مليون زلزال يضرب الأرض سنويًّا
حوار: ياسر هادي
زلزال (سومطرة) الأعنف خلال 100عام، وسبَّب انحرافًا في محول دوران الأرض، الزلازل تحمي الأرض من الانفجار، والشواطئ المصرية ليست بعيدة عن الأخطار.
بينما يستعد العام الماضي 2004 م للرحيل، فوجئ العالم بالأرض تهتز بشكل لم يتكرر منذ فترة طويلة، كما أصيب الجميع بالذعر وهم يشاهدون الموجات التي يزيد ارتفاعها عن 13 مترًا بسرعة وصلت إلى 100 كيلو متر تنطلق لتدمر مدنًا وقُرى كاملة، وتغمر 8 دول أطلق عليه زلزال (سومطرة) بقوة 8.9 درجات بمقياس ريختر، في كارثة اعتبرت الأخطر على مستوي العالم؛ حيث خلف وراءه مئات الآلاف من القتلى وملايين المشردين، في دول الهند الصومال وسواحل وسريلانكا والفلبين، كما امتد ليشمل الصومال وسواحل عمان.
الأمر الذي أكد معه المراقبون أنَّ تلك البلاد تحتاج أكثر من 10 سنوات لتعويض الخسائر التي لحقت بها نتيجة الزلزال المدمر.
ولكن ما التفسير العلمي للقوة الشديدة التي كان يعليها الزلزال الأخير، وما مدى مساهمة الطوفان الذي حدث نتيجة الزلزال في المحيط الهندي في زيادة الآثار المدمرة للزلزال، ولماذا حدث الزلزال في هذه المنطقة تحديدًا، ولماذا لا يتم التنبؤ بالزلازل قبل وقوعها، وهل للتفجيرات النووية التي تقوم بها الدول الكبرى دخل في وقوع الزلازل.
هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتورأحمد بدوي أستاذ الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية فكان الحوار التالي:-
- هل زلزال (تسونامي) الأخير هو أكبر الزلازل التي شهدتها الأرض في الفترة الماضية؟
- بالفعل.. يعتبر زلزال (تسونامي) أو (سومطرة) أعنف هزة أرضية ضربت العالم خلال هذا القرن والقرن الماضي، رغم أنَّ الزلزال الذي ضرب "شيلي" في 22 مايو 1960م بقوة 9.3 بمقياس ريختر يعتبر حتى الآن أكبر زلزال تمَّ تسجيله خلال المائة عام الماضية، إلا أنَّ خسائره كانت أقل كثيرًا من خسائر زلزال 2004م، كما أنَّ قياس الزلازل حاليًا أكثر دقةً عنه منذ 34 عامًا؛ لذلك يمكن التأكيد أنَّ هذه الهزة هي الأعنف خلال المائة عام الماضية.
- ولذلك ظهرت حاجة ملحة لإنشاء مراكز إنذار مبكر لمواجهة الكوارث الطبيعية، فالطبيعة لها حرمة وخواص يحكمها الله سبحانه وتعالي، فعلينا احترام ظواهر الطبيعة والتعايش معها لأن المحرك لها جميعًا هو الله تعالى، ودليل على أنَّ الكون له خالق قادر على كل شيء.
- وندرك ذلك حين نعلم أنَّ الزلزال الأخير نتج عنه طوفان غمر 8 دول، ووصلت الأمواج خلاله إلى ارتفاع 13 مترًا بسرعة كبيرة دمرت مدنًا وقرى كاملة، فكل شيء في الكون مجبول على الحركة.
- من المعروف أنَّ عشرات الزلازل تحدث تحت الماء، ولكن لا نشعر بمعظمها؟ فكيف حدث زلزال (تسونامي) بكل هذه القوة؟
- بالفعل، يتعرض العالم سنويًّا إلى نحو مليون هزة أرضية لا نشعر سوى بـ10% منها، وهي التي تزيد قوتها عن 5 درجات، وأحدها فقط يكون أعلى من 8 درجات، وغالبًا يكون تحت الماء، كما أن أكثر من 75% من هذه الزلازل تكون بؤرها تحت الماء وتعتبر منطقتي المحيط الهندي والهادي أخطر منطقتين للزلازل في العالم، وتُسمى (الطوفان الناري).
- وما حدث مؤخرًا هو نتيجة اصطدام كتل أرضية وانزلاقها تحت كتل أخرى تحت المحيط أدَّت إلى تحول بعض الجزر من مكانها، والمشكلة أنَّ الزلزال حدث على عمق قريب من سطح البحر 40 كيلو مترًا مما أثر على عمق المياه مما نتج عنه تكوين موجات أرضية عنيفة أدَّت إلى ما حدث، وأدَّى التصادم الأخير إلى زحزحة أفقية لجزيرة (سومطرة) بمساحة 37 مترًا عن موقعها الأصلي، كما حدث تغيير في جغرافية الشواطئ بسبب التحرك السريع للموجات، ولابد أن يكون قاع المحيط قد شهد تغييرًا كثيرًا.
- وأثر الزلزال الأخير على 3 قارات، فبعد حدوث الهزة على الإناء الحاوي للمياه تحركت مياه المحيط، وزادت فرصة تعانق هذه الموجات مع قوة الهزة، لذلك زادت الأماكن التي أصابها الدمار.
- وما مدى سرعة هذه الموجات التي صاحبت الزلزال؟
- كانت سرعة الطوفان رهيبة حيث كان يتحرك بسرعة متوسط تصل إلى 700كم، وهي سرعة طائرة لم يستطع أحد أن يهرب منها، لدرجة اقتلاع قضبان القطارات، وحدث الطوفان على موجات متتابعة، يفصل بين كل موجة والتي تليها من 10-25 دقيقة، وهذا مظهر آخر من مظاهر رحمة الله أن جعل بينها فارقًا زمنيًّا.
- وهل موجات المد العالية (التسوماني) لها أماكن محددة؟
- كلمة (تسوماني) يابانية تعني الموجة البحرية الناتجة عن هزة، وعلى ذلك فإنَّ أي مكان في الأرض به ماء وتحته قشرة أرضية يحدث بها زلزال أو بركان ينجم عنها موجات مد بحري، وتعتمد شدة هذه الموجات على قوة الزلزال أو البركان، وعمق المياه، وماهيتها بمعني هل هي مياه محيط أم بحر، مغلقة أم مفتوحة، ضحلة أم عميقة وهناك أماكن يتوقع أن تحدث بها هذه الظاهرة بنسبة 75% مثل منطقة المحيط الهادي والهندي التي تتعرض الأكثر من 70 موجة سنويًّا، فهي ظاهرة ليست جديدة على المنطقة كما تتأثر اليابان بنسبة 17% من هذه الموجات ثم أمريكا التي تستحوذ على 15% منها.
- ولماذا تحدث توابع الزلزال؟
- الزلزال في الأصل هو ضغط الطاقة على الصخور التي تنبعث من خلال الصدوع الموجودة بين طبقات الأرض، وحين تزيد هذه الطاقة عن تحمل الصخر تتكسر الصخور وتنبعث الطاقة في صورة موجات زلزالية تسيطر على كافة المناطق المحيطة بها حسب قوتها، ويمكن أن يحدث الزلزال مرة واحدة حين تنبعث تلك الطاقة المتجمعة مرة واحدة ويُسمى الزلزال الرئيسي، في حين يسبق الزلزال الرئيسي في بعض المناطق بعض النذر ثم يلحق ببعض التوابع، ويتحكم في ذلك نوع الصخور وقوتها وطريقة تخلصها من الطاقة.
- وصلت قوة توابع الزلزال إلى 7 درجات وكانت بؤرتها تحت الماء، فهل كان سيحدث تأثير مختلف لو حدثت هذه التوابع على اليابسة؟
- بالطبع، فمن رحمة الله أن كانت بؤرة الزلزال تحت الماء، لأنه لو حدث زلزال بقوة 7 درجات على اليابسة فإنه جديرٌ بأن يهلك نصف القارة التي يحدث فيها بالكامل، وتساوي الطاقة التي تنبعث من هذا الزلزال استهلاك أمريكا للطاقة لمدة 4 سنوات- ويعادل قوة انفجار بليون طن من مادة TNT شديدة الانفجار، وللعلم فإن الزلزال الذي يحدث بقوة 8 درجات ليس أكبر من 7 درجات بدرجة واحدة فقط، بل إنه أكبر منه بـ32 مرة، كما أن الزلزال الذي يحدث بقوة 9 درجات أكبر من 8 بألف مرة.
- ولماذا لم يتمكن الإنسان من التنبؤ بالزلازل حتى الآن، ولماذا لا يتم الاستعانة بالحيوانات باعتبارها تشعر بالزلازل قبل وقوعها؟
- التنبؤ بالزلازل مستحيل علميًّا، كما أنَّ قيام الساعة مرتبط بوقوع الزلزلة الكبري- فإذا أوتينا العلم بالتنبؤ بالزلازل في الدنيا فيسهل علينا إذن التنبؤ بزلزال القيامة، وهو أمر غير ممكن إطلاقاً، وهناك حاليًا أجهزة تستطيع توقع مكان وقوة الزلزال، ولكن من المستحيل تحديد وقت حدوثه، كما أنَّ الأرض من سماتها أن يكون بها صدوع (أي فروق)، وهي التي تؤدي إلى حدوث الزلازل، وهي ما ذكره الله تعالي في قوله ﴿وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)﴾ (الطارق)، أما التنبؤ باستخدام السلوك الحيواني غير الطبيعي فإن التجربة الوحيدة التي نجمت في هذا الإطار كانت في الصين في فبراير 1975م حين فوجئ الناس بصهيل مرتفع في إحدى مزارع الخيول، كما تركت الخيول مكانها وهربت، ثم حدث زلزال بعدها بفترة قصيرة، إلا أنه في العام التالي وقع زلزال في نفس المكان ولم يستطع أحد التنبؤ به، وأدَّى إلى وزفاة 40 ألف شخص، ونستفيد من ذلك أنَّ الله منح الحيوانات هذه الميزة وغيرها- حيث توجد تصرفات غير طبيعية لها قبل أي كارثة- لأن الله خلقها بزوايا رؤيا وحيز سمعي أعلى من الإنسان، وقد منحها الله هذه الميزات لأنها غير مكلفة، ولو أراد الله أن ييسر لنا التنبؤ بالزلازل لفعل.
- وما التأثير المستقبلي لهذا الزلزال؟
- استطاع الزلزال بهذه القوة أن يسبب انحرافًا في محور دوران الأرض عن المحور الرئيسي بمقدار درجتين، ولذلك يتوقع حدوث بعض التغيرات في تعاقب الليل والنهار بشكل لن يلحظه إلا المتخصصين.
- ما الأماكن التي تمَّ تسجيل الزلزال الأخير بها؟
- الزلزال كظاهرة طبيعية ليس له حدود، فطالما حدث الزلزال بقوة تكفي أن يتم تسجيله في أي مكان في الأرض فيتم ذلك، ولدينا في مصر رصدت الشبكة القومية للزلازل هذا الزلزال وتوابعه التي تزيد عن 5 درجات بمقياس ريختر، والتى وصلت إلى حوالي 57 هزة أرضية، معنى ذلك أن قوة توابع الزلزال وصلت إلى الكرة الأرضية كلها، ولكن قوة الزلزال في بؤرته كان 8.9 درجات أما حين وصل إلينا تمَّ رصد شدته فكانت صفرًا.
- ما الاستفادة التي تتحقق من تسجيل الزلازل؟
- هذا التسجيل مهم جدًّا، لأنه يعطينا أسرارًا للأرض لن نعرفها عن طريق تسجيل الزلازل، فنحن علمنا مثلاً أنَّ نصف قطر الكرة الأرضية يبلغ 6327 كيلو مترًا عن طريق الزلازل، وتبرز أهمية ذلك إذا علمنا أنَّ عمق آبار البترول مثلاً لا تتعدى 5 كيلو مترات- أي لم تتعد طبقة القشرة الأرضية- كما عرفنا عن طريقها تركيب طبقات الأرض، فهو حدث علمي مهم يجب الاستفادة منه، كما أنَّ الزلزال الأخير سوف يعطينا الكثير من أسرار الأرض بسبب قوته الشديدة.
- ما تأثير الصواريخ التي يستخدمها الغرب في الحروب الأخيرة على طبيعة الأرض، وهل للتفجيرات النووية التي تتم في المحيطات تأثير عليها؟
- كل ما يحدث من تأثيرات للحروب واستخدام للصواريخ يتم في أعماق قريبة في القشرة الأرضية لا تزيد على 40 كيلو متراً، في حين تحدث الزلازل على بعد 700كيلو مترًا تقريبًا، أما التفجيرات النووية فهي زلازل صناعية يمكن التنبؤ بمداها، وهي تتم تحت مياه المحيطات، وقد ينجم عنها موجات مد بحري، إلا أنه بعد إنشاء نظام الرصد العالمي الذي تنتشر محطاته في جميع أنحاء العالم يتم رصد هذه التفجيرات وبث المعلومات المتعلقة بها إلى جميع دول العالم مما يجعلها تحت السيطرة.
- لا شك أنَّ للزلازل آثار مدمرة، فهل لها ثمة فوائد؟
- بالطبع، فلو لم تحدث هذه الهزات لانفجرت الأرض تمامًا، وقد سمعنا كثيرًا عن كواكب انفجرت، كما أن الزلازل هي السبب الرئيسي في تمهيد الأرض.. ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَادًا(6)﴾ (النبأ)، ولو لم تكن هناك صدوع في أماكن حدوث الزلازل لكانت الخسائر على مستوى الأرض كلها وليس منطقة وقوع الزلازل فقط.
المصدر
- مقال:مليون زلزال يضرب الأرض سنويًّاإخوان أون لاين