مقارنة بين "مندريس" و"مرسي".. وخيانة العسكر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مقارنة بين "مندريس" و"مرسي".. وخيانة العسكر


مقارنة بين مندريس ومرسي.jpg

(23/12/2015)

كتب: أسامة حمدان

مقدمة

في كتاب "العسكر والدستور فى تركيا" أبرز المؤلف الدكتور طارق عبد الجليل، فى مقدمة الكتاب حقيقة مفادها أنه "إذا كانت تركيا "العدالة والتنمية" قد نجحت إلى حد كبير فى إعادة موضعة الجيش فى الدستور وفق النظم الديمقراطية الغربية، وتفكيك قبضة العسكر عن الدولة والمجتمع، فإن المؤسسة العسكرية التركية بانقلاباتها المختلفة قد انحازت إلى الخروج من الملعب السياسى التركى، والعودة إلى حراسة السماء والأرض والحدود.

وبالمقارنة بين انحياز عسكر تركيا إلى الديموقراطية وحق الشعب في خياراته، وبين عسكر الانقلاب في مِصْر، الذي انحاز إلى لغة البيادة والسحق والتدمير والقتل والاعتقال، نجد أن ثمة حقيقة دامغة، وهى أنه في نهاية المطاف سينتصر الشعب رغم الدماء، ولن يسع العسكر سوى الانسحاب من ميدان السياسة، بعد أن أدى انقلابه في 3 يوليو إلى "خراب مالطا".

التجربة التركية

نشرت صحيفة "صباح" التركية، مقالاً للكاتب "حسن بولنت كهرمان" تحدّث فيه عن تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم، وما ينبغي أن يقوم بها الحزب في الفترة القادمة من أجل الاستمرار في النجاحات التي يقوم بها.

وحسب ما يذكر الكاتب فإن حزب العدالة والتنمية حقق نجاحه في الوصول إلى الحكم بالاعتماد على عاملين أساسيين؛ هما التمدّن وتطوير المجتمع، والأمر الآخر هو إزاحة النظام الأتاتوركي العسكري وتحويله بالإمكانات التي حصل عليها أعضاء الحزب من خلال تجربتهم السياسية الماضية.

وينبه الكاتب في مقاله أن حزب العدالة والتنمية قام بمقاومة المحاولات التي كانت تهدف إلى إزاحته وبالأخص في الفترة التي ترشّح فيها عبد الله غول لرئاسة الجمهورية ثم حصلت بعدها تعديلات دستورية أخرجت النظام التركي من الوصاية العسكرية.

وينبه الكاتب أن حزب العدالة والتنمية يرتكز في نجاحه على مسألة تطوير المجتمع؛ حيث ينبه الكاتب إلى أن على الحزب أن يفهم التطوير الحاصل، وأن يحاول أن يتفهم النقطة التي استطاع التوصل إليها في الفترة القادمة، أي أن عليه أن يعمل على مراعاة التغيير الذي حصل للمجتمع التركي زمن حزب العدالة والتنمية.

التجربة الناصرية

الانقلاب الذي قاده البكباشي جمال عبد الناصر على حكم الرئيس محمد نجيب، لم يجنِ على مِصْر إلا سنوات عجاف من هزائم عسكرية وشح اقتصادي ودمار سياسي، وأفرز بعده جنرالات عسكريين متعطشين لتكرار التجربة الناصرية، مرة في عهد السادات وأخرى في عهد مبارك والأخيرة في عهد عبد الفتاح السيسي.

لم يكن الإطاحة بالرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، والحكم عليه بالإعدام على يد العسكر، إلا تكرارًا لقصة الرئيس التركي الشهيد "عدنان مندريس"، أو كما يُلقبه الأتراك "شهيد الأذان"، فقد تكفلت الأتاتوركية العلمانية بنصب أعواد المشانق لكل سياسي يتجرأ بطرح فكر إسلامي أو يقترب أو يلمِّح مما هو إسلام.

عندما خاض مندريس الانتخابات البرلمانية في تركيا لعام 1950 مرشحًا عن الحزب الديمقراطي كان برنامجه: عودة رفع الأذان في المساجد باللغة العربية، السماح للأتراك بالحج إلى بيت الله، إعادة تدريس الدين في المدارس النظامية، وإنشاء أخرى للخطباء والأئمة، وإلغاء تدخل الدولة في لباس المرأة.

فاختاره الشعب وفاز حزبه بثلاثمائة وثمانية عشر مقعدًا في البرلمان، بمقابل اثنين وثلاثين مقعدًا لحزب أتاتورك، فرأس مندريس الحكومة، ورأس الدولة رئيس الحزب جلال بايار. بدأ بتنفيذ برنامجه الانتخابي في الجلسة الأولى للبرلمان، وكان في غرة شهر رمضان الفضيل، فأُقِر رفع الأذان باللغة العربية، وحرية اللباس، وحرية تدريس الدين، وبدأ بتعمير المساجد.

وفي انتخابات 1954 ارتفع عدد مقاعد حزب مندريس وانخفض تمثيل حزب أتاتورك إلى أربع وعشرين مقعدًا فقط، فشرع بتعليم اللغة العربية، وقراءة القرآن وتدريسه في جميع المدارس الثانوية، وفتح خمسًا وعشرين ألف مدرسة لتحفيظ القرآن، وأنشأ اثني وعشرين معهدًا لتخريج الخطباء والوعاظ والأئمة وأساتذة الدين، وسمح بإصدار المجلات والكتب التي تدعو للتمسك بالإسلام، ثم أخلى المساجد التي كانت حكومة أتاتورك تستخدمها مخازن للحبوب وأعادها أماكن للعبادة، وبنى عشرة آلاف مسجد.

القشة التي دفعت به إلى المشنقة تقاربه مع العرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، فقد فرض الرقابة على البضائع والأدوية المستوردة التي تصنع في الاحتلال، وطرد سفيرهم في 1956، فقامت قيامة القوى المعادية للإسلام.

وفي 1960 انقلب عليه عسكريًّا الجنرال جمال جورسل، وشُنق في عام 1961 هو وفطين زورلو وحسين بلكثاني وسُجن الرئيس والحكومة وأعضاء الحزب، إثر تقربه للعالم الإسلامي. بين مثالي الرئيس التركي "مندريس" والرئيس المِصْري "مرسي" المختلفين في الظروف والتفاصيل والأسباب والنتائج، يتضح أن سلوك الانقلاب والتصفية الجسدية ديدن الحكم العسكري الذي لا حجة له إلا امتلاك القوة.

وأن الإيمان بنتائج صناديق الاقتراع لدى الدكتاتوريين أمثال عبد الفتاح السيسي، يتوقف عند وجودهم في السلطة فقط، بينما فوز رئيس مدني يطرح برنامجًا للخبز والحرية والعدالة الإجتماعية، يعني أن الشعب بلا وعي وأن العملية الديمقراطية فيها قصور، وكم مات من أهل الحق بيد عسكر عُباد الكراسي، ولسان حال الشعب للعسكر "مكملين"!

وبرأي مراقبين وخبراء تمثل التجربة النهضوية التركية التي قادها حزب "العدالة والتنمية"، كابوسًا مفزعًا لعسكر مِصْر؛ لأن هذه التجربة جاءت بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية، التي أتاحت للعسكر في تركيا التحكم في مقاليد الأمور، رغم الحكومات المنتخبة، فحول العسكر تركيا إلي دولة فقيرة تابعة للغرب، لايأبه بها أحد وليس لها أي تأثير لا في محيطها ولا على المستوى الدولي.

وجاء حزب "العدالة والتنمية" ليوضح للعالم كله الفارق بين حكم العسكر، الذي خرب تركيا والحكم المدني الديمقراطي الذي يحترم الشعب، ويعمل لمصلحته، ومن أقدار الله أن يكون هذا الحكم المدني ذو خلفية إسلامية حول تركيا إلي دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي، يحسب لها ألف حساب، ولعل إسقاط الطائرة الروسية وموقف تركيا القوي خير دليل علي ذلك.

هذا هو الفارق بين حكم العسكر والحكم الديمقراطي، دولة تركية قوية ذات سيادة يحترمها الجميع، ودولة هشة في مِصْر مستباحة مثل بيوت الدعارة!

المصدر