مصر الجديدة تربك تل أبيب

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مصر الجديدة تربك تل أبيب

2011-02-17

بقلم : محمد السهلي

  • ما حصل في مصر سيغير بالضرورة من وجهة رسم السياسات المستقبلية في إسرائيل ويغير من أولوياتها.

لم تدم ثقة تل أبيب بقدرة النظام المصري على احتواء الاحتجاجات الشعبية طويلا ، وأدركت منذ «يوم الغضب» أن عليها وضع «الاحتمالات السيئة» في مقدمة توقعاتها. وجاء تنحي الرئيس مبارك والتداعيات التي رافقته ليضع المستوى الأمني والسياسي في إسرائيل أمام حسابات «جديدة» ربطا بالملفات الكبرى التي كانت موضع بحث متواصل في إطار العلاقات الثنائية بين القاهرة وتل أبيب.

من جانب آخر، وضعت التطورات العاصفة في مصر حدا لحالة الاعتداء والزهو لدى بنيامين نتنياهو بعد أن كان قد تمكن من تجاوز عقدة التجاذبات مع واشنطن بشأن ملف الاستيطان وحصر بالتالي موضوعة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني في إطار الرؤية الإسرائيلية. كما نجح أيضا في تدعيم ائتلافه الحاكم إثر خطوة باراك الذي خرج على حزبه «العمل» وانضم إلى حاشية رئيس الوزراء برفقة أربعة من نواب الحزب في الكنيست.

وفي كلا الموضوعين يواجه نتنياهو واقعا شديد الاختلاف نشأ نتيجة ما حصل في مصر.

ففي موضوعة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني لم يعد الحديث عن دخولها غرفة الإنعاش واردا، ويكاد يجمع المراقبون على أن بابها أقفل تماما. وتتعامل معها الأطراف ذات الصلة وفي مقدمتها الفريق الفلسطيني المفاوض وفق هذا التقدير. وفي مجال العلاقات مع واشنطن لم تخف تل أبيب تذمرها من موقف إدارة أوباما مما جرى في مصر وقد اعتبرت أوساط سياسية وأمنية في إسرائيل أن الولايات المتحدة يمكن أن تبيع حلفاءها بسهولة وبالتالي ـ يضيف هؤلاء ـ فإن إسرائيل قد تكون معرضة هي أيضا للبيع في ظروف معينة.

وإضافة إلى القلق الذي يشعر به نتنياهو من التبدلات المحتملة على المستوى الإقليمي، فإنه بدأ يتوجس من تطورات إسرائيلية داخلية يمكن في حال تفاقمها أن تعرض ائتلافه الحاكم للخطر. ويبرز المتابعون هنا الخلافات المتصاعدة بينه وبين وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي بدأ منذ أشهر في إعلان اعتراضاته على سياسات رئيس الوزراء تجاه ملفات كثيرة، من بينها المس بصلاحيات وزير الخارجية في محطات مختلفة.

وقد برزت تقديرات في حينها من أن تفاقم الأزمة ما بين ليبرمان ونتنياهو قد تؤدي بالأول إلى مغادرة الائتلاف إلا أن المراقبين استبعدوا ذلك من موقع معرفتهم بطبيعة ليبرمان الذي يفضل أن يكون خروجه من الحكومة مقدمة للانطلاق نحو تحسين موقعه الحزبي والسياسي وربما تزداد التقديرات الآن بأنه يقترب من هذه الخطوة مسترشدا باستطلاعات الرأي التي تعطي حزبه عشرين مقعدا في الكنيست ، أي بزيادة خمسة مقاعد عما له الآن.

وتزايدت قوة حزب ليبرمان وتأثيره في الائتلاف الحكومي القائم بعد خروج إيهود باراك من حزب العمل وتراجع القاعدة البرلمانية للائتلاف من 74 إلى 66 نائبا ، وبالتالي فإن خروجه يعني حكما سقوط الحكومة والإعداد لانتخابات تشريعية جديدة.

ولعل أبرز أسلحة ليبرمان التي يشهرها أمام الرأي العام الإسرائيلي هي ما يتعلق بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، والتي كان يؤكد بأنها لن تصل إلى حل للصراع خلال 30 سنة ، وهو اليوم يتعامل مع ما جرى بأنه جاء ليؤكد قناعاته تجاه هذا الموضوع ، وبأن الحل السياسي يجب أن يبلور ويفرض من الجانب الإسرائيلي حصرا وليس على الفلسطينيين سوى القبول. وهو بمقولاته وأطروحاته المتطرفة إنما يؤشر إلى أن مضمون الصراع الذي يمكن أن يتطور بينه وبين نتنياهو إنما يدور على زعامة التيار اليميني المتطرف.

ومن المعروف ، ربطا بتاريخ التحالفات الحزبية والسياسية في إسرائيل ، بأن اشتعال فتيل إحدى الأزمات بين طرفين يفتح الباب واسعا على أن تدخل مختلف الأحزاب على خط الأزمة ، وهذا يشمل حزب شاس الذي تتصاعد بينه وبين حزب ليبرمان خلافات كثيرة تستعيد في بعض مجرياتها التباينات بين الاتجاهات العلمانية والدينية في المشهد السياسي والحزبي الصهيوني.

وبعد صمت طويل نسبيا ، استعادت تسيفي ليفني نشاطها مع اندلاع الأحداث الكبرى في مصر وكالت الاتهام لرئيس الوزراء بأنه أعاق مسألة التسوية السياسية مع الفلسطينيين وبأن أية تطورات إقليمية من نمط ما يجري في مصر، فوتت على إسرائيل إمكانية الوصول إلى حلول تضمن الاستقرار للمنطقة دون المس بالخطوط الحمر التي تضعها السياسة الإسرائيلية بما يخص مستقبل الأراضي الفلسطينية. وهذه تعتبر رسالة مزدوجة توجه في أحد عناوينها إلى إدارة أوباما التي ترى ليفني بأنها لم تمارس الدور المطلوب لضبط سياسات نتنياهو تجاه ملف التسوية. وهذا بحد ذاته مؤشر على أن حزب كاديما يفكر منذ الآن بالإعداد لتولي دفة الإدارة السياسية في إسرائيل في المرحلة القادمة.

كل هذا يجري في ظل استنفار أمني وسياسي إسرائيلي من خلال غرفة عمليات على المستوى القيادي الأول لمتابعة تطور الأحداث في مصر. ومن الواضح بالنسبة للحكومة الإسرائيلية أن إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية باحترام الاتفاقات الدولية والإقليمية الموقعة ـ على أهميته بالنسبة لتل أبيب ـ لم يغلق باب الاحتمالات السيئة التي تتوقعها على المديين المتوسط والبعيد. وتدور داخل الأوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل تساؤلات جدية حول مستقبل الملفات الكبرى التي تم تداولها مع القاهرة على امتداد السنوات الماضية وبخاصة العلاقات المصرية ـ الفلسطينية تجاه ملفات عديدة. وحول مستقبل علاقة القاهرة مع غزة في ظل سيطرة حماس على القطاع.

وعلى الرغم من أن الاتصالات بين القاهرة وتل أبيب لم تنقطع حتى بعد تنحي مبارك إلا أن البارز منها هو ما له علاقة بالتطورات الميدانية المتسارعة التي وقعت في على مقربة من الحدود مع مصر، الأمر الذي يفسر القلق الإسرائيلي الكبير من تزايد احتمالات تجاوز الحدود من قبل أفراد أو أسلحة . ولهذا السبب سمحت لمرتين متتاليتين بدخول قوات عسكرية مصرية إلى سيناء خلال الأحداث التي شهدتها مصر مؤخرا، وهذا لم يحدث سابقا سوى في العام 2005 عندما وافق شارون على دخول قوات مصرية لأسباب تتعلق أيضا بتأمين الحدود.

وتعكف الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل على دراسة الانعكاسات المتوقعة للثورة المصرية على الوضع الإقليمي بشكل عام. وفيما إذا كانت هذه الثورة ستؤجج التفاعلات الداخلية في عدد من البلدان الأخرى بما يهدد مصير الأنظمة السياسية الحاكمة وبخاصة الدول التي ترتبط مع إسرائيل بعلاقات.

وعلى امتداد السنوات القليلة الماضية كانت تل أبيب ترسم توقعاتها المستقبلية وفق معادلات كرستها موازين القوى التي تراكمت لمصلحتها. وهذا يعني أن ما حصل في مصر سيغير بالضرورة من وجهة رسم السياسات المستقبلية في إسرائيل ويعدل أولوياتها.

ولعل أبرز الأصوات التي تعلو الآن في المشهد السياسي الإسرائيلي هي تلك التي تحذر من أن ما يبدو الآن من تداعيات للثورة التي قامت في مصر إنما يشكل فقط رأس جبل الجليد وبأن القادم أعظم وهم يدعون إلى فحص القدرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية لمواجهة الإستحقاقات القادمة.

يمكن القول، إن حدثا كبيرا مثل الثورة المصرية سيكون بمثابة زلزال ستتوالى ارتداداته وتشمل عموم المنطقة وربما أوسع من ذلك. وإذا كان قد قيل إن مصر بعد 25/1/2011 لن تكون كما كانت قبل ذلك، فإن هذا يعني أن «مصر الجديدة» ستبدل كثيرا في المعادلات القائمة.

المصدر

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات