موريتانيا.. 15 انقلابًا خلال 48 عامًا
7/8/2008
تقرير: سندس سليمان:
شهد تاريخ الانقلابات في موريتانيا الذي كان آخره أمس على يد قوات الحرس الوطني والرئاسي- بعد إصدار الرئيس قرارًا بإقالة قائد أركان الجيش وقائد حرس الرئاسة، وتعيين 4 قادة جدد للأجهزة العسكرية في البلاد؛ حيث تم محاصرة قصر الرئاسة الموريتاني واعتقال الرئيس محمد ولد الشيخ عبد الله ورئيس الوزراء يحيى ولد أحمد- نزاعًا طويلاً من أجل تحقيق جزء من المجهول.
ويعدُّ الانقلاب العسكري الذي حدث يوم 6/8 هو الخامس عشر منذ حصول موريتانيا على استقلالها عام 1960م، وكان الانقلاب الأول عبارة عن انتفاضة عسكرية ضد نظام الحزب الواحد؛ نظرًا لمعاناة الجيش الموريتاني في حرب الصحراء الغربية والتي خلَّفت عند قادته فكرة تغيير القرار السياسي للبلد بإزاحة النظام، الذي تبنَّى الوقوف إلى جانب المغرب ودخل الحرب ضد جبهة البوليزاريو.
وأعلن الانقلابيون بقيادة المقدّم المصطفى ولد محمد السالك الإطاحةَ بحكم الرئيس المختار ولد دادة، وسيطروا على السلطة فأنهوا بذلك حالتي الحكم المدني وحرب الصحراء.
وجاء الانقلاب الثاني في أبريل 1979م لانتقام قادة اليمين الشيوعي (حلفاء نظام ولد دادة المخلوع من قبل)، واستهدف الانقلابيون الجدد تصفية البعثيين العسكريين من دوائر السلطة ومطاردة المدنيين منهم، ولم يعمِّر طويلاً حكم اليمين الشيوعي، وراح زعيمه "بوسيف" بعد حوالي شهر من حكمه ضحيةً لتحطُّم طائرته فوق المحيط الأطلسي.
وتم انتداب المقدّم هيدالة لرئاسة البلاد، ولكنه لم ينتظر انقضاء فترة انتدابه المؤقتة وبادر بتفويت الفرصة على أعضاء اللجنة العسكرية من أنصار العقيد بوسيف؛ فعاجلهم بقرارات مفاجئة اعتُبِرَت انقلابًا داخليًّا؛ أعلن من خلالها إقالة أنصار بوسيف من اللجنة العسكرية، وتعيين العقيد محمد محمود ولد لولي رئيسًا للدولة يوم 3/6/1979م قبل أن يقصيه يوم 4/1/1980م ويعيِّن نفسه رئيسًا لها وللدولة، وسمَّى البعض وصول هيدالة إلى السلطة بـ"انقلاب الانقلابات".
وكان انفراد هيدالة بالسلطة بعد إقصاء ضباط اليمين الشيوعي سببًا في تدخل المغرب ودعمها لليمين من أجل التخلص من نظام ولد هيدالة الذي اعتبرته خصمها الإقليمي.
وكانت هذه الأحداث تمهيدًا للانقلاب الرابع في مارس 1981م والذي قادته فرقة كوماندوز قادمة من المغرب ومؤلفة من 9 أشخاص موريتانيين، من بينهم 3 ضباط من أنصار الرئيس السابق بوسيف وهم: ولد عبد القادر (اليمين الشيوعي) والعقيد أحمد سالم ولد سيدي، والعقيد أنييغ، وتم إعدامهم بحكم قضائي بعد فشل محاولتهم.
وجاء الانقلاب الخامس عام 1983م؛ حيث أعلنت أجهزة الأمن اكتشاف مخطط لقلب نظام الحكم في أواخر مارس 1983م، غير أن النظام لم يقدِّم أدلةً كافيةً على زعمه أمام الرأي العام الوطني، ولا أمام الإعلام الدولي، ولم يقدم المشتبه في ضلوعهم في المحاولة الانقلابية إلى العدالة، بل اكتفى باعتقالهم؛ حيث ظلوا رهائن حتى أطيح بالنظام سنة 1984م.
أما الانقلاب السادس فجاء بعد حدوث نفور في العلاقات مع المغرب وليبيا والعراق وبعض دول الجوار الإفريقي.
ووصلت الأزمة إلى شدتها إثر امتلاء السجون بالقوميين (الناصريين والبعثيين) والكادحين الداداهيين (نسبة لنظام ولد دادة)، وكان الانقلاب في هذه المرة خارجيًّا بتدبير فرنسي وبدعم مغربي؛ قاده رئيس الأركان العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، وأطاح بالرئيس هيدالة يوم 12/12/1984م.
وبعد مرور عامين على نظام اشتبه في محاولة البعض من أعضاء لجنته العسكرية في الانقلاب ضده، واعتبر هذا هو الانقلاب السابع، وأسفر عن اعتقال مجموعة ضباط ذوي توجُّه ناصري.
واكتشف الطايع الانقلاب العسكري الثامن قبل تنفيذه بـ48 ساعة، وكان الانقلابيون فيه يهدفون إلى إقصاء العرب والقضاء عليهم، من خلال تنظيم مذابح جماعية ضدهم، وإقامة دولة زنجية عنصرية.
وجاء الانقلاب التاسع بتخطيط من بقايا تنظيم الحركة الزنجية داخل الجيش الموريتاني بعد تمكنهم من إعادة ترتيب شئونهم عقب فشل انقلابها سنة 1987م، وخططوا لانقلاب جديد، ولكن ولد الطايع اكتشف الأمر وأفشل انقلابهم.
وحدث الانقلاب العاشر ما بين عام 1990م وعام 2000م، وغيَّرت موريتانيا نظامها من حكم عسكري إلى حكم مدني ينتهج الديمقراطية، وظل العسكريون يتابعون الوضع السياسي في البلاد، وينظرون إلى أيِّ مدى تستطيع التجربة الديمقراطية الوليدة تحقيق غاياتها في التغيير السلمي فعلاً.
وكان الانقلاب الحادي عشر بتنظيم من الرائد صالح ولد حننة وزملائه، بالتنسيق والتعاون مع طلائع شبابية من الضباط، وتم تنفيذه في يوم 8 يونيو 2003م، ورغم السيطرة على قيادة الأركان ورئاسة الجمهورية والمطار والهندسة العسكرية وأغلب مواقع الجيش في نواكشوط، إلا أنه باء بالفشل.
وتسبَّب التحضير لعملية تزوير كبرى لمصلحة ولد الطايع في قيام المرشح بطرح فكرة تنظيم عصيان مدني أو بالتعاون مع مجموعة من السياسيين في إدارة حملته من أجل الإطاحة بالنظام، وتم السيطرة على هذه المحاولة في اليوم السابق للانتخابات، وتم بذلك السيطرة على الانقلاب الثاني عشر؛ حيث اعتُقل المشاركون فيه بتهمة زعزعة الأمن وقلب نظام الحكم بالقوة، وتم الحكم عليهم بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ.
وبعد عودة الرائد صالح ولد حننة إلى البلاد في أغسطس 2004م بعد سفره إلى الخارج إثر فشل محاولته الانقلابية الثانية؛ أدخل الانقلابيون كميات من الأسلحة وأجهزة الاتصالات إلى قلب العاصمة نواكشوط في الفترة نفسها، ونشطت حركة الاتصالات داخل الجيش بين أنصار "فرسان التغيير"؛ الاسم الذي أطلقه مدبِّرو انقلاب 8 يونيو 2003م على التنظيم العسكري المعارض الذي أسَّسوه بعد ذلك.
وقد اكتشفت الاستخبارات الموريتانية أن الانقلابيين تسلَّلوا إلى داخل البلاد؛ فألقي القبض عليهم وتم مصادرة أسلحتهم، وبذلك تم القضاء على الانقلاب الثالث عشر.
وجاء الانقلاب الرابع عشر بعد فشل 7 انقلابات ضد نظام ولد الطايع؛ حيث اقتنع كبار ضباط الجيش والأمن ممن كانوا يلعبون الدور الأهم في حماية النظام السابق بضرورة التغيير، ونظَّموا انقلابًا يوم 3 أغسطس 2005م، وأطاح بالرئيس الموريتاني "معاوية ولد سيد أحمد الطايع"، وأنهى حكم 21 عامًا من الاستبداد، ورحَّبت القوى الداخلية العشائرية والإسلامية بهذا الانقلاب، رغم أنها لم تلعب دورًا مركزيًّا فيه.
ويعتبر انقلاب 6/8/2008م هو الانقلاب الخامس عشر في تاريخ موريتانيا.