مصر والنيل والانقلاب
د. أسامة جادو
- تغنى المصريون منذ الاف السنين بالنيل وارتبطت حياتهم وافراحهم به
وعلى ضفافه عاش اهل مصر وقامت حضارتهم ، شعب مصر يعد من الشعوب النهرية التى تصطبغ بصفات النهر ويرغبون فى الإستقرار ويترقبون الفيضان ولو طال زمان تأخره .
كم من أغان واهازيج شعبية تعبر عن مشاعر المصريين عن النهر الخالد كما أطلقوا عليه ، أتذكر ان محمد على باشا وأولاده ادركوا ان نهر النيل قضية أمن قومى ولذلك توسعوا وبسطوا نفوذهم ومدوا سيادة مصر الى منابع النهر فى اوساط افريقيا ولاعجب أن تجد فى اوغندا مبان لمهندسى الرى المصريين لرعاية شئون النهر وفى غيرها من دول حوض النيل.
فى بدايات القرن الماضى حرصت مصر على تأكيد حقوقها التاريخية فى مياه نعر النيل ووقعت على عدة اتفاقيات دولية وثنائية للحفاظ عليها ،ولم تفرط ابدا فى حقوق الأجيال القادمة من عالم الغيب .
وكانت بداية الكارثة فى عهد مبارك رجل العسكر الذى أدار ظهره لدول افريقيا عقب محاولة اغتياله فى اثيوبيا ، واظهرت الدبلوماسية المصرية فى عهد مبارك تعاليا على دول افريقيا وابتعدت مصر عن عمقها الافريقى وضعفت العلاقات مع دول حوض النيل ، وتزامن ذلك باتساع نفوذ الكيان الصهيونى وتغلغله فى افريقيا حتى باتت تل أبيب أقرب لافريقيا من القاهرة المتعالية عليهم ولولا منح الأزهر الشريف لكان الطلاق بينهم ومصر بائنا لارجعة فيه.
فى فترة انحسار النفوذ المصرى وضعف قوتها الناعمة فى افريقيا نشطت قوة الصهاينة وامتد نفوذهم وصارت كثير من برامج التنمية والمشروعات فى دول حوض النيل تمر بتل أبيب لتحظى بالرعاية والتمويل ومن ثم صار قرارهذه الدول يراعى مصالح الصهيونية أكثر بكثير من رعاية مصالح مصر،حتى صارت مصر أشبه بالأخ الكبير المريض الفقير ،لاكلمة له مسموعة ولا اعتبار له فى حضوره أو غيابه .
فى خلال مدة عضويتى النيابية فى البرلمان المصرى (2005 -2010) تأكدت لنا هذه الحقائق ولم نصمت بل حذرنا و شددنا فى بياننا لخطورة الموقف وكارثة ضعف العلاقات وقلة الاهتمامات بمصالح دول افريقيا وخاصة دول حوض النيل ،و قدمت عدة أسئلة وطلبات إحاطة ومسائلة للحكومة فى ذلك الوقت حول الإتفاق الإطارى لدول حوض النيل و اتفاقية عنتيبى ،وطالبنا بالحفاظ على العلاقات البينية مع دول الحوض لتكون قوية متينة، ثم بدأ الحديث عن عزم اثيوبيا اقامة سد النهضة فقمنا بواجبنا فى التحذير المسبق من أخطار وأضرار اقامة السد الأثيوبى ،واقترحنا عدة تحركات وبرامج استيعابية احترازية تستبق حالة الأمر الواقع .
لكن السياسة المصرية كانت تمر بحالة غيبوبة وباتت الدبلوماسية ضعيفة بشكل غير مسبوق وتحولوا الى مشاهدين وراصدين بينما اثيوبيا ويساندها بعض دول الحوض تمضى قدما فى تنفيذ برامجها بنحو يؤثر على مستقبل مصر وحاضرها .
قامت ثورة يناير وانتقلنا من حكم مبارك الى حكم المجلس العسكرى وصار هناك امر واقع ،اثيوبيا قطعت شوطا كبيرا فى اقامة السد والأهم صار لها حلفاء دوليون يساندون موقفها غير عابئين بمصالح مصر وقرارها، لم يظهر لمصر قرار قوى الا فى سنة حكم الرئيس الدكتور محمد مرسي صاحب التصريح القوى إذا نقصت قطرة من مياه النيل فدماؤنا هى البديل ،ليعيد قضية التيل الى صدارة المشهد الدولى ويرتبك موقف حلفاء اثيوبيا، لكن يد الخيانة أسرعت الخطا وباغتت الجميع بالإنقلاب العسكرى فى 3يوليو 2013 لتعود مصر مرة أخرى الى حالة الضعف والوهن وتمضى اثيوبيا فى استكمال بناء السد .
فى محاولة من زعيم العسكر لكسب شرعية دولية وقع على اتفاقية ثلاثية مع اثيوبيا والسودان فقدت مصر على إثرها كثيرا من حقوقها التاريخية والسيادية فى مياه النيل و انكسرت مصر امام الاطراف الاخرى بسبب قرارات العسكر التى فرطت فى حقوق البلاد والعباد ، وهذه خيانة عظمى ارتكبتها قيادة العسكر بزعامة السيسى ،ولن تنسى أجيال المصريين القادمة هذه الخيانات .
ظهرت ملامح هذه الخيانة فى عطش الاراضى الزراعية و جفاف بعض مناطق النيل وظهور بعض الجزر النيلية بعد انخفاض مستوى المياه فى النهر وكلما زادت كمية المياة المختزنة خلف سد النهضة الاثيوبى فى فترة ملء خزان السد كلما ظهرت الآثار الكارثية له فى مصر .
ليس لمصر مصدر مائى اخر يعوض فقدان مياه النيل او قلة الوافد منها لمصر.
مصر تدخل مرحلة الفقر المائى وهذا ما اعترف به الحكوميون فى الآونة الأخيرة مطالبين الشعب بالترشيد فى استخدام المياه محذرين من كارثة مقدمة على مصر وشعبها .
لن تفلح اساليب الدبلوماسية المصرية الفقيرة الضعيفة المتخاذلة فى حل الكارثة ، الجانب الأثيوبى مطمئن ويمضى بثقة نحو استكمال مشروع السد واضعا الجميع امام أمر واقع يتغير كل يوم نحو مزيد من التأزيم ،ولتضرب مصر العسكر دماغها فى الحيط ، أو فلتشرب من البحر.
لا أبالغ إذا قلت إن سقوط الإنقلاب وزوال حكم العسكر هو سبيل مصر الوحيد لعودة هيبتها وقوتها وسقوط اتفاقيات الخيانة التى ضيعت حقوق مصر التاريخية والسيادية وأضعفت موقفها تجاه الأطراف الدولية.
أردت فى هذا التلخيص أن أجدد تحذيرى وتحذير الغيورين على مصر ،وان ندفع جديدا فى نهر الوعى والإدراك عل كثيرين من شعبنا ينتبهون ويسارعون الخطا نحو وحدة قوية واصطفاف وطنى جاد وحقيقى يعيد الشرعية وفى عودتها عودة الروح لمصر و تدب الحياة والقوة فيها من جديد .
كن كلمة حق تهتف فى وجه الباطل الظالم ، وتوقظ النائم الغافل ، وتحافظ على ما تبقى من أسباب الحياة فى بلادنا الحبيبة .
نحن أمام تحديات جسام لاتقوى قيادات الإنقلاب العسكرى على مواجهته فى ظل انكسارها دوليا و افتقارها للسند الشرعى والظهير الشعبى ، الأمل يتجدد مع كل كلمة حق وصيحة ثائرة وموقف وطنى شجاع يستلهم اهداف ثورة يناير و يسعى لتحرير ارادة مصر وقرارها الوطنى . ولن ييأس الأحرار المخلصون لربهم ووطنهم وشعبهم ، والغد يحمل الجديد فاستعدوا له أيها الأحرار المخلصون.
المصدر
- مقال: مصر والنيل والانقلاب موقع نافذة مصر