مقدمة في البشارات - الشيخ سعيد حوى
بقلم:الشيخ سعيد حوى
محتويات
- ١ مقدمة
- ٢ ومن ذلك ما ذكرته صفية بنت حيي أم المؤمنين عن أبيها وعمها اليهوديين قالت :
- ٣ ومن ذلك قصة إسلام عبد الله بن سلام :
- ٤ يقول العقاد :
- ٥ والكتاب يناقش المسائل الخمس التي أثارها المبشرون النصارى وهاجموا فيها الإسلام وهي :
- ٦ هـ - الباب الرابع : في إبطال التثليث . وهذا الباب ينقسم إلى مقدمة وثلاثة فصول :
- ٧ ثم يذكر المطاعن ويرد عليها واحداً واحداً :
- ٨ المصدر
مقدمة
إن القرآن ذكر بوضوح وفي أكثر من سورة أن الكتب السماوية قد بشرت بمحمد صلى الله عليه وسلم {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} ( الصف : 6 ) .
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ( الأعراف : 157 ) .
{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} ( البقرة : 89 ) .
إن ظاهرة دينية عامة كنبوة سيدنا محمد r للعالمين جميعاً ، يترتب عليها معاني كثيرة من وحدة الإنسانية وتوحيد دينها . تحتاج إلى مقدمات ومبشرات توجد استعداداً عاماً عند الناس لها .
- 2 - والدارس للنصوص التاريخية التي تتحدث عن فترة ما قبل البعثة وأثناءها يلاحظ ملاحظة هامة .
هي أن الناس الذين كانت لهم صلة بكتاب سماوي كان واضحاً في أذهانهم أنه سيبعث نبي ، وكانوا يرتقبون ظهوره وإن بعضاً من علمائهم قد أعلن إسلامه بمجرد اجتماعه بهذا النبي r .
فمن ذلك قصة سلمان الفارسي كما تذكرها روايات كثيرة ، وتنقّله من عالم إلى عالم في النصرانية ، حتى دلّه آخرهم أن يترقّب نبياً كاد أن يبعث من أرض العرب ، وذلك سبب مجيئه إلى أرض العرب وسكناه فيها .
ومن ذلك القصة التي يرويها البخاري عن أبي سفيان عندما استدعاه هرقل في بلاد الشام إذ يقول في آخرها هرقل : " وقد كنت أعلم أنه خارج نبي ولم أكن أظن أنه منكم " .
ومن ذلك ما ذكرته صفية بنت حيي أم المؤمنين عن أبيها وعمها اليهوديين قالت :
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء ، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر مغلسين ، فلم يرجعا حتى كان غروب الشمس ، فأتيا كالّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا ، فهششت إليهما فما التفت إليّ أحد منهما مع ما بهما من الهم .
فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي : أهو هو ؟
أي المبشر به في التوراة ، قال : نعم والله ، قال : أتثبته وتعرفه ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ما بقيت أبداً
ومن ذلك قصة إسلام عبد الله بن سلام :
قال ابن هشام في سيرته قال ابن إسحاق وكان من حديثه كما حدثني بعض أهله عنه وعن إسلامه حين أسلم وكان حبراً عالماً قال : لما سمعت برسول الله r عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له فكنت مسراً لذلك صامتاً عليه حتى قدم رسول الله r المدينة فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأ،ا في رأس نخلة لي أعمل فيها ، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة ، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله rكبرت ، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري : خيبك الله والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدت .
قال فقلت لها : أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به ، قال فقالت : فذاك إذن قال : ثم خرجت إلى رسول الله r فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا ...
ومن ذلك قصة النجاشي وموقفه من أصحاب السيد الرسول rفي هجرتهم إليه وقولهم بعد نقاش وعرض عندما أوفدت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد لإخراجهم :
.. أشهد أنه رسول الله وأنه المبشر به عيسى في الإنجيل .
وقد اشتهر حديث اليهود للأوس والخزرج عن خروج نبي وكان ذلك من جملة العوامل التي جعلت هذا الاستعداد الكبير عند الأوس والخزرج للإيمان :
فمن ذلك ما جاء عن سلمة بن سلامة - رضي الله عنه - ، وكان من أصحاب بدر قال : كان لنا جار من يهود بني عبد الأشهل ، فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار ، فقالوا له : ويحك يا فلان أو ترى هذا كائناً ؟
أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها نار وجنة يجزون فيها بأعمالهم ، قال : نعم والذي يحلف به ، وليود أي شخص أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه بأن ينجو من تلك النار غداً .
فقالوا له : ويحك وما آية ذلك ؟
قال : نبي يبعث من نحو هذه البلاد ، وأشار بيده إلى مكة واليمن ، قالوا : ومن يراه ؟
فنظر إليّ وأنا أحدثهم سناً فقال : إن يستنفد أي يستكمل هذا الغلام عمره يدركه ، قال سلمة : والله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمد rأي ذلك اليهودي بين أظهرنا فآمنا به وكفر بغياً وحسداً ، فقلنا له : ويحك يا فلان ألست الذي قال لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى ولكن ليس به .
- 3 - وعلى كل حال فإن وجود الكتب الدينية العالمية الآن أصبح كثيراً ، وانتشارها واسعاً ، ولعل دراسة منصفة تستخرج الكثير مما له علاقة بهذه الحقيقة .
هذا مع الاعتقاد بأن هذه الكتب قد حرفت وبدلت ، يشهد على ذلك كل دراسة جيدة لنصوص هذه الكتب ولواقعها التاريخي ، ويكفي كبرهان عملي على تحريف أحدثها وأقربها إلينا ( الإنجيل ) إن الإنجيل الواحد أصبح أربعة بينها تعارض أحياناً وبعضها يزيد على بعض أو ينقص وفي سندها التاريخي انقطاع .
وقد قام بهذه الدراسة المنصفة الواسعة الواعية علماء كبار ، جمعوا بين معرفة اللغات ، ومعرفة الديانات ، فخرج معهم الشيء العجيب الذي لا يدع مجالاً لإنسان يحترم عقله أن يشك في أن هناك بشارات بمحمد النبي العربي قبل ميلاده بمئات السنين ، ونحن ها ننقل نماذج من هذه الدراسات ، وسيرى أي منصف أن هؤلاء العلماء ما ظلموا وما حرفوا وما اعتسفوا في فهم النصوص ولا حمّلوها فوق ما تحتمل . بل فهم هذه النصوص على غير ما ذكروه ، هو الاعتراف والتحريف ، وتحميل النصوص ما لا تحتمل ، وكتمان الشهاة ونأي عن الحق :
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ} ( الأنعام : 2 ) .
- 4 -
يقول العقاد :
" من هذه الدراسات كتاب باللغة الإنجليزية ألفه " مولانا عبد الحق فديارتي " وسماه : " محمد في الأسفار الدينية العالمية " واستفاد في مقارناته ومناقضاته بمعرفته للفارسية والهندية والعبرية والعربية وبعض اللغات الأوروبية ولم يقنع فيه بكتب التوراة والإنجيل بل عمّم البحث في كتب فارس والهند وبابل القديمة ، وكانت له في بعض أقواله توفيقات تضارع أقوى ما ورد من نظائرها في شواهد المتدينين كافة ، ولا نذكر أننا اطعلنا على شواهد أقوى منها في روايات الأقدمين أو المحدثين من أتباع الديانات الأولى أو الديانات الكتابية .
يقول الأستاذ عبد الحق : إن اسم الرسول العربي " أحمد " مكتوب بلفظه العربي في السامافيدا من كتب البراهمة وقد ورد في الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثاني ، ونصها أن أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبست منه النور كما يقبس من الشمس .
ولا يخفي المؤرخ وجوه الاعتراض التي قد تأتي من جانب المفسرين البرهميين بل ينقل عن أحدهم " سينا أشاريا " أنه وقف عند كلمة أحمد فالتمس لها معنى هندياً وركب منها ثلاث مقاطع وهي " أهم " و " آت " و " هي " وحاول أن يجعلها تفيد " إنني وحدي تلقيت الحكمة من أبي " قال الأستاذ عبد الحق ما فحواه : إن العبارة منسوبة إلى البرهمي " فاتزاكانفا " من أسرة كانفا ولا يصدق عليه القول بأنه وحده تلقى الحكمة من أبيه .
وفي مواضع كثيرة يرى المؤلف أن النبي محمد r مذكور بوصفه الذي يعني الحمد الكثير والسمعة البعيدة ومن أسمائه الوصفية اسم سشرافا الذي ورد في كتاب الآثار فافيدا .
وكذلك صنع بكتب زرادشت التي اشتهرت باسم الكتب المجوسي فاستخرج من كتاب زندافستا نبوءة عن رسول يوصف بأنه رحمة للعالمين " سوشيانت " ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة " أبا لهب " ويدعو إلى إله واحد لم يكن له كفوءاً أحد وليس له أول ولا آخر ولا ضريع ولا قريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا صاحبة ولا ولد ولا ابن ولا مسكن ولا جسد ولا شكل ولا لون ولا رائحة .
وهذه هي جملة الصفات التي يوصف بها الله سبحانه في الإسلام : أحد صمد ، ليس كمثله شيء ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوءاً أحد ، ولم يتخذ صاحبة ولا والداً .
ويشفع ذلك بمقتبسات كثيرة من كتب الزردشتيه ، تنبيء عن دعوة الحق التي يجيء بها النبي الموعود ، وفيها إشارة إلى البادية العربية ، ويترجم نبذة منها إلى اللغة الإنكليزية معناها بغير تصرف " إن أمة زردشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون ، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارساً ، ويخضع الفرس المتكبرين ، وبعد عبادة النار في هياكلهم ، يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام ويومئذ يصبحون وهم أتباع للنبي رحمة للعالمين وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ وهي الأماكن المدقسة للزرادشتيين ومن جاورهم ، وإن نبيهم ليكون فصيحاً يتحدث بالمعجزات " .
وقد أشار المؤلف بعد الديانات الآسيوية الكبرى إلى فقرات من كتب العهد القديم ، والعهد الجديد ، فقال : إن النبي عليه السلام هو المقصود بما جاء في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية " جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس ومن يمينه نار شريعة لهم " .
وجاء بالنص العبري كما يلي : " ويومر يهووه مسيناتي به وزارح مسعير لامو هو فيع مهرباران ببوث قودش حيميفو أيش داف لامو " .
فترجمه هكذا " إن الرب جاء من سيناء ونهض من سعير لهم وسطع من جبل فاران وجاء مع عشرة آلاف قديس وخرج من يمينه نار شريعة لهم " .
وقال : إن الشواهد القديمة جميعاً تنبيء عن وجود فاران في مكة وقد قال المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس : إن فاران بلد عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق من أيلة .
ونقل عن ترجمة التوراة السامرية التي صدرت في سنة 1851 ( أن إسماعيل سكن برية فاران بالحجاز وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر ) ثم قال إن سفر العدد من العهد القديم يفرق بين سيناء وفاران إذ جاء فيه ( أن بني إسرائيل ارتحلوا من برية سيناء ، فحلت السحابة في برية فاران ) ولم يسكن أبناء إسماعيل قط في غرب سيناء فيقال إن جبل فاران واقع إلى غربها .
ولم يحدث قط أن نبياً سار بقيادته عشرة آلا قديس غير النبي محمد عليه السلام ، وقوديش ترجم بقديس في رأي المؤلف الذي يناقش ترجمتها بالملائكة في الترجمات الأخيرة .
كذلك لم يحدث قط أن نبياً غيره جاء بشريعة بعد موسى الكليم فقول موسى الكليم : إن مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم أبناء إبراهيم يصدق على النبي العربي صاحب الشريعة ولا يصدق على نبي من أبناء إبراهيم تقدمه في الزمن . اهـ ( نقل هذا المقطع من كتاب العقاد : مطلع النور – باختصار بعض جمله )
ومن هذه الكتب التي قام أصحابها بدراسة النصوص الحالية للكتب الدينية اليهودية والنصرانية : كتاب اسمه " إظهار الحق " لـ " رحمة الله بن خليل الهندي " ولعل هذا الكتاب أعظم دراسة نقدية لنصوص الديانتين اليهودية والنصرانية وأدق نقد لاعتراضات أتباع هاتين الديانتين على الديانة الإسلامية ، بحيث يرى أي دارس منصف للكتاب أن يهود اليوم ونصارى اليوم والسابقين لهم إلى فترات طويلة من الزمان ، ليسوا على شيء ، وأن الإسلام وحده هو الذي يصح أن يسمى ديناً ، فهو وحده دين الله الحق في هذا الزمان ومنذ بعث محمد عليه الصلاة والسلام .
ولأهمية الكتاب نعرض صورة مختصرة له هنا ، ثم نأخذ منه ما له علاقة ببحثنا من نصوص لا زالت موجودة رغم التحريف والتبديل تبشر بنبوة محمد r .
وقارئ الكتاب يحس إحساساً يقيناً أن المؤلف متمكن من كتب العهدين القديم والجديد تمكناً تاماً ، فكأنه قرأهما عشرات المرات واطلع على كل ما كتبه أهلهما من تفاسير أو شروح أو تعليقات عليهما .
وكتب كتابه بعد ذلك ، وسبب تأليف الكتاب أن المبشرين النصارى أخذوا يهاجمون الإسلام مهاجمات عنيفة في الهند أثناء الاحتلال البريطاني ، وركزوا هجومهم حول خمس نقاط فتصدى لهم كثير من علماء المسلمين ، وكان من آثار هذا التصدي أن عقدت مناظرة بين أكثر المبشرين سلاطة لسان وبين مؤلف الكتاب حضرها أكبر رجالات الهند .
كان من نتائجها أن انسحب القس المبشر بعد أن قامت عليه الحجة ولما يتم النقاش في المسائل المقرر نقاشها .
والكتاب يناقش المسائل الخمس التي أثارها المبشرون النصارى وهاجموا فيها الإسلام وهي :
1 – إن دعوى القرآن بأن في التوراة والإنجيل تحريفاً وأن اليهود والنصارى حرفوا الكلم عن مواضعه دعوى باطلة .
2 – إن بعض آيات القرآن منسوخة وأن النسخ دليل على أن القرآن ليس من عند الله لأن أحكامه بهذا قابلة للتبديل والتعديل .
3 – إن الله ثلاثة الأب والابن وروح القدس والإسلام يدين بوحدانية الله ومحاولتهم البرهنة على عقيدة التثليث ومن ثم التهجم على عقيدة التوحيد .
4 – إن القرآن كلام محمد rوليس كلام الله المنزل وتشكيكهم في طريقة جمعه وتواتره .
5 – إنكارهم نبوة محمد r وأنه خاتم الأنبياء .
والكتاب ناقش هذه المسائل مناقشة دقيقة مستفيضة كل مسألة في باب ، وزاد باباً سادساً تناول فيه العهدين القديم والجديد ، ومع هذه الأبواب الستة فقد كتب للكتاب مقدمة جامعة ، فتألف الكتاب من مقدمة وستة أبواب بحث في كل منها ما يلي :
أ – المقدمة : وتشمل ثماني ملاحظات عامة بين يدي الكتاب ، يذكر في بعضها مراجع الكتاب وطبعات المراجع وسنة طبعها وأين طبعت ، ويذكر بعض عادات المبشرين في بعضها ويعتذر في بعضها عن بعض ألفاظ يستعملها ويبين أنهم يستعملون أشد منها ...
ب – الباب الأول : تناول فيه الكلام على العهدين العتيق والجديد كل باب من أبوابهما ، واستشهد من كلام مؤرخيهم وعلمائهم على تبيان المطعون فيه من الأبواب والآيات ، وبين بالحجج الدامغة أنه لا يوجد لدى علمائهم في كلتا الديانتين سند متصل لأي كتاب من كتب العهدين ثم تناول بعد ذلك ما في كتب العهدين من الاختلاف والأغلاظ ، وبين أن ادعاءهم بأن هذه الكتب الموجودة بين أيديهم إلهامية ، ادعاء باطل ، وساق برهاناً على هذا البطلان سبعة عشر وجهاً لكثرة ما بها من أغلاط وتحريف واختلاقات عجز مفسروهم عن التوفيق بينها ، ثم إن الكاثوليك والبروتستانت يختلفون في الاعتراف ببعض هذه الكتب ، فما يعترف به الكاثوليك ينكره البروتستانت والعكس بالعكس
جـ - الباب الثاني : أثبت فيه وجود التحريف في كتب العهدين القديم والجديد مصداقاً لقوله تعالى {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} وأثبت أن بعض هذا التحريف كان عن عمد ، وكان يأتي هذا التحريف أحياناً بالزيادة وأحياناً بالنقصان ، وأحياناً بالتبديل اللفظي ، وساق على التحريف بالزيادة خمسة وأربعين شاهداً ، كما ساق على التبديل اللفظي خمسة وثلاثين شاهداً ، كما أورد عدة مغالطات للمبشرين النصارى فندها ببراهين ساطعة ، ثم نقل على سبيل الاستدلال أقوال النصارى الثقات عندهم من المفسرين والمؤرخين ليزيد حججه نصاعةوقوة ، وبلغت هذه الاستدلالات من أقوالهم الثلاثين قولاً مما يدل على سعة اطلاع وتتبع حريص لإقامة الحجة عليهم من كتبهم وبلسان علمائهم ، وفي ختام هذا الباب أورد أموراً يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم بل ثبت وقوع التحريف .
د – الباب الثالث : أثبت فيه بالأدلة القاطعة نسخ بعض الأحكام في الشريعتين الموسوية والمسيحية بعد أن بين ماهية النسخ ، ثم برهن على أن الأحكام العملية للتوراة نسختها شريعة عيسى ، وأن لفظ النسخ موجود في كلام قديسيهم ، إلى غير ذلك من الأمور الهامة ، مبيناً أكاذيبهم في اختصاص الشريعة الإسلامية بالنسخ ، مبرهناً على أن النسخ في اصطلاح الشريعة موجود مثله عند اليهود والنصارى .
هـ - الباب الرابع : في إبطال التثليث . وهذا الباب ينقسم إلى مقدمة وثلاثة فصول :
1 – المقدمة وهي كمدخل إلى الفصول الثلاثة يذكر فيها اثنتي عشرة قضية ، ككون التوراة مصرحاً فيها بتحريم عبادة غير الله وكتصريح العهد الجديد والقديم بأن الله ليس كمثله شيء ، وأن النصوص المتشابهة محمولة على هذا التنزيه ..
2 – الفصل الأول في إبطال التثليث بالبراهين العقلية ، ويأتي على ذلك بسبعة براهين كلها دامغة في استحالة التثليث من الناحية العقلية .
3 – الفصل الثاني في إبطال التثليث بأقوال المسيح ، ويأتي فيه باثني عشر قولاً عن السيد المسيح من الإنجيل الحالي ، كلها تثبت أن المسيح دعا إلى التوحيد الخالص وأنه رسول فقط وكمثال :
أ – من إنجيل يوحنا إصحاح سابع جملة (3) وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته .
ب – في الباب التاسع عشر من إنجيل متى هكذا .. (16) وإذا واحد تقدم ، وقال له : أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية ؟ (17) فقال له : لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله .
4 – الفصل الثالث في مناقشة النصوص الإنجيلية التي يتمسك بها المثلثون ، وإثبات أن فهمهم لها خاطئ هذا على فرض ثبوتها ، ومن المؤكد تاريخياً بطلان بعضها .
فمثلاً يعتمدون على إطلاق كلمة ابن الله في الإنجيل على مرادهم مع الإنجيل نفسه يطلقها على كل صالح " طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناءالله يدعون " إنجيل متى باب خامس (44) " وصلوا لأجل الذين يسبونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات " (45) نفس المصدر " لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني " يوحنا باب 8-42 .
وهكذا يثبت أن كل نص حملوه على التثليث قد استعمله المسيح على غير ما فهموه في خطاب الناس حتى لا يبقى مجال لمتشكك .
و – الباب الخامس : أثبت فيه أن القرآن من عند الله باثني عشر وجهاً ، وكل وجه كاف لإقامة الحجة ، وناقش الشبهات التي يذكرها بعض المبشرين ، وتحدث بعد ذلك عن السنة وثبوتها ، وبرهن على وجود الروايات اللسانية عند اليهود والنصارى التي سجلت متأخرة مع ملاحظة جواز الكذب عليهم لأنهم يرون الكذب جائزاً في موضوع النقل إذا كان لصالح الشريعة .
أما المسلمون فعلى عكس هذا تماماً ، والدارس لموضوع السنة يرى أن أدق نقد في العالم أو سيعرف هو نقد علماء السنة للوصول إلى الحديث الصحيح .
ز – الباب السادس : أثبت فيه نبوة سيدنا محمد r ودفع فيه كل مطعن توهمه هؤلاء القسس الذين هاجموا الإسلام وقسم الباب إلى فصلين :
الفصل الأول : في إثبات النبوة وسلك فيه ستة سبل ، كل سبيل يؤدي إلى إقامة الحجة بأن محمداًrرسول الله .
1 – معجزاته .
2 – أخلاقه .
3 – كمال شريعته .
4 – انتصاره .
5 – حاجة الناس إليه وإلى شريعته .
6 – تبشير الأنبياء السابقين عليه عن نبوته عليه الصلاة والسلام .
الفصل الثاني :
في دفع المطاعن التي يتوهمها المبشرون منافية لدعوى النبوة وهم يفعلون هذا مدعين أنهم مؤمنون بنصوص العهد القديم والجديد وأنبياء العهدين ، ولما كانوا مؤمنين بنصوص العهدين القديم والجديد فإنه يذكر المطاعن التي وجههوها إلى السيد الرسول r .
ويثبت أن رسل العهدين قد فعلوا مثلها أو أشد منها ؛ ويثبت أن بيتهم كله من زجاج ، وأن ما يذكرونه في العهدين في حق الرسل لا يليق بالمؤمنين العاديين فضلاً عن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم المبرئين عندنا من كل مذمة .
ويبدأ الفصل في ذكر تصوراتهم الفاسدة في نصوصهم المحرفة عن الرسل ، وما يتكلمون في حقهم من الكلام القبيح . كنسبة الزنا إليهم والمعاصي ، ويأتي هنا بما لا يستطيع أحد أن يهضمه مما يجعل مقام الرسل وحاشاهم عرضة لسخرية الساخرين ؛ فإذا كان هذا مفهومهم الفاسد عن الرسل فبأي شيء يعترضون على محمد r ولم يقع في : أدنى ما ذكروه عن رسلهم كذباً .
ثم يذكر المطاعن ويرد عليها واحداً واحداً :
المطعن الأول : في عملية الجهاد الإسلامي وكيف أنهم يرون أن ذلك متناف مع مقام الرسالة ، ويذكر للرد على هذا الطعن خمسة أمور .
1 – حول استحقاق الكافرين العقاب من الله لهم في الدنيا والآخرة ، ويذكر ذلك عن كتبهم .
2 – إن الأنبياء السابقين الذين ورد ذكرهم في العهد القديم قاتلوا الكفار وسبوا نساءهم وذراريهم ، ويأتي كدليل على ذلك بعشرات الشواهد من العهد القديم المعترف به عندهم .
3 – إن الجهاد في الإسلام أرحم بما لا يقاس بما يذكرونه في كتبهم عن عمليات القتال السابقة
4 – إن عملية الجهاد عندنا لا تعني الإكراه على الدخول في الإسلام ولكن تاريخهم هم وخاصة النصارى مليء بجرائم الإغارة على عقائد البشر وإكراههم ، ويذكر من ذلك أمثلة تقشعر منها جلود الإنسان .
محاكم التفتيش ، مذابحهم الفظيعة ؛ طريقتهم القذرة في الحرب ، وطريقتنا الرحيمة . إن التاريخ كله ضدهم وكله معنا .
5 – يتحدث عن الجهاد في الشريعة الإسلامية .
المطعن الثاني : إن محمداً لم تظهر على يده معجزة فلذلك هو ليس نبياً ، ويرد على هذا ، أولاً :
يثبت من كتبهم أنه ليس مشروطاً عندهم وجود المعجزة للنبي فحتى على صحة دعواهم فليس هذا مطعنا بالنسبة لعقيدتهم ، ولكن الحقيقة غير ذلك فإن معجزات محمد rأكثر من معجزات أي رسول ويثبت هذا .
المطعن الثالث : موضوع زواجه r بكثيرات وخاصة بزينب وتحريم زواج زوجاته بعد وفاته ويرد على هذا الكلام بثمانية مقاطع :
1 – إن الأنبياء الذين يعترفون على نبوتهم في الكتب المعتبرة عندهم تزوجوا أكثر من عدد زوجات الرسول r بكثير فما أحله الله لرسوله حلال وما حرم حرام .
2 – إن قصة زواجه بزينب كما يوردونها باطلة لا أساس لها ، وقد ذكرت في القرآن ، والسنة الصحيحة على خلاف ما أوردوه ونقلوه .
3 – إن التحريم والتحليل بيد الله ، ولذلك نجد شيئاً تقصه كتب العهدين فعله أنبياء سابقون وحرمه أنبياء لاحقون ، وإذ ثبت أن القرآن وحي من الله فما أحله حلال وما حرمه حرام ، ورسول الله لم يفعل ما حرمه الله .
4 – إن هؤلاء يطعنون بمحمد r وما خالف لله أمراً مما ذكر في القرآن وينسون أن كتبهم تذكر عن رسلهم كذباً أنهم خالفوا الوحي الذي نزل عليهم .
5 – يذكر في هذا المقطع أموراً فظيعة مذكورة في كتبهم تجرح مقام عيسى وحوارييه وحاشاهم من كلام هؤلاء الأتباع المارقين ، وكذلك مما حدث في تاريخ كنائسهم من الإثم والزنى والفجور مما لا يطيق أحد أن يسمعه أفيطعنون بعد ذلك علينا وبماذا ؟
ونحن أطهر أهل أرض ذيلاً .
6 – خطؤهم في فهم بعض الآيات القرآنية .
7 – إذا صدر للنبي أمر ولم يفعله يكون عاصياً ، أما إذا فعل شيئاً مباحا ًله في الأصل فلا حرج فإذا ما أطاع الرسول الله فلا مأخذ عليه .
8 – يذكرون في كتبهم أن هوشع النبي أمره الله أن يتزوج زانية وأن يتعشق بامرأة فاسقة محبوبة لزوجها ( وحاشاه ) وأمثال هذا كثير في كتبهم ويذكر بعضاً منه فكيف ينكرون على محمد r زواجه بزينب بعد طلاقها من زوجها وانتهاء عدتها بأمر الله ؛ ويذكر في ذلك أن كتبهم تذكر أن الله خص بعض أنبيائه بأمور خصوا بها عن غيرهم ، تجوز لهم ولا تجوز لغيرهم ، ومحمد رسول الله ، فإذا خص بحكم فأي وجه المطعن عليه مع ملاحظة تفرده بكل كمال مما لا تتطاول إليه أعناق الرجال .
المطعن الرابع : يدعون فيه أن محمداً أذنب والمذنب لا يكون رسولاً ، ويرد على كلامهم بخمسة مقاطع يثبت فيها عصمة الرسول r عن الذنب وأنه لم يرتكب ذنباً قط .
وبذلك ينتهي الكتاب .
والكتاب في الحقيقة أنفس كتاب – في علمنا – ناقش الديانتين النصرانية واليهودية نقاشاً دقيقاً في النصوص والمضمون معتمداً على كلام علمائهم نفسه ؛ وفي تصورنا أن أي منصف من أتباع الديانتين يطلع على الكتاب كله مضطر لنبذ دينه والدخول في الإسلام .
نبدأ بنقل الجزء المتعلق بالبشارات من الفصل الأول من الباب السادس لأنه هو المقصود هنا ، مع ملاحظة أننا حذفنا بعض مقاطع من فقراته لم نجد ضرورة لنقلها والمكان الذي تم فيه حذف نشير إليه بثلاث نقاط وكل ما نذكره هنا هو كلامه بنصه :
قال في المسلك السادس من مسالكه لإثبات نبوة محمد عليه الصلاة والسلام تحت عنوان : إخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوته عليه الصلاة والسلام ما يلي :
ولما كان القسيسون يغلّظون العوام في هذا الباب تغليظاً عظيماً استحسنت أن أقدم على نقل تلك الأخبار أموراً ثمانية تفيد للناظر بصيرة .
الأمر الأول :
إن الأنبياء الإسرائيليين مثل أشعيا وأرميا ودانيال وحزقيال وعيسى عليه السلام ، أخبروا عن الحوادث الآتية كحادثة بختنصر وقورش وإسكندر وخلفائه ، وحوادث أرض آدوم ومصر ونينوى وبابل ، ويبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج محمد الذي كان وقت ظهوره ، كأصغر البقول ، ثم صار شجرة عظيمة تتآوى طيور السماء في أغصانها ، فكسر الجبابرة والأكاسرة ، وبلغ دينه شرقاً وغرباً ، وغلب الأديان وامتد دهراً بحيث مضى على ظهوره مدة ألف ومائتين وثمانين إلى هذا الحين ، ويمتد إن شاء الله إلى آخر بقاء الدنيا ، وظهر في أمته ألوف أولف من العلماء الربانيين ، والحكماء المتقين ، والأولياء ذوي الكرامات والمجاهَدَات والسلاطين العظام ، وهذه الحادثة كانت أعظم الحوادث ، وما كانت أقل من حادثة أرض آدوم ونينوى وغيرهما فكيف يجوّز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الإخبار عن الحادثة العظيمة .
الأمر الثاني :
أن النبي المقدم إذا أخبر عن النبي المتأخر لا يشترط في إخباره أن يخبر بالتفصيل التام بأنه يخرج من القبيلة الفلانية في السنة الفلانية في البلد الفلاني ، وتكون صفته كيت وكيت ، بل يكون هذا الإخبار في غالب الأوقات مجملاً عند العوام ، وأما عند الخواص فقد يصير جلياً بواسطة القرائن ، وقد يبقى خفياً عليهم أيضاً لا يعرفون مصداقه إلا بعد ادعاء النبي اللاحق أن النبي المتقدم أخبر عني ، وظهور صدق ادعائه بالمعجزات وعلامات النبوة ، وبعد الادعاء وظهور صدقه يصير جلياً عندهم بلا ريب ، ولذلك يعاتبون ، كما عاتب المسيح عليه السلام علماء اليهود بقوله ( ويل لكم أيها الناموسيون ؛ لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ، ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم ) كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل لوقا .
الأمر الثالث :
ادعاء أن أهل الكتاب ما كانوا ينتظرون نبياً آخر غير المسيح وإيلياء ادعاء باطل لا أصل له ، بل كانوا منتظرين لغيرهما أيضاً لما علمت في الأمر الثاني أن علماء اليهود المعاصرين لعيسى عليه السلام سألوا يحيى – عليه السلام – أولاً : أنت المسيح ؟
ولما أنكر سألوه : أنت إيلياء : ولما أنكر سألوه : أنت النبي ؟
أين النبي المعهود الذي خبر به موسى ، فعلم أن هذا النبي كان منتظراً مثل المسيح وإيلياء وكان مشهوراً بحيث ما كان محتاجاً إلى ذكر الاسم ، بل الإشارة إليه كانت كافية .
وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا بعد نقل قولعيسى عليه السلام هكذا 40 : فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا : هذا بالحقيقة هو النبي 41 ( وآخرون قالوا : هذا هو المسيح ) وظهر من هذا الكلام أيضاً أن النبي المعهود عندهم غير المسيح ولذلك قابلوه بالمسيح .
الأمر الرابع : ادعاء أن المسيح خاتم الأنبياء ولا نبي بعده باطل لما عرفت في الأمر الثالث أنهم كانوا منتظرين للنبي المعهود الآخر الذي يكون غير المسيح وإيلياء عليهما السلام ولما لم يثبت بالبرهان مجيئه قبل المسيح فهو بعده وقد يتمسكون لإثبات هذا الادعاء بقول المسيح المنقول في الآية الخامسة عشر من الباب السابع من إنجيل متى هكذا ( احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة ) والتمسك به عجيب لأن المسيح عليه السلام أمر بالاحتراز من الأنبياء الكذبة لا الأنبياء الصدقة أيضاً ولذلك قيد بالكذبة .
نعم لو قال احترزوا من كل نبي يجيء بعدي لكان بحسب الظاهر وجه للتمسك .. فمقصود المسيح عليه السلام التحذير من هؤلاء الأنبياء الكذبة والمسحاء الكذبة لا من الأنبياء الصادقين أيضاً ولذلك قال بعد القول المذكور في الباب السابع ( من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً ) ومحمد r من الأنبياء الصاقين كما تدل عليه ثماره على ما عرفت في المسالك المتقدمة .
الأمر الخامس : الإخبارات التي نقلها المسيحيون في حق عيسى عليه السلام لا تصدق عليه على تفاسير اليهود وتأويلاتهم ، ولذلك هم ينكرونه أشد الإنكار ، وعلماء المسيحية لا يلتفتون في هذا الباب إلى تفاسيرهم وتأويلاتهم ويفسرونها ويؤولونها بحيث تصدق في زعمهم على عيسى عليه السلام .
قال صاحب ميزان الحق في الفصل الثالث من الباب الأول في الصفحة 46 من النسخة الفارسية المطبوعة سنة 1849 ( المعلمون القدماء من الملة المسيحية ادعوا أن هذه الدعوى الصحيحة فقط : إن اليهود أوَّلوا الآيات التي كانت إشارة إلى يسوع المسيح بتأويلات غير صحيحة وغير لائقة وبينوها خلاف الواقع ) انتهى .
وقوله ادعوا هذه الدعوة الصحيحة فقط غلط يقيناً ، لأن المعلمين القدماء كما ادعوا هذه الدعوى ادعوا أن اليهود حرفوا الكتب تحريفاً لفظياً كما عرفت في الباب الثاني .
لكني أقطع النظر عن هذا وأقول : كما أن تأويلات اليهود في الآيات المذكورة مردودة غير صحيحة وغير لائقة عند المسيحيين ، كذلك تأويلات المسيحيين في الإخبارات التي هي في حق محمد rمردودة غير مقبولة عندنا .
وسترى أن الإخبارات التي ننقلها في حق محمد r أظهر صدقاً من الإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه السلام .
فلا بأس علينا إن لم نلتفت إلى تأويلاتهم الفاسدة .
وكما أن اليهود ادعوا في حق بعض الاختبارات التي هي في حق عيسى عليه السلام على زعم المسيحيين أنها في حق مسيحهم المنتظر أو في حق غيره أو ليست في حق أحد ، والمسيحيون يدعون أنها في حق عيسى عليه السلام ولا يبالون بمخالفتهم .
فهكذا نحن لا نبالي بمخالفة المسيحيين في حق بعض الإخبارات التي هي في حق محمد r ولو قالوا إنها في حق عيسى عليه السلام . فادعاؤنا أحق من ادعائهم ...
الأمر السادس : أن أهل الكتاب سلفاً وخلفاً عادتهم جارية بأنهم يترجمون غالباً الأسماء في تراجمهم ويوردون بدلها معانيها ، وهذا خبط عظيم ومنشأ للفساد وأنهم يزيدون تارة شيئاً بطريق التفسير في الكلام الذي هو كلام الله في زعمهم ، ولا يشيرون إلى الامتياز ، وهذا الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور الكثيرة .
وإذا عرفت هذه الأمور الستة أقول : إن الإخبارات الواقعة في حق محمد r توجد كثيرة إلى الآن أيضاً ، مع وقوع التحريفات في هذه الكتب ومن عرف أولاً طريق إخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر على ما عرف في الأمرالثاني جزم بأن الإخبارات المحمدية في غاية القوة .
وأنقل في هذا المسلك عن الكتب المعتبرة عند علماء بروتستنت ثماني عشرة بشارة.
ملخص بشارات إظهار الحق
الرجوع الى فهرس براهين سعيد حوى
المصدر
- مقال:مقدمة في البشارات - الشيخ سعيد حوى موقع : برهانكم