من بريء غائب إلى حكومة ظالمة.. هل غسل أموال أم غسل الضمائر؟
د. أحمد عبد العاطي - مدير بشركة حياة للأدوية
ahmedatty2003@yahoo.com
محتويات
مقدمة
فاجأنا النظام المصري الأمني الهمام بحملة أمنية جديدة على جماعة الإخوان المسلمين وبعض رجال الأعمال ومؤسساتهم الناجحة في إطار خطةٍ منظمةٍ لتشويه صورة الجماعة ورموزها المجتمعية المحترمة واستمرارًا لمسلسل تصفية حساباتٍ سياسيةٍ على خلفية السقوط المستمر للنظام وأجهزته على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في وقتٍ تزداد فيه أسهم الجماعة ومشروعها الإصلاحي وتكتسب المزيد من الدعم الشعبي الجماهيري والمساحة في الخريطة السياسية والتنفيذية عبر صناديق الانتخاب ومن خلال المؤسسات، وفي مقدمتها البرلمان المصري.
وسأناقش هنا عدة نقاط باعتباري واحدًا من هؤلاء الذين أضيروا أدبيًّا وماديًّا من جرَّاء هذا الجرم السياسي الذي اقترفه النظام وأراد أن يُغلفه بشكلٍ قانوني وتنوع في اتهامات باطلة... وتأتي المناقشة بصفتي:
- أولاً: واحدًا من أبناء هذه الدعوة المباركة التي تقوم على تربية أفرادها وتحصينهم بمبادئ الأخلاق وحثهم على النجاح في مجالات الحياة كجزءٍ من شمولية هذا الدين الإسلامي العظيم الذي نتشرف بحمل رسالته السمحة للعالمين والتي تكتسب جماهيريتها ومشروعيتها من حصاد حسن السمعة والتواصل المجتمعي.
- وثانيًا: بصفتي مديرًا لشركة (حياة للأدوية) ، وهي إحدى الشركات المغلوقة والمتحفظ على مقتنياتها والمشرد موظفوها والمتضررة ماديًّا وأدبيًّا.
(حياة) الحلم الذي بدأناه
التقينا كمجموعةٍ من شباب الأطباء والصيادلة على فكرةِ المساهمة في إنماءِ اقتصاد هذا البلد الحبيب مصر الذي تربينا فيه وتعلمنا في جامعاته، وتعاوننا مع الغير في إقامةِ العديد من مشروعات الدواء الناجحة على أرضه مما أكسبنا بفضل الله المهارات الفنية اللازمة للقيام بمشروع الشركة، والتي ارتأينا أنه دَينٌ للوطن في أعناقنا أن يمتلك أبناؤه مشروعًا لصناعةِ الدواء للمريض المصري المعدم بأيدٍ وتقنيات مصرية خالصة.
(حياة) حقائق وأرقام
- شركة مساهمة مصرية قائمة ومشهرة طبقًا للقوانين المصرية، وهي أعلى نوعٍ من الشركات في قانونيتها ورقابة أجهزة الدولة عليها ومساءلة المساهمين لها.
- شركة بادئة منذ عامٍ تشقُّ طريقها في عالمِ تسجيل الأدوية وتصنيعها لم تُسوق منتجًا واحدًا بالسوق المصري بعد، ولم تدر دخلاً، وإنما تقوم حاليًا على التأسيس للعمل من خلال تسجيلِ مستحضراتها طبقًا لقواعد التسجيل الطويلة والعقيمة التي يفرضها القانون المصري- بعيدًا عن الطرق المشبوهة والملتوية التي يسلكها البعض- وتنفق على ذلك من قيمةِ أسهم أصحابها طبقًا لطبيعةِ مرحلة الإنشاء في أي شركةٍ، وبالتالي تدخل مصروفاتها حاليًا تحت بند الخسائر للسنة المالية الأولى.
- لا تمتلك الشركة في أرصدتها إلا مبلغًا لا يكفي لتسجيل أكثر من 4 منتجاتٍ صيدلانية طبقًا لقواعد ودراسات التسجيل ورسوم وزارة الصحة المصرية.
- الشركة بها 5 من الموظفين ليسوا من الإخوان المسلمين، ولكنهم من الشباب المصري الكفء الطامح في فرصة عمل والذي يعاني أفراده من بطالةٍ خانقةٍ.
- الشركة كانت تستعد لإصدار أول ميزانيةٍ لها عقب انتهاء العام المالي الحالي ديسمبر 2006م.
تهم باطلة وإفك دُبِّر بليل
أثناء مهمة عمل لي خارج البلاد جاءتني أخبار الحملة الأمنية الظالمة على شركتنا وقيام مباحث أمن الدولة (وهي الجهة غير المعنية بالنشاط الاقتصادي) بالسطو على مكتب الشركة وحمل كل الأوراق والمستندات والأجهزة الموجودة بمقرِّ الشركة واقتياد أحد مديري الشركة ومؤسسيها (د. محمد حافظ) للتحقيق معه وتوجيه التهم الباطلة له ثم حبسه، والتشهير بالشركةِ في وسائل الإعلام المختلفة دون حتى الانتظار للتحقق من مصداقية التهم الملفقة التي حاكوها؛
ولأنَّ تهمةَ غسل الأموال هذه إفكٌ جديدٌ لم نعتد عليه من زبانيةِ التعذيب والتلفيق، فقد آثرتُ أن أطلع على القانون الخاص به، وهو قانون رقم 80 لسنة 2002م فوجدتُ أنَّ القانونَ ينص في مادته الثانية على أنه معنى بالآتي من الجرائم: (المخدرات- خطف وسائل النقل- الإرهاب- تهريب الأسلحة والذخائر- سرقة الأموال- أعمال الفجور والدعارة- سرقة الآثار- جرائم البيئة والنفايات) ، وأنا أريد أن يُجيبني عاقل أو منصف أي هذه الجرائم تُوجه لنا؟ وما أدلتها؟ وما الإطار القانوني للتصرف حيالها؟
وكلها نحن أبعد ما نكون عنها، بل نعفُّ أن نتحدث عن فاعليها - وهم معروفون للجميع؟- أما ما يُقال عن أننا ندير أعمالنا لتوظيف أموال الإخوان من الداخل أو من الخارج فهذه تهم عارية من الصحة وباطلٌ ما فيها، وإليكم الدلائل:
- كل جنيه يُوضع في رأس مال الشركة أو يخرج منها له مستند مالي رسمي أو بنكي يخضع للمحاسبة الضريبية والمراجعة القانونية والميزانيات المشهرة.
- بحسابات بسيطة نحن لم ننتج ولم نبع ولم نكسب، وبالتالي تطبيق مبدأ المحاسبة يسير جدًّا إذا ما أرادت أي جهةٍ رقابيةٍ متابعة نشاط الشركة، فكل ما كان لدينا من مستنداتٍ واضح ومتاح ويأتي تحت بند الإنفاق للتأسيس والتسجيل ودفع الرواتب للعاملين.
- إذا طبقنا مبدأ من أين لك هذا؟ فلن يأخذ الأمر أكثر من بضع ساعات لمعرفة التاريخ المالي لكل المساهمين بالشركة؛ لأنه لا يرقى إلى رقمٍ صفري بجوار التسعةِ أصفار الموضوعة أمام حسابات مَن لفَّقوا القضية ومَن يحثونهم على ذلك!!
- الإخوان ليسوا في حاجةٍ لهذا التهويل الأمني والإعلامي الممجوج؛ لأنه ببساطة ليس لديهم من الأموال ما ينفقونه ناهيك أن يستثمروه - وللأسف أقول على استحياءٍ إن أنشطة الجماعة القائمة على تبرعاتِ أفرادها الفردية أغلبها يتعثر أو يخرج بشكلٍ غير احترافي لضعف الإمكانات المادية، ولكن سمو الدعوة وإباءها يحول دون التحدث في مثل هذه الأمور، وقبل هذا كله وبعده فإن أستار قدرة الله عز وجل هي التي تنجز الأعمال لا ملياراتِ الجنيهات التي يخالها البعض لأنهم ببساطة ينفقون أضعافها على باطلهم بلا مردودٍ إلا المزيد من الفشل والسقوط.
- أتحدى أن يكون هناك دليلٌ واحدٌ يربط بين المؤسسات الاقتصادية لأفرادٍ من الإخوان وبين أنشطةٍ دعويةٍ للجماعة عبر تاريخها الممتد.
- من السفه أن يدَّعي البعض أن أنشطة الطلاب التي يديرونها بأنفسهم ومن مصروفهم الشخصي والتي لا تتعدى جنيهات (في شكل مطبوعاتٍ أو حفلات) هي من أرباحِ رجال الأعمال حتى نضرب المؤسسات الاقتصادية وندمر اقتصاد مصر ونرعب المستثمرين ونُخيفهم من دخول البلد في هذا الجوِّ من الإرهاب البوليسي.
غسل الأموال.. وغسل الضمائر
أيها السادة المسئولون عن هذا النظام المترنَّح نحن لا نغسل أموالاً بل نغسل وجوهنا بدموعِ الليل خشيةً من الله - لا تزكيةً لأنفسنا، ولكن هذا حقٌ رأيته من إخواني على طريق الدعوة - ونغسل ضمائرنا من كلِّ ضغينةٍ لبني جلدتنا بل للبشريةِ جمعاء، كما قال الإمام الشهيد حسن البنا : "كونوا للناس كالشجر يرمونه بالحجر ويرميهم بأفضل الثمر"
ونغسل أيدينا من أن تُؤذي بشرًا حتى أعداءنا جعلنا قتالهم بالحبِّ ودفاعًا عن الأوطان والأعراض، ونغسل أرجلنا من أن تمشي إلى باطل، ونغسل أفكارنا من أن تلوثها مناهج منحرفة شرقًا أو غربًا.
فهلا غسلتم أنتم كل حاجياتكم؟؟
- هل غسلتم أيديكم من دماء الإخوان والمعارضين الذين اغتلتموهم بدءًا من الإمام الشهيد حسن البنا ومرورًا بشهيد الظلال سيد قطب والشهيد كمال السنانيري وانتهاءً بشهداء الدعوة: مسعد قطب وأكرم زهيري ود. حسن الحيوان؟
- هل غسلتم أيديكم من شهداء عبَّارة الموت السلام 98 وتهريب صاحبها جهارًا نهارًا؟
- هل غسلتم أيديكم من شهداء الشعب المصري في انتخابات مجلس الشعب 2005م، وما قبلها؟
- هل غسلتم أيديكم من ملايين الضحايا الذين سقطوا نتاج المبيدات المسرطنة والبيئة الملوثة؟
- هل غسلتم أيديكم من ذنب عشرين ألفًا أو يزيد من المعتقلين السياسيين مات وشُل الكثيرُ منهم في معتقلات مصر اللاآدمية؟
- هل غسلتم أيديكم من عشرات الموتى ومليارات الجنيهات المفقودة في كارثة إنفلونزا الطيور التي فشلتم في مواجهتها؟
- هل غسلتم أيديكم من تسميم الحياة السياسية في مصر والانقلابات داخل الأحزاب والإطاحة بالمعارضين دون شرف؟
وأخيرًا أقول لمَن يُصرُّ على حربِ الإخوان بتشويه صورتهم أو شل حركتهم أو إضعاف إمكاناتهم أو سجن رموزهم أو غلق مؤسسات أفرادهم: لن تُفلح جهودكم في أيٍّ مما سبق ولو طال بنا الأمد، ولن تجعل كل هذه المحن الإخوان إلا أشد عودًا وأكثر إصرارًا على الطريق الصحيح الذي اختاروه لأنفسهم، ولن تحرفنا هذه المهاترات عن الميدان الحقيقي للمواجهة مع العدو المتربص بأمتنا، وعلى بعد أمتار من بلادنا، ولن تجرنا مناوشاتكم إلى السقوطِ في مواجهة عنفكم بعنفٍ مضاد، كما ادعيتم زورًا وبهتانًا على طلاب الأزهر، وكما فعلتم بالمأجورين من البلطجية في انتخابات الطلاب بجامعة عين شمس.
إنما نحن ماضون بإذن الله في طريق دعوتنا ذات الثوب الأبيض الناصع الذي طالما حافظنا عليه محتسبين كل ما نلاقي في الله وموقنين بأنَّ الله سيعوضنا خيرًا عمَّا سُلب منا في الدنيا قبل الآخرة ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ (غافر 51 ).. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).
المصدر
- مقال: من بريء غائب إلى حكومة ظالمة.. هل غسل أموال أم غسل الضمائر؟ موقع إخوان برس