مشاركة الإسلاميين في مجلس الحكم العراقي خطأ تاريخي
بقلم : فادي شامية
بعد سقوط النظام البعثي في 9 نيسان 2003 ظهرت إلى العلن قوة وتأثير الأحزاب الإسلامية في العراق التي بلغت حماسة بعضها إلى حد الدعوة إلى إقامة دولة إسلامية. ولقد تعززت مكانة وأهمية العلماء والمشايخ والهيئات الشرعية مع الانفلات الأمني حيث لعب هؤلاء دوراً في تثبيت الأمن ومنع السرقات والتعبير عن مطالب الناس بعد سقوط جميع الإدارات الرسمية وحرقها بعد نهبها.
لكن جميع هذه الحركات تبرأت من المقاومة المسلحة التي انطلقت في وجه الجيش الأميركي والبريطاني ربما خوفاً من تحمل نتائج هذه العمليات العسكرية إزاء الأميركيين وحلفائهم في العراق وهذا الموقف إن كان مفهوماً من البعض إلا أنه ليس كذلك بالنسبة للجميع فالحركة الإسلامية الشيعية كانت أصلاً موافقة على الغزو الأميركي للعراق وقد بلغ الأمر ببعض أجنحتها أن طالبت الأميركيين بإنهاء تلاعب النظام وإسقاطه بالقوة، كما حل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق جناحه العسكري - لواء بدر- وسلم أسلحته بعد احتلال الأميركيين للعراق بدعوى انتفاء الحاجة إلى العمل العسكري برحيل النظام السابق، كما دعا حزب الدعوة إلى التعامل السلمي مع مسألة احتلال العراق، وعموماً فإن الحركة الإسلامية الشيعية شاركت في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية بإشراف أميركي ولم تجد في ذلك غضاضة منذ البداية.
لكننا إذا ولينا وجهنا شطر الحركة الإسلامية السنية الممثلة بالحزب الإسلامي الذراع العراقي للإخوان المسلمين نجد موقفاً مغايراً فمنذ البداية رفضت الحركة الانضمام إلى مؤتمر لندن للمعارضة العراقية باعتبار أن وجود النظام الظالم في بغداد لا يعني موالاة الأميركيين وحلفائهم رغم أن المنظمين تركوا لها مكاناً في التشكيلة المنبثقة عن المؤتمر، كما سمعنا قبيل الحرب دعوات من قادة بارزين في الحركة تدعو إلى قتال القوات الغازية والدفاع عن أرض العراق بمعزل عن طغيان وفساد النظام البعثي الحاكم، هذا في الجانب العربي من الحركة الإسلامية السنية، أما الجانب الكردي فكانت مواقفه مشابهة حيث إلتزم حزب الاتحاد الإسلامي الحياد في الحرب التي دارت في العراق، أما الجماعة الإسلامية الكردية فقد اضطرت إلى الانكفاء إلى الجبال مخافة أن يصيبها ما أصاب جماعة أنصار الإسلام من هجمات جوية أميركية وحشية ومع ذلك اعتقل الأميركيون أميرها الشيخ علي بابير والوفد المرافق قبل أيام لأسباب ما زالت مجهولة.
ومع دخول قوات الاحتلال الأميركي – البريطاني إلى العراق بأسباب ظهر بطلانها ودعاوى تبين كذبها، وتعاملهم بسوء مع الشعب العراقي وإفسادهم في أرض العراق وثرواته كان من الطبيعي أن نسمع من الحركة الإسلامية في العراق مواقف متشددة تجاه الاحتلال أقلها وصف حالة المقاومة بأنها نتيجة طبيعية للاحتلال بدلاً من ذمها ووصمها بالعبثية والضارة!!
وإذا كانت هذه الحركات تخشى من إقدام الأميركيين على حظرها فإن أسوء الإجراءات التي قد يتخذها الأميركيون لن تكون أقسى مما قاسته تلك الأحزاب من ظلم النظام السابق، فضلاً عن أن الأميركيين ليس من مصلحتهم حالياً تفجير انتفاضة شعبية بوجههم إذا ما أقدموا على خطوات تصعيدية.
وفيما كل الجماهير العربية والإسلامية تترقب أخبار المقاومة العراقية الباسلة كجزء من إعادة رفع المعنويات بعدما أحبطت بسقوط بغداد إذا بنا نسمع كلاماً لا يقل إحباطاً عن وجود الاحتلال بحد ذاته وقد تُوِّج بقيام مجلس الحكم الانتقالي ومشاركة الإسلاميين فيه ثم إعلانه يوم سقوط بغداد عيداً وطنياً!!
إن مشاركة الإسلاميين في مجلس الحكم الانتقالي خطأ تاريخي للأسباب التالية:
1 ـ يعتبر المجلس صيغة أميركية مقصود منها توفير الغطاء للاحتلال ومحاصرة المقاومة سياسياً وهو معيّن بعيداً عن إرادة الناس ومرفوض من قبل شرائح كبيرة وقد تجاهل العديد من الشخصيات التي بقيت في العراق تعاني من نير النظام السابق وأسدل الستار على شخصيات عراقية مجاهدة كثيرة.
2 ـ قسم المجلس العراق تقسيماً طائفياً وأعطى لطائفة معينة صفة الأغلبية على فئات الشعب العراقي دون استفتاء دقيق سيما وأن الإحصاءات التي كان يجريها النظام السابق لم تكن طائفية ومع رحيله ظهرت إحصاءات متضاربة فالشيعة العرب يؤكدون أنهم يمثلون 60% من الشعب العراقي بينما يقول السنة العرب أنهم مع السنة الأكراد يزيدون عن 60% بينما لا يتجاوز الشيعة 33%.
وإذا كان الخوف ربط ألسنة بالنظام في السابق قد أسكتهم فإنهم مع تشكيل مجلس الحكم الانتقالي بهذا التقسيم قد انتفضوا تحت راية هيئة علماء العراق رافعين شعار "نحن الأكثرية الصامتة ولسنا الأقلية". وهكذا تعمقت الحالة الطائفية وباتت قاب قوسين أو أدنى من اللبننة والبلقنة لا سيما بعد الذي جرى في بغداد والبصرة في الأحياء والمساجد ومديرية الأوقاف.
3 ـ اتضح بعد أقل من أسبوع على تشكيل المجلس أنه مرفوض من شرائح مهمة من الشعب العراقي لدرجة أن هتف الناس في الكوفة "لا لأميركا .. لا لإسرائيل .. لا لمجلس الحكم الانتقالي" فيما أعلن مقتدى الصدر نجل المرجع الشيعي محمد الصدر البدء بتشكيل جيش المهدي المكون من المتطوعين الطامحين لإقامة دولة إسلامية ودحر الاحتلال. وقد طاول الانقسام في الموقف من المجلس الحوزة العلمية التي تجمع الشيعة هذه الأيام حيث تردد رفض العلامة السيستاني للمجلس.
أما هيئة علماء العراق أعلى سلطة شرعية سنية فقد جمعت الآلاف عقب صلاة الجمعة الماضي لرفض المجلس وقراراته. وبطبيعة الحال فإن مؤيدي حزب البعث لا يزالون موجودين وموقفهم رافض للاحتلال وإفرازاته.
أما قوى اليسار الأخرى فقد اعتبرت كما جاء في صحيفة "الطليعة" الناصرية "أن لعبة المجلس بهذه الصيغة يرفضها الشعب العراقي وقد ارتضى بعضهم أو كلهم أن يصفق عندما اعتبر يوم الاحتلال عطلة رسمية".
4 ـ دشن المجلس قراراته بقرار اعتبار التاسع من نيسان عيداً وطنياً فصادم بذلك مشاعر العراقيين والمسلمين والأحرار في العالم ما يدل على أن أعضاء المجلس بمعظمهم إن لم نقل كلهم ما زال يعيش تحت ضغط أيام قهر النظام السابق دون أن يدرك أن نظام صدام حسين قد انتهى وأن العراق صار تحت نير احتلال أجنبي يحمل مشروعاً خطيراً.
ولذلك فإن سقوط النظام وإن كان يمثل فرحة بزوال الظلم إلا أنه هو نفسه اليوم الذي بكى فيه ملايين المسلمين وهم يرون الدبابات الأميركية تجوس بين أعمدة الدخان التي أتت على خزائن الحضارة في عاصمة الخلافة الزاهرة، وكان أجدى بالمجلس أن يعتبره يوم حداد وطني، لا لسقوط النظام ولكن لسقوط بغداد عاصمة العواصم.
5 ـ ترك المجلس لصدام حسين تبني المقاومة العراقية المتصاعدة بعدما حيّد الجميع نفسه عنها بل شارك في تسفيهها ورفع الغطاء عنها ويبدو من خلال متابعة الشأن العراقي أن العمليات المسلحة هناك موزعة على الشكل التالي:
- أ ـ مقاومة يقوم بها بعثيون سابقون وموالون للرئيس العراقي المخلوع تسميهم الولايات المتحدة بقايا النظام السابق.
- ب ـ مقاومة يقوم بها إسلاميون عراقيون تطلق عليهم الولايات المتحدة تنظيمات أصولية إرهابية ويقودها ضباط من الجيش العراقي المنحل.
- ج ـ مقاومة ينفذها مجاهدون من المتطوعين العرب الذين قدموا العراق قبيل الحرب تربطهم الولايات المتحدة بالقاعدة.
- د ـ مقاومة متفرقة وظرفية كرد فعل على تصرفات احتلالية مسيئة للأعراض والأموال والحريات.
6 ـ وضعت مشاركة الإسلاميين في المجلس، هؤلاء في مأزق صعب لأن الحركات الأم التي يرتبط بها الإسلاميون فكرياً – من سنة وشيعة – تعبر عن موقف مغاير رافض للاحتلال وإفرازاته.
فالإخوان المسلمون في مصر والأردن يعبئون الشارع ضد الولايات المتحدة ومشروعها، وحركة حماس في فلسطين تدعو العراقيين لإخراج المحتلين بجيش من الإستشهاديين، وحزب الله في لبنان يدعو إلى نقل تجربة المقاومة إلى العراق، والسيد محمد حسين فضل الله يحذر من مهادنة الأميركيين. ولا يخفى أن لهذه الدعوات تأثير على الشارع العراقي الأبي بالفطرة لكننا بالمقابل نجد أن الحركات الإسلامية العراقية غير منسجمة مع هذه الدعوات ما يحرجها ويحرج إخوانها في العراق وخارجه.
إن التاريخ يعلمنا أن من يواجه المحتل ويخرجه من أرضه جهاداً هو من تؤول إليه الأمور وحرام لمن كان يملك مشروعاً شمولياً أن يفوّت هذه الفرصة ويرضى أن يكون غطاءً للمحتل.
المصدر
- مقال:مشاركة الإسلاميين في مجلس الحكم العراقي خطأ تاريخيموقع:الشبكة الدعوية