مواجهة مؤجلة؟
2010-07-22
بقلم : محمد السهلي
ليبرمان لا يجد أن الوقت مناسب لكي يخرج من الائتلاف الحكومي وسينتظر ظرفا أفضل ليخرج على صورة بطل رفض أن «يساوم» على قناعاته
لم يعد ممكنا إخفاء درجة امتعاض ليبرمان من رئيس وزرائه بعد أن شعر بأنه يتعرض إلى تهميش منهجي وبأنه تحول إلى وزير خارجية مع وقف التنفيذ بعد أن تكرر تجاوزه في ملفات يرى بأنها من محض اختصاصه.
فقد استثناه نتنياهو من لقاء وزير الخارجية التركي وأرسل مكانه بنيامين بن إليعازر في الوقت الذي تعاملت فيه الإدارة الأميركية مع وزير الحرب إيهود باراك، رئيس حزب العمل، كرئيس للدبلوماسية الإسرائيلية وكان محط ترحيب من قبل الوزيرة كلينتون على امتداد الفترة الماضية.
وقام رئيس الوزراء بتعيين مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة من غير علم ليبرمان الذي وجد نفسه في موقف صعب أمام حزبه الذي يعتد بكونه أحد الأركان الأساسية للائتلاف الحكومي مما وضع رئيس حزب إسرائيل بيتنا في زاوية ضيقة دفعته إلى أن يبدأ مسيرة الاعتراض على رئيس الحكومة.
ويعتبر ليبرمان نفسه صاحب فضل على نتنياهو بتمكينه من تشكيل الحكومة وترأسها في شهر آذار (مارس) من العام الماضي بعد أن استطاع رئيس إسرائيل بيتنا من إفشال مهمة تسيفي ليفني في تشكيلها وهي التي حصد حزبها كاديما العدد الأكبر من المقاعد في الانتخابات الأخيرة (شباط 2009)، ومع ذلك فشلت في هذه المهمة بعد أن رفض معظم الأحزاب الدخول معها الائتلاف.
ومنذ ذلك الوقت يعتقد ليبرمان بان الحفاظ على الائتلاف الحكومي وتماسكه مهمة أساسية وخاصة مع نشوب التجاذبات بين تل أبيب وواشنطن على خلفية الموقف من الاستيطان عندما بدأ تحريك عجلة التسوية السياسية ونذكر جميعا الانتقادات الحادة التي وجهها ليبرمان للإدارة الأميركية عامة ولشخص باراك أوباما تحديدا متهما إياه بممارسة الضغط على إسرائيل لصالح «الأعداء».
على هذا يعتبر رئيس حزب إسرائيل بيتنا بأنه من المتوقع أن تسعى إدارة أوباما إلى تجاوزه وفهم ذلك من خلال تشجيع هذه الإدارة لبنيامين نتنياهو لكي يقدم على إحداث تغيير جذري في الائتلاف الحكومي القائم يقضي بإدخال تسيفي ليفني وحزبها كاديما وإخراج حزب ليبرمان تحت عنوان إزالة العقبات الائتلافية من أمام نتنياهو لكي يقدم على خطوات واسعة باتجاه التسوية السياسية مع الجانب الفلسطيني. ولا نعرف هنا كيف قرأ ليبرمان تمسك نتنياهو بالائتلاف القائم لكن المؤشرات تقول بأنه فهم ذلك كعرفان للجميل من قبل رئيس الوزراء في الوقت الذي أكدت التطورات في عملية التسوية أن موقف نتنياهو من مسالة تغيير الائتلاف إنما ينبع من عاملين رئيسيين:
- موقفه المتمسك باستمرار الاستيطان في جميع أنحاء الضفة الفلسطينية وتهويد القدس وهو ما أكد عليه في خطابه الشهير في جامعة بار إيلان في حزيران (يونيو) من العام الماضي بعد وقت قصير من خطاب باراك أوباما في القاهرة في الرابع من الشهر المذكور وقد أكد فيه على حق إسرائيل في البناء الاستيطاني في القدس كما هو حقها في البناء داخل تل أبيب ذاتها. وربما ما جعل ليبرمان يعتقد أن موقف نتنياهو جاء في خانة الوفاء له أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يتقدم من الإدارة الأميركية بأسباب تتعلق بالائتلاف الحاكم وخاصة إسرائيل بيتنا بما يمنعه من الاستجابة للمطالب الأميركية بشان الاستيطان إلى جانب الأسباب المتعلقة بحزب الليكود.
- رفضه «المبدئي» لوجود تسيفي ليفني وحزبها كاديما في إطار الائتلاف الحاكم لأسباب كثيرة من بينها الموقف من هذا الحزب باعتباره قام على أنقاض الليكود بعد إفراغه من كادره وقياداته الأساسية الذي أستقطبهم أرئييل شارون الرئيس الأسبق لليكود ومؤسس ورئيس حزب كاديما الجديد. ومن بين الأسباب أيضا أنه لا يريد أن تدخل ليفني على خط التسوية السياسية وهي المعروف عنها إصرارها السابق في عهد إيهود أولمرت على الإمساك بهذا الملف كوزيرة للخارجية في حينها، ومن ثم استنكافها عن أي دور في ملف التسوية بعد أن سعى أولمرت إلى السيطرة على دورها وتوجيهه مما جعلها تقاطع جلسات المفاوضات المقررة مع رئيس طاقم التفاوض الفلسطيني في حينه أحمد قريع (أبو علاء).
وبذلك لم يجد نتنياهو أي مصلحة له في تغيير الائتلاف وهو يشعر بأنه ما زال مستفيدا من وجود حزب ليبرمان في الائتلاف كوسادة يتكئ عليها عند القيام بأية مناورة في مواجهة أية مطالب تتقدم بها الإدارة الأميركية بشأن ملف التسوية.
ومع ذلك لم يخف بنيامين نتياهو أمام مقربيه تذمره من بعض تصرفات ليبرمان ووزارة خارجيته وإقدامه على إطلاق تصريحات أثارت انتقادات إقليمية ودولية واسعة وإلى جانب ذلك «أزمة الأريكة» مع أنقرة مما دفعه إلى تجاوز ليبرمان في كثبر من المسائل التي تتصل بمهام وزارة الخارجية من بينها التعيينات والإجراءات التي ذكرناها.
على ذلك كان من المتوقع ألا يسكت ليبرمان طويلا على هذه التجاوزات التي أزعجته ودفعت أوساطا واسعة من حزبه إلى استنكار ما تم من تجاوزات بحق حزبهم ورئيسه، وهو ما أدى لاحقا إلى أن يشهر ليبرمان تباينات عدة في الموقف من قضايا ائتلافية من بينها الموقف من الموازنة إذ صوت ووزراؤه ضدها بينما رد عليه نتنياهو في بيان عارض فيه تصريحات ليبرمان بشأن مشروع قانون الجنسية وربطها بالولاء ليهودية إسرائيل مع ملاحظة أن موقف نتنياهو هذا جاء مراعاة لمواقف أوساط يهودية في الولايات المتحدة وليس دفاعا عن الفلسطينيين في أراضي الـ 48 .
ما جرى دفع أوساطا حزبية وسياسية في إسرائيل لأن تتدخل لتهدئة الأمور بين نتنياهو وليبرمان اللذين استجابا لهذه الجهود ووجدا أن حصيلة أية مواجهة بينهما ستخدم أجندات أخرى بعيدة عن التصورات التي يسعيان إلى تحقيقها.
فنتنياهو يرى أنه ما يزال في حاجة إلى ليبرمان ومقاعده الخمسة عشر في الكنيسة كمقاعد مضمونة لصالح الخط الأساسي للسياسات التي يعتمدها وخاصة أن ملف التسوية السياسية لا يزال في أول الطريق ولا يريد أن يتعرض إلى هزات غير محسوبة في حال استغنى عن حزب إسرائيل بيتنا وبذلك يجد نفسه ربما تحت رحمة حزب كاديما في الوقت الذي يستعد حزب العمل برئاسة إيهود باراك لمؤازرتها في حال دخلت الائتلاف الحكومي منحازا إلى أجندتها السياسية بشأن المفاوضات وهي إن اختلفت مع نتنياهو فإنما تختلف في الأسلوب وليس بسلة الأهداف الإسرائيلية المرتجاة من ملف التسوية السياسية مع الفلسطينيين.
وليبرمان أيضا لا يجد أن الوقت مناسب لكي يخرج من الائتلاف الحكومي وخاصة إذا كان هذا الخروج مبنيا على ردة فعل تجاه التهميش الذي يتعرض له. فعلى الأغلب أنه سينتظر مشكلة كبيرة بحسب القياسات الأيديولوجية التي يعتقد بها ليخرج على صورة بطل رفض أن «يساوم» على قناعاته وبذلك سينظر إليه حزبه وجمهوره كمدافع عن «الثوابت» الصهيونية في الوقت الذي ربما يصور فيه نتنياهو كشخص متخل عن هذه الثوابت على أمل أن يزيد ليبرمان من رصيده الجماهيري مراهنا على أزمة حكومية قادمة وبالتالي انتخابات مبكرة يخرج فيها بحصاد أوفر مما خرج به في الانتخابات الماضية ليكرس بذلك صورة الحزب الذي يواصل تقدمه منذ أن تأسس في العام 1999.
حسابات كثيرة أمام الحزبين وحسابات أكبر أمام أطراف الائتلاف الحكومي القائم في إسرائيل ولا تبتعد عن ذلك كثيرا المعارضة وبشكل خاص حزب كاديما ورئيسته تسيفي ليفني التي لا تزال تجلس منذ أكثر من عام ونصف العام على مقاعد المتفرجين بانتظار أن تحين الفرصة التي انتظرتها طويلا..