من يجرؤ على تبرئة “إسرائيل”؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
من يجرؤ على تبرئة “إسرائيل”؟

بقلم : م. جنيد ليفسكي علام

/ ترجمة: محمد ابراهيم فقيري

“كل ما سيقدر العرب على القيام به، عندما نستعمر أرضهم، هو الهرولة هنا وهناك كالحشرات المخدرة داخل قارورة زجاجية”.

(رافائيل إيتان، رئيس أركان الجيش “الإسرائيلي”، 1983)

“تحت سمع وبصر الفلسطينيين استولينا على الأرض والقرى التي عاشوا فيها هم وأجدادهم نحن جيل من الغزاة، ومن دون الخوذة الحديدية وماسورة البندقية لا يمكننا أن نزرع شجرة ونبني منزلاً”.

(موشيه دايان رئيس اركان الجيش “الاسرائيلي” الأسبق)

يجتر أصحاب النزعة التبريرية في دفاعهم عن “اسرائيل”، نفس الأعذار الرسمية التي تتكرر دائماً، “اسرائيل” أزهقت أرواح 1300 فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين والأطفال “لأنها كانت مضطرة، وصواريخ حماس جعلت اجتياح غزة ضرورياً، وبسبب تكتيكات حماس أضحى سقوط ضحايا مدنيين حتمياً”.

هل يمكن بمثل هذه التبريرات تزييف التاريخ؟

هل هذه الأعذار منطقية؟

هل هي أخلاقية؟

أم أن هذه المواقف والتبريرات، هي مجرد تمويه وتضليل، الغرض منها اخفاء حقائق مزعجة تتعلق باستراتيجية “اسرائيل” وحقيقة، وأصل نشأتها؟

أستطيع القول إن الحجج التي جادلت بها “اسرائيل” بشأن صواريخ حماس، اخفقت على عدة مستويات ف”إسرائيل” بحرص شديد منها، وضعت حماس في موقف المهاجم، ووضعت نفسها كمدافع، بيد ان هذه الفكرة، أو الحجة الخيالية الجذابة، تعترضها مشكلة واحدة، وهي ان “اسرائيل” ظلت تطرد، وتحتل وتسجن الفلسطينيين منذ زمن طويل، حتى قبل ان تولد حماس.

الانسحاب من غزة عام 2005

كان يهدف لإدارة السجن الكبير من الخارج بدلاً من الداخل

وكما كتبت الصحافية “الاسرائيلية” عميرا هاس في يناير، غزة ليست القوة العسكرية التي هاجمت جارتها الصغيرة، المحبة للسلام “اسرائيل”، غزة أرض احتلتها “اسرائيل” في ،1967 واحتلت معها الضفة الغربية أيضاً، وسكان غزة هم جزء من الشعب الفلسطيني، الذي ضاعت أرضة، ووطنه في 1948”.

هذه هي الحقيقة

ولكن كيف فقد الفلسطينيون وطنهم؟

بعد ان ازاحوا الستار عن أرشيف دولتهم السري، أشار باحثون “اسرائيليون” نزيهون الى حملات اغتصاب، وقتل، وتطهير عرقي “اسرائيلية” بلغت اقصى معدلاتها في 1947.

وبعد فترة قصيرة من طرد “اسرائيل” لسبعمائة وخمسين ألف فلسطيني، قال بن جوريون أول رئيس وزراء “اسرائيلي” لأحد رفقائه “انهم (الفلسطينيين) يرون شيئاً واحداً: لقد جئنا الى هنا، وسرقنا دولتهم.

فلماذا يجب عليهم تقبل ذلك؟”.

حقيقة لماذا يكون امطار دولة، لدولة أخرى بالصواريخ جريمة غير مستفزة، بينما يصبح اطلاق شعب بلا دولة لصواريخ نحو من سلبوهم واغتصبوا دولتهم ثم حشروهم في معسكرات، وعزلوهم عن العالم، وأوقعوا بهم مذابح بأسلحة اكثر فتكاً بكثير من قذائف الفلسطينيين البدائية، لماذا يكون كل ذلك مجرد موضوع آخر.

وإذا أغفلنا عقوداً من التطهير العرقي والاحتلال، والقصف “الاسرائيلي” ووجهنا أصبع الاتهام نحو صواريخ حماس باعتبارها بداية المشكلة، نكون كمن يشاهد شريط فيديو مدته عشر دقائق لرجل قاس، يضرب زوجته بعنف، ونبدأ في مشاهدة الشريط ابتداء من الدقيقة التاسعة، عندما تبدأ الزوجة في الدفاع عن نفسها.

وبعيداً عن أي حسابات، أو اعتبارات تاريخية، لا يمكن اعتبار صواريخ حماس حجة أو تبريراً للغزو لأن الصواريخ كانت نادرة جداً، قبل ان تعمل “اسرائيل” على التصعيد.

وفقاً للجيش “الاسرائيلي”، كان عدد الصواريخ التي أطلقت من غزة في شهور وقف اطلاق النار، يوليو /تموز وأغسطس/آب و سبتمبر/ايلول و اكتوبر /تشرين الاول صاروخاً واحداً في يوليو وثمانية صواريخ في أغسطس، وواحد في سبتمبر ، وصاروخين في اكتوبر، وحتى هذه الأعداد القليلة من الصواريخ كانت في الغالب تطلق من قبل جماعات مسلحة صغيرة، ليس ل حماس سلطة عليها، وباختصار التزمت حماس بالهدنة، وهذه حقيقة أقرتها “اسرائيل” أثناء تلك الأشهر، وفي الخامس من نوفمبر /تشرين الثاني خرقت “اسرائيل” الهدنة بنفسها عندما شنت غارة عسكرية، وقتلت ستة مسلحين من حماس.

وعلى الصعيد المعنوي، ندرك ان “اسرائيل” ترعب وتروع الفلسطينيين، بصورة لا يمكن الدفاع عنها.

وفقاً لموقع على الانترنت يؤيد “إسرائيل”، بلغ عدد القتلى “الاسرائيليين” جراء الصواريخ الفلسطينية في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2001 حتى يونيو/حزيران ،2008 ثلاثة وعشرين قتيلاً.

وخلال حرب غزة قتل ثلاثة مدنيين “اسرائيليين” بالصواريخ، ولو افترضنا ان مذبحة “اسرائيل” الأخيرة، في غزة، التي خلفت مئات الضحايا من المدنيين، يمكن تبريرها بالصواريخ التي سببت مقتل عدد ضئيل من المدنيين “الاسرائيليين”، ألن تكون حماس الآن - إذا طبقنا منطق “اسرائيل” نفسها - معذورة اكثر من أي وقت مضى، في مواصلة قصف “اسرائيل” بالصواريخ؟

كيف يدعي الكيان “الاسرائيلي” السمو الاخلاقي، إذا كان يستخدم معادلة حماس، ولكنه يضاعف الجرعة القاتلة في المعادلة مائة مرة؟

لوم الضحية

من يدافعون عن “اسرائيل” ويلتمسون لها الأعذار، سيردون بمجادلة أو حجة ثانية ولسان حالهم يقول: مسؤولية المقتلة تقع على حماس، و”إسرائيل” ليس عليها وزر فيما حدث.

وهذا أيضاً إفك، وخداع.

ولعل الأمر الغريب، والمستهجن التمسك والإصرار على أفكار بالية، بل يجب قبول، والتمسك بمبدأ ان من ارتكبوا هذه المقتلة يجب تحميلهم مسؤوليتها.

بيد ان انصار “اسرائيل” والمتحمسين لها يصرون على ان “اسرائيل” استثناء “ألم تكن “اسرائيل دائماً، استثناء؟”.

ويجادل انصار “اسرائيل”، بأنها فعلت ما فعلته لأن حماس “أندست وسط المدنيين” أو “استخدمت المدنيين كدروع” أو “أطلقت نيراناً من مناطق مدنية”، وبهذه الذرائع يتم اعفاء “اسرائيل” من تحمل ذنب فتكها بالمدنيين.

ومرة أخرى تفرض الحقائق التاريخية نفسها. فالناس الذين يعيشون في معسكرات اللاجئين البائسة في غزة، لا يعيشون فيها باختيارهم، أو بسبب حماس: إنهم يعيشون في هذه الملاجئ، لأنهم وقعوا في شراك “اسرائيل” ولأنهم تعرضوا للتطهير العرقي عندما استولت “اسرائيل” على أراضيهم عام ،1948 فاضطروا للهرب نحو قطاع غزة الضيق، الذي يحده البحر.

ثم وقعت غزة أيضاً في قبضة “اسرائيل” في ،1967 وأصبح الفلسطينيون تحت نير الاحتلال العسكري “الاسرائيلي” وغدت غزة - ومناطق فلسطينية أخرى - محاصرة بالمستوطنين اليهود المتطرفين الذين استولوا على الأراضي المغتصبة.

وعندما انتهى هذا الاحتلال في 2005 بعد عقود من الإذلال تحول السجان ببساطة من داخل الزنزانة، إلى خارجها لكي يدير المعتقلين بطريقة أفضل، وانتقل غالبية المستوطنين اليهود إلى الاراضي الفلسطينية المغتصبة في الضفة الغربية، وفرضت “إسرائيل” حصاراً شاملاً على غزة نفسها عقاباً للغزاويين لأنهم انتخبوا حماس

وأدى حصار غزة إلى تدمير اقتصادها، ولم يرفع حتى أثناء الهدنة.

ومنعت “إسرائيل” دخول الفلسطينيين للعمل في “إسرائيل”، وأغلقت طريق البحر، وكانت تمرر أولا المساعدات الغذائية والوقود حسب رغبتها، وخلقت “إسرائيل” معاناة وآلاماً في منطقة من أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان.

وقال أحد المسؤولين “الاسرائيليين” معلقاً يزهو من الأثر الهائل للحصار على غزة في 2006: “الفكرة هي وضع الفلسطينيين في رجيم، ولكن من دون تركهم يموتون جوعاً”.

وحينذاك كان “الاسرائيليون” يقولون “فلندع الفلسطينيين يتألمون، ولكن لا يجب أن ندعم يموتون، لأن هذا سيتحقق فيما بعد”.

ويلاحظ أن الفاتيكان الذي لم يعهد عنه إصدار بيانات أو خطب مناصرة للمسلمين وصف غزة بأنها “معسكر اعتقال”.

وبالرغم من محاججة المدافعين عن “إسرائيل” بأن “إسرائيل” يجب أن تبرأ من مسؤوليتها عن قتل المدنيين، لأن حماس “اختارت” أن تتورط في “مناطق مدنية”، بالرغم من هذه الحجج، فإن الحقيقة هي أن الفلسطينيين ليس لديهم خيار في أي منطقة أخرى فهم محشورون في قفص ركلتهم “إسرائيل” بداخله قسراً بالتطهير العرقي والاحتلال، والحصار.

اقتلوا أولاً

ولم تكتف “إسرائيل” بحصار الفلسطينيين على مستوى المدن والمناطق فقط، فأصبحت تحاصرهم في الشوارع والأزقة، لكي يصبح من السهل قتل المدنيين الفلسطينيين، فعدة عوائل كبيرة من منطقة واحدة في غزة، وهي ضاحية الزيتون، يروون واقعة واحدة، يشهد جميعهم عليها، وهي أن الجنود “الإسرائيليين” كانوا يجبرون أفراد الأسرة الواحدة على التجمع في مبنى واحد، ويطلقون النار على هذا المبنى، ثم يقتلون من يحاولون الهرب من المبنى حتى لو خرجوا منه وهم يلوحون بالرايات البيضاء.

وقد اعترف أحد الجنود “الاسرائيليين” ممن كانوا في حي الزيتون، لصحيفة بريطانية بأن وحدته تلقت أوامر بإطلاق النار على أي شيء يتحرك وقال إن أفراد وحدته طُلب منهم أن يطلقوا النار أولاً، وبعد ذلك يسألوا.

لم تقدم “إسرائيل” مروجاً وسهولاً خالية في سويسرا، ل حماس لكي تنازعها عليها، ولم تمنح حماس جزءاً من ترسانة الأسلحة الأمريكية الحديثة التي تملكها، لكي تتعادل معها، ولم تقدم “إسرائيل” للمدنيين الفلسطينيين أي طرق بديلة، أو مخارج لا قبل، ولا أثناء، ولا بعد القتال.

والأسوأ من ذلك، إنها بدأت القصف في منتصف النهار، عندما كان الاطفال في أفنية مدارسهم، في فترات الراحة بين الحصص المدرسية.

ف”إسرائيل” إذاً، لا تعبأ بمصير المدنيين لقد صنعت على مدى عقود، مقتلة كبيرة وأستفادت منها.

ويمكن للمرء أن يجادل، بأن الجماعات المسلحة عليها أن تتجنب الاختلاط بالمدنيين أثناء القتال، وأن تبذل كل ما تستطيع لتجنب مجاورة، أو الاحتماء بالمدنيين.

ولو افترضنا أن غالبية الضحايا الفلسطينيين المدنيين سقطوا لأن حماس كانت تمسك بالمدنيين على يمينها ويسارها لاستخدامهم كدروع، ففي هذه الحالة يجب توافر أدلة قاطعة وكثيرة على أن حماس كانت تستخدم المدنيين كدروع.

ولكن أين هي هذه الأدلة؟

فبالرغم من كل أجهزتها التجسسية الحديثة، والاقمار الصناعية، وأجهزة الاستطلاع، والكاميرات التي تملكها “اسرائيل”، الا انها لم تقدم اي دليل على ان حماس تستغيل المدنيين كدروع بشرية، وفي الحقيقة، منعت “اسرائيل” رسميا الصحافيين من مجرد الدخول الى غزة اثناء عملياتها.

لماذا تخفي “اسرائيل” ممارسات حماس الفظيعة عن اعين العالم؟

الجواب، بالطبع، هو ان “اسرائيل” تخفي فظاعاتها هي، وفي الحالات القليلة التي لم يكن بالإمكان منع بعض الجهات من الدخول لغزة، او ممارسة عملها داخل غزة، مثل الامم المتحدة، ومنظمات الاغاثة المستقلة ومراسلو رويترز، ظهرت حقائق مختلفة ف “اسرائيل” تفجر المدنيين، وتفجر تموينات المدنيين ايضا، وقد شجب موظفو الاغاثة الاعتداءات، واتهمت “اسرائيل” حماس بأنها تطلق النيران من مناطق قريبة من منظمات الاغاثة.

وفي كل مرة يكرر فيها الجيش “الاسرائيلي”، ذريعة عمل مقاتلي حماس بالقرب من منظمات الاغاثة، كان موظفو هذه المنظمات يردون بنفي قاطع ومشدد، ويؤكدون ان حماس لا تقاتل بالقرب من مقار المنظمات، وأخذ مسؤولو منظمات الاغاثة يطالبون “اسرائيل” بأية ادلة تثبت مزاعمها، وبالطبع لم تقدم “اسرائيل” اي دليل.

ونستطيع القول، ان هذه التوليفة من حقائق التاريخ، والوقائع على الارض تدحض مصداقية حجج “اسرائيل”. ويمكن ان نقول كذلك، ان لوم الضحية يكون احيانا امرا شائعا حتى بين الغازين والمستعمرين.

لكن طرد الضحايا من منازلهم، واجبارهم على العيش في معسكرات لا انسانية، ثم اعتبارهم مخطئين بسبب موتهم جماعيا، عندما قررت “اسرائيل” قتلهم في اقفاصهم الضيقة التي صممتها لهم، فإن هذا يعد، انجازاً خارقاً في فنون القسوة، والوحشية.

ولذلك، لا تقل مسؤولية “اسرائيل” في قتل المدنيين عن مسؤولية ماكينة الذبح والتقطيع في “السلخانة”، في ذبح وسلخ وتوضيب المواشي.

قتل المدنيين كاستراتيجية

ان الوقت قد حان لإيضاح الحقيقة البديلة لرواية “اسرائيل” الرسمية، ف “اسرائيل” لم تقتل مئات المدنيين الفلسطينيين عرضا، ومن دون ان تقصد ذلك. الحقيقة هي ان “اسرائيل” قصدت استهداف كل الفلسطينيين لأنها أرادت اعطاءهم درسا قاسيا، لأنهم لم ينكسروا ولم ينهزموا بعد ستين عاما من الوحشية والهمجية.

وأكوام الجثث التي تراكمت نتيجة لهذا الغزو، لم تكن عرضا ولكنها كانت في سياق التكامل والتناغم مع متطلبات الدرس “الاسرائيلي”.

يكتب مدونات على الانترنت حول امريكا والإسلام،

ويكتب مقالات حول هوية المسلمين الأمريكيين لمجلة “واير تاب”


المصدر