مع عام هجري جديد
محتويات
صراخ يوقظ النائم
مع مطلع العام الهجري 1428هـ الموافق للعام الميلادي 2007م تصرخ تحديات وأسئلة توقظ النائم وتدعو الأمة أفراداً وجماعات،راعياً ورعية،لتدارك الأخطار المحدقة قبل فوات الأوان.
ماذا يجري في العراق،وفلسطين ولبنان،والصومال،وأفغانستان،وغيرها من بلاد الإسلام؟
حرب صليبية أعلنتها أمريكا على العالم الإسلامي لتحوِّل الشعوب إلى عبيد يعملون في مزارع المحتل، ليأكلوا ويشربوا،ويقوموا بتأمين مصالح المحتل في البترول يصل آمناً إلى مصانعهم،والطرق الآمنة لوصوله، والإجهاز على العقيدة،واللغة العربية التي توحدهم،وتحويل بلاد المسلمين إلى أسواق لمنتجات أمريكا والغرب،وإذكاء روح الفرقة والعداوة بين الأقطار العربية التي قطَّعوها إلى دويلات مع مطلع القرن العشرين،وبقي أن يحولوها إلى طوائف ومذاهب وعصبيات في مطلع القرن الواحد والعشرين يستحل بعضهم دماء بعض، وأموال بعض،وأعراض بعض.
سبل لتحقيق الاهداف
وفي سبيل الوصول إلى هذه الأهداف سلك المحتل الطرق التالية:
أولاً: فجَّر الصراع السني الشيعي في العراق،ويسعى لنشره في المنطقة حتى يتحول الصراع بين سنة وشيعة بدل أن يكون مقاومة للمحتل الأمريكي الصهيوني الذي يسعى لإبادة الأمة والقضاء على دينها وحضارتها وهويتها.
ثانياً: يسعى لتفجير الصراع الفلسطيني الفلسطيني مستفيداً من الأخطاء التاريخية التي وقع بها جماعة أوسلو،وتنازلوا عن أرض فلسطين المحتلة سنة 1948،وخدعهم العدو بإقامة دولة، فقدَّموا له التنازلات قبل أن يحصلوا على شيء! وكان العدو يسعى بعد أن احتل الأرض بالقوة العسكرية،أن يحتل الإنسان صاحب الأرض،ليتنازل عن أرض الآباء والأجداد،ويحصل على الوثيقة الشرعية والقانونية باحتلال الأرض.
ولم يجرؤ حكام العرب قبل أن تصبح المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على التنازل عن شبر من فلسطين وهم يعلمون أية خيانة يرتكبونها وأي مصير سينتهون إليه.
ولكن بعد إلقاء المسؤولية على المنظمة تنازل ممثل المنظمة عن 80% من أرض فلسطين في أوسلو ثم طُلب منه أن يُتم المشوار فيتنازل عن القدس،وحق العودة،وما أقاموه في الضفة من مستوطنات،فرفض،وحاصروه حتى قتلوه مسموماً،وطلبوا من خليفته أن يتمم العمل الذي بدأه في أوسلو، ولكن الشعب الفلسطيني كان أبعد نظراً وأصلب عوداً وأقوى إرادة،فاختار من خلال الانتخابات النيابية خيار المقاومة وأعطى "حماس" ثقته، وقلبوا الأمور على الذين كانوا يظنون أن الشعب الفلسطيني تعب، ويريد الاستسلام بأي ثمن، فجُنَّ جنونهم،وأعلنوا حرباً اقتصادية وعسكرية ونفسية من أول يوم استلمت فيه (حماس) الحكم،وشارك فيها
للأسف بعض من كانوا يرفعون شعار المقاومة،وشاركت فيها كثير من الأنظمة العربية،ليقولوا لشعب فلسطين الذي اختار المقاومة على التفريط بالأرض والكرامة والمقدسات،ليس أمامك طريق إلا أن تستسلم،وترضى بالأمر الواقع،وتتحول إلى مجموعات بشرية في بلاد تفصلها الحواجز العسكرية والإسمنتية، لك أن تعمل في مزارعنا، ومصانعنا،ثم تعود إلى أهلك وبيتك،كما فعل المستعمرون البيض في جنوب أفريقيا بأهل هذه البلاد،إذ حوّلوهم إلى عمال يعملون في مزارعهم ومصانعهم في النهار،ويعودون لبيوتهم وقبائلهم آخر النهار،دون أن تكون لهم دولة وكيان،وهوية وانتماء.
وهذا ما ذكره الأستاذ محمد حسنين هيكل في الحلقة التي بثتها فضائية الجزيرة يوم الخميس (11/1/2007)،وقال فيها: إنه سأل "بطرس غالي" وزير خارجية مصر والأمين العام لهيئة الأمم سابقاً - وكان قد رافق أنور السادات في رحلته المشؤومة إلى إسرائيل ليخرج مصر من شرف المقاومة والدفاع عن فلسطين بمعاهدة السلام الصهيونية الأمريكية المصرية في كامب ديفيد – أقول: سأل هيكل بطرس غالي عن رأيه في هذا السلام مع إسرائيل فقال غالي كلمة موجزة فسّرها هيكل وهي "جنوب إفريقيا" أي إن عرب فلسطين سيتحولون إلى رعايا تعمل في مصانع اليهود ومزارعهم،ويتحركون ويمارسون حياتهم تحت إشرافهم وهيمنتهم،فالحدود لهم،والجيش والقوة لهم،والماء والكهرباء والضرائب والمال بأيديهم.
أقول: ومع مطلع العام الهجري الجديد يعيش شعب فلسطين محاصراً،ممتحناً بعدو يهودي من الخارج،وأتباع له من الداخل،يريدون القضاء على خيار الشعب الفلسطيني بنوّابه ووزرائه الذين اختاروا المقاومة على الذل والاستسلام والركون إلى العدو الذي يحاصرهم ويقتلهم صباح مساء.
فجّر العدو الأمريكي الحرب الأهلية في العراق بين سني وشيعي، ويفجر العدو الصهيوني الصراع الفلسطيني الفلسطيني، ويحاول طمس معالم الصراع مع المحتل الأمريكي في العراق والمحتل الصهيوني في فلسطين ليكون الصراع شيعيّاً سنيّاً، أو فلسطينيّاً فلسطينيّاً.
ولو رجعنا إلى الثوابت والأصول لوجدنا أن الذين حاصروا الشعب الفلسطيني لاختياره طريق المقاومة هم الذين يستغلّون هذا الحصار للقضاء على المقاومة،وإسناد الأمر إلى جماعة أوسلو لتكمل مشوارها مع المحتل ولتقيم مجتمع "جنوب أفريقيا" الفلسطيني الذي يفقد فيه شعب فلسطين هويته وأرضه وقدسه وكيانه وكرامته. فلا قرّت أعين الجبناء.
وبعد هذا فلنقف عند بعض دروس الهجرة لنرى كيف صنع النبي الكريم مجتمع النصر بأخوته ووحدة ثقافته.
الأخوّة ووحدة الثقافة
كان أول عمل للرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة عقد الأخوة الإسلامية بين المهاجرين والأنصار، ليقيم الأساس الفكري العقدي لدولة الإسلام وأنها تقوم من أول يوم على رابطة العقيدة والدين، لا على رابطة التراب والطين.
وفي ظل هذا الأساس لدولة الإسلام انتقل العربي من الولاء للقبيلة وعصبيتها إلى الولاء للدين وقيمه،وكانت دولة الإسلام إنسانية من أول يوم،وتجاوز العرب في ظل دولة الإسلام مفهوم القوميةالضيق.
وكانت معجزة الإسلام أن نقلت العرب والشعوب نقلة أوسع وأعمق نقلتهم إلى الولاء للمبدأ والعقيدة لتدخل شعوب الأرض في دين الله معطين ولاءهم لأمة الإسلام الذي أذاب الفوارق والعصبيات، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
وإذا كان ولاء الإنسان لقبيلته أولقومه قسريّاً،لا اختيار له فيه، فإن ولاءه للإسلام ولأمة الإسلام اختياري نابع من عقيدته التي آمن بها، ومنهج الله الذي ارتضاه لحياته.
ومن هنا كانت دولة الإسلام إنسانية من أول يوم ينتسب إليها كل من آمن بالإسلام سواء أكان عربيّاً أو فارسيّاً أو هنديّاً أو تركيا أو غير ذلك.
بينما كانت الدولة القائمة على رابطة الجنس أو القبيلة مغلقة غير منفتحة.
وفي ظل هذه الرابطة قال شاعر الإسلام محمد إقبال :
- أضحى الإسلام لنا ديناً وجميع الكون لنا وطنا
وقال شاعر آخر من الهند:
- إن ضلت الدنيا أعاد صوابها نور المدينة لا شعاع الكوكب
وسبقهما الشاعر العربي بقوله:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
وفي ظل هذه العقيدة السمحة المتحررة من العصبيات الضيقة أقام المسلمون دولتهم من المحيط إلى الخليج ورفرفت أعلام الإسلام من جبال البرانس في فرنسا إلى تخوم الصين.
وحدة الثقافة والفكر
ومع عقد الأخوة بين المسلمين أقام النبي صلى الله عليه وسلم المسجد للمسلمين ليعبدوا الله صفوفاً متراصة خلف الإمام،وليسمعوا القرآن الكريم ويفهموه ويحفظوه ويقيموا أحكامه وقيمه وأخلاقه،وليكون المدرسة النبوية التي تصلهم بهدي النبي الكريم وإمامته وسنته.
وقد نبَّه القرآن إلى هذا الأساس العقدي الذي يصنع وحدة الأمة باجتماعها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة منها ما بيّنه في مواجهة فتنة اليهود في المدينة التي كادت أن تمزق وحدة الجماعة المسلمة بقوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين.وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم} [آل عمران: 100-101]
دروس من التاريخ
وحين هاجم الصليبيون بلاد المسلمين قدموا الدعم للحركات الباطنية التي تآمرت معهم على تمزيق وحدة الأمة العقدية والثقافية وجنّدت نفسها حتى اغتالت عدداً من قادة المقاومة منهم عماد الدين زنكي ونور الدين زنكي الشهيد،وكادت أن تغتال صلاح الدين.
وقد تنبّه العلماء لخطر هذا الغزو الثقافي الباطني وجاهدوا في كشفه وإنقاذ الأمة من خداعه،وكان على رأس هؤلاء العلماء الإمام أبوحامد الغزالي وشيخ الإسلام ابن تيمية،والإمام المجاهد عز الدين القسام،والإمام المجاهد المربي الشيخ عبدالقادر الكيلاني.
وكان من سياسة نور الدين وصلاح الدين الحكيمة لإحياء روح الأمة للجهاد وتوحيدها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن بنيا من المساجد والمدارس بقدر ما بنيا من القلاع والحصون.
ردّة ولا أبا بكر لها
ومع الغزو الصليبي الجديد لبلاد المسلمين تعمل أمريكا وحلفاؤها والغرب ومن يعملون معه إلى إغراق بلاد المسلمين بالجامعات الأمريكية والفرنسية والألمانية والغربية،ففي الأردن ودول الخليج ومصر ولبنان تقام هذه الجامعات،وتستثنى من الشروط القانونية التي وضعتها الدولة لمؤسسات التعليم العالي،لتعمل هذه الجامعات الأجنبية في بلادنا دون حسيب أو رقيب في إفساد الجيل،وقتل روح الانتماء والهوية في شباب الأمة وتحويلهم إلى متع الحياة الغربية لتكون هدفهم في الحياة.
وقد حدثني رئيس جامعة ووزير سابق مطّلع أن هذه الجامعات تعلّم الطلاب الرقص والاستهانة بقيمنا وأخلاقنا،وأما العلم فيدرِّس موادّه أساتذة لا يحمل كثير منهم المؤهل العلمي المطلوب.
إنه احتلال جديد وردة جديدة ولكن لا أبا بكر لها .. فأين مجالس النواب وأين العلماء وأين رجال الفكر ينقذون أبناءهم وأمتهم من الخطر المهلك؟
حصوننا مهددة من الداخل وعدونا يحتل الأرض بجيوشه،ويحتل الأمة والإنسان بجامعاته ومكره وخداعه.
ردّة جديد ولا أبا بكر لها.
المصدر
- مقال:مع عام هجري جديد موقع الفرقان