معركة يونيو 2004 فضحت وزارة الداخلية
26-09-2005
محتويات
مقدمة
- النواب فضحوا تستر الداخلية في وفاة أكرم زهيري
- وقف تعذيب المعتقلين في القضية 462 أمن دولة
- لأول مرة مجلس الشعب يعتمد تقريرًا من خارج لجانه
من أبرز المواجهات التي خاضها نواب الإخوان في ملف الاعتقالات كانت قضية اعتقال 58 فردًا من الإخوان في مايو 2004م وقد انتقد نواب الكتلة البرلمانية للإخوان هذه الحملة، مؤكدين في طلبات إحاطة لرئيس الوزراء ولوزير الداخلية أن مثل هذه الإجراءات تناقض دعاوى الإصلاح السياسي التي تنادي بها الحكومة المصرية، كما أن مثل هذه الإجراءات بمثابة ضربة مؤثرة لأي عملية إصلاح.
وأكد نواب الإخوان أن المعتقلين أشخاص مشهود لهم بالكفاءة والإخلاص وحب مصر والحرص على المصلحة العامة ولم يشكلوا في يوم من الأيام خطرًا على أحد.
إلا أن الأمر لم يقف عند حد تقديم طلبات إحاطة حيث علم نواب الإخوان أن هناك عمليات تعذيب شديدة تتم مع معتقلي الإخوان الذين حبسوا احتياطيًا في سجن مزرعة طرة، وكان يتم اقتيادهم لمقر أمن الدولة بمدينة نصر لتعذيبهم بعلم سلطات السجن، وهو ما واجهه نواب الإخوان بسيلٍ من البيانات العاجلة وطلبات الإحاطة، والتي على أثرها قرر الدكتور أحمد فتحي سرور- رئيس المجلس- تحويلها للجنة الدفاع والأمن القومي، والتي عقدت اجتماعًا عاجلاً حضره مساعد وزير الداخلية، والذي بدأ كلامه بالإعلان عن وفاة المهندس أكرم زهيري!!
ما أن سمع نواب الإخوان الذين كانوا في اجتماع اللجنة وفي مقدمتهم المهندس السيد حزين هذا الخبر حتى تفجر الغضب وانسحبوا من الجلسة، وطالبوا رئيس المجلس بزيارة السجن في الحال، ومطالبة النيابة العامة بالتحقيق، وهو ما تم فعلاً في نفس اليوم، حيث قام وفد من اللجنة ومعهم نواب الإخوان بزيارة سجن مزرعة طرة، والالتقاء بالمعتقلين لمعرفة ما تم معهم وملابسات وفاة المهندس أكرم زهيري.
البداية جيدة
كشف أعضاء لجنة الدفاع والأمن القومي عن قيام أجهزة مباحث أمن الدولة بممارسة عمليات تعذيب شاذة ضد معتقلي جماعة الإخوان المسلمين المحتجزين على ذمة القضية رقم 462 لسنة 2004 حصر أمن دولة، وأكد أعضاء اللجنة الذين قاموا بزيارة عاجلة لسجن مزرعة طرة بجنوب القاهرة مساء الأربعاء 9 يونيو 2004، أن أكثر من 12 معتقلاً من مجموعة الـ 58 تم تعذيبهم بشكل غير آدمي في مقر أمن الدولة بمدينة نصر بعد اقتيادهم إلي سجن الاستقبال في جو رهيب مليء بالرعب والضغط النفسي.
وقد استمعت اللجنة التي رأسها المهندس فتحي قزمان رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، وشارك فيها اللواء حازم حمادي واللواء بدر القاضي والدكتور أيمن نور و حمدين صباحي و طلعت السادات إضافة للدكتور محمد مرسي رئيس كتلة نواب الإخوان المسلمين بالبرلمان و14 نائبًا آخرين من أعضاء الكتلة، استمعت إلى أربعة من معتقلي الإخوان، وهم الدكتور أسامة نصر والدكتور جمال نصار والمهندس محمد أسامة ورجل الأعمال مدحت الحداد، وتبين لها أنه تم ممارسة عمليات تعذيب عديدة ولمدة تتراوح من يوم إلى 6 أيام كاملة، وبأشكال شاذة وغريبة عن النفس الإنسانية.
وهي الممارسات التي اعتبرها بعض النواب تكرارًا لما حدث للأسري العراقيين في سجن أبي غريب على يد قوات الاحتلال الأمريكي، وقال المعتقلون إن عمليات التعذيب تنوعت واختلفت وشملت الضرب والركل والتجويع وتعصيب الأعين مع تكتيف اليدين من الخلف لمدة ستة أيام كاملة، مع خلع الملابس واستخدام الكهرباء في أماكن حساسة في الجسد، وإغراق الجسم في الماء حتى كاد البعض أن يموت خنقًا، بالإضافة إلى اصطحابهم لأماكن مجهولة في عربات ووضعهم في (دواسة) السيارة مع عصب أعينهم وتغطيتهم بعشرات البطاطين السوداء حتى لا يكتشف أمرهم احد، وتهديدهم بالقتل والتشريد إذا اعترفوا لأحد بممارسة تعذيب معهم.
وقد تبين للجنة أن وفاة المهندس أكرم الزهيري كانت نتيجة إهمال من إدارة السجن حيث تعرض المهندس أكرم لإصابة في مختلف أنحاء جسده عند ترحيله من النيابة إلى السجن في سيارة غير مجهزة لنقل الآدميين، وعندما تفاقمت إصابته وتفاعلت مع مرض السكر الذي كان يعاني منه الشهيد أكرم لم تستجب إدارة السجن لمطالب زملائه المعتقلين بنقله لمستشفى متخصص ووضعه تحت الرعاية مما نتج عنه في النهاية سوء حالته وتدهورها فتم نقله لمستشفى القصر العيني في العاشرة من صباح الثلاثاء 8 يونيو 2004 إلا أن حالته كانت قد دخلت مرحلة حرجة فتوفي في الساعة الواحدة من مساء نفس اليوم.
وحمّل أعضاء اللجنة إدارةَ السجن مسئولية وفاة المهندس أكرم؛ لأنها لم تقدم له الرعاية المطلوبة ولم تستجب لمطالب زملائه بضرورة تحويله للمستشفى لخطورة حالته.
وأكد أعضاء اللجنة أنه إذا كان المرحوم أكرم الزهيري لم يمت نتيجة ممارسة تعذيب ضده إلا أن هذا ليس معناه عدم وجود تعذيب مع غيره، وقد قررت اللجنة استكمال سماعها لباقي المعتقلين الذين عُذبوا في صباح السبت 12 يونيو 2004 وبعدها ستقدم اللجنة تقريرها لمجلس الشعب عن حقيقة ما اكتشفوه خلال الزيارتين.
ونتيجة لطلبات الإحاطة التي قدمها نواب الإخوان وزيارة اللجنة فقد تمَّ نقل المهندس محمد أسامة والمهندس محمد عامر إلى مستشفى القصر العيني للعلاج من آثار التعذيب البشع الذي مورس ضدهما، كما فتحت إدارة السجن الزيارة لأهالي المعتقلين ومحاميهم، وفتحت الزنازين لهم تمهيدًا لتغيير المعاملة التي كانوا يلاقونها.
تقرير اللجنة
وبعد زيارة اللجنة قرر الدكتور أحمد فتحي سرور تحويلَ تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي وتقرير آخر لنواب الإخوان عن الزيارة لوزيري العدل والداخلية لاتخاذ اللازم وإجراء تحقيقات فيما كشفه التقريران من وجود حالات تعذيب لبعض معتقلي الإخوان، وكان التقرير الأولي للجنة الدفاع والأمن القومي قد أكد عدم تعرض المهندس أكرم الزهيري للتعذيب محمِّلاً في الوقت نفسه إدارةَ السجن مسئولية موته نتيجة الإهمال الطبي، بينما أكد التقرير أنه بعد الاستماع لأربعة من معتقلي الإخوان تبين تعرض ثلاثة منهم للتعذيب إضافة لآخرين لم تستطيع اللجنة مقابلتهم لإلغاء زيارتها الثانية للسجن والتي كان مقررًا لها يوم السبت ثم الاثنين.
وقد اعتمدت اللجنة في تقريرها على ما شاهده أعضاء اللجنة بأنفسهم من تعرض بعض المعتقلين للتعذيب، مطالبة في الوقت ذاته بالتحقيق حول هذه الحالات، ويصاحب تقريرَ اللجنة الرسمية التي شكلها البرلمان تقريرٌ آخر مفصل قدمه نواب الإخوان الذين شاركوا جميعًا في أعمال اللجنة وزيارتها للسجن، وقد تم ضم هذا التقرير لتقرير اللجنة الرسمي الذي سيخرج في شكله النهائي يوم السبت 200419/6/ وسيتم رفعه لرئيس البرلمان في نفس اليوم الذي أكد أنه سيحول التقريرين لوزيري العدل والداخلية للتحقيق فيما ورد بالتقريرين.
التقرير البديل
بعد أن اكتشف نواب الإخوان أن هناك ضغوطا تم ممارستها على رئيس اللجنة لإخراج التقرير النهائي عن الزيارة بشكلٍ لا يحمل إدانة كاملة للداخلية اعترضوا على ما جاء فيه، فطالبهم الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس بكتابة تقرير آخر عن زياراتهم وسيتم إرفاقه في تقرير اللجنة واعتباره تقريرًا معبرًا عن البرلمان وسيتم إحالته لوزارتي الداخلية والعدل للرد على ما جاء فيه، كما سيتم عرضه على نواب المجلس عند مناقشة الموضوع.
وقد أكد النواب في تقريرهم الذي قدموه لرئيس البرلمان يوم الأربعاء 200416/6/ أنهم ذهبوا مع لجنة الدفاع والأمن القومي بزيارة سجن مزرعة طرة، وقدم النواب عرضًا لما حدث أثناء الزيارة التي حضرها مأمور السجن واللواء محمود وجدي مدير مصلحة السجون، واللواء محمد هاني الدغيدى مدير منطقة سجون طره، والعميد مأمور سجن مزرعة طرة وغيرهم من ضباط وزارة الداخلية.
الشاهد الأول

وأشار التقرير إلى أن اللجنة وفي حضور هذه الشخصيات التقوا بأحد المعتقلين وهو الدكتور أسامة نصر الدين- الأستاذ بالمعهد العالي للصحة العامة بجامعة الإسكندرية- والذي طلبنا مقابلته ليس للوقوف على حالته الشخصية ولكن بصفته شاهدًا ورفيق المهندس أكرم الزهيري في زنزانته، وكان السؤال الطبيعي ماذا حدث للمهندس أكرم زهيري وأجاب: "أكرم الله يرحمه معلوم ومثبت في محاضر النيابة أنه مريض بالسكر، وفي يوم الإثنين 200431/5/ خرج صباحًا من السجن بأمر النيابة لاستكتابه، ولكن الذي خرج وهو بصحة جيدة عندما عاد إلينا الساعة (الرابعة والنصف عصرًا) في صورةٍ أصابتنا جميعًا ونحن في الزنزانة بالفزع الشديد عندما رأيناه؛ فقد عاد محمولاً على أربعة عساكر وعندما وضعوه في الزنزانة وجدناه لا يستطيع الحركة، ويصرخ من شدة الآلام.
وسألته عن السبب فأجاب: عند عودتي من الاستكتاب وأنا في صندوق سيارة الترحيلات التي لا تصلح حتى لنقل البهائم يسير بها السائق بسرعة جنونية، وفجأة استخدم الفرامل ليجد أكرم نفسه يرتطم في جوانب الصندوق الحديدي ليفقد بعدها الحركة".
وأضاف الدكتور أسامة نصر أن المرحوم الزهيري قال لهم "عند الوصول للسجن أراد الحراس إنزاله، فأخبرهم أنه لا يستطيع، فقالوا له "يا بنى انزل ما تودناش في داهية"، وهو يصرخ لا أستطيع الحركة، فحملوه كما يحمل الجوال وهو مكسور، وتم عمل محضر له ثم احضروه إلى الزنزانة، وبعد ساعتين جاء الطبيب والذي تعامل معه على أنه متمارض، وضغط عليه ليسير على قدمه فالأمر بسيط في نظر الطبيب".
ويضيف الدكتور أسامة "لقد أخبرت هذا الطبيب- وأنا أستاذ في الطب- أن هناك اشتباهًا بكسر ويجب أن تُجرى له أشعة، فقال لي الحالة لا تستدعي عمل أشعة!! ليحمل مرة ثانية إلى الزنزانة ورجونا إدارة السجن أن يأتوا له بكرسيٍ حتى يستطيع أن يدخل به إلى الحمام، وأرسل إليَّ الطبيب بحقنة مسكنة وهي من أخف المسكنات وسرنجة وقال لي ابقى أعطها له".
ويستكمل الدكتور أسامة شهادته للجنة قائلاً "في يوم الثلاثاء 1/6 طلبت من إدارة السجن استدعاء استشاري عظام له فالآلام أصبحت في زيادة مستمرة، وبالفعل حضر الاستشاري فطلبتُ منه إرساله إلى المستشفى لعمل أشعة لأن الآلام جعلته لا ينام، لكنه قال الحالة لا تستدعي ذلك، وفى يوم الخميس 3/6 طلبنا الطبيب مرةً ثانية فالمهندس أكرم يصرخ ولا يستطيع النوم، وعندها قال الطبيب إذن نرسله لعمل أشعة للاطمئنان، وفي يوم الأحد 6/6 جاءت سيارة الترحيلات المعتادة لنقله إلى المستشفى، وطلبوا المهندس أكرم زهيري للذهاب به إلى المستشفى بناء على قرار النيابة لعلاجه من مرض السكر.
لكن هو- رحمه الله- رفض الذهابَ معهم ما دام الذهاب إلى المستشفى بنفس السيارة التي لا تصلح حتى لنقل البهائم، والتي تسببت في كسوره وهو سليم، وقال: كيف أتحملها وأنا مكسور وطلب أن تُستدعى له سيارة إسعاف، وبالفعل أتت سيارة الإسعاف يوم الاثنين 7/6 لكنها لم تكن معها حراسة، فتم تأجيل الذهاب إلى المستشفى إلى الثلاثاء 8/6، والحالة تتفاقم، حيث اجتمع عليه الكسر بمضاعفاته حتى أصبح في حالة يرثى لها.
وقال النواب إنهم سألوا الشاهد كم مرةً فحصه الطبيب في السجن؟ فقال: "ثلاث مرات، ولكن بدون تقديم علاج سواء للإصابة أو لمرض السكر ودون أي إجراء مناسب"، وأشار التقرير إلي أن المهندس أكرم الزهيري مات بعد وصوله إلى المستشفى بقليلٍ بعد أن قتله الإهمال الجسيم.. مات بعد ثمانية أيام من التعذيب الوحشي، فالتعذيب ليس هو الصعق بالكهرباء أو الكرباج فقط، لأن ترك المصاب كل هذه المدة يتألم دون اتحاذ الإجراء الطبي المناسب هو قتل بالتعذيب بل أشد أنواع التعذيب، وأن يترك المريض ليموت ببطء فتلك جريمة من أخس الجرائم، فما الحال إذا كان المريض مصابًا بمرض السكر، ومعلوم للعامة فضلاً عن الأطباء أن مريض السكر له وضع خاص، ولذلك فإن الامتناع عن إسعاف المصاب هو نوع من أنواع القتل السلبي، وهو ما يخالف ما ذكره مساعد وزير الداخلية من حسن المعاملة.
الشاهد الثاني
ثم استمع النواب للدكتور جمال نصار- رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للخدمات العلمية- والذي أكد أنه عندما عاد من النيابة بعد جلسة التجديد الأولى يوم السبت 29/5 وبعد أن وصل إلى السجن تمَّ تفتيشه وباقي المعتقلين، وفي طريقهم إلى الزنزانة تم النداء عليه وآخريْن، وطبقًا لما جاء في التقرير فقد سألته اللجنة: ما السبب قالوا لنا ربما إفراج، ثم قالوا إجراءات من النيابة، لكننا وجدناهم نقلونا إلى سجن استقبال طره.
وفي نفس اليوم الساعة 11.15 مساءً فوجئنا بفتح باب الزنزانة وسط ضرب وإهانات شديدة بأقبح السباب بالأب والأم، وتم تعصيب أعيننا وتقييدنا بالكلابشات من الخلف، ونحن في هذه الحالة نسير معهم وسط ضربات لا ندري من أين تأتي... أركبوني سيارة لكنني شعرت أني جالس في ممر السيارة، حيث يتم ضربي مع أوامر بخفض رأسي حتى أصبحت رأسي بين قدمي، ثم ألقوا على رأسي ببطانية حتى ظننت أني ميتٌ لا محالة؛ فأنا لا أستطيع التنفس.
ووصلنا إلى مكانٍ أنا بالطبع لا أراه وبدأت معي تحقيقات وسط الضرب بكل أنواعه في كل الأماكن بكل الوسائل، ثم يعودون بي إلى غرفة مساحتها تقريبا 1.00 × 1.5 م، وأنا معصوب العينين، ثم يعاودون التحقيقات وتتكرر، حتى خُيِّل لي أنني قد مِتُ وموجود الآن وسط زبانية جهنم"، وسأله أعضاء اللجنة هل جردوك من ملابسك فأجاب: "نعم!! ولكن للإنصاف لم أخلع الشورت"، سألته اللجنة: هل كهربوك قال: "أما أنا فلم يتمَّ كهربتي والحمد لله ولكن الذين كانوا معي عندما عدنا ذكروا أنهم قد صعقوهم بالكهرباء في أماكن حساسة"! وسألته اللجنة عن المدة التي قضاها بعيدًا عن السجن فقال: "من يوم السبت 29/5 إلى الخميس 3/6 الذي عُدنا فيه إلى سجن استقبال طرة، وفي يوم السبت 5/6 أعادونا من استقبال طرة إلى مزرعة طرة".
الشاهد الثالث
ثم عرض النواب لشهادة المتهم الثالث على ذمة القضية رجل الأعمال المهندس محمد أسامة، والذي أكدت اللجنة أنها وجدته هيكلَ إنسان يتحرك بصعوبة ويتكلم بصعوبة ونهجان مستمر، ويده تتحرك بصورة لا إرادية نحو قلبه.
ونظرًا لحالته الصحية طلبت منه اللجنة ألا يحدثها عن ظروف اعتقاله وسألته هل تم تعذيبك؟ فقال: "بعد جلسة التجديد تمَّ النداء على اسمى مع الدكتور جمال نصار، وذهبنا إلى استقبال طرة ونقلوني من الاستقبال إلى مكان آخر وأنا معصب العينين وأُضرب، ويقال لي اخفض رأسك، ثم رُميت عليَّ رأسي بطانية، وكدت لا أتنفس".
وسألته اللجنة هل عُذبت؟ فأجاب: "بكل أنواع التعذيب، حيث جردوني من كل ملابسي تمامًا وصعقوني بالكهرباء في أماكن حساسة، ويتكرر ذلك لمدة 6 أيام"!! وسألته اللجنة: كيف كنت مقيدًا أثناء التعذيب؟ قال: من الخلف، كما ذكر لنا أن أمنيته في ذلك الوقت كانت أن يعودوا به إلى السجن".
وأشار النواب أنه لولا عناية الله ثم قرار رئيس المجلس بهذه الزيارة إلى سجن مزرعة طرة لكان هناك شهيد آخر للتعذيب هو محمد أسامة نظرًا لسوء الحالة الصحية التي كان عليها، وبالفعل تم استدعاء الطبيب له في وجود اللجنة، ثم استدعيت سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى، وفي المستشفى أدخلوه غرفة العناية المركزة.
الشاهد الرابع

وأشار النواب في تقريرهم إلى أنه بعد انصراف محمد أسامة بفترة أحضرت إدارة السجن الضحية الرابعة وهو المهندس مدحت الحداد، والذي بدأ كلامه لجميع الحضور بأنه سيتكلم شريطةَ أن يكون الكلام لنا كمسئولين وليصل إلى المسئولين، لكن يرجو ألا يكون هذا الكلام للإعلام لأنه يخشى على صورة مصر، لأنه من الطبيعي إذا ذكر ما حدث له في وسائل الإعلام ستُعقد المقارنة الطبيعية بين ما حدث له في مقر مباحث أمن الدولة في مدينة نصر- كما سمع من أحد معذبيه بأنه في مدينة نصر- وبين سجن أبو غريب!!
وقد بدأ الحداد بتعريف نفسه وأنه مهندس ورئيس مجلس إدارة الشركة العربية للإنشاء والتعمير، ومدير عام الشركة العربية للاستيراد والتصدير، ومرشح سابق لمجلس الشعب والشورى (وهو من الشخصيات العامة في مدينة الإسكندرية)، وعندما سألته اللجنة هل تم تعذيبه؟ أجاب: "يوم الخميس الماضي الساعة 6 مساءً وجدنا أفرادًا من زنزانة رقم 4 التي تواجه زنزانتنا رقم 1 يخرجون وهذا أمر غير طبيعي، سألنا احد الحراس قال ربما للنيابة.. فتعجبنا، وفي الساعة 11 مساءً طلبنا الضابط النوبتجي وسألناه عن سبب خروج هؤلاء فلم يرد علينا، ثم طلبناه مرة أخرى وألححنا عليه فقال خرجوا خارج السجن، سألناه بعد ذلك نريد إجابة في أي مكان خارج السجن؟ فكانت إجابته أن أرسل إلينا بكلب السجن وربطه على باب العنبر!
وفي يوم الجمعة تقدمت أنا وزميلي الأستاذ محمد زويل بطلب لمقابلة المأمور، وفي الساعة 2.30 ردَّ علينا نائب المأمور وقال إنه سيحدث المأمور، ثم طالت المدة فسألنا عليه فقالوا لنا إنه قد انصرف".
ويستكمل المهندس الحداد شهادته قائلاً "في يوم السبت الساعة 12.30 أرسلنا شكوى للمأمور مكونة من شقين، الأول: سوء حالة الطعام، والثانية بخصوص الذين خرجوا خارج السجن بالمخالفة للقانون، وبعدها استُدعينا إلى غرفة المأمور للتحقيق في الشكوى.
ولكن على باب غرفة المأمور حدثت مهزلة، وأنا أحدث المأمور وجدت ضابطًا برتبة مقدم يريد أن يضع يدي في الكلابشات والمأمور ينصرف ويتركني، فنزعت يدي بسرعة، وقلت أنا رايح فين، ولكن مصطفى بك جابر ضابط المباحث قال لي عندكم ترحيلة، سألته إلى أين؟ قال النيابة عايزاكم، قلت أستأذنكم إحضار متاعنا من الزنزانة فأخبرنا لا.
سألته هل نحن مخطوفون؟ فكانت الإجابة من ضابط الترحيلة للعساكر اهجموا عليهم، لكننا جرينا ودخلنا غرفة المأمور، وقلت للمأمور: أنا على ذمة النيابة أنا لن أتحرك من هنا إلا بأمر النيابة، وقلت له يا سيادة العميد عايزين يخطفوني من مكتب سيادتك، ولكنه قال لي وأنا هعمل إيه!!، ثم هددونا إن لم نتحرك معهم فأكدت للسيد مأمور السجن سأُخطف من مكتب سيادتك، فوضح يده على رأسه ولم يتكلم!" وأكد التقرير أن هذا الكلام قاله المهندس الحداد في وجود السيد مأمور السجن الذي لم يعترض على كلمة واحدة مما قيل!!.
وصية معتقل
ويتابع المهندس الحداد: "لقد ألححت عليه أن يسمح لنا بدخول دورة المياه فسني 55 سنة وأحتاج قبل أن أتحرك معهم إلى دخول دورة المياه؛ فأنا أعلم ماذا سيحدث لي ليؤذن لنا بعد إلحاح باستخدام دورة مياه المأمور، ثم طلبت منه ورقتين، فسألني لماذا؟ قلت له لأكتب وصيتي فأنا اعلم مصيري، وبالفعل كتبت وصيتي واستأمنته عليها ليعطيها إلى أهلي" وسأل المهندس الحداد المأمور عن الوصية وهل هي معه الآن لتقرأها اللجنة، فقال المأمور إنها ليست معه الآن.
ويستكمل الحداد سردَ ما حدث له فيقول: "انتقلنا إلى سجن استقبال طرة، وفد حاول زميلي أن ينام لكنه لم يستطع، وفي الساعة الثانية عشر مساءً وجدنا باب الزنزانة يُفتح، سحبونا وقالوا هاتوا كل واحد فانلة نظيفة.. سِرنا مسافة في استقبال طرة وقد رأينا مع من يسوقنا أحزمة جلد بني عريضة، عصبوا أعيننا بالفانلات ثم وضعوا الحزام الجلد أعلى الفانلة وخرجنا من بوابة استقبال طرة وكأن زبانية جهنم قد استقبلتنا وأسمع صوتًا من أحد الذين يضربونني "انسى اللي كنت فيه"، ربطوا الكلابشات من الخلف وأنا أصرخ ثم سمعت صوت ضابط تقريبًا يقول لهم خلوها من الأمام.
ركبنا سيارة وأنا لا أدري شيئًا لذلك لا أعرف كيف أضع قدمي على سلم السيارة فأُضرب وأُشتم يا ابن.. ويا بن.. مش عارف تركب!! أُمرت بوضع الرأس بين الرجلين ثم أُلقيت على رأسي بطانية وظننت أني سأُعدم بهذه الطريقة، لنصل بعد نصف ساعة تقريبًا إلى مكان عرفت ممن يتحدث حولي أننا في مدينة نصر، كنت مرعوبًا جدًا وعطشان جدًا، ولكن من شدة الرعب لم أستطع أن أطلب الماء وفجأة وجدت صفعة ثم صفعات وأنا أصرخ صراخًا شديدًا.
ثم أُمرت بخلع الحذاء ثم وجدت من يخلع لي البنطلون، وللأسف عرفت أن هذا الذي خلع لي البنطلون هو الطبيب المختص بالإشراف على التعذيب، ثم قادوني وأنا في هذه الحالة إلى زنزانتي وسألوني عن اسمي فأخبرتهم، فقالوا لي أنس اسمك أنت الآن نمرة 23 وكل شوية تفتح الزنزانة ويقال لي ستُقتل.
أُصبت برعب شديد، فقلت أصلي لله لعل الله أن يُذهب عني هذا الذي أنا فيه، ولكن بصراحة وقفت وما استطعت أن أصلي، ومن شدة الرعب ما عرفتش اقرأ في سرى أي شيءٍ، ونسيت كل شيء، وفى اليوم الثاني وتقريبًا وقت الظهر قادوني إلى التحقيق، وفي الطريق المحقق يمارس معي ما ذكرت ثم العودة إلى الزنزانة بعد ساعتين، وفي اليوم التالي تكرر الأمر، ثم عادوا بنا إلى الزنزانة لكنها تغيرت أصبحت في زنزانة 16 ثم عادت الترحيلة مرة أخرى زبانية جهنم مرة ثانية ركبونا السيارة وعادوا بنا إلى سجن استقبال طرة"، وعندما سألته اللجنة عن المدة التي مورس عليه فيها التعذيب؟ أجاب "الحمد لله كانت فقط من السبت إلى الإثنين، وحمدنا ربنا لأننا رجعنا وغيرنا لم يرجع".
مواجهة
وقال النواب إن هؤلاء هم الأربعة من تسعة أسماء من أصل 58 متهمًا على ذمة القضية 462 حصر أمن دولة عليا الذين وافق مجلس الشعب أن تلتقي بهم اللجنة ليعلم الرأي العام ماذا حدث لهم، ولم نتمكن من رؤية الباقين؛ لأن إدارة السجن قالت إن اللوائح لا تسمح أن نلتقي معهم بعد أن قاربت الساعة السابعة مساءً، وكأن اللوائح تسمح فقط بأن يخطفوا متهمين من محبسهم على ذمة النيابة لتمارس عليهم كل صنوف التعذيب.
وأشار النواب إلى أن المعذبين ذكروا هذه الوقائع في حضور اللواء محمود وجدي مساعد الوزير لقطاع السجون، والذي أكد للجنة عند استقبالها، لا تصدقوا أي إشاعات وأنا المسئول، ولا يستطيع أي إنسان أن يُخرج محبوسًا على ذمة النيابة من محبسه أو يُحقق معه أو يحبسه.
وقال النواب إنه رغم إلحاحهم على مقابلة الباقين إلا أن إدارة السجن رفضت بشدة، وقالت استكملوا الزيارة يوم السبت 12/6، وبالفعل التقى النواب في الموعد المحدد في لجنة الدفاع والأمن القومي، ولكن رئيس اللجنة أخبرهم أن اليوم لا يصلح لاستكمال الزيارة لأن بعض المحبوسين سيُعرضون اليوم على النيابة للنظر في أمر تجديد حبسهم، واتفق النواب أن نستكمل الزيارة يوم الاثنين 14/6، ولكن يوم الأحد 13/6 حدثت المفاجأة باتصال تليفوني من لجنة الدفاع والأمن القومي بأن الزيارة قد أُلغيت!
وقال النواب إنهم يثقون في أن البرلمان بعد أن نمى إلى علمه تلك الممارسات الوحشية التي لا نقبل بأي حالٍ من الأحوال أن تمارس في أي مكان في العالم، لأن البرلمان الذي شجب ما حدث في أبي غريب لا بد وأنه يرفض بشدة أن يحدث مثله على أرض مصر، وعلى أبناء مصر.
وإن المجلس سيصر على أداء دوره الرقابي الذي خوَّله له الدستور بمراقبة السجون ومقار مباحث أمن الدولة، وكل مكانٍ يتهم بانتهاك حقوق الإنسان فيه.
وأنهى النواب تقريرهم بأنه طبقًا لما سبق فإنه تبين أن وفاة المهندس أكرم الزهيري كانت حالة قتل بالفعل السلبي نتيجة الإهمال الجسيم في العلاج، كما أنه قد تأكد إخراج بعض المحبوسين في القضية رقم 462 لسنة [[]]2004 حصر أمن دولة عليا وهم على ذمة النيابة من محبسهم في سجن مزرعة طرة إلى أحد مقار مباحث أمن الدولة دون علم أو إذن النيابة وذلك بالمخالفة للقانون.
كما أن هناك حالات تعذيب وحشي غير إنساني وقع على هؤلاء؛ كالصعق بالكهرباء في أماكن حساسة وتجريدهم من ثيابهم، وتعليقهم كالذبائح فضلاً عن الصفع والركل وعصب الأعين والسباب والشتائم بأقبح الألفاظ، الأمر الذي يُعد انتهاكًا لحرية الإنسان وعدوانًا على كرامته ومخالفةً لكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية وللدستور المصري وتعميقًا للشقاق وخلق الكراهية في نفوس أبناء الوطن الواحد.
وقد وقَّع على التقرير الدكتور محمد مرسي رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان المسلمين، والدكتور السيد عبد الحميد، والدكتور حمدي حسن والدكتور أكرم الشاعر والمهندس السيد حزين، والمهندس صابر عبد الصادق، والأساتذة محمد العدلي وحسين محمد إبراهيم ومحفوظ حلمي ومصطفى محمد ومحمد العزباوي وحسنين الشورة وعلي أحمد لبن ومصطفى عوض الله عضو وعلي فتح الباب أعضاء مجلس الشعب.
اللجنة تتهرب
أما تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي المكلفة بالتحقيق في حقيقة وجود عمليات تعذيب لمعتقلي الإخوان المسلمين المحبوسين على ذمة القضية رقم 462 لسنة 2004 حصر أمن دولة فقد تهرب من الاعتراف بوجود عمليات تعذيب لهم، حيث جاء تقرير اللجنة الذي صدر السبت 200419/6/، ووصفته اللجنة بأنه تقرير تمهيدي لحين انتهاء التحقيقات في القضية، جاء مقتضبًا للغاية ومكتفيًا بسردٍّ سريع لأقوال المعتقلين الأربعة الذين التقت بهم اللجنة أثناء زيارة سجن مزرعة طرة بجنوب القاهرة يوم الأربعاء 20049/6/، واكتفى رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بإرفاق تقرير آخر لنواب الإخوان الذين شاركوا في أعمال اللجنة وقدموا تقريرًا مفصلاً لرئيس البرلمان عن زيارتهم للسجن، وهو ما يعد تهربًا من لجنة الدفاع من إثبات وجود عمليات تعذيب وإجبار للمعتقلين للإدلاء بمعلومات تحت التهديد والتعذيب، حيث أشار تقرير اللجنة أنها التقت بالدكتور أسامة نصر "والذي ذكر أنه يعامل معاملة جيدة وكريمة وأنه لم يشاهد أحدًا يعامله ماملة قاسية.
كما عرض التقرير بشكل مختصر لأقوال المعتقلين الثلاثة الآخرين الذين تعرضوا للتعذيب وهم الدكتور جمال نصار والمهندس محمد أسامة والذي تم نقله للمستشفى أثناء زيارة اللجنة مباشرة نتيجة ما تعرض له، بل إنه كان بطلبٍ من اللجنة نفسها، وكذلك المهندس مدحت.
وقد أشار تقرير اللجنة أيضًا إلى عدم تمكنها من استكمال مهمتها مع باقي المتهمين نظرًا لعدم موافقة النيابة العامة على ذلك.
وانتهى رأي اللجنة إلى أن ما ذكره المحبوسون احتياطًا على ذمة القضية 462 لسنة 2004 حصر أمن دولة من وقائع تعذيب أمر يخص النيابة العامة صاحبة السلطة القضائية والقانونية على السجون، وأن الزيارة التي قامت بها اللجنة ليس من باب التدخل في عمل السلطة القضائية.
وقالت اللجنة إنه بناء على قرار من رئيس البرلمان فقد تم إضافة تقرير لخمسة عشر عضوًا "نواب الإخوان" إلى تقرير اللجنة الرئيسي.
مكاسب
وقد حقق نواب الإخوان أكثر من مكسب في هذه القضية تحديدًا، أولها وأهمها وقف التعذيب لمعتقلي الإخوان وغيرهم من المعتقلين السياسيين، وكشف ممارسات رجال مباحث أمن الدولة، وتمزيق لافتة ممنوع اقتراب البرلمان من السجون، بعد الزيارات التي قامت بها لجنة الدفاع والأمن القومي للسجون.
كشف ملابسات الشهيد أكرم زهيري وأنه كان نتيجة الإهمال من الداخلية وبالتالي فشل الداخلية في التكتيم على الموضوع، كما يعد قرار رئيس المجلس بضم تقرير نواب الإخوان عن التعذيب لتقرير اللجنة الرئيسي انتصارًا؛ حيث سيذكر تاريخ مجلس الشعب هذا التقرير ليكون مرجعًا لكل من يؤرخ لتاريخ الإخوان في البرلمان.
لم تنتهِ القضية عند هذا الحد حيث وجد نواب الإخوان أن هناك رغبة من المجلس لدفن الموضوع وعدم إثارته وعدم مناقشة تقرير اللجنة وتقرير الإخوان داخل قاعة مجلس الشعب، ومع اقتراب العطلة البرلمانية والتي ينهي بها المجلس دورته وبالتالي تسقط البيانات العاجلة التي قدمها النواب ويدخل التقرير الذي تم إعداده ثلاجة المجلس، وهو ما واجهه نواب الإخوان بتقديم طلب لرئيس المجلس انتقدوا فيه تعمد البرلمان إهمال موضوع التعذيب.
وقال النائب حمدي حسن في رسالةٍ بعث بها للدكتور أحمد فتحي سرور إن لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس تقوم بمناقشة موضوع التعذيب حتى الموت في مقار أمن الدولة والشرطة، وإنها قد استضافت مندوبي وزارة الداخلية للرد على الموضوع ولم يتم دعوة أو استضافة أي مسئول من وزارة العدل والتي يقع عليها جانب كبير من المسئولية، وخاصةً أنها المسئولة عن تأخر تقارير الطب الشرعي والذي يعد المعول النهائي في إثبات حقيقة ما يحدث ونتيجته والذي ألقي عليه مسئولو الداخلية مسئوليةَ الإثبات لتحديد المسئولية النهائية ومحاسبة المسئولين.
المصدر
- معركة يونيو 2004 فضحت وزارة الداخليةإخوان أون لاين