ملحمة لا مأساة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ملحمة لا مأساة


بقلم : فهمي هويدي

أخشي ما أخشاه في اللحظة الراهنة أن نتلقي الرسالة الغلط مما جري ويجري في الأرض المحتلة‏,‏ فيحجب مشهد الدم والخراب إشعاعات الفجر الآتي‏,‏ بحيث نري في المشهد إرهاصات الانكسار بأكثر مما نري من بشائر الانتصار‏,‏ ودلائل الهزيمة بأكثر مما نري من قوة الثبات والصمود‏,‏ والعجز والقنوط بدلا من القدرة والعزم‏.‏ وتلك لعمري ليست محاولة للافتعال والتجمل‏,‏ لكنها دعوة للإنصاف وإحقاق الحق‏,‏ إن شئت فقل إنها دعوة لتجاوز النظر إلي نصف الكوب الفارغ‏,‏ والانتباه إلي نصفه الملآن‏.‏

‏(1)‏

ليست مصادفة أنني حيثما أذهب لقيت أناسا استبد بهم الحزن وتسرب اليأس إلي نفوسهم‏,‏ وأصبحوا يعانون الاكتئاب في الوقت نفسه‏.‏ فما لقيت أحدا ممن أعرف إلا وحدثني عن مثل تلك الأصداء التي لا أشك في أن البث الفضائي لعب دورا رئيسيا في إشاعتها بين الناس‏.‏ إذ لاريب أن الفضائيات قامت بدور جليل في إيقاظ وعي الناس وتنبيههم إلي فظاعة ما يحدث‏,‏ ومدي وحشية العدو واستعلائه‏,‏ الأمر الذي أدي إلي إسقاط الأقنعة الزائفة التي ما برحت النخبة الإسرائيلية تتخفي وراءها‏,‏ وهي تشاغلنا بلعبة السلام وتموه باتفاقياته‏.‏ ليس ذلك فحسب‏,‏ وإنما أدي أيضا إلي إعادة تعريب القضية الفلسطينية إذا جاز التعبير‏,‏ من حيث إنها أخذت مكانها مرة أخري في الوجدان العربي‏,‏ بعدما تآكلت تلك الصورة بدرجة أو أخري خلال السنوات الأخيرة‏,‏ ولأسباب عدة‏.‏

أكثر من مرة قلت إن ما يفعله الإسرائيليون في الضفة الغربية‏,‏ فعلوا أضعافه في سنة‏48,‏ ومذبحة جنين الأخيرة ارتكب الإسرائيليون ثلاثين مذبحة مماثلة لها في تلك الفترة‏,‏ لترويع الفلسطينيين وتهجيرهم‏.‏ لكن الفرق بين ما يحدث الآن وما جري من قبل هو أن ما جري في آخر الأربعينيات لم يره الناس ولم يسجله أحد‏,‏ وإنما لا يزال الباحثون الفلسطينيون إلي الآن يكتشفون حقائقه ويتعرفون علي أبعاده‏.‏ أما ما يجري هذه الأيام فنحن نراه علي الهواء مباشرة ـ أغلبه إن شئت الدقة ـ بحيث لا تختفي منه سوي بعض التفاصيل‏,‏ الأمر الذي يعني أن الجميع‏,‏ حتي في أقاصي الأرض‏,‏ أصبحوا يعيشون الحدث يوما بيوم‏,‏ ولا يحتاجون إلي من يدلهم علي الفظاعات والبشاعات‏.‏ وهو ما ضاعف من غضب الناس لاريب‏,‏ وتعبئتهم ضد ثلة مجرمي الحرب الإسرائيليين‏,‏ فضلا عن أنه كشف قسمات الوجه الدميم للمشروع الصهيوني في مجمله‏,‏ وهو ما أدركه الإسرائيليون جيدا‏,‏ حتي قرأت لأحدهم أخيرا قوله إنه لو كان التليفزيون موجودا في عام‏48‏ لما قدر لدولة إسرائيل أن تقوم أصلا‏.‏

‏(2)‏

يعيب الدور الجليل الذي قامت به الفضائيات أنه نقل إلينا المأساة ولم ينقل البطولة‏,‏ لسبب جوهري هو أن مصوري الفضائيات ومندوبيها عادة ما يذهبون إلي مسرح الحدث بعد وقوع الجريمة‏,‏ حيث يستحيل عليهم أن يكونوا هناك قبل ذلك‏,‏ من ثم فانهم ينقلون إلينا البيوت التي تهدمت علي من فيها‏,‏ وجثث القتلي المعبأة في أكياس البلاستيك‏,‏ أو أشلاء الضحايا‏,‏ ينقلون إلينا بعضا من صور الجرحي‏,‏ وتجليات فزع الناس وترويع الأطفال وصيحات النسوة وغير ذلك‏,‏ ولأن ما نراه لا يتجاوز حدود الخراب ورائحة الموت وآهات الثكالي ودموع المحزونين‏,‏ فلا غرابة في أن يخرج المشاهد من ذلك كله معبأ بالغضب ومشحونا بالكراهية للقتلة ومن لف لفهم‏,‏ وفي الوقت نفسه مثقلا بخليط من مشاعر الهوان والاستضعاف والقنوط‏.‏

هذا الذي نراه هو صورة صادقة للنصف الفارغ من الكأس‏,‏ وربما رحب الإسرائيليون بتعميم تلك الصورة لتخويف الآخرين وترويعهم‏,‏ إلي جانب إذلالهم والنيل من عزائمهم‏,‏ لإشاعة الرهبة واليأس في نفوسهم‏.‏ وقد أشرت توا إلي أن ذلك كان أحد الأهداف الأساسية للمذابح التي ارتكبوها في حرب عام‏48‏ وما بعدها‏.‏

المأساة وجه للحقيقة لاريب‏,‏ لكن البطولة التي أظهرها الفلسطينيون جميعا وبلا استثناء‏,‏ تشكل وجها آخر لها‏,‏ أتمني أن يأخذ مكانه في الإدراك العام‏,‏ حتي لا نفتئت علي الحقيقة من ناحية‏,‏ ولا نبخس النضال الفلسطيني حقه من ناحية ثانية‏,‏ وحتي لا نظلم أنفسنا ونجلدها من ناحية ثالثة‏,‏ وحتي لا نستسلم للشعور بالإحباط والعجز‏,‏ ونفسد علي العدو حرصه علي تخويف الأمة والتهوين من عزيمتها من ناحية رابعة‏,‏ وأخيرا حتي نظل علي ثقة في قدرة شعوبنا علي الصمود‏,‏ وعلي ثقة من انتصار الحق في نهاية المطاف‏,‏ ومن أنه برغم كل شيء فإن سنة الله في خلقه ماضية ولن تخيب‏,‏ إذ لن يصح إلا الصحيح‏,‏ وحيث إن الزبد مهما استعلي وطال أجله فإنه سيذهب جفاء لاريب‏,‏ أما ما ينفع الناس فوحده الذي يمكث في الأرض‏.‏

والأمر كذلك فلا يغرنك ما تراه‏,‏ فمشهد الدم الذي يلوح في الأفق ليس نهاية المطاف‏,‏ وليس بوسعه أن يوقف عجلة التاريخ أو يعطل مسيرة السنن الكونية‏,‏ وما نحن بإزائه ليس سوي حلقة في الصراع الممتد والأزلي‏,‏ بين الحق والباطل‏.‏ وإذا جاز لشارون وأمثاله أن يقولوا إن حرب الاستقلال مستمرة‏,‏ فمن حقنا ـ بل من واجبنا ـ أن نعتبر أن حرب تحرير فلسطين بدورها مستمرة‏,‏ وأن طواغيت الأرض إذا كانوا قد استطاعوا أن يقتلوا آلاف البشر‏,‏ فإنهم عجزوا علي مدار التاريخ أن يوقفوا عجلة التاريخ ويغتالوا أحلامهم في الحرية والكرامة والاستقلال‏.‏

‏(3)‏

هزني ما قرأته عن عندليب خليل بنت العشرين عاما‏,‏ التي كانت خامس شهيدة فلسطينية‏,‏ تمنطقت حزاما ناسفا‏,‏ وفجرت نفسها بعد ظهر يوم الجمعة‏4/12‏ عند مدخل سوق محني يهودا أكبر سوق شعبية لليهود في القدس الغربية‏,‏ فقتلت ستة من الإسرائيليين وجرحت‏95,‏ وكادت تقتل رئيس بلدية الاحتلال في القدس‏,‏ الليكودي المتطرف إيهود أولمرت‏.‏

هذه الفتاة النحيلة‏,‏ التي لم يتجاوز وزنها‏45‏ كيلوجراما‏,‏ خرجت من بيتها في قرية بيت فجار شمال مدينة الخليل‏,‏ عازمة علي الموت دفاعا عن الحلم الفلسطيني‏,‏ لكنها بعد أن تجاوزت باب البيت عادت إلي أمها وعلي وجهها ابتسامة عريضة‏,‏ وقالت لها بصوت مبتهج‏:‏ هذا المساء سيأتي أناس لكي يطلبوا يدي منك‏,‏ فأرجو أن تحتفي بهم بما يليق بمنزلتي عندك‏.‏ ابتسمت الأم‏,‏ ولم تأخذ كلام ابنتها علي محمل الجد‏,‏ ثم حثتها علي التحرك بسرعة حتي لا تثقل علي زميلتها في مشغل الخياطة الذي تعمل به‏(‏ قرب بيت لحم‏),‏ حيث كانت الزميلة تنتظرها بالباب‏.‏ في المساء جاء الخبر‏,‏ وعرف أنها فجرت نفسها عند السوق‏,‏ وأدركت الأم التي كانت تنتظر بين مصدقة ومكذبة حكاية الخطاب الذين سيطلبون يد عندليب‏,‏ أن ابنتها كانت صادقة فيما قالته في الصباح‏,‏ لكنها اختارت أن تكون عروس السماء‏,‏ وأن تفدي وطنها بروحها وجسدها النحيل‏.‏

يعجز المرء عن وصف شعوره وهو يقرأ هذه التفاصيل التي تضمنها تقرير نشرته الشرق الأوسط وبعث به من غزة الزميل صالح النعامي‏,‏ وهي قليل من كثير تحفل به التقارير الصحفية الخارجة من الأرض المحتلة‏,‏ لكنها لا تستلفت الانتباه وسط هول الأحداث وسيل المعلومات الأخري الذي يتدفق كل يوم من هناك‏.‏

في لحظة سمو نادرة‏,‏ زهدت عندليب في كل ما يشغل الفتيات في سن العشرين من أشواق وأحلام‏,‏ وأعرضت عن خطاب الأرض وهيمن علي إدراكها وحلمها شيء واحد‏:‏ أن تكون عروسا تزف إلي السماء في يوم الجمعة الذي يشهد لحظة تفتح فيها أبواب السماوات‏.‏

يستشعر المرء قشعريرة وهو يقرأ قصة عندليب في اللحظات التي سبقت خروجها من البيت‏,‏ ويتراءي أمام عينيه شريط صورها‏,‏ منذ أن أدت صلاة الفجر وجهزت نفسها للحظة الخروج‏,‏ ثم ألقت نظرتها الأخيرة علي كل ما حولها‏,‏ واتجهت صوب أمها والبشر يطفح من وجهها‏,‏ لكي تخبرها نبأ خطاب المساء‏,‏ وإلي حين غادرت البيت مودعة المكان والزمان والدنيا كلها‏.‏

القشعريرة نفسها يستشعرها المرء وهو يقرأ ما كتبته في وصيتها طالبة جامعة النجاح في نابلس دارين أبو عيشة‏(22‏ سنة‏),‏ بعدما قضت ليلتها في قراءة القرآن‏,‏ وخرجت من بيتها وهي صائمة‏,‏ لكي تفجر نفسها وسط جنود العدو عند حاجز مكابيم علي مشارف مدينة القدس‏.‏

في الوصية التي أشرت إليها من قبل قالت دارين إنها وهبت نفسها رخيصة في سبيل الله لكي يعلم كل جبابرة الصهاينة أنهم لا يساوون شيئا أمام عظمة الله وعزة إصرارنا وجهادنا‏,‏ وليعلم الجبان شارون بأن كل امرأة فلسطينية ستنجب جيشا من الاستشهاديين‏,‏ وإن حاول وأدهم في بطون أمهاتهم علي حواجز الموت‏,‏ وأن دور المرأة الفلسطينية لم يعد مقصورا علي بكاء الزوج والأخ والأب‏,‏ بل إننا سنتحول بأجسادنا إلي قنابل بشرية تنتشر هنا وهناك‏,‏ لتدمر وهم الأمن للشعب الإسرائيلي‏.‏

في الرسالة الوصية‏,‏ ذكرتنا دارين بالعزة والشرف وعشق الحرية والشهادة دفاعا عنها‏,‏ ولم تنس وهي توقع الرسالة أن تشير إلي أنها‏:‏ الشهيدة الحية‏.‏

قبل دارين وعندليب وبعدهما كانت وفاء إدريس وآيات الأخرس وإلهام الدسوقي‏,‏ التي سقط اسمها وسط سيل الأخبار‏,‏ وكانت قد فجرت نفسها في أثناء اقتحام قوات الاحتلال لمنزلها في مخيم جنين‏,‏ فقتلت ضابطين إسرائيليين وجرح عشرات الجنود الذين أذهلتهم المفاجأة‏.‏

‏(4)‏

كان النقيب حازم كبها‏,‏ البالغ من العمر‏45‏ عاما‏,‏ قائدا لكتيبة الشبان الذين تصدوا للعدو الصهيوني في أثناء اجتياحه لمخيم جنين‏,‏ وهم الذين حاربوا وتحدوا علي مدي تسعة أيام الآلة العسكرية الباطشة لإسرائيل والولايات المتحدة معا‏,‏ حيث تصدوا بشجاعة أسطورية لأرتال المهاجمين علي الأرض‏,‏ بعتادهم ومجنزراتهم وجرافاتهم‏,‏ ولم يأبهوا لسيل الصواريخ الذي أمطرتهم به الطائرات الأمريكية التي غطت سماء المخيم‏,‏ من طائرات إف‏16‏ إلي أباتشي‏,‏ وكان صمودهم ذاك هو الذي تسبب في عزل قائد مجموعة الاجتياح لفشله في مهمته‏,‏ وأجبر رئيس الأركان الإسرائيلي علي أن يحضر بنفسه لكي يشرف علي المعركة من طائرة حلقت فوق المكان‏,‏ بعدما فوجئ ببسالة المقاومة وقوة الصمود‏.‏

النقيب حازم‏,‏ وكنيته أبو جندل‏,‏ كان أبا لثمانية أطفال‏,‏ وزوجته في آخر أيام حملها في طفلها التاسع‏,‏ قبل استشهاده بيومين اتصل هاتفيا بأبيه في بلدة بعبد بالضفة الغربية‏,‏ وأبلغه أنه باق في المخيم وسوف يقاتل حتي آخر رمق‏,‏ وأوصاه بأن يرعي أبناءه‏,‏ راجيا ألا يحملوه بأكثر مما يحتمل‏,‏ وأخبره بأن زوجته ستلد طفله التاسع في وقت قريب‏.‏

انصرف أبو جندل بعد ذلك لمهمته‏,‏ واشترك مع رفاقه في صد الهجمات المتتالية للقوات الإسرائيلية بثبات وبسالة مدهشين‏,‏ إلي أن جاء يوم واجه فيه بعض الجنود الإسرائيليين مباشرة‏,‏ فقتل منهم أربعة‏,‏ وظل يطلق رصاص رشاشه حتي نفدت ذخيرته‏,‏ فعاجله أحد جنود العدو برصاصة أوقعته جريحا‏,‏ ثم جره بمساعدة آخرين إلي مركز المخيم‏,‏ وهناك أعدموه بالرصاص‏,‏ وحين نقل جثمانه إلي مستشفي جنين‏,‏ وجدوا وصيته في جيبه‏,‏ التي كتبها لأفراد عائلته ولرجال المقاومة‏,‏ وكان مطلبه الوحيد أن يستمر الجميع في مقاتلة العدو حتي تتحرر فلسطين من الاحتلال الصهيوني‏!‏

بعد يوم واحد من استشهاد أبو جندل وضعت زوجته طفلها‏,‏ وأطلقت عليه اسم صمود‏!‏

ليس أبو جندل او عندليب او دارين من النموذج الاستثنائية في المشهد الفلسطيني‏,‏ لكنها حالات عادية جدا وطبيعية للغاية في الأرض المحتلة‏,‏ وما فعلوه هو ما يفعله كل المناضلين المجهولين الذين يتسابقون إلي الشهادة‏,‏ ويقدمون دماءهم وأرواحهم كل يوم دفاعا عن حلمهم الذي يحاول الإسرائيليون جاهدين اغتياله‏,‏ وفشلوا في ذلك منذ عام‏48‏ حتي هذه اللحظة‏.‏

يوم قرأت قصة ابوجندل رأيت علي شاشة التليفزيون سيدة فلسطينية جالسة وسط حطام البيوت في مخيم جنين وأحزان الدنيا تملأ عينيها‏,‏ وحين فاتحها المذيع في أمر أسرتها‏,‏ فإن كل ما قالته إن لديها ستة أبناء وبنات‏,‏ تتمني أن يصبحوا يوما ما شهداء علي أرض فلسطين‏.‏

‏(5)‏

في الشهر الماضي‏,‏ حينما اجتاح الجيش الإسرائيلي مخيم جباليا‏,‏ صعقت المدرسة سميرة أبو سمك حينما سمعت طفلة تبلغ من العمر ستة أعوام وهي تبحث عن قنبلة أو مسدس‏,‏ وكانت تصرخ أريد أن أكون شهيدة‏,‏ ولم تجد المدرسة بدا من تهدئتها‏,‏ وإخبارها بأن عليها أن تنتظر حتي تكبر لكي تحقق مرادها بكفاءة أفضل‏.‏ وفي خان يونس شاهدت طفلة الدبابات الإسرائيلية تجوب الشارع قرب بيتها‏,‏ فما كان منها إلا أن اندفعت نحو المطبخ‏,‏ وحملت سكينا لكي تواجه بها الدبابات‏,‏ إلا أن أمها لحقت بها ومنعتها من الخروج بالقوة‏.‏

كما أن في كل بيت فلسطيني شهيدا فعلي كل لسان فلسطيني قصص من ذلك القبيل‏,‏ كلها تصب في مجرد الفداء والبطولة والإصرار علي تحقيق الحلم‏.‏

إذا كان الأمر كذلك‏,‏ فكيف يمكن أن نعتبر ما جري مأساة ولا نري فيه الملحمة وآيات البطولة؟ ولماذا يهتز يقين البعض وثقتهم في الله وفي بزوغ الفجر‏,‏ أمام لحظات الضعف الذي تورثه مشاهد وحشية الطغاة وغارات المتجبرين؟ وإذا لم يكن الثبات مطلوبا في مثل هذه اللحظات الحاسمة‏,‏ فمتي يكون إذن؟

في‏4/18‏ نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية تحليلا جيدا للموقف كتبه أوري افنيري‏,‏ استهله بالعبارة التالية‏:‏ غداة انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل قبل‏105‏ سنوات‏,‏ سجل هرتسل في مذكراته العبارة التالية‏:‏ في بازل أسست دولة اليهود‏.‏ وفي الأسبوع الماضي كان يجب علي أرييل شارون أن يسجل في مذكراته‏:‏ في جنين أسست دولة فلسطين‏.‏

أضاف الكاتب المتفهم للموقف الفلسطيني أن شارون أراد تحطيم الوطنية الفلسطينية‏,‏ ولكن أمام الهجوم الكاسح لآلة الحرب الإسرائيلية انتصبت قامة الشعب الفلسطيني علي نحو غير مسبوق‏,‏ وقال‏:‏ كان الهدف هو تدمير البنية الإرهابية‏,‏ ومثل هذا التعريف يدل علي الغباء‏,‏ لأن البنية الإرهابية توجد في روح ملايين الفلسطينيين وعشرات الملايين من العرب الذين تتفجر قلوبهم من الغضب‏,‏ وكلما قتلت إسرائيل المزيد من الفلسطينيين والانتحاريين‏,‏ تتفجر قلوبهم من الغضب‏,‏ وازداد المقاتلون والانتحاريون المستعدون لاحتلال مكانهم‏.‏ لقد وضع شارون وموفاز بما فعلاه البنية التحتية للعنف‏,‏ ومن خلال ذلك قاما بإرساء أسس الأمة الفلسطينية والدولة الفلسطينية‏.‏

لقد طال علينا زمن العسر حقا‏,‏ لكننا ينبغي أن نظل علي يقين من أن بعد العسر يسرا‏!‏.

المصدر