معركة إسقاط الحكومة اللبنانية.. إلى أين ستقود البلد؟
بقلم : فادي شامية
يوم السبت 22 أيلول أعلن السيد حسن نصرالله في احتفال النصر وأمام مئات الآلاف من أنصاره أن مشروع حزب الله "الجدي" للمرحلة المقبلة هو إسقاط الحكومة الحالية لتحل محلها "حكومة وحدة وطنية"، ممهلاً من يعنيهم الأمر إلى نهاية شهر رمضان للبحث في تشكيل هذه الحكومة، وإلا سيبدأ تحرك الحزب لإسقاطها بكل الوسائل التي يراها مناسبة. دعوة نصرالله لاقت هوى زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون، الغائب الأكبر عن هذه الحكومة، كما لاقت هوى عند جميع القوى المعارضة لفريق 14 آذار الحاكم، وبالتالي صار هذا الهدف عنواناً للمرحلة المقبلة، ومن المتوقع أن يقود هذا الهدف البلاد إلى أزمة حادة بعد عيد الفطر، في ظل إصرار فريق الأكثرية على بقاء الحكومة، وفق ما صدر عن أقطابها الثلاثة: وليد جنبلاط، سمير جعجع، ثم سعد الحريري في آخر كلمة له.
مشروع إسقاط الحكومة جدي للغاية
لماذا هذا الإصرار من حزب الله وحلفائه على إسقاط الحكومة في هذا الوقت بالذات؟
بعيداً عن الكلام المعلن، فإن الحرب الأخيرة على لبنان جعلت قيادة حزب الله مصممة على حسم خياراتها مع الفريق الذي تعتبره طعنها وما يزال في ظهرها، وكل يوم يمر على العلاقة بين هذا الفريق وحزب الله تزداد أزمة الثقة بينهما، فحزب الله يعتقد أن فريق 14 آذار يحمل مشروع تصفية المقاومة، بناء على أجندة أميركية يمكن للحزب أن يسوق عليها مئة دليل ودليل، سواء في فترة الحرب أو ما سبقها وما تلاها، أما فريق الأكثرية فيعتبر مشروع حزب الله المرتبط بسوريا وإيران خطراً على وجود الكيان اللبناني نفسه وعلى تعايش "شعوبه" المختلفة.
حماية الانتصار والمقاومة تستدعي إذن التخلص من هذه الحكومة، أو تعديل الموازين داخلها في أسوأ الاحتمالات، سيما أن الوزيرين شارل رزق والياس المر اللذين يفترض أنهما يمثلان الرئيس لحود في الحكومة، لم يعودا كذلك لأسباب تعود لكل منهما، وبالتالي لم يبق في الحكومة من غير فريق 14 آذار إلا وزراء حزب الله، وهذا مخالف لموازين القوى الشعبية الراهنة في البلد. أما رئيس الجمهورية، والجنرال عون، وسليمان فرنجية، وطلال أرسلان، وعمر كرامي، والأحزاب اليسارية الحليفة لسوريا فترى أن ميعاد تصفية الحسابات قد اقترب، ولا بد من الاقتصاص من الحكومة ومن ورائها فريق 14 آذار على الأوضاع الجديدة التي أوجدوها منذ ما عرف باسم ثورة الأرز، كما أن ثمة استحقاقات قادمة تتعلق بالقراءة اللبنانية للقرار 1701 وبالانتخابات الرئاسية وبالتحقيق الدولي، لا يمكن لحزب الله وحلفائه أن يكونوا محكومين فيها للأكثرية الحالية.
الدفاع المستميت والسيناريوهات المحتملة
مصادر 14 آذار من جهتها ترفض الخوض في التغيير أو التعديل الحكومي، باعتبار أن الحكومة دستورية وتمثل غالبية نيابية، و"هي باقية بثقة المجلس النيابي"، وهذا الفريق يعتبر أن الحديث عن حكومة وحدة وطنية ما هو إلا طرح لشعار براق يخفي وراءه "أهدافاً إنقلابية"، ولدى طرح هواجس حزب الله يعتبر فريق الغالبية النيابية أن ما يقوله الحزب في السر أو العلن غير مبرر، لأن "الحكومة شريك في النصر"- على افتراض تسليم هذا الفريق بأن ثمة انتصار قد تحقق- هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ثمة هواجس معاكسة يطرحها هذا الفريق عن توقيت المطالبة بإسقاط الحكومة مع اقتراب تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة المتورطين بقتل الرئيس الحريري، ومع استمرار تدفق المساعدات المالية والقوات الدولية على لبنان. وعليه فقد قرر فريق الأكثرية الدفاع عن الحكومة حتى النهاية، رافضاً كل المبررات التي يسوقها الفريق المتحمس للتغيير، ومن بينها دعوات تحويل الحكومة إلى طاولة حوار، باعتبار أن الحكومة هي الأداة التنفيذية التي يفترض أن تدير دفة الحكم في البلاد، لا التحاور بين أقطابه بما يؤدي إلى تعطيل أو تمييع المواقف، وبالتالي "عدم اتخاذ أية قرارات تحتاجها البلاد".
وإذا كان التغيير الطوعي للحكومة مستبعداً حالياً، فإن ثمة سيناريوهات محتملة سيلجأ إليها الداعون لإسقاط الحكومة:
- 1- استقالة وزراء حزب الله: بحيث تصبح الحكومة مشلولة تماماً، ما يدفع إلى تشكيل حكومة أخرى بديلة عنها للفترة الدستورية المتبقية لرئاسة الجمهورية، أو لفترة انتقالية ريثما تجري انتخابات نيابية مبكرة ينبثق منها مجلس نيابي يمثل موازين القوى الحقيقي، وينتخب تالياً رئيساً للجمهورية خلفا للرئيس لحود.
- 2- استقالة نواب حزب الله ونواب تكتل التغيير والإصلاح لفرض إجراء انتخابات نيابية مبكرة، ويحكى في هذا الإطار عن محاولة لاستمالة الرئيس بري إلى هذا الخيار بحيث يحل مجلس النواب نفسه.
- 3- القيام بتظاهرات واعتصامات أو عصيان مدني: بحيث تشل الحركة في البلاد وتجبر الحكومة على تقديم استقالتها.
حدود المواجهة
الأمور تبدو سائرة حثيثاً نحو المواجهة، قد يستقيل وزراء حزب الله من الحكومة، لكن قوى 14 آذار سيحمّلون الحزب المسؤولية عن تعطيل العمل الحكومي وسيعلنون استمرار الحكومة، كما أنهم سيمتنعون عن إعطاء الثقة لأية حكومة بديلة، وفي حال استقال النواب المعارضون للحكومة، فإن خيار الدعوة إلى انتخابات فرعية قد يطرح، كما سيطرح خيار اللجوء إلى الجيش والقوى الأمنية لـ"فرض النظام" إذا ما انفلتت الأمور. في المحصلة نحن أمام أزمة سياسية قد تتحول إلى أزمة حكم، ولا يستبعد معها انفلات الأوضاع الأمنية في البلاد، لا سيما أن الأجواء مشحونة تماماً، وتنذر بمخاطر كبيرة، وثمة من يطرح الفدرالية أو درس إمكانية التسلح إذا ما وصلت الأمور إلى خواتيم غير سعيدة، على اعتبار أن وضع حزب الله شروطاً داخلية للتخلي عن سلاحه، هو بمثابة استعمال داخلي لهذا السلاح، من وجهة نظر الفريق المناوىء له، الأمر الذي يبيح اللجوء إلى السلاح "للدفاع عن النفس".
سُحُب من الخطر تقترب والجميع يستعد للمواجهة والبلد هو الخاسر بالتأكيد إن لم يجر تدارك الأمور.
المصدر
- مقال:معركة إسقاط الحكومة اللبنانية.. إلى أين ستقود البلد؟موقع:الشبكة الدعوية