من آداب الأسرة والكتيبة
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
في هذه الرسالة جانب من الأحاديث النبوية الشريفة التي تعين الإخوان على تنظيم اجتماعات الأسر والكتائب على أساس إسلامي واضح، فلا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وقد روعي في ترتيبها أن تكون بقدر الإمكان على النهج الذي يسير عليه الإخوان في الاجتماعات، وبدأت أولا بالنية الخالصة، وحديث النية أول ما نجد في صحيح البخاري، وقد استحب سلفنا الصالح أن تستفتح الأعمال بهذا الحديث ، وعلق على هذا الإمام النووي رضي الله عنه في كتاب الأذكار نقلا عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه "ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل لأجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما"
وتعرضنا بعد هذا للمسئولية الفردية ؛ ليحس كل أخ بحق الله عليه ، ثم تحدثنا عن التعاون وهو عنصر جوهري في عمل الأسرة ، ودرسنا في كثير من التفصيل وضع النقيب في الأسرة والكتيبة، وما ينبغي أن يتحلى به من مراقبة الله، ومحاسبة نفسه قبل إخوانه، وحسن صلته به في السر والعلن ، وأمانته في العلم ، ويأتي بعد هذا "نظام اجتماع الأسرة" حيث يبدأ أولا بآداب الاستئذان في دخول البيوت ، والسلام والجلوس وافتقاد الغائب ، والتحدث والاستماع والمناقشة والمزاح ، وتلاوة القرآن والطعام والنوم والتهجد ، ثم الدعاء ختم المجالس والانصراف.
وهذا القسم – كما ذكرناه – مرتب وفق الاجتماعات التي تعودها الإخوان ، ولم نذكر هذا الترتيب ليلتزم به الإخوان، ولكن المهم أن يلتزموا الآداب نفسها ، فالله تعالى دعانا إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا".
ولا نود أن يقتصر الإخوان على هذه الأحاديث وحدها ، بل يجدر بهم أن يرجعوا إلى كتب الآداب الإسلامية والهدي النبوي؛ ليوثقوا صلتهم بدينهم.
والكتب التي رجعنا إليها، ويستطيع الإخوان أن يرجعوا إليها في دراسة هذا الموضوع هي:
1. كتاب الأذكار للإمام النووي، ومن الأفضل أن يكون هذا الكتاب بين يدي إخوان الأسرة أو في مكتبة الشعبة على الأقل.
2. رياض الصالحين للإمام النووي.
3. الترغيب والترهيب للحافظ المنذري.
4. تيسير الوصول إلى جامع الأصول لابن الديبع الشيباني.
5. زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم .. وعلى هذه الكتب كان أكثر اعتمادنا.
6. الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح المقدسي.
وبعد: فهذه الرسائل التي نقدمها إلى إخواننا إنما هي ثمرة اجتماعات أسرة تتكون من العاملين في مكتب قسم الأسر بالمركز العام، يتدارسون موضوعاتها، يقوم كل فرد منهم بنصيب، والذي نأمله أن يتعاون إخواننا:
أولا: بالدراسة ، وثانيا بالتطبيق، وثالثا بالإنتاج.
وعلى الله قصد السبيل.
والله ندعو أن يجعل أعمالنا في ميزان الخير ، ونعوذ به من فتنة القول والعمل ، ونسأل إخواننا دعوة بظهر الغيب تقربنا من الله ، وتكون لنا زادا يوم يقوم الناس لرب العالمين.
القسم الأول: التوجيهات
النية الخالصة
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"...(رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي)
1. ومن هنا كان على الأخ أن يستشعر في كل أمره، وفي كل اجتماع يحضره أنه يجتمع هو وإخوانه على غاية كريمة هي رضاء الله سبحانه وتعالى، وأن الاجتماع ليس مقصورا على كلمات يحفظها ثم يرددها، فقد روى الترمذي عن كعب بن مالك رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من طلب العمل ليجاري به العلماء ، ويماري به السفهاء ، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار"
وقد استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من "علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع".. (جزء من حديث رواه الحاكم في مستدركه)
2. والعلم لنتقي به الله سبحانه وتعالى ، ونعلم الحلال والحرام ، فلا يكن همنا أن نحصل من العلم على ما يصلح للتأثير في نفوس المستمعين ، ويحرك عواطفهم فحسب ، فقد قال أبو أيوب السختياني : قال أبو قلابة "يا أبا أيوب: إذا أحدث الله لك علما فأحدث له عبادة، ولا يكن همك أن تحدث به" وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : "لا تكون تقيا حتى تكون عالما ، ولا تكون بالعلم جميلا حتى تكون به عاملا"
3. ومن الطبيعي بعد ذلك أن ندعو الناس إلى ما حققناه في نفوسنا، ونأمر بالمعروف الذي علمنا به ، وننهام عن المنكر الذي انتهينا عنه؛ حتى لا ندخل فيمن عناهم الله بقوله "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون"
المسئولية الفردية
1. من أهداف الأسرة أن تربي في الأخ المسلم شعوره بالمسئولية أمام الله ، ودوام مراقبته، وأن تجعل بين الأخ وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم صلة مباشرة قوية ، تؤدي إلى أن يلتزم الأخ أخلاق القرآن ، ويطيع أوامر الله، وينتهي عن نواهيه ، وشعوره بهذه المسئولية الفردية يجعله يؤدي الواجب طمعا في ثواب الله وخوفا من عقابه ، لا لأنه مكلف به من نقيب أسرته أو شعبته ، ووجود هذا الشعور كفيل بتصحيح نيته أولا ، وكفيل بعد ذلك باستمراره في أداء العمل ولو لم يكلفه به أحد ، وشعور المسلم بهذه المسئولية الفردية يرتبط كل الارتباط بقوة عقيدته وصحتها، فبقدر ذكر المرء لله سبحانه وتعالى ، وبقدر تمثله الآخرة يكون إقباله على الطاعة وانتهاؤه عن المعصية.
2. والصلة المباشرة بين المرء وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تقوم على الفهم والتدبر ، وهي التي تكون المسلم الحقيقي، ذلك لأن المسلم لا يكون مسلما إلا بقدر فهمه لكتاب الله تعالى والسنة المطهرة وعمله بما فهم، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتلون الكتاب حق تلاوته ، ويعرضون أنفسهم عليه يعلمون به مدى طاعتهم ربهم، أو مخالفتهم لأمره تعالى، فإذا مرت بهم آيات تصف أخلاق المؤمنين نظروا أي هذه الأخلاق يتصفون بها ، وإذا قرءوا صفات المنافقين أو الكافرين نظروا وأعادوا النظر مشفقين وجلين أن توجد فيهم بقية منها، وإذا مرت بهم آيات الأمر قالوا سمعنا وأطعنا، وجهدوا كل الجهد أن يأتوا بالأمر على وجهه لا يتركون منه شيئا.
3. فإذا اتضحت العقيدة في نفوس الأفراد من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ؛ سعوا إلى تحصيل العلم النافع يتفقهون فيه ، وأقاموا العبادة الصحيحة يتقربون بها إلى ربهم، وأخذوا بسنن الإسلام في كل مظاهر حياتهم؛ حتى يكون هواهم تبعا لما جاء به الرسول عليه السلام.
وتكون الأسرة حينئذ مجالا حيويا لتعاون الإخوان على الحياة الإسلامية ، تنصح وتوجه وتشير إلى الطريق ، لا نظاما جامدا يبعث على الملل والضيق ، ويكون مقياس النجاح في الأسرة – عندئذ – مدى تقدم أفرادها في الفهم، والتعاون فيما بينهم، والشعور بمسئولية المسلم شعورا يجعله نقطة بدء في حياة إسلامية ، فيها العلم النافع والعقيدة السليمة، والعبادة الصحيحة والاستقامة على أمر الله.
التعاون
والأسرة مجموعة من الأفراد المؤمنين بهذا الدين يتعاونون فيما بينهم على التفقه فيه والعمل به؛ تعاونا يرشدنا إليه قول الله سبحانه: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" فكل إنسان منا مرتبط في الحياة بواجبين أساسيين: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق ، وعلى الأسرة أن يتعاون أفرادها على تحقيق هذين الواجبين.
1. فبالنسبة إلى الواجب الأول نتذكر قول الرسول عليه السلام في معنى الإحسان " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
2. وبالنسبة إلى الواجب الثاني؛ فإن ما يكون بين الأخ وإخوانه من المعاشرة والمعاونة والصحبة؛ يجعل اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته ، وتطبيقا لقول الحق تبارك وتعالى: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخل على مسلم؛ تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهرا، ومن كظم غيظه – ولو شاء أن يمضيه أمضاه – ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام"( ) (رواه الأصبهاني).
وحرصا على البيئة الصالحة ، يرشدنا الله بقوله: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا".
فالتعاون –إذا- محور أساسي في بناء الأسرة وعملها.
النقيب
الأخ النقيب عامل من أهم عوامل نجاح الأسر إذا اتقى الله في عمله ، واستشعر مراقبته ، فقد تتباين ظروف الأفراد وتتعقد مشاكلهم ويمرون في ظروف تختلف قسوة ولينا ، ومهمة الأخ النقيب أن يجمع هذه القلوب على الله ، ويستنت معاني الخي فيها، ويكون القلب الكبير الذي يسع آمالهم وآلامهم، والعقل الناصح الذي يحسن توجيه النصح وتقبله، والنزول على حكم الله دون أن تأخذه العزة بالإثم أو الغرور بالمنصب ، ومن أكرم النماذج التي يحفظها لنا تاريخنا عن تواضع المسئول ما رواه الحاكم عن طارق قال "خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة فأتوا على مخاضة (ماء غير عميق يجتازه المارة) وعمر على ناقة له فنزل وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض ، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك (رأوك) ، فقال: أوه (وهي كلمة تعجب وتضجر) لو غيرك قاله يا أبا عبيدة، جعلته نكالا لأمة محمد، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ، فمهما ابتغينا العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله"
وأن مراقبة الله عز وجل هي الأصل الكبير الذي ينبغي أن يكون بين عيني الأخ النقيب، وعليه ترتكز نقط لها أهميتها في تصرفه يمكن أن يجعلها فيما يلي:
1- المحاسبة والمجاهدة:
ففي الحديث الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما سأل جبريل الرسول عليه السلام عن الإحسان قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وأن يكون رقيق القلب يتمثل دائما ذلك الحديث الذي يرويه الطبراني عن ثوبان رضي الله عنه عن رسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "طوبى لمن ملك نفسه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته".
وأن يجاهد نفسه حتى يكون ما بينه وبين الله في السر أقوى مما بينه وبين الناس، فقد روى عبد الرازق وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه تبارك وتعالى".
2- حسن المعاملة:
روي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفقن، ويعطي الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطى على سواه".
وليذكر النقيب الآلام التي يعيش فيها إخوانه ، وما في الحياة من مشكلات، وأن الأسرة هي الجو الكريم الذي يفزع إليه الأخ بعد تعبه اليومي أو الأسبوعي ؛ حيث يلقى إخوة أحبهم وأحبوه، يتعاونون على الخير، يقاومون نزعات الشر في أنفسهم، ويحاولون إصلاح مجتمعهم، يود كل فرد منهم أن يجد عند أخيه صدرا حنونا، وقلبا يقظا وعلما نافعا، وطهر نفس ونقاء سريرة، ولقد وصفت السيدة عائشة خلق أبيها فقالت "كان رجلا رضي الخلق رقيق الطبع"
وبين الله تعالى لنبيه سرا من أسرار إقبال الناس عليه فقال "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".
وضرب النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة لحسن الخلق حينما سأله أبو جَرِيٍّ الهجيمي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله: إنا قوم من أهل البادية" فعلمنا شيئا ينفعنا الله به، فقال: لا تحقرن من المعروف شيئا؛ ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ، ولو أن تكلم أخالك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار (إطالته) ، فإنه من المخيلة ( الكبر العجب) ولا يحبها الله، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإن أجره لك ووباله على من قاله"...(رواه أبو داود والترمذي وقالت حديث حسن صحيح).
وكان هذا التعاطف واضحا في المجتمع النبوي، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يراجعون النبي عليه السلام، ويشيرون عليه في أدب ونصح، ومن أمثلة ذلك موقف الحباب بن المنذر في غزوة بدر؛ حيث اختار مكانا آخر غير المكان الذي اختاره الرسول عليه السلام ليعسكر فيه المسلمون، وكذلك موقف سلمان الفارسي في غزوة الأحزاب حيث أشار على الرسول عليه السلام بحفر الخندق، فلم ينكر عليها الرسول بل نزل على مشورتهما ، وراجع عمر أبا بكر في إقطاع المؤلفة قلوبهم.
وكان الخليفة يفرح بيقظة الأمة، يطلب منهم أن يقوموه إذا اعوج ، ورضي الله عن أبي بكر حين خطب الناس فقال: "أما بعد: فإني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، .... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ...".
وهناك فرق واضح جدا بين الطاعة المبصرة في الإسلام، والطاعة العمياء التي نجدها في المذاهب الاستبداية؛ لأن أولاهما لا تلغي شخصيات الأفراد، وترتفع بالمسلم إلى مستوى رفيع من الإنسانية الفاضلة، ولعل من أوضح الأحاديث التي تبين هذا المستوى ما جاء عن نافع عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، وأمر عليهم رجلا من الأنصار ، وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: عزمت عليكم لما جمعتم حطبا ، وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبا فأوقدوا ، فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فرارا من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف".
وبهذا استطاع الإسلام أن يوقف طغيان المستبدين، ووقف سدا منيعا دون أن تتخذ قضية الطاعة ذريعة لإذلال النفوس وإلغاء الشخصيات ، وحمى النفس الإنسانية من أن تستبد بها نزعات السيطرة الفردية ؛ إن حاولت أن تتستر بالدين ، هذه السيطرة التي تتخذ صورا هادئة أو عنيفة ، فمن صورها التي تبدو هادئة أمر "الاعتراف" وبه نجد رجل الدين يستمع إلى اعترافات المذنب ليعينه على مغفرة الله ، والإسلام لا يعترف به ؛ لأنه لم يجعل بين الله وعبده حجابا يحجبه عنه، فهو الذي قال في كتابه "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم".
وجعل من المجانة أن يذنب الإنسان فيستره الله ، فيصبح يكشف ستر الله عنه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه، يصبح يكشف ستر الله عنه"...(أخرجه الشيخان)
ومن صورها العنيفة التكاليف المرهقة، والتحكم الذي لا مبرر له، وقد يرجع هذا إلى خطأ النقيب أو جهله بآداب دينه، أو تطبيق بعض ما قرأ عن نظم الدعوات غير الإسلامية ، وإن من صور الاستبداد الفردي ما نجد أيضا من اتخاذ العبادات عقوبات، وهو أمر لا نجد له أصلا في الدين ، والحديث الشريف واضح ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"...(رواه الشيخان وأبو داود)
وما ينبغي أن نجعل أنفسنا مشرعين نضع كفارات للأخطاء، ونحن في الإسلام متبعون لا مبتدعون، والأخطاء علاجها التوبة ورد المظالم، فليحذر الإخوة مداخل الشيطان إلى النفس من هذه الناحية ، ولنا عودة مفصلة إلى هذا الموضوع إن شاء الله .. فالجميع في الإسلام –قادة وجنودا – يقفون عند حدود الدين التي رسمها لنا الله تعالى في كتابه، وحددتها السنة المطهرة، وجاءت نماذجها الكريمة في سيرة سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
3- الأمانة العلمية:
وليس من المفروض أن يكون النقيب فقيها في كل شيء ، عالما بما دق من أمر الدين، حتى يتلقى عنه الأفراد كل أمور دينهم ويجدوا عنده جواب كل أسئلتهم، ولكن الأمر تعاون بين إخوان قد تكون بينهم فوارق بسيطة، والنقيب – بحكم وضعه – معرض لأن يسأله إخوانه فيما يشكل عليهم من أمر الدين، أو يرهقهم من أمر حياتهم، وأبسط قواعد الأمانة أن يمتنع الأخ عن الإجابة إذا كان لا يعلم أو يستمهل إخوانه حتى يعود إلى مرجع، أو يسأل من هو أفقه منه، والأفضل أن يعود نفسه وإخوانه الرجوع إلى مصادر ديننا: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والأخذ عن علماء سلفنا الصالح، وألا يأخذ الآيات والأحاديث من أفواه الخطباء دون تحقيق أو تحر ، فكثيرا ما يقع التحريف في تفسير الآيات ونصوص الأحاديث، فيكون الخطر على عقيدة الأخ ودينه من هذه السبيل ، والرسول عليه السلام يقول فيما يرويه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها: "ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله عز وجل ، والمكذب بقدر الله ، والمتسلط على أمتي بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله ، والمستحل حرمة الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك السنة"... (عترة الرجل نسله ورهطه الأدنون) (رواه الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه والحاكم).
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك"...(رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بإسناد حسن) ..
ويقول الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم "كل شيء خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط ، ولا يقوم معه رأي ولا قياس، فإن الله تعالى العذر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد معه أمر ولا نهي غير ما أمر هو به" .. ويكفي تبيينا لوجوب التحري الدقيق في أمر الدين؛ ما قاله الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الحاقة: "ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين".
4- الوقت:
والنقيب مسئول بين يدي الله عن وقته، وأوقات إخوانه في الأسرة ، وليذكر دائما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يرويه الترمذي عن أبي برزة رضي الله عنه: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟" ...(حديث حسن صحيح)
وروي ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من داع يدعو إلى شيء إلا وقف يوم القيامة لازما لدعوته ما دعا إليه، وإن دعا رجل رجلا".
5- نظم الجماعة:
وهو مسئول عن أمانته في نظم الجماعة التي يسير بها العمل، فليكن بينه وبين إخوانه في الأسرة من ناحية، ورؤسائه المباشرين من ناحية أخرى وضوح كامل في أمر هذه النظم، فعليه أن يعمل بها، وعليه أيضا أن يقترح تعديل ما يراه غير صالح منها (والدين النصيحة) وسولنا يحفظ علينا كرامتنا، ويشعرنا بإنسانيتنا فيما يرويه حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساءوا أسأت ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم"..(أخرجه الترمذي)
وبغير هذا لا يمكن أن ينتظم جهاز الجماعة أو يستقر بناؤها ، ولا تقل عنها أهمية أمانته في إيصال توجيهات المسئولين عن الجهاز الإداري للإخوان إلى إخوانه في الأسرة ، وأن يرجع إليهم بالآراء والنصائح والاقتراحات دون تحريف ولو خالفت رأيه الشخصي.
القسم الثاني: آداب الإجتماعات
الإستئذان
وحينما يذهب الاخ إلى مكان اجتماع الأسرة أو الكتيبة ، عليه أن يتذكر الآداب التي سنها لنا أفضل الخلق عليه السلام.
1. فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: "السلام عليكم السلام عليكم"
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تأتوا البيوت من أبوابها، ولكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا"...(رواه الطبراني)
ويروي سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر"...(متفق عليه)
فإن أذن له صاحب المنزل دخل، وإلا فليتذكر قول الله تعالى في سورة النور:" يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم"
2. وقد بين الله سبحانه وتعالى الأوقات التي تكره فيها الزيارة ومن الواجب على الإخوان أن يراعوا هذا، ويتدبروا كثيرا في سورة النور، وقد شرحها الإمام ابن تيمية في رسالة طيبة. وإذا كان بعضنا يتذرع بحقوق الأخوة؛ فيجب علينا أولا وقبل كل شيء أن نتأدب بآداب الإسلام، وأن نروض أنفسنا على احترامها وحبها والعمل بها والتقرب إلى الله بتطبيقها.
السلام
1. فإذا أذن للأخ القادم بالدخول؛ فينبغي أن يسلم على إخوانه بقوله: "السلام عليكم" ويسن له أن يزيد: ورحمة الله وبركاته.
فقد روى سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال السلام عليكم كتبت له عشر حسنات ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة"...(رواه الطبري)
وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"...(رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة)
2. فيرد عليه إخوانه السلام "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته" يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا".
3. ثم يصافح الأخ إخوانه بعد ذلك ، وفي ذلك روى الإمام البخاري والترمذي عن قتادة رضي الله عنه أنه قال: قلت لأنس رضي الله عنه: "أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم"
4. ولا بأس بمعانقة وتقبيل القادم من سفر . وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "قدم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه، فاعتنقه وقبله"... (حديث حسن)
5. وأما المعانقة والتقبيل لغير الطفل والقادم من سفر ونحوه فمكروهان، وقد ذكر هذا الحكم الإمام النووي في كتاب الأذكار ص 231 ، وعلق عليه بقوله: "ويدل على الكراهة ما رويناه في كتابي الترمذي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يقلى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا ، قال أفلا يلتزمه ويقبله؟ قال: لا ، قال فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم"...(حديث حسن)
وأنه لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه. ومكروه كراهة تنزيه في غيره، وهو في غير الأمرد الحسن الوجه، أما الأمرد الحسن الوجه (الشاب الجميل الذي لم تنبت لحيته بعد) فيحرم بكل حال تقبيله، سواء قدم من سفر أم لا" انتهى كلام النووي رحمه الله (وكتاب الأذكار من الكتب الأساسية التي ينبغي أن تكون بين يدي الإخوان).
وهذه الآداب ينبغي أن يراعيها الإخوان بكل دقة، وتراجع في كتاب "نقد العلم والعلماء" لأبي الفرج بن الجوزي.
الجلوس
وحين يدخل الأخ المجلس فلا يتمثل له الإخوان وقوفا، وليراع الجميع التزام آداب الإسلام، وليجلس الداخل حيث انتهى به مجلسه، ولا يفرق بين اثنين أو يجلس بينهما إلا بإذنهما ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقيمن أحدكم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا يفسح الله لكم"... (أخرجه الخمسة إلا النسائي)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما"...(أخرجه الترمذي)
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: "كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي"...(أخرجه أبو داود)
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على عصا، فقمنا إليه فقال: "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا"...(أخرجه أبو داود)
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: "لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا رأوه لم يقوموا له؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك"...(أخرجه الترمذي)
ولكن لا مانع من القيام إذا كان القادم آتيا من سفر أو حاكما في محل ولايته أما اتخاذه ديدنا فهو من شعار العجم. (راجع حديث قدوم زيد بن حارثة المدينة وهو الحديث الرابع في فصل السلام، وتفصيل هذا الموضوع في كتاب الأذكار للنووي رحمه الله)
التحدث والإستماع
ونحن في اجتماع الأسرة بين متحدث ومستمع:
1. أما المتحدث فمن السنة أن يكون كلامه واضحا مفهوما، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما مفصلا، يفهمه كل من يسمعه"... ( رواه أبو داود) (مفصلا: واضحا. يفصل الحق والباطل) وعنها أيضا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه، كان لا يسرد الحديث كسردكم"...(أخرجه الخمسة إلا النسائي)
2. وعلى الأخ المتحدث أيضا أن يبسطه ، وألا يتعالى على إخوانه بالمعرفة، فيشق عليهم، فقد سئل الخليل بن أحمد عن مسألة، فأبطأ بالجواب فيها، فقال السائل: "ما في المسألة كل هذا النظر" قال: "قد فرغت من المسألة وجوابها، ولكني أريد أن أجيبك جوابا يكون أسرع إلى فهمك".
3. والأفضل أن يقتصد الأخ في كلامه ، ويتجنب التكرار، ويتحرى هذا في اجتماع الأسرة والكتيبة وفي الخطابة، فقد روى الشيخان عن شقيق بن مسلمة رضي الله عنه أنه قال: كان ابن مسعود يذكرنا في كل خميس مرة، فقال له رجل "يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم" فقال: أما أنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها، مخافة السآمة علينا.... (متفق عليه) (يتخولنا: يتعهدنا).
4. ويختار الأخ في حديثه الطيب من القول. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"... (أخرجه الترمذي).
ولعل في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أم حبيبة رضي الله عنها تحديدا لمعنى الخير في الحديث "كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو ذكر الله تعالى"... أخرجه الترمذي.
5. أما المستمعون فعليهم أن يقبلوا على حديث أخيهم، وأن يتركوه دون أن يقاطعوه حتى يتم حديثه ، وإذا كان أحد المستمعين يعرف الحديث الذي يتحدث فيه أخوه؛ فعليه ألا يداخله فيه حتى يأخذ مقام المتحدث ، إلا إذا أخطأ المتكلم فعليه أن يصحح خطأه بأدب ، فقد روى ابن الجوزي بإسناده عن خالد بن صفوان قال "إذا رأيت متحدثا يحدث حديثا قد علمته، أو بخبر قد علمته، فلا تشاركه فيه حرصا على أن يعلم من حضرك أنك قد علمته، فإن ذلك خفة فيك وسوء أدب" وقال عطاء بن رباح: "إن الشاب ليحدثني حديثا؛ فأستمع له كأني لم أسمعه، ولقد سمعته قبل أن يولد".
المناقشة
1. فإذا دارت بين الإخوان مناقشة فلتكن في هدوء وخفض صوت، ولقد كان من وصية لقمان لابنه قوله تعالى .." واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير".
2. وليكن الرائد في المناقشة الوصول إلى الحق وحده، ولقد أثر عن عمر رضي الله عنه قوله: "ما حاججت أحدا إلا تمنيت أن يكون الحق على لسانه"
3. وهنا تجب التفرقة بين الجدال والاستيضاح، فللأخ أن يستوضح ويسأل، والرسول عليه السلام يدعونا إلى هذا، فيقول في حديث يرويه الترمذي عن أبي هريرة رض الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها".
4. وقد ذكر ابن الأثير في كتاب النهاية شرحا للفظ الجدل في الحديث الشريف "ما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا" قال : الجدل مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة، والمراد في الحديث الجدل بالباطل، وطلب المغالبة ، فأما الجدل لإظهار الحق فإن ذلك محمود لقوله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن".
5. وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع مثل قوله: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ: ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون"...(رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا وقال الترمذي حسن صحيح).
"من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في رض الجنة، ومن تركه وهو محق بني له بيت في وسطها ، ومن حسن خلقه بني له في أعلاه" ...(أخرجه الترمذي وقال حديث حسن) ربض الجنة: ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي حول المدن.
"المراء في القرآن كفر"... أخرجه أبو داود وابن حبان.
آداب المزاح
فإذا حدث ما يستدعي الضحك، أو يؤدي إلى المزاح، فليكن ضحكنا تبسما بلا صوت، ومزاحا رقيقا لا يخرج عن حدود الحق والصدق ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله: إنك لتداعبنا قال: "إني لا أقول إلا حقا"... أخرجه الترمذي.
ويجب أن نتجنب اجتماعاتنا ما هو شائع بين الناس من اختلاق القصص، وتأليف الحوادث لإضحاك الحاضرين، فالرسول عليه السلام يقول: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ويل له"( ) (أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي).
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يمزح قال الحق والصدق، فقد جاءت امرأة إلى الرسول عليه السلام فقالت: " إن زوجي يدعوك" قال: "ومن هو؟" أهو الذي بعينه بياض؟" قالت: "والله ما بعينه بياض" فقال: "بلى إن بعينه بياضا" فقالت: "لا والله" فقال صلى الله عليه وسلم" ما من أحد إلا وبعينه بياض"
أراد البياض المحيط بالحدقة (حديث زيد بن أسلم رواه ابن أبي الدنيا من حديث عبدة بن أسهم الفهدي مع اختلاف) ...
وقد قال العلماء إن المزاح المنهي عنه هو ما فيه إفراط مع دوام عليه، فإنه يورث قسوة القلب، ويسقط المهابة والوقار، فلا يجوز المبالغة فيه . وفي حديث صحيح عن جابر بن سمرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يضحك إلا تبسما" فأما ما سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله لظروف خاصة، ولتطيب نفس مسلم ومؤانسته، وهذا لا مانع منه.
تلاوة القرآن
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده" (من حديث رواه مسلم) فليس المقصود مجرد التلاوة – مع ما للتلاوة من ثواب – بل لطلب الفهم والحفظ والتطبيق معا . قال أبو عبد الرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا".
ولتلاوة القرآن آداب:
1. فيستحب أن يكون قارئ القرآن على وضوء.
2. وإذا كان عدد الذين يقرءون كثيرا فلا بأس أن تكون القراءة بالتوالي ، فيقرأ أولهم قدرا ويسكت ، ثم يقرأ الثاني حيث انتهى الأول وهكذا ، وقد سئل مالك عن ذلك فقال "لا بأس به"
3. وإذا شرع القارئ في القراءة فليسكن وليخشع ، فلا يعبث بيده، أو يتلفت من غير ضرورة ، وغذا قرئت آية رحمة وقف عندها ليسأل الله فضله ورحمته، وليذكر آلاء الله عليه وعطفه وبره ، وإذا مر على آية عذاب توقف ؛ ليستعيذ بالله منه ، ويسأله سبحانه النجاة والعافية من كل مكروه ، وإذا مر بآية من آيات التنزيه نزه الله وسبحه، وأرجع الأمر والعظمة والقدرة إليه ... فقد روى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة ، ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة، فمضى ، فقلتيركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مسترسلا : إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ..." ولقد كان شأن السلف الصالح أنهم إذا سمعوا القرآن تدبروه ففهموه فعلموه وعملوا به، ولذا نراهم قد خشعت قلوبهم، وكثر حزنهم وقل ضحكهم.
وقد روى ابن ماجة عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله".
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به، فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا"...رواه ابن ماجة
(يتغن بالقرآن: يجهر به، وفسره الشافعي بتحسين القراءة وترقيقها: في غريب الحديث والأثر ج3 ص 173)
4. ومجلس القراءة مجلس طاهر كريم، سمته الخشوع وحسن الإنصات ، وقد قال تعالى: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" والاستماع هو توجيه حاسة السمع إلى الكلام لإدراكه، وأما الإنصات فهو السكوت للاستماع حتى لا يكون شاغلا عن الإحاطة بكل ما يقرأ، فمن استمع وأنصت كان جديرا بأن يفهم ويتدبر ، وهو الذي يرجى أن يرحم، ولذلك كان علينا أن نتدبر ما يتلى علينا، وأن نديم التفكير فيما نسمع ، وقد ندد الله سبحانه وتعالى بالمنافقين ، فوصفهم بقسوة القلوب فلا يصل إليها الذكر فقال: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ويصف المؤمنين بقوله: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا" ويجعلهم أهلا للتأثر فيقول سبحانه: "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها"... رواه أبو الشيخ ابن حبان والبيهقي. ويبين مهمة القرآن حتى يحدد المؤمنون علاقتهم به فيقول: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب".
آداب الطعام
إن أفراد الأسرة كثيرا ما يجتمعون، ليتناولوا طعاما في كتائبهم أو معسكراتهم.
1. وأول ما يجب أن نراعيه في هذا المقام هو النية الخالصة، فهدى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقبل المسلم على طعامه ، وقد صحت نيته على أن يتناول كي يعينه على القيام بحق الله في الأرض.
2. ثم عليه أن يغسل يديه قبل تناول الطعام ، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه "سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول: "من أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضا إذا حضر غذاؤه وإذا رفع"... (رواه ابن ماجة والبيهقي) (والمراد بالوضوء هنا غسل اليدين كما قال المنذري)
وهناك الحديث الذي رواه ابن عباس حيث قال "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى الخلاء ثم إنه رجع، فأتى بالطعام فقيل "ألا تتوضأ؟" قال :"لم أصل فأتوضأ"... (وقد روى مسلم وأبو داود والترمذي مثل هذا مع اختلاف لفظ) وهذا هو ما يصرف لفظ الوضوء في الحديث الأول إلى غسل اليدين دون وضوء الصلاة.
3. ويستحب لمن قرب إليه الطعام أن يدعو بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم :"اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار، باسم الله".
4. فإذا بدأ يسن له بعد التسمية أن يأكل باليمين، فإن في ذلك البركة بإذن الله فقد روى الشيخان عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك"... (متفق عليه)
5. فإذا نسي الأخ أن يسمي الله في أول الطعام، ثم تذكر بعد ذلك فليقل "باسم الله أوله وآخره" ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله أوله وآخره"( ) (أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح).
6. فإذا كان الطعام مما تطيب له نفسه أكل ، وإذا كان غير ذلك تركه دون أن يعيبه ، فلقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه"... متفق عليه.
7. ويراعي صاحب الطعام البساطة، فكثرة الطعام تعوق عن النشاط للعبادة، ومما يؤيد هذا ما رواه المقدم بن معد يكرب الكندي حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فاعلا فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه" ...(أخرجه الترمذي)
وروى مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية"ح (أخرجه الترمذي) وروى مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية"...(رواه مسلم والترمذي وابن ماجة) وقد خطب عمر بن الخطاب يوما فقال "إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة مؤذية للجسم"
8. ويسن للآكل أن يصغر اللقمة، ويجيد المضغ ويأكل مما يليه، فقد روى عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت يدي تطيش في الصفحة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا غلام ، سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك" فما زالت تلك طعمتي بعد" ...(رواه الخمسة إلا النسائي)
9. فإذا فرغ الأخ من طعامه فليحمد الله عز وجل . روى مسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، ويشرب الشربة فيحمده عليها"... (رواه مسلم والنسائي والترمذي وحسنه)
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين".
10. ثم ليغسل يديه بعد ذلك ، ويدل على هذا حديث أبي هريرة عن رسول اله صلى الله عليه وسلم "من نام وفي يده غمر ولم يغسله ، فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه"... (أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة) (الغمر هو ريح اللحم وزهومته).
آداب النوم
1. كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم التبكير فإن ذلك يعين الأخ على الاستيقاظ في حالة من النشاط تهيئه للإقبال على قيام الليل وصلاة الفجر، ولقد ورد عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول اله صلى الله عليه وسلم كان ينام أول الليل ويقوم آخره فيصلي".
2. ويجب كذلك اختيار المكان الرحب الفسيح؛ حتى ينام كل أخ في راحة تامة بعيدا عن أخيه؛ مستقلا بغطاء خاص به ، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع"...(أخرجه أبو داود) (وينبغي مراعاة هذا في الضيافة العادية والكتائب والمعسكرات)
3. ويسن للأخ أن يتوضأ قبل النوم، ثم ينفض ثوبه ومكان نومه ، ويضطجع عل شقه الأيمن ، ثم يدعو بأحد الأدعية الواردة:
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"... (متفق عليه) وروى البخاري عن حذيفة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: "اللهم باسم أموت وأحيا".
4. ويكره أن ينام الإنسان مضطجعا على بطنه ؛ لأنها ضجعة يكرهها الله تعالى ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال "رأى رسول الله رجلا مضطجعا على بطنه فقال : إن هذه ضجعة لا يحبها الله"... (أخرجه الترمذي)
5. فإذا استيقظ من نومه فليذكر الدعاء الذي رواه البخاري عن حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
آداب قيام الليل
1. وقيام الليل من أهم العبادات التي يجب أن نحرص عليها في كتائبنا، فمعظمنا لا يتيسر له ذلك في حياته الرتيبة العادية ، فيجب أن نهيء له الفرصة في الكتيبة ؛ ليقوم الأخ قدرا من الليل حتى إذا ذاق حلاوة الدعاء ؛ واستشعر روحانية الصلاة؛ وقراءة القرآن بالليل والناس نيام، حرص على أن ينظم وقته بعد ذلك ؛ ليقوم كل ليلة قدرا منها عسى أن يكتب الله له أجرها، والله تعالى مدح القائمين بالليل، وفضلهم على غيرهم في قوله: "أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب".
2. ويسن لمن أراد قيام الليل أن ينام مبكرا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويقوم آخره فيصلي، وينبغي أن يأكل قليلا لئلا يكسل عن القيام ، كما يسن أيضا له أن ينوي عند نومه قيام الليل ، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ تكون عليه صلاة بليل ، فغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة"... (أخرجه الأربعة إلا الترمذي)
3. فإذا استيقظ مسح النوم عن وجهه وتسوك ثم دعا بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم ربنا لك الحمد ، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد ، أنت مالك السموات والأرض وما فيهن ولك الحمد ، أنت الحق ووعدك الحق ، ولقاؤك حق وقولك حق ، الجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت ، وعليك توكلت وإليك أنبت ، وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفرلي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت"... (أخرجه الستة وهذا لفظ الشيخين) ثم يفتتح بركعتين خفيفتين فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين".. وليس على الأخ أن يصلي مضطرا وهو متعب أو نعسان، بل يسن له في تلك الحالة أن يترك الصلاة ويرقد ؛ حتى يذهب عنه النعاس ، وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع"...(أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة) ولنذكر أن هذا كان قليل الحدوث معهم ، أما العبادة والقيام فكان يبررون به النوم دائما.
4. ويستحب أن يكون وقت صلاة الليل في الثلث الأخير منه ، وإن كان يجوز أداؤها في أول الليل ووسطه وآخره ما دامت بعد صلاة العشاء ، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فأغفر له".. والمستحب أن يصلي المسلم من الليل إحدى عشرة ركعة. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات يوتر بسجدة".. (أخرجه الستة وهذا لفظ مسلم وأبي داود)
ختم المجلس
فإذا انتهى الاجتماع دعا في آخره بالدعاء الذي ورد عن أبي هريرة حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : "سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . إلا غفر له ما كان في مجلسه" .. (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).