من الانتخابات البلديّة.. إلى محاذير العدوان على الأراضي اللبنانيّة
بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان
يدخل لبنان بعد أيام دوامة الانتخابات البلدية والاختيارية، في أجواء وفاقية خيّبت آمال كل الذين راهنوا طويلاً على أنها لن تجري، حيناً بسبب عدم نضوج الصيغة المناسبة لقانون الانتخابات، وحيناً آخر بسبب ضيق المسافة التي تفصل البلد عن الموعد المحدد لإجراء الانتخابات (2 أيار 2010)، وحيناً ثالثاً بأن حال الاستقرار غير الثابت سوف تعصف به الانتخابات التي تعني القرية والمدينة، وحتى الأحياء الشعبية.
لكن كل المؤشرات تدل على أن هذه الانتخابات التي تجري بموجب القانون القديم، أي بدون النسبية أو الكوتا النسائية، سوف تكون الأهدأ والأكثر برودة من كل الانتخابات التي شهدها البلد.
فمتى كانت بلدات وقرى اقليم الخروب تتوافق على رؤساء البلديات وأعضائها؟ ومتى كان يحدث مثل ذلك في مدينة صيدا التي تسودها ثنائية سياسية وبلدية منذ عقود؟ فضلاً عن التوافق المؤكد في العاصمة بيروت، وفي بلدات وقرى الجنوب والبقاع بعد اعلان تفاهم حزب الله وحركة أمل.. لكن هل يعني هذا أن البلد آمن وهادئ فعلاً؟ هذا ما يحتاج الى توقف طويل.
منذ أشهر تركّز الادارة الأمريكية والأوساط الصهيونية على خطر يهدد السلام العالمي هو البرنامج النووي الإيراني، رغم أن جميع التقارير المحايدة تقول ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تملك قدرات نووية حربية، وإن كل تركيزها هو على الانتاج السلمي، بما في ذلك تقارير اللجنة الدولية للطاقة النووية التي كان يترأسها محمد البرادعي.
لكن ادارة الرئيس أوباما تمارس نفس الأسلوب الذي اعتمدته ادارة الرئيس جورج دبليو بوش من أجل اثبات أن العراق يمتلك اسلحة للدمار الشامل، وأن نظام صدام حسين ينسق مع تنظيم القاعدة.. مما مهد لعملية غزو العراق، دون قرار دولي، بذريعة نشر الديمقراطية ومواجهة الإرهاب.. في حين ان قوات الاحتلال بعد سنوات من غزو العراق عام 2003 لم تجد اسلحة للدمار الشامل، ولا هي منعت الإرهاب ولم تنشر الديمقراطية في هذا البلد المنكوب، وكذلك الشأن في أفغانستان، وهي تسوّق مفاهيمها بالنسبة لإيران والبرنامج النووي الذي تعتبر ادارة بوش وحكومة نتن ياهو أنه يهدد السلام العالمي والأمن الدولي.. في حين أن العالم كله يعلم أن الكيان الصهيوني يملك ترسانة من الأسلحة النووية تقدّر بما يزيد على ثلاثمائة رأس نووي. وهنا يأتي دور لبنان في هذا الملف الشائك.
الادارة الأمريكية غير مقتنعة بخطر البرنامج النووي الإيراني، لأن إيران لن تكون قادرة على انتاج أسلحة نووية إلا في عام 2015، ولأن المفاوضات مع إيران كفيلة باستيعاب هذا الخطر، سواء كان على المصالح الأمريكية أو الاسرائيلية.
لكن فجأة برزت اتهامات اسرائيلية لسوريا بأنها زوّدت حزب الله في لبنان بشبكة من صواريخ سكود متوسطة المدى، مما عكّر الأجواء اللبنانية وأوحى بأن العدوّ الاسرائيلي ما زال مصراً على أن صواريخ حزب الله تشكل الجانب الآخر من الكماشة التي تهددها، وبالتالي فإنها اذا كانت لا تستطيع توجيه ضربة جوية الى المفاعلات النووية الإيرانية نظراً لعدم فاعلية هذه الضربة لممانعة الولايات المتحدة في اجراء من هذا النوع، فلا أقل من ازالة الخطر الداهم القريب الذي سبق له أن هدّد عمقها الاستراتيجي خلال حرب تموز 2006، وهو الآن يهدد كل المواقع الاستراتيجية في العمق الفلسطيني، لا سيما بعد التهديدات الواضحة للأمين العام لحزب الله بضرب تل أبيب ومطار بن غوريون ومفاعلات ديمونا في صحراء النقب.
وهنا صدرت تهديدات اسرائيلية غير مسبوقة لسوريا عن وزير اسرائيلي، نقلتها صحيفة صنداي تايمز، هدد فيها سوريا باعادتها الى العصر الحجري، من خلال ضرب منشآتها الحيوية وبناها التحتية.
لكن نائب وزير الدفاع الاسرائيلي (متان فلنائي) أقر بعد يومين بعدم امتلاك حزب الله الصواريخ سكود، حين أشار الى أن مدى صواريخ الحزب تبلغ منطقة بئر السبع (فقط)، في حين ان صواريخ سكود يبلغ مداها خمسمائة كلم، أي أنها تتجاوز بئر السبع الى كامل الأراضي المحتلة.
وهنا دخل على الخط نائب رئيس الأركان الاسرائيلي (الجنرال بني غينتس) فأدلى بتصريح قال فيه انه لا يتوقع حرباً لأن الآخرين يعرفون كلفتها.
الى جانب الضغوط الأمريكية والاسرائيلية، جاء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون حول تنفيذ القرار 1559 الذي يعدّه مبعوثه الخاص الى لبنان تيري رود لارسن، وقد جاء فيه أن «دولاً عديدة زوّدته بمعلومات تتحدث عن تهريب أسلحة الى لبنان عبر الحدود البرية»، وكذلك «قيام حزب الله بتطوير وتوسيع ترسانته وقدراته العسكرية، بما في ذلك أسلحة متطورة بعيدة المدى»، كل هذه الأجواء توحي بأن الوضع العسكري في لبنان قابل للاشتعال، سواء بدفع أمريكي أو اسرائيلي، لولا قناعة هذين الطرفين بأن الحرب سوف تكون مكلفة، وأنها لن تنهي القدرات النووية الإيرانية، كما أنها لن توقف مخاطر صواريخ المقاومة الإسلامية من لبنان على مناطق واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولذلك فإن حال المراوحة سوف تكون هي التي تحكم هذا الصراع. أما البديل عن الحرب فهو المفاوضات، ولذلك جاءت زيارة وزير الخارجية التركي الى طهران مؤكدة على فاعلية الدور التركي كوسيط بين إيران والمجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لمعالجة تداعيات البرنامج النووي الإيراني.
وهذا ما فعلته الولايات المتحدة سابقاً بالنسبة للقدرات النووية العسكرية التي امتلكتها كوريا الشمالية.
صحيح أن الصراع في الشرق الأوسط يبدو أكثر تعقيداً، لأن في داخله القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني، وفي داخله قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبروز حركتي المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، كظاهرتين تهددان المصالح الأمريكية والتوسع الصهيوني في المنطقة.
لكن الدوائر الغربية تراهن هذه الأيام على احتواء «الجمهورية الإسلامية» من داخلها، عن طريق استيعاب اهتمام إيران بقضايا العالم الاسلامي وأهمها القضية الفلسطينية، أو حصار حركتي المقاومة الاسلامية ضد المشروع الصهيوني، سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة وقطاع غزةأو عبر الجنوب اللبناني. وهنا يبقى لبنان جزء أمن المعادلة العربية الاسرائيلية، أو الإسلامية الاسرائيلية.
ولعل الاستهداف الأميركي والاسرائيلي لسوريا، وتهديدها «بإعادتها الى العصر الحجري» نتيجة تزويدها لحزب الله بصواريخ سكود، سواء صح هذا الاتهام أو لم يصح.. شكّل عنصر تعاطف شعبي عام مع سوريا، ولبناني كذلك، برز بوضوح من خلال تدفق الوفود الحزبية والرسمية اللبنانية من أجل المشاركة في احتفال السفارة السورية لأول مرة بذكرى جلاء القوات الأجنبية عن أراضيها، وهذا يُقام في لبنان لأول مرة.
أما احتمالات المستقبل، فهي تدخل في نطاق المراوحة السياسية في المنطقة، التي تحكمها المصالح الأمريكية والطموحات الاسرائيلية.
المصدر
- مقال:من الانتخابات البلديّة.. إلى محاذير العدوان على الأراضي اللبنانيّةموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان