من ألغى صفقة اللحوم؟
12 يوليو 2009
بقلم: عماد الدين حسين
85 % من مياه النيل التى تصل إلى مصر تنبع من الهضبة الإثيوبية مقابل 15 % فقط من هضبة البحيرات العظمى. ولو تعرضت حصة مصر الثانوية من مياه النيل البالغة حوالى 55 مليار متار مكعب لأى خطر فالنتيجة ببساطة هى تعرض حياتنا نفسها للخطر.
من قبيل التكرار القول بأن تأمين وصول مياه النيل هو القضية رقم واحد على أجندة الأمن القومى المصرى، لذلك ينبغى أن تكون علاقتنا مع دول حوض النيل خصوصا إثيوبيا علاقات طيبة ومتميزة وظيفيا، بل وتتقدم على علاقتنا بأى دولة سواء كانت هذه الدولة هى أمريكا أو حتى السعودية وسوريا.
يترتب على ذلك أن أى طرف فى مصر يحاول تعريض العلاقة مع دول حوض النيل للخطر فإنه عمليا يعرض الأمن القومى للبلد لخطر داهم وينبغى محاسبته على ذلك.
فى أهرام السبت أمس الأول كتب نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد أن هناك أطرافا وجماعات مصالح داخل مصر مستعدة لتخريب أى جهد يحقق أمن مصر المائى إذا تناقض مع مصالحها الخاصة.
أضاف مكرم أن التشدد الإثيوبى ــ الهادف إلى إلغاء اتفاق عام 1929، ووضع اتفاقية جديدة لا تعترف بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل ــ قد تضاعف بعد إلغاء مصر دون مبررات موضوعية عقد استيراد لحوم من إثيوبيا وقعته الوزيرة فايزة أبوالنجا بقيمة 250 مليون دولار.
يصعب تماما اتهام مكرم محمد أحمد بالإثارة أو كراهية الحكومة، وبالتالى فإن ما قاله يشكل بلاغا يحمل اتهاما خطيرا ينبغى على أى إدارة أو حكومة عاقلة ورشيدة أن تحقق فيه فورا، أهمية التحقيق فى مثل هذا القول أن نتأكد أن لدينا حكومة واحدة وليس حكومتان ونتأكد أيضا أن هناك أطرافا لا يشغلها أن تموت مصر عطشا مادامت مصالح هذه الأطراف مضمونة غربا فى واشنطن وأوروبا أو على الحدود مع إسرائيل.
فى الخمسينيات والستينيات ولأن جمال عبدالناصر «التقدمى الاشتراكى» كان يدرك المسألة بعمق فقد أقام علاقات متميزة مع «الإمبراطور الرجعى» هيلا سيلاسى فى إثيوبيا، وجاء السادات لينسف معظم ما تم بناؤه فى أفريقيا حينما دخل فى صراع مكشوف مع منجستو هيلا ماريام بحجة أنه ماركسى.
وانتهى الأمر بنا إلى أننا نخسر أرضا كل يوم فى أفريقيا وتتقدم إسرائيل، بداية من إقامة أكاديميات لكرة القدم للاعبين الأفارقة فى تل أبيب ونهاية بتصدير السلاح والتكنولوجيا والمشروعات الفنية.
وكانت النتيجة رمزية لكل ذلك حينما فوجئنا بلاعب كرة قدم من غانا يرفع علم إسرائيل فى أثناء مونديال ألمانيا الأخير.
قد لا نلوم رجل أعمال يتقاعس عن الاستثمار فى أفريقيا لأنه يفضل السفر إلى العاصمة الأوروبية، لكن كيف نفهم سر اندفاع بعض الوزارات والهيئات إلى استيراد اللحوم من البرازيل وتجاهل إثيوبيا. لا أدعى معرفة سر صفقة اللحوم الملغاة لكن ماذا عن تغطية الصفقات قبل ذلك؟.
المسألة ببساطة أن الحكومة إذا فكرت ــ ولو بنص عقل ــ فإنها تستطيع كسب إثيوبيا وبقية دول حوض النيل إلى الأبد عبر المصالح المشتركة، من قبيل الصندوق الفنى فى الزراعة والرى وبعض الدورات التدريبية ومنح الأزهر نهاية بالمشروعات المشتركة التى لا تكلف مالا كثيرا، لكنها تضمن مصالح عديدة. لكن المشكلة مرة أخرى وليست أخيرة هى: «على من تلقى مزاميرك يا داود»؟!
المصدر
- مقال :من ألغى صفقة اللحوم؟ ، الشروق