مكر اليهود بين البروتوكولات والتكتيكات
كفر الشيخ اون لاين | خاص
أربع سنوات هى عمر الثورة العربية وفي مصر دارت خلال تلك المدة معركة فكرية وسياسية بين المشروع الصهيوني والمشروع الإسلامي بدأت بتحية الفنجري لشهدائها وانتهت بتبرئة مبارك من تهمة قتل الثوار ، وكانت الأحداث ولم تزل هى المباراة الأطول في تاريخ الشعب المصري استعمل فيها الطرف الصهيوني الصليبي نفس النهج الخادع الخسيس الوضيع الدنئ لتحقيق غاية مستحيلة هى اضعاف الإسلام وانهاك بلاد المسلمين فكيف يا تري غطت التكتيكات على الإستراتيجيات وهل اندفع المعسكر الصليبي الصهيوني إلى حتفه اندفاعا للهفته أو لجزعه من النمو المتسارع للحركات الإسلامية وللرشد البالغ والنضج الكبير الذي بدت عليه ؟
الحمل التدريبي الذي يخضع له الشعب المصري الآن هو الأشد في تاريخه الطويل ، فمنذ أن أعلن مذيع قناة الجزيرة أن زين العابدين بن على قد غادر تونس هاربا إلى السعودية والشعب المصري يخضع لحمل ذهني ومادي وعضلي ربما يساوي عشرة أضعاف ما كان عليه الحال من قبل تلك اللحظة ، تحول قطاع ضخم من الناس عن مشاهدة WWE والتي ظلوا مختلفين سنوات بشأن كونها حقيقة أم تمثيلية- إلى متابعة المجادلات السياسية ، ورغم غزارة انتاج قناة التت وغيرها من الفضائيات الإباحية فإن القنوات السياسية حققت أعلى معدلات المشاهدة ، وعلى المستوى الإجتماعي فقد ظهر مصطلح " فلول " كوصمة اجتماعية حاول الموصومون بها أن يخففوا من حدتها باعترافهم وافتخارهم بكونهم كذلك -دون جدوى- فقد ظلت الصفة الأقبح لمن استوفى شرائطها .
اكتمل بناء الفكر السلفي الجديد في مصر خلال نحو عشرين عاما حتي أصبح الشيوخ حسان ويعقوب والحويني هما الأكثر انتشارا وشعبية بين أوساط الشباب واستوعبت الحركات السلفية المختلفة ملايين الشباب المتدين كقنوات بديلة للتيارات العنيفة وحتى لجماعة الإخوان المسلمين وهو ما تمخض عن الدور السياسي الكبير الذي لعبه حزب النور خلال الأربع سنوات الماضية حين بدا في أعلي درجات الجهوزية للإنتخابات البرلمانية التي حصد فيها سبعة ملايين صوت ولولا المقاعد الفردية لكان بامكانه احراز اغلبية برلمانية بتحالفه مع حزب الوفد أو الوسط ، وفجأة انهار حزب النور واختفى من الشارع وخفت صوت الحركات السلفية واتهم الشباب الشيوخ الأكثر انتشارا بأنهم الأكثر تعاونا مع المخابرات الصهيونية بعد أن نزل الحزب عما يمكن تسميته بالحد الأدني للتعاطي مع القضايا الإسلامية وكأن اوضح مظهر لذلك تأييده للإنقلاب ، وكانت المحصلة انهيار السد المنيع الذي احتجزت الحركة السلفية خلفه تلك الملايين من الشباب ولم يزل الحراك الفكري في أوساطهم مشتعلا والله وحده يعلم ما يمكن أن ينتج عنه في النهاية .
الباعة الجائلون والفلاحون والعمال والنساء في اسواق الخضار يستطيعون اليوم التفرقة بين الإخوان والسلفيين ، ويسب بعضهم بعضا بألفاظ من شاكلة " الفل " و " العميل " و" العصفورة " و " الإخواني " ، ويشيرون بعلامة رابعة دليلا على انحيازهم لتيار الثورة ضد تيار الإنقلاب ، إن الملايين من البسطاء الذين يتظاهرون قولا بتأييد الإنقلاب سوف يكونوا الأشد عنفا مع العسكر عندما يطمئنون أنهم بمنأي عن ثمة بطش عندما تتجاوز الثورة النقطة الحدية بين السلمية والعنف .
للمرة الأولي تجد الهام شاهين من يعايرها بتعريها في بعض المشاهد وهى التي كانت تفتخر دائما وتفتخر معها زميلاتها في " الكار " بأن ما يقومون به هو من أجل مصر ورفع اسم مصر في المحافل الفنية وحصد الجوائز في المهرجانات العربية خصوصا الخليجية ، لأول مرة نجد فتاة تعاير الفنان الذي قام بدور الشيخ شعراوي بالديوث في أحد البرامج الحوارية ولم يستطع الفنان الكبير أن ينفي عن نفسه التهمة ، والمحصلة أن فهم المجتمع لتلك الزاوية من الإبداع قد تغير كثيرا .
خرجت الكنيسة القبطية تماما عن دورها الديني وبدا القساوسة في شكل غريب عندما أيدوا القتل وسفك الدماء والإغتصاب ، وخرجوا على كل النواميس والديانات عندما طالبوا بتبرئة حسني مبارك الذي لا يختلف أحد في العالم كله على انه كان لصا وقاتلا ، وسمعنا أحدهم يتغزل في السيسي على طريقة " احبك يا فايزة.. لما تكوني عايزة " أو على طريقة " الباز افندي يا بنتي دا انا نفسي اتمناه " عندما قال أنه يعذر النساء على حبهم للسيسي فهو يذوب عشقا فيه ! واستنفدت الكنيسة دورها مع الأقباط عندما طلبت منهم الخروج إلى الشارع عشرات المرات ليغطوا العجز العددي لفلول الحزب الوطني ، وقال البابا أن " نعم تزيد النعم " فلم يجن الأقباط من هذه " النعم " سوى مزيد من حالات الإنتحار وأصابت حالة الكساد التي عمت قطاع التجارة في مصر معظم أعمال الأقباط في مقتل فلم يجنوا نعما ولا بقيت على حالها نعمهم القديمة .. والمحصلة أن الكنيسة استهلكت نفسها لديهم فلم يعد ما كان لها من قبل من احترام وطاعة في أنفسهم وهو ما تجلي في التصويت على الدستور و انتخابات الرئاسة حين امتنع الأقباط عن النزول ضيقا وانكارا لمنهج الكنيسة الإجرامي .
إن القدر الكاتم الذي وضعت الثورة فيه الشعب المصري قد عجل بنضجه ، وجاء الإنقلاب ليزيد من غليان ذلك القدر السياسي والإجتماعي والثقافي ، إن ما خططت له اسرائيل بكل أجهزتها على مدار ثلاثين عاما ينهار الآن بخطى متسارعة أمام أعين حكمائها ومنظريها ، ويتسارع بشكل أكبر مما توقع الجميع التحام الشعب المصري بالإخوان المسلمين ، فلم يعد الموضوع أن الشعب يصوت للإخوان في الإنتخابات كفصيل اسلامي يجذب المسلمين برنامجه السياسي باعتباره أقرب للعقيدة ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى أن الشعب هو الذي يطالب الإخوان بالنزول معه إلى الشارع ويلوم على الإخوان سلميتهم رغم التزامه بها طاعة لهم واذعانا لفكرهم ونهجهم ، اننا نقترب من نقطة التوافق الشعبي على شعارات من قبيل " الله غايتنا والرسول زعيمنا ... " وهو ما لم تكن تتوقعه الدوائر الصهيونية التي ادارت العملية السياسية في مصر من تاريخ هروب زين العابدين بن على .
وعلى صعيد الإخوان أنفسهم فقد كانت تلك المحنة الشديدة أفضل ما يمكن أن يطهر الصف به ، إنها الجراحة الكبيرة دون مخدر فلم يزل هناك منهم من خضع لها دون أن يتأوه أو يتألم ، ومنهم من قضى نحبه عن بينة من الله ، ولكن المشهد الخادع للصهاينة في الأمر أن حالة الإستنفار القصوى التي عليها الإخوان الآن هى أكبر معسكر تدريبي ينضوون تحت خيمته ، فلأول مرة ينام الآلاف في الحقول والمقابر ، ولأول مرة يهرب الآلاف من الإعتقال ليلا ويذهبون إلى عملهم نهارا ، ولأول مرة تواجه النساء والأطفال جحافل قوات الأمن بمنتهى الصلابة والإصرار ، ولأول مرة ينزل الشيوخ فيها على مطالب الشباب وفكرهم .
في خضم الأحداث ونتيجة للضغط الذي مثلته محاكمة حسني مبارك على الدوائر العربية وجد الإنقلابيون أنفسهم مضطرين للترويج لأفكار من قبيل الثورة الإسلامية ورفع المصاحف في المسيرات والمظاهرات استدعاء لخروج مبتسر سابق على يوم البراءة ، وهو ما حظي بكم من المناقشات والمناظرات لم تكن آلاف المحاضرات والدروس لتغني عنها وهو ما يمكن تطويره ليصبح غاية تجتمع عليها القوي الإسلامية التي تحظي بتغطية شعبية تجعلها منيعة على الإنكسار ، وهنا تلتقي الثورة باحدي العقد الأمريكية المزمنة عندما أذلت ايران أمريكا وأطاحت برئيسها في مستهل مماحكاتهما السياسية أوائل الثمانينات .
لقد بذلت امريكا واسرائيل جهدهما ومكرا مكرهما وغاب عنهما في خضم الأحداث أن يفهما معنى قوله تعالي في القرآن الكريم " وعند الله مكرهم " " قل الله أسرع مكرا " " يخادعون الله وهو خادعهم " إلى آخر ما أطلعنا الله عليه من حالهم وفشلهم وضعفهم وهوانهم الذين لا خلاص لهما منه ولا مفر ، إنها اللعنة الإلهية التي يعرفونها في اسفارهم ، لعنة العجل ولعنة القعود ولعنة المسخ ولعنة السبت ولعنة الربا ... أيها الصهاينة ماذا نفعل لكم إن كنتم لا تحبون الله ولا يحبكم الله ؟
المصدر
- مقال:مكر اليهود بين البروتوكولات والتكتيكاتموقع:كفر الشيخ أون لاين