حتى قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لم ينجح من هم قبله في تحقيقها.
أهمها أن يعيد العرب النظر في مبادرتهم للسلام، بحيث يقدمون التطبيع مع إسرائيل على غيره من البنود، فيقوم «سلام» عربي ـ إسرائيلي، في ظل احتلال الجيش الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية.
وأهمها أيضا أن يعترفوا بإسرائيل دولة يهودية بذريعة أن القرار 181 ينص على ذلك.
يتردد هذا الكلام همسا في بعض العواصم العربية، الآن، بعد أن تردد طويلا الحديث عن ضرورة «تطوير» مبادرة السلام العربية، لتصبح، كما قيل، عملية أكثر ومقبولة من قبل الأطراف المعنية.
فهل ينجح بعض العرب في الترويج لبضاعة فاسدة، بحيث يقبض أوباما ونتنياهو ثمنها غاليا وغاليا جدا.
أم أن العقل السياسي العربي سيستعيد تجاربه السابقة مع الإدارة الأميركية وخلافاتها مع حكومات تل أبيب، وبالتالي سينظر إلى الخلافات الحالية بحدودها الواقعية، مع مطالبة الولايات المتحدة بتأكيد مصداقيتها، دون أن يكون مطلوبا من العرب تقديم أية تنازلات، لا «لدعم» أوباما ولا «لتشجيع» نتنياهو.
لقد أثبتت الوقائع أن رعاية الولايات المتحدة للعملية التفاوضية في المنطقة، لا تخرج عن نطاق رعاية واشنطن لمصالحها في المنطقة.
ونعتقد أنه ليس مطلوبا من العرب التضحية بمصالحهم خدمة لمصالح الولايات المتحدة.
- المصدر :نحن وأوباما.. ونتنياهوموقع:المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات