ممدوح الولي يكتب: نحن نعيش الوهم

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ممدوح الولي يكتب: نحن نعيش الوهم


(6/13/2015)

فى أغسطس 2008 أجرت إحدى الصحف الخاصة حوارًا مع رجل الأعمال منير فخرى عبد النور سكرتير عام حزب الوفد آنذاك.

وعندما سألته المحررة عن رؤيته للواقع الاقتصادى فرد: "نحن نعيش الوهم" وبرر لها ذلك، فسألته المحررة ولكنه رسميًا هناك ارتفاع لمعدل النمو، فقال: "الحديث عن معدل النمو يأتى فى إطار الوهم أيضًا، فإذا كان لدينا معدل نمو 7 % وأكثر، وثبات فى ىسعر الصرف بل وتحسن فى سعر صرف الجنيه، وفائض بميزان المدفوعات، وزيادة عظيمة فى الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ولكن فى نفس الوقت يزداد عدد الفقراء، والأسعار ترتفع بشكل كبير، وبالتالى الدخل الحقيقى للمواطن يتناقص، وعدد الذين يعيشون فى العشوائيات يتزايد، والتعليم سواء قبل الجامعى أو الجامعى ينهار، والخدمة الصحية بالمستشفيات لا وجود لها، والنقل العام فى كل مجالاته ينهار، هذا واقع ولا يجب أن نضحك على بعض، فحين نقول أن هناك زيادة فى معدلات النمو بنسبة 8 %، فعلينا أن نسأل من الذى استفاد منها؟ من شعر بها؟ هل ازداد دخل الناس؟ هل الخدمات التى يحصلون عليها تحسنت؟".

وسألته المحررة.. هل هذا مجرد سوء توزيع؟ فأجاب منير فخرى عبد النور: "قطعًا هناك سوء توزيع للثروات وللدخول، والسياسة المالية تفتقد للبعد الاجتماعى، السياسة فى مصر عرجاء، ماشية على رجل واحدة.. تراهن على زيادة التنمية الاقتصادية ونجحت فى ذلك، ولكن هذا لا يكفي، فلابد أن تكون هناك رجل ثانية وهى البعد الاجتماعى لهذه السياسات لتأكيد حسن توزيع أو عدالة توزيع النمو".

عندما نقارن الوضع الاقتصادى حاليًا بما كان عليه عام 2008، حين تحدث منير فخرى، الذى تولى وزارة السياحة ثم الصناعة حاليًا، نجد الأوضاع أكثر سوءًا، فما تحدث عنه من فائض بميزان المدفوعات تحول إلى عجز حاليًا رغم المعونات الخليجية السخية.

وما تحدث عنه من ثبات لسعر الصرف وتحسنه أخذ أيضًا وضعًا معاكسًا، وما تحدث عنه من زيادات عظيمة للاستثمارات لم يعد بنفس الصورة السابقة، وعلى الجانب الآخر فمازالت الأسعار تواصل ارتفاعاتها، والفقر يزداد وسكان العشوائيات، وتردى الخدمات الصحية والتعليمية موجود، وبما يشير بشكل أكثر وضوحًا أن الحال صار أسوأ مما كان عليه قبل سبع سنوات، وبأننا مازلنا نعيش الوهم وبشكل أعمق.

ولعل استعراض عدد من الشواهد يزيد الأمر وضوحًا، فالحكومة تقول أن معدل النمو بلغ 5.6 % خلال النصف الثانى من العام الماضي، بينما بيانات جهاز الإحصاء تشير إلى انخفاض الرقم القياسى للصناعات التحويلية والاستخراجية، وهو المؤشر الذى يقيس أداء 600 شركة خاصة، مع بروز التراجع بصناعات "الغذاء والفلزات والأجهزة الكهربية والمركبات والآثاث والغاز الطبيعى".

وها هى بيانات الجمارك وجهاز الإحصاء والبنك المركزى وهيئة الرقابة على الصادرات تؤكد تراجع الصادرات، فكيف نصدق بيانات وزارة التخطيط عن معدل النمو؟

وعندما تزداد شكوى صناعات الأسمدة والأسمنت والحديد والصلب والسيراميك وقمائن الطوب من العمل بجزء من طاقتها بسبب نقص الطاقة، فكيف نصدق بيانات الحكومة عن النمو وعن تراجع معدل البطالة أربع مرات خلال 12 شهرًا؟

وكان تبرير الحكومة لتراجع البطالة بزيادة العمالة بمشروع توسعة قناة السويس، رغم أن إجمالى تلك العمالة يبلغ خمسين ألف شخص مصريين وأجانب، ومعظمها عمالة مؤقتة، بينما المطلوب سنويًا تدبير 800 ألف فرصة عمل للداخلين الجدد لسوق العمل بخلاف العاطلين القدامى.

وتحرص السلطات الحاكمة على أن تجعلنا نعيش فى ظل حالة من الموالد المستمرة والوعود والأمانى، فمع كل زيارة خارجية لرأس النظام يكثر الكلام عن الاتفاقيات والمشروعات دون أن يحدث الكثير على أرض الواقع، ولعل تذكر ما قالته وسائل الإعلام عن زيارة الصين من توقيع 30 اتفاقية ومذكرة تفاهم خير دليل، ومثل ذلك ما قيل خلال زيارات روسيا وإسبانيا وفرنسا وايطاليا واليونان وقبرص.

وهو أمر يتم تكراره مع قدوم رجال أعمال أجانب أو عرب مثلما حدث مع قدوم وفود شركات أمريكية وايطالية وغيرها، ومع انعقاد أكثر من مؤتمر بالقاهرة للمستثمرين العرب دون أي نتائج ملموسة من تلك الزيارات والمؤتمرات، ومن ذلك المؤتمر الاقتصادى الذى تباروا فى تضخيم نتائجه ليفاجئنا البنك المركزى بأن حصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالربع الأول من العام الحالي، أى شهور يناير وفبراير ومارس وهو الشهر الذى شهد انعقاد المؤتمر، بلغت 2 مليار و948 مليون دولار خلال الشهور الثلاثة متضمنة نتائج المؤتمر !

ومع بلوغ الاستثمار الأجنبى المباشر فى التسعة شهور الممتدة من يوليو الماضي وحتى مارس من العام الحالي 5 مليار و681 مليون دولار، فإن وزير الاستثمار قد صرح مؤخرًا بأن توقعاته لحجم الاستثمارات الأجنبية بالعام المالي الحالي الذى ينتهى بعد ثلاثة أسابيع من 5.6 إلى 7 مليار دولار، أى أنه حتى بافتراض وصولها إلى 7 مليار دولار ، سيكون نصيب الربع الأخير من العام المالى منها 1.3 مليار دولار، أي أقل من متوسط ربع العام خلال الشهور التسعة المنقضية من العام المالى والبالغ 1.9 مليار دولار.. فأين هى نتائج مؤتمر شرم الشيخ خلال ثلاثة أشهر ونصف؟!

ونفس الزفة لمؤتمر التكتلات الاقتصادية الأفريقية، والكل يعلم أن ثلثى صادراتنا لدول الكوميسا تتجه لليبيا والسودان، وأن هناك صعوبات تحول دون الاستفادة من السبع دول التى أضافها الاتفاق الجديد بين التكتلات الثلاثة الى دول الكوميسا تتعلق بالنقل والتمويل والقوائم السلبية والمخاطر السياسية والمنافسة الشديدة بتلك الأسواق من جانب الصين والهند واليابان وأمريكا وتركيا وإيران والدول الأوربية، لكننا أدمنا سياسة الموالد وتغييب الخبراء والمتخصصين عن اتخاذ القرار.

ومن ذلك اللجوء إلى مراكز بحوث رأي تشير إلى رضا بنسبة 85 % عن النظام الحالي، وتخيل نفسك كمواطن فى ظل حالة القمع الحالية بمن يتصل بك تليفونيًا دون سابق معرفة ويسألك عن رأيك فى النظام الحالي، ماذا ستقول وفى مخيلتك التسريبات التليفونية والآلاف الذين تم قتلهم بالميادين وعشرات الآلاف من المعتقلين بالسجون وغيرهم من المفصولين من أعمالهم أو المحولين لأعمال أخرى لمجرد الشك فى ولائهم للنظام، وقبل ظهور الدليل الملموس!

ولعلك تذكر ما قيل عن حكومة "7 الصبح"، أحد شواهد الجانب الدعائى الذى نعيش فيه دون إنجاز ملموس على الأرض، ومن ذلك أيضًا اللقاءات التى تمت بين رئيس الوزراء وبين أعضاء الصناعات وقيادات جمعيات المستثمرين وعرضهم للمشاكل التى يعانون منها، من نقص للطاقة والتمويل والعملة والأراضى الصناعية دون أن يتحقق شىء على أرض الواقع.

ولعل تصريحات وزير واحد يمكن أن تلخص الموقف، فقد وعد وزير التموين بإقامة مناطق لوجستية بالمحافظات لتخزين وتغليف السلع لإعادة طرحها بالأسواق فى حالة نقصها، وكان موعد التنفيذ مارس الماضي، ووعده بإنشاء بورصة سلعية بين مصر والشرق الأوسط بالتعاون مع بورصة شيكاغو، ومشروع تحويل زيت الطعام المستخدم إلى سولار، ومشروع تدوير مخلفات المنازل وتحويلها إلى سماد، بخلاف مشروعي مدينة التجارة والتسوق والمركز اللوجستى لتخزين الحبوب، أما مشروع توزيع الخبز فالكل يعلم أنه مشروع الدكتور باسم عودة.

لقد كان منير فخرى عبد النور صادقًا حين قال قبل 7 سنوات إننا نعيش الوهم، لكنه ساهم فى ترسيخ ذلك المعنى بالوقت الحالي بوعوده المتكررة عن زيادة الصادرات رغم عدم حل مشاكل المصدرين، ووعوده بحل مشكلة المصانع المتعثرة وغيرها، ولعل تصريحه ببلوغ قيمة الاستثمارات الأجنبية بمصر بالعام الماضى 18 مليار دولار أحد الشواهد الحية على المبالغات التى نتعرض لها من المسؤولين رغم أن هذا الرقم لم يرد بأية جهة حكومية.

ولكن ما ورد ببيانات البنك المركزى ولم يتناوله وزير الصناعة أو وزير الاستثمار أو غيره من أعضاء الحكومة أن هناك استثمارات أجنبية مباشرة خرجت من مصر خلال عام ونصف ما بين يوليو 2013 ونهاية 2014 قيمتها 10 مليار دولار.

المصدر