مظاهر اهتمام الإخوان بالهجرة النبوية
الهجرة النبوية هي حدث تاريخي وذكرى ذات مكانة عند كل مسلم، حيث هاجر النبي محمد وأصحابه من مكة إلى يثرب؛ بسبب ما كانوا يلاقونه من إيذاء من زعماء قريش.

وتعدّ الهجرة النّبويّة حدثاً مهماً في التّاريخ الإسلامي، وله مكانّة هامّة عند المسلمين لأنها كانت فيصلًا بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية؛ هما: المرحلة المكية، والمرحلة المدنية، وإذا كانت عظمة الأحداث تُقاس بعظمة ما جرى فيها والقائمين بها، والمكان الذي وقعت فيه، فقد كان القائم بالحدث هو أشرف وأعظم الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أشرف مكانًا وأعظم من مكة والمدينة، وقد غيَّرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت في طيَّاتها معاني التضحية والصحبة، والصبر والنصر، والتوكُّل والإخاء، وجعلها الله طريقًا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته.
ولهذا حرص الإخوان المسلمين على تعظيم شعائر الله، وإعلاء شأنها في قلوب المسلمين الذين سعى المحتل على طمس هذه الهوية الدينية في قلوبهم.
ولقد رسم الأستاذ البنا خريطة الاستفادة من مدرسة الهجرة فقال: قلت للرجل الواقف على باب العام الجديد: أعطني نورًا أستضيء به في هذا الغيب المجهول فإني حائر، وقال لي: ضع يدك في يد الله فإنه سيهديك سواء السبيل.
لقد كانت الهجرة مدرسة تربوية استطاع كل من عمل لهذا الدين أن يستخرج منها المناهج التربوية التي ترسخ في العقول والقلوب، مثل:
- 1- تربية القلوب
بالرغم أن الإمام حسن البنا أسس جماعته على شمولية الإسلام، إلا أنه اهتم بالجانب التربوي، وعمل على صفاء القلوب، حيث قال في رسالة المؤتمر الخامس واصفا الإخوان [وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير].
فكتب في الهجرة يقول:
- أيها الحائر في بيداء الحياة، إلى متى التيه والضلال وبيدك المصباح المنيرقَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ(المائدة 15).
لقد حاولت أن أكتب بمناسبة العام الجديد في ذكريات الهجرة وقصص الهجرة وعيد الهجرة، وكيف نحتفل بالهجرة؛ فوجدتني مسوقًا على غير هذا كله إلى مناجاة هؤلاء الإخوة الأعزاء الذين أهملوا حق الوقت، وغفلوا عن سر الحياة، ولم يتدبروا حكمة الابتلاء الذي وجدنا من أجله (1).
- 2- الوقت هو الحياة
لقد أردك الإمام البنا أن الوقت وقيمة من قيمة الحياة، وحينما نظر لأطر التخطيط التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته، أيقن أن الحياة لن تستقيم إلا بالسير على هذه الأطر، فيقول: من عرف حق الوقت فقد أدرك قيمة الحياة؛ فالوقت هو الحياة، وحين تطوى عجلة الزمن عامًا من أعوام حياتنا لتستقبل عامًا آخر؛ فقف على مفترق الطريق، وما أحوجنا في هذه اللحظة إلى الفارقة أن نحاسب أنفسنا على الماضي وعلى المستقبل من قبل أن تأتى ساعة الحساب، وإنها لآتية؛ على الماضي فتندم على الأخطاء، ونستقيل العثرات، ونقوم المعوج، ونستدرك ما فات (2).
- 3- النموذج الطيب
ضربت الهجرة نموذج القدوة التي تمثلت في رسول الله صلى الله عليه لأمته، كما تمثلت في أبو بكر الذي كان حريصا على التضحية بنفسه من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتراه في الهجرة يسير أمام الرسول وخلفه وعن يمينه وشماله، ويدخل الغار أولا، وهكذا لابد أن يعيش كل مسلم لذلك، يقول الإمام البنا: اذكروا هذا أيها المسلمون، واذكروا معه أن الدنيا لن تصغى لكم، ولن تستمع منكم، ولن تجيبكم إلى ما تطلبون إليها إلا إن كنتم أنتم نماذج صالحة للتمسك بما تدعون الناس إليه والعمل بهذا المنهاج الكريم القويم كتاب الله... إن الوحدة واجتماع الكلمة وائتلاف القلوب هى لب الإسلام ولا شك، والأمة الإسلامية أمة واحدة بحكم أخوة الإسلام.. فإذا وفق العرب والمسلمون فى مفتتح عامهم هذا الجديد إلى أن يؤمنوا بأنفسهم كأمة واحدة مجيدة تحمل رسالة الحق والخير والنور..فلا شك أنهم واصلون إلى أهدافهم بإذن الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره (3).
- 4- الغاية
لم يكتف حسن البنا بالتذكير من خلال كلمات الوعظ أو مقالات عبر الصحف، أو محاضرات في المساجد، لكنه أقام الاحتفالات العملية وأشاع الروح الإسلامية من خلالها بالصيام والذكر، والتشديد على أهمية هذه الشعائر، التي انساق الناس وراء نفر من الصوفية فظنوا أن إحيائها بالتمايل والرقصات.
يقول الإمام البنا:
- والإخوان المسلمون: غايتهم إنهاض العالم الإسلامي وتوجيه نهضته إلى الاعتماد على الأصول الإسلامية الصحيحة لتكون كل مظاهر حياة الأمة منطبقة على قواعد الإسلام الصحيح.
- والإخوان المسلمون: يعتمدون فى تحقيق غايتهم على التربية والثقافة، فالتربية بإلزام الأعضاء العاملين التمسك بتعاليم الإسلام وشعائره, والثقافة بنشر المدارس: الأقسام الليلية والنشرات والمحاضرات وأقسام المحافظة على القرآن الكريم (4).
ولذا كان الفكر التربوي هو مجابهة كل من عمد أو حاول إلى طمس الشعائر والهوية الإسلامية.
- 5- المعنى التربوي للهجرة
الدنيا ليست دار مستقر لأحد، وهى للمسلم كبيت له بابان دخل من باب وسيخرج من الثاني في وقت قدره الله.
ولذا على المسلم أن يجعل حياته كلها هجرة لله بنيته، يقول الإمام البنا:
- ولقد كان من أسباب الهجرة اشتداد الأذى بالداعية وبالمؤمنين به، وضيق مكة بالدعوة فلابد لهم من موطن يبلغون فيه ومنه ما كلفوا به من رب العالمين.
ولزامًا أن نراعي هذا المعنى تمامًا مفرقين بين فساد المجتمع وبين الإمعان في الأذى الذي يلحق الداعية ومن معه من المؤمنين الذين آمنوا بدعوته.
لم تكن هجرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه نتيجة لفساد المجتمع الذي قامت دعوة الإسلام فيه، فالدعوة الإلهية على لسان نبي مرسل لا تكون إلا لمجتمع فسدت أوضاعه، وتضاعفت شروره، رغبة في إصلاحه، وإقامة معالم كل خير فيه، حتى يستقيم حاله، ويسعد أهله وبنوه، فإن لم تكن هذه هي الغاية المقصودة لما كان هناك للرسل والأنبياء برسالاتهم ودعواتهم من مبرر ولا داع (5).
- 6- الهجرة وفلسطين
مع خضم الأحداث لم ينس الإمام البنا قضية فلسطين، وجعلها في أطر مدرسته التربوية في الهجرة، فكتب يقول: والمسلمون لا يقفون، ويجب ألا يقفوا، في استقبال عام جديد عند مجرد حساب الأيام والشهور، وتغيير رقم برقم، ولست أريد سرد تفاصيل ذلك الحادث الجليل فهي معروفة طالما قرأها أو استمع إليها المسلمون، ولست أقصد الوقوف عند كل مرحلة من مراحل هذه الرحلة المباركة من مكة إلى المدينة المنورة.
وها هي قضية فلسطين تدخل في دورها الحاسم، ولا تكاد لجنة التحقيق تقرر تقسيم فلسطين ليجعلوا العرب أذلة في ديارهم، وتصبح أرض الإسلام وكرا للصهيونية وملجأ لليهود المشردين، حتى يترك العرب سياسة الكلام إلى سياسة العمل وهنا تتحرك الجيوش العربية من كل مكان إلى حدود فلسطين (6).
المراجع
- مجلة الإخوان المسلمين: السنة الأولى، العدد 10 – 3محرم 1362هـ / 9يناير 1943م، صـ10، 11.
- المرجع السابق.
- مجلة الإخوان المسلمين: السنة الثانية، العدد 25 – 26محرم 1363هـ / 22يناير 1944م، صـ4.
- جريدة الصعيد الأقصى، العدد462، السنة العاشرة، 6 ذو الحجة 1364ه- 11 نوفمبر 1945م، صـ 1، 4.
- الدعوة: العدد 19 – محرم 1398هـ / أغسطس 1978م، صـ3.
- مجلة الإخوان المسلمون – العدد (176) – 2محرم 1367هـ / 15 نوفمبر 1947م