مشروع قوة سلام متعددة الجنسيات للعراق، و التخبط الأميركي يزداد
بقلم : فادي شامية
خسائر لا يمكن تحملها
مطلع الأسبوع الماضي، إعترف الناطق باسم القوات الأميركية في العراق، بأن معدل العمليات العسكرية التي تستهدف قواته تتراوح بين 9 و17 عملية يومياً، وأن مجموع عدد القتلى والجرحى من الجنود الأميركيين منذ نهاية العمليات العسكرية وصل إلى 526. بينهم 155 قتيلا وبطبيعة الحال فإن هذا الرقم هو الحد الأدنى من الخسائر البشرية المؤكدة للقوات الاميركية، أما الأرقام غير المؤكدة فهي أضعاف هذا الرقم.
الخلفية الإحصائية هذه تعطينا فكرة أكثر وضوحا عن حجم الاستنزاف الذي تتعرض له القوات الاميركية (بلغ عدد القتلى الاميركيين أثناء غزو العراق فقط 148 وفق اعترافات الاميركيين وهو أقل من خسائرهم في مرحلة الإحتلال)، لذلك بدأت الإدارة الاميركية في البحث الجدي عن خيارات أقل كلفة، وبعد أن كانت ترفض أي دور للأمم المتحدة أو للدول التي لم تشترك في الحرب على العراق، إنقلب الأمر وصارت هذه الدول هي من يضع الشروط على الولايات المتحدة للاشتراك في قوة حفظ سلام دولية، تخفف من العبء الاقتصادي والبشري الذي تعاني منه القوات الاميركية في العراق بعد ان بلغت كلفة الاحتلال شهريا 4 مليارات دولار تضاف إلى 70 مليارا تكلفة الحرب ومئات المليارات لإعادة إعمار العراق.
البحث عن حلول
يبدو أن الإدارة الاميركية قد اختارت خيار إشراك أكبر قدر ممكن من الدول في مهمة حفظ الأمن في العراق لا سيما داخل المدن التي شرعت القوات الأميركية في إخلائها وتسليمها لقوات من جنسيات أخرى، تزامن ذلك مع اعتراف الإدارة الاميركية بعدم التحضير الجيد لمرحلة ما بعد الحرب، وحتى لا تصبح الإدارة الاميركية كمن يحارب لصالح غيره فقد احتفظت لنفسها بحق قيادة هذه القوات التي يجري التفاوض على إرسالها إلى العراق، إضافة إلى التفاهم مع الدول المعنية على التخلي عن الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية والأجنبية من الأراضي العراقية، الامر الذي ما تزال ترفضه كل من مع فرنسا وروسيا والصين وهي الدول دائمة العضوية في مجلس الامن ممن عارض الحرب، يضاف إليها دول أبرزها ألمانيا من خارج مجلس الأمن، لكن هذه الدول ما زالت تشترط جملة شروط لتمريرها القرار الدولي أبرزها ضرورة إيجاد شراكة دولية حقيقية لإدارة شؤون العراق ولتوزيع العقود والاتفاقات والحصص في مجال إعادة الإعمار وفي المجالات النفطية والاقتصادية والتجارية وتكليف الأمم المتحدة بدلا عن السلطة المحتلة بمهمة الإشراف على عملية نقل المسؤوليات والصلاحيات إلى العراقيين لإدارة شؤونهم بأنفسهم واستعادة سيادتهم بالكامل تدريجيا وعلى مراحل في مدة معقولة، وتعيين مبعوث للأمم المتحدة لإدارة الشأن العراقي بدلا من الحاكم المدني ( ولو كان أميركي الجنسية).
البراغماتية الاميركية لا مناص لها في النهاية إلا أن تذعن لبعض الشروط فالوقت ليس في صالح إدارة بوش والخوف من المصير الذي لقيه والده في الإنتخابات الرئاسية ما زال ماثلا أمام أعين بوش الابن، وخيار الاعتماد على الشرطة العراقية بعد إخلاء المدن من القوات الاميركية دونه عدم جهوز هذه الشرطة بعد، إضافة إلى الخوف من ظهور ميليشيات مسلحة وغير منضبطة في مناطق مختلفة من العراق، لذلك فإن خيار الإنسحاب من المدن وتسليم أمنها إلى قوة متعددة الجنسيات سوف يخفف من خطر هجمات المقاومة لاسيما إذا كان من بين هذه الدول قوات عربية، إضافة إلى أنه سوف يخفف من النقمة الشعبية على القوات الاميركية التي تزايدت حدتها بعد تفجير السفارة الأردنية ومقر الأمم المتحدة واغتيال المرجع الشيعي محمد باقر الحكيم.
مفارقة واعتراف
شبح المقاومة الذي يطارد القوات الاميركية لا شك أنه أربك حركتها في العراق لكن الأخطر من ذلك أن العراق تحول في فترة وجيزة إلى ساحة لتنظيم القاعدة بهدف تصفية حساباتها مع الولايات الاميركية وتكبيد جيشها خسائر كبيرة، والمفارقة في هذا الأمر أن الولايات المتحدة التي شنت الحرب على العراق بحجة احتمال تحالف النظام البعثي مع القاعدة، هي نفسها من خلقت الجو المناسب لهذا التنظيم ليتسلل إلى العراق والأغرب من ذلك أن الإدارة الاميركية نفسها باتت تكيل التهم لهذا التنظيم وتعترف بوجوده وقوته في العراق بل وترصد الجوائز لكل من يساعد على اعتقال أحد أفراده!!،وتتهم الدول المجاورة للعراق بعدم جديتها في وقف تدفق المقاتلين إليه.
وباستقدام قوات دولية، ربما تنجح الولايات المتحدة في التخفيف من عدد العمليات العسكرية اليومية التي تستهدفها لكنها بالتأكيد لن تفلح في درء خطر العمليات الكبيرة التي تستهدفها أو تستهدف قوات حفظ السلام المزمع إنشاؤها أو الجهات المتعاونة مع هذه الإدارة، وكلما زادت الفوضى وظهرت الإنقسامات الطائفية والعرقية كلما ازداد وجود المنظمات المعادية للولايات المتحدة ومشروعها في المنطقة، وازداد معها تخبط الإدارة الاميركية الذي يدلل عليه أمور كثيرة، منها الفشل في إدارة الشأن العراقي والعجز عن إعادة الأمن والخدمات الأساسية إلى العراقيين، واللجوء مجددا إلى مجلس الأمن، وإيفاد وزير الدفاع رامسفيلد إلى العراق بزيارة لم يعلن عنها سابقا -ربما لأسباب أمنية- بهدف رفع معنويات جنوده في العراق، والضغط على الدول العربية للتعامل مع مجلس الحكم الإنتقالي وتكليف سفرائها في العالم العربي إقناع الانظمة العربية بالمشاركة في القوات متعددة الجنسيات المزمع ارسالها للعراق في اطار مشروع القرار الامريكي المطروح امام مجلس الامن. تقول صحيفة التايمز "ان الولايات المتحدة التي طالما سخرت من المنظمة الدولية أدركت أخيرا أن تفويضا من الأمم المتحدة هو الوحيد القادر علي إخراجها من المستنقع الذي غرقت فيه في العراق."
أما بريطانيا التي تعيش أجواء انقسام ومساءلة حول الاسباب التي دعت للمشاركة في الحرب بعد ان تبين بطلانها فهي تستعد لحل من نوع آخر، إذ أن هذه القوات تخشى من انفلات الأمن في مناطق نفوذها ومن خطر ذلك على قواتها ال11000 في العراق لذلك هي تتجه مبدئيا إلى تبني رأي زيادة عديدهم 5000 إضافية "وإلا واجهت بريطانيا مخاطر فشل استراتيجي" كما جاء على لسان وزير خارجيتها جاك سترو في صحيفة الغارديان الأسبوع الماضي.
المصدر
- مقال:مشروع قوة سلام متعددة الجنسيات للعراق، و التخبط الأميركي يزدادموقع:الشبكة الدعوية