معركة الدفاع عن الثلثين.. عنوان صغير لصراع كبير
بقلم : فادي شامية
في شهر تموز 2005 وبعد تسعة عشر يوماً ثقيلة ولدت حكومة فؤاد السنيورة، أربع تشكيلات حكومية قدمت للرئيس لحود قبل أن تبصر آخرها النور، المعركة كانت معركة الحصول على الثلثين لأغلبية فازت بالانتخابات النيابية، وبنتيجة التسويات نال الرئيس لحود ثلاثة مقاعد وزارية: الدفاع ونيابة الرئاسة - العدل - البيئة، وبذلك تكون الحقيبتان اللتان طالب بهما العماد ميشال عون، قد صارتا في عهدة لحود. بالمقابل حصل تحالف الأغلبية النيابية على الثلثين إلا واحداً هو الوزير المستقل طارق متري، فيما حصل تحالف أمل وحزب الله على الخارجية والصحة والعمل والطاقة والزراعة، ودخل حزب الله الحكومة بشكل مباشر للمرة الأولى من خلال النائب محمد فنيش.
بعد حرب تموز 2006 طالب حزب الله، بتغيير حكومي يعيد الاحترام لقاعدة الثلث +1 بعدما تبين أن الأكثرية قد أخذت الثلثين +4 إذ تبين من الأداء الحكومي أن الوزراء الذين حُسبوا على الرئيس لحود والوزير المستقل، مالوا جميعاً لصالح الأكثرية، كلٌّ لأسبابه، الأمر الذي دفع الحزب، ومن ورائه حلفاؤه، للمطالبة بالثلث المعطل، قبل أن يُطلق عليه الفريق المعارض«الثلث الضامن» و«المشارك» و«المنتج» و«المنظِّم»، وكلها نعوت لحقيقة واحدة كانت مدار خلاف منذ تشكيل هذه الحكومة، وقد زادت من حدتها أزمة انعدام الثقة التي أعقبت حرب تموز الأخيرة على لبنان.
لماذا كل هذا الإصرار على الثلث من فريق المعارضة؟ وهل صحيح أن منح هذا الفريق نسبة الثلث في الحكومة تعطيل لها؟ .
لا يتردد أقطاب فريق الأكثرية الحالية بالرد إيجاباً على السؤال الثاني، بل يذهب هذا الفريق إلى حد الحديث عن مؤامرة مكوناتها الرئيسية، اصطناع أزمة ثقة وتخوين وتالياً انتزاع «ثلث معطل» يشل الحكومة، ولا سيما إذا ما أضيف إلى «رئيس معطِّل»، ما يعني:
- شل قدرة الأكثرية في مجلس الوزراء من اتخاذ أي قرار يقدم لحود على رده، لأنه يصبح بحاجة الى أكثرية الثلثين.
- منع مجلس الوزراء من الانعقاد إذا كان هناك أي بند لا ترغب المعارضة في طرحه، على اعتبار ان النصاب القانوني لمجلس الوزراء هو الثلثان، وبذلك تسحب صلاحية وضع جدول الأعمال من رئاسة مجلس الوزراء.
- إمكانية حل الحكومة باستقالة ثلث أعضائها عند الخلاف ولا سيما حول رئاسة الجمهورية، وبالتالي تسليم البلاد للفوضى.
ويتابع هذا الفريق بالتعبير عن مخاوفه من «الثلث المعطل»، بالحديث عن المحكمة الدولية الذي يشعر أنها ستكون في مهب الريح لا سيما بعد الملاحظات التي نشرها الرئيس لحود، خلافاً للأصول، وتناغم أمين عام حزب الله معها في ظهوره التلفزيوني الأخير، ولا تتوقف مخاوف هذا الفريق عند هذا الحد، بل تصل إلى حدود الكلام عن مشروع إيراني- سوري للانقلاب على «ثورة الأرز»، وربط لبنان بهذا المحور وبخياراته الإقليمية، ما يعني إفراغ القرار 1701 من مضمونه، وتوقف المساعدات الدولية عن لبنان، والمخاطرة بمؤتمر باريس 3، وتعريض لبنان لعدوان إسرائيلي جديد في الصيف المقبل، ويضيف هؤلاء أن ما يطرحه حزب الله على فريق الأكثرية يعني: «إما الانتحار أو القتل»، لأن انتزاع الموقع الوحيد سيجعل الفريق الآخر ممسكاً بشكل انفرادي بموقع رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب وبالسلاح وتالياً قرار السلم والحرب، والآن مشاركاً إلى حد التعطيل بمجلس الوزراء.
إن لدى حزب الله، ومن ورائه باقي الحلفاء، لا تعدو نسبة الثلث+1 في الحكومة أن تكون مجرد ضمانة من سيف مسلط على رقبتهم هو أغلبية الثلثين التي يملكها فريق كان قبل عام يشكل غالبية نيابية، وصار وفق تقدير الحزب مجرد أقلية يتراجع مشروعها باعتراف الوزير جنبلاط نفسه، كما جرى فهم كلامه في الجلسة الأولى للتشاور من قبل هذا الفريق، أما الكلام عن حزب الله بوصفه «يعمل وفق أجندة سورية - إيرانية» فهذا أمر يرفضه الحزب بشدة، ويرد عليه بقسوة، ويرى في ربط «الثلث الضامن» بتعطيل العمل الحكومي، والتحكّم ببقاء الوزارة أو استقالتها، وإسقاط المحكمة الدولية، ومنع تطبيق القرار 1701، وعرقلة عمل الدولة، «مضبطة اتهام» غير مبررة، ويضيف هذا الفريق مستغرباً وبمنطق فريق الأكثرية نفسه: «إذا كانت كل القرارات تؤخذ بالتوافق، كما تقولون، فلم التخوف من وجود ثلث ينظم الاختلاف ويمنع من سحب البلد إلى حيث يريد؟».
إنها معركة الثلثين مجدداً، عنوان صغير لصراع كبير... قد يدفع الجميع نحو المواجهة، وقد لا ينتهي قبل أن ينهي معه إمكانية العيش باطمئنان في هذا البلد، لبنان.
المصدر
- مقال:معركة الدفاع عن الثلثين.. عنوان صغير لصراع كبيرموقع:الشبكة الدعوية