مستقبل المقاومة الفلسطينية بعد 4 أعوام من الانتفاضة
كتب- رضا السويدي
في الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري 2004 م تدخل انتفاضة الأقصى المباركة عامها الرابع، دون أن ينطفيء وهجها، أو تفقد أوارَها، على الرغم من المحاولات المتكررة لإجهاضها عبر حلول سياسية باءت جميعها بالفشل؛ بسبب إصرار الشعب الفلسطيني البطل على مواجهة الاحتلال الصهيوني، والصمود أمام إرهابه وعدوانه المتواصل.
وقد شهدت الانتفاضة تطورًا نوعيًّا في فاعلياتها من خلال العمليات المسلحة ضد الاحتلال والمغتصبين الصهاينة في الضفة والقطاع والأراضي المحتلة عام 1948 م؛ مما يعبر عن إرادة شعبية عارمة باستمرار مواجهة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة، ومحاولة تعديل ميزان الخسائر البشرية، الذي يميل- حتى الآن- لصالح العدو، وفي المقابل لم تتوقف المحاولات السياسية لوقف الانتفاضة بمبادرات أمريكية وصهيونية وحتى عربية؛ تعبيرًا عن رغبة هذه الأطراف في تجاوز التداعيات السلبية لاستمرار هذه الانتفاضة على عملية التسوية التي تعاني أصلاً من "موت سريري"، بعد أن وجَّه لها الصهاينة الضربةَ القاضيةَ، ويتعاملون معها باعتبارها "شَرَكًا" يحقق مصالحهم قبل كل شيء.
محتويات
- ١ انتفاضة الأقصى .. لماذا؟!
- ٢ الشرارة والدوافع
- ٣ البعد الشعبي للانتفاضة.. فلسطينيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا
- ٤ معوقات في طريق الانتفاضة
- ٥ المقاومة تواجه قمة التكنولوجيا الصهيونية
- ٦ وسائل صهيونية لاجهاض مشروع المقاومة
- ٧ إستراتيجية توزيع الرعب
- ٨ دور مؤثر وتضحيات واسعة للمرأة في الانتفاضة
- ٩ مستقبل مشروع المقاومة الفلسطينية
- ١٠ شهادات صهيونية بحق المقاومة
- ١١ والخلاصة
انتفاضة الأقصى .. لماذا؟!
لم تكن انتفاضة الأقصى أُولى الانتفاضات الفلسطينية، ولن تكون الأخيرة، فطالما استمرَّ الاحتلال وتداعياته فإن مسيرة رفض هذا الاحتلال، والتصدِّي له ومقاومته.. ستظل متواصلةً، وإن تخللتها فترات من الهدوء أو الاستعداد للمعركة القادمة، ولكن هذه الانتفاضة تشكِّل تعبيرًا عن مرحلة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية، في ضوء ما آلَت إليه عملية التسوية من فشل؛ ولذلك فإن لها بصماتها الواضحة على مسيرة الصراع ليس في بُعده الفلسطيني فحسب، ولكن في بُعده العربي والإسلامي أيضًا.
الشرارة والدوافع
بدأت الانتفاضة- كما هو معروف- عندما قرَّر زعيم حزب الليكود الإرهابي أرييل شارون تنفيذ زيارةٍ استفزازية لحرم القدس في يوم الخميس 28/9/2000 م في غمرة مفاوضات سرية كُشف عنها مؤخرًا بين باراك ونتنياهو لتشكيل حكومة وحدة وطنية.. الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأن هناك تفاهمًا ما بين حكومة باراك وحزب الليكود على تنفيذ هذه الزيارة بهدف تأكيد السيادة الصهيونية على الحرم القدس وتوجيه رسالة قوية للسلطة الفلسطينية، مفادها أن السلطة والمعارضة في الكيان الصهيوني مجمعين على التمسك بالسيادة على القدس، مهما كلف ذلك من ثمن.
وجاءت هذه الزيارة بعد إخفاق قمة (كامب ديفيد-2) في التوصل إلى اتفاق حول موضوع القدس، على الرغم من تحقيقها اختراقات مهمة على صعيد قضايا اللاجئين والمستوطنات والسيادة، وما رافق ذلك من هِزَّات عنيفة واجهتْها حكومة باراك في ائتلافها الحكومي، انتهت بالتصويت في الكنيست بالقراءة الأولى على حلِّه، وإجراء انتخابات جديدة، وبدا أن باراك- الذي دفع بأعداد كبيرة من قواته إلى الحرم القدسي يوم الجمعة 29/9/2000 م- مصممٌ على التمسك بمواقفه وعدم الاستجابة للضغوط الشعبية الفلسطينية التي يَعتقد أن السلطة الفلسطينية تستفيد منها لانتزاع (تنازلات) منه في موضوع القدس ، ويبدو أنه وضع أولويته الأولى لتحقيق إجماع وطني صهيوني حول القدس، بما في ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية، حتى لو أدى ذلك إلى وقف أو تجميد عملية التسوية وإدخالها في أزمات متتالية.
ومن هذه الخلفية تعاملت قوات الاحتلال مع انتفاضة الشعب الفلسطيني بأساليب عنيفة جدًّا، تمثلت بإطلاق النار على صدور ورؤوس المتظاهرين، واستخدام الصواريخ والدبابات والطائرات لقصف بعض المواقع الفلسطينية ومقرَّات الأمن الفلسطينية؛ وذلك بهدف توصيل رسالة واضحة للسلطة الفلسطينية بأن حكومة باراك ستحرم عرفات من الاستفادة من هذه الانتفاضة، وأنها لن ترضخ لها وتلجأ إلى تقديم تنازلات سياسية لتهدئتها.
ولكن ما لم يكن في الحسبان هو حجم ردة الفعل الفلسطينية الشعبية، ومن ثم العربية والإسلامية، والتي تجاوزت في حجمها كلَّ التوقعات، إضافةً إلى كثرة الضحايا والشهداء الذين سقطوا برصاص الجيش الصهيوني والمغتصبين، وكشف وسائل الإعلام للطريقة الهمجية البربرية التي تعامل بها جيش الاحتلال مع الفلسطينيين، التي أدت إلى تزايد وتصاعد الغضب الفلسطيني، وأعطت وقودًا مستمرًّا للانتفاضة على عكس ما كان يرغب به باراك وأركان جيشه الإرهابي.
البعد الشعبي للانتفاضة.. فلسطينيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا
لقد شاركت جميعُ القوى الفلسطينية في هذه الانتفاضة، بما في ذلك القوى المؤيدة لعملية التسوية، في مؤشر واضح على إحباط هذه القوى، وعلى رأسها حزب السلطة (فتح)، وشعورها بخيبة الأمل من عملية التسوية، ولا تزال فعاليات هذه الانتفاضة تحظَى بإجماع شعبي ضمن برنامج تقوده الفعاليات الوطنية والإسلامية، وإن كان الإجماع الوطني الفلسطيني على الانتفاضة والاستمرار بها لا يعني توافق البرامج السياسية للقوى الوطنية المشاركة فيها.
إذ لا تزال حركة (فتح)- التي حرصت على إيجاد مسافة بين موقفها وموقف السلطة الفلسطينية- تراهن على عملية التسوية، وترى أن هذه الانتفاضة ستؤدي إلى تقوية الموقف الفلسطيني التفاوضي، بما في ذلك إعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 م، في الوقت الذي تتمسك فيه حركة (حماس) بموقفها الداعي إلى استمرار الانتفاضة إلى حين دحر الاحتلال عن الأرض الفلسطينية، دون أن تعول على عملية التسوية التي فشلت في تحقيق أية إنجازات للشعب الفلسطيني.
ولا شك أن موقف حركة (حماس) يحظَى بدعم عربي وإسلامي شعبي كبير؛ لأنه لا يراهن على عملية التسوية، ويدعو إلى إسناد الانتفاضة الشعبية بالمقاومة المسلَّحة، ويدعو إلى دعم الدول العربية لإسناد هذه المقاومة بكل الوسائل الممكنة، وفي هذا السياق يأتي موقف الشارع العربي الذي فرض نفسه بقوة، من خلال المظاهرات والاحتجاجات التي عمت الدول العربية من المحيط إلى الخليج، إضافةً إلى الدول الإسلامية، وهو الموقف الذي دعا إلى مساندة الانتفاضة بالنار العربية وبسلاح النفط وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
إلا أن هذا الموقف الشعبي لم يكن له صدًى رسميٌّ يتناسب معه، فكانت قرارات القمم العربية أقل من الحد الأدنى المتوقع، وهو قطع العلاقات مع العدو الصهيوني، ووقف التطبيع معه، وسحب السفراء العرب من تل أبيب؛ إذ اكتفت هذه القمم بالإشادة بالانتفاضة، وإيجاد صناديق مالية بقيمة مليار دولار لدعمها، مع ترك الباب لكل دولة عربية على حدة لتقرر موقفها من العلاقة الثنائية مع العدو والتلويح بقطع هذه العلاقات، مع وقف مسار المفاوضات متعددة الأطراف، والعمل على ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة في المحاكم الدولية.
ولقد أبرزت انتفاضةُ الأقصى عمقَ الفجوة التي تفصل بين المواقف الشعبية والرسمية العربية، بما في ذلك الفجوة بين موقف الشعب الفلسطيني مع السلطة الفلسطينية التي حاولت تقليصها بإبداء مواقف أكثر تشددًا تجاه العدو الصهيوني، ومشاركة تنظيمها بفاعلية في الانتفاضة، وإذا كانت قمة شرم الشيخ- التي شاركت فيها السلطة الفلسطينية ومصر- قد توصلت إلى قرارات على الصعيد الأمني بهدف تهدئة الانتفاضة؛ تمهيدًا لوقفها واستعادة المفاوضات.. إلا أن غضبة الشارعَين الفلسطيني والعربي، واستمرار شلاَّل الدم الفلسطيني ومسيرات الغضب الفلسطيني أجهضت قرارات هذه القمة قبل أن تنجح هي في إجهاضها ووقفها.
كما أن أبرزَ ما تميزت به انتفاضة 2000 م عما سبقها من انتفاضات- وخصوصًا انتفاضة 1987 م- أنها جاءت بعد استنفاد عملية التسوية أغراضها، واتضاح صورة العدو الصهيوني الذي لا يفهم السلام إلا بصورة الهيمنة والسيطرة.. الأمر الذي يكسب هذه الانتفاضة بُعدًا واضحًا وناضجًا، ويجعلها عصيةً على محاولات استثمارها سياسيًّا لصالح التسوية الهزيلة.
فقد أعادت انتفاضة الأقصى الاعتبار لخيار المقاومة الشعبية للاحتلال، ونفضت الغبار عنه بعد أن استبعدته عملية التسوية، وعملت على إنهائه من خلال تبني الوسائل السياسية والدبلوماسية لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني المستباحة من قبل الاحتلال، وهي بذلك تؤشر إلى بداية مرحلة جديدة في تاريخ الشعب الفلسطيني وليست مجرد احتجاج أو ردة فعل على الإرهاب الصهيوني، وهذه المرحلة هي مرحلة المقاومة الشعبية الفلسطينية الشاملة للاحتلال، مدعومةً بقوة بتأييد إسلامي وعربي وشعبي لم يسبق له مثيل، تمثل بالمظاهرات والمسيرات الحاشدة التي عمت العالم العربي، وبإجماع شعبي عربي وإسلامي لتأييد برنامج المقاومة ، واعتباره الإستراتيجية الفلسطينية والعربية والإسلامية الوحيدة القادرة على إنهاء هذا الاحتلال ومنعه من التمدد إلى المنطقة العربية والإسلامية.
معوقات في طريق الانتفاضة
إذا كانت الانتفاضة تمتَّعت بالزخم الشعبي المتواصل فإنها لا تزال تعاني من اختلاف البرامج السياسية التي تعمل من خلالها، ففي الوقت الذي تريد فيه القوى الإسلامية (حماس والجهاد) والقوى المعارضة للتسوية السياسية استمرار الانتفاضة حتى دحر الاحتلال على الطرية اللبنانية، وترى في إصرار الشعب الفلسطيني وصموده ودعم العالم العربي والاسلامي رصيدًا كبيرًا لتحقيق هذا الهدف.. فإن القوى المؤيدة لعملية التسوية- وعلى رأسها حركة (فتح) التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية- تسعى لاستثمار الانتفاضة سياسيًّا لتحقيق تسوية سياسية تحقق بعض المكاسب للشعب الفلسطيني مع خلافات بين هذه التنظيمات وداخل تنظيم (فتح) نفسه حول حجم هذه المكاسب وآلية تحقيقها.
وعلى الرغم من الخلافات الجذرية حول هدف الانتفاضة وإستراتيجيتها فقد استطاعت القوى الفلسطينية تحقيق وحدة ميدانية في مواجهة الاحتلال، وتنظيم الفعاليات ضده، وإن لم تخلُ هذه الفعاليات من محاولات استحواذ واستفراد من تنظيم (فتح) من خلال بعض الممارسات السلبية، ولكنها لم تؤثر حتى الآن على استمرارية الانتفاضة وتواصلها؛ بسبب وعي القوى الفلسطينية وتجاوزها لهذه الممارسات في سبيل المصلحة العامة الفلسطينية.
إن اندلاع الانتفاضة وتواصلها بعد استنفاد عملية التسوية كل جهودها ووصولها إلى طريق مسدود يضع علامات استفهام كبيرة حول إمكانية نجاح أي برامج لاستثمار الانتفاضة باتجاه التسوية، ويؤكد أن استمرارية الانتفاضة إلى حين دحر الاحتلال عن الأرض الفلسطينية أصبح هو الهدف الذي لن يقبل الشعب الفلسطيني التراجعَ عنه تحت أي ظرف أو مبرِّر، وهذا يستدعي من كل قوى الشعب الفلسطيني حسمَ خياراتها السياسية والالتحام مع القاعدة الشعبية العريضة على قاعدة مقاومة الاحتلال، ونبذ كل الحلول التي لا تحقق زواله بشكل كامل عن الأراضي الفلسطينية المغتصبة.
والانتفاضة التي قامت من أجل دحر الاحتلال ستظل مستمرةً ومتصاعدةً بالحجر والمقلاع والمولوتوف والسكين والقنبلة اليدوية والقنبلة الموقوتة والقنبلة البشرية الاستشهادية، وسيزول الاحتلال حتمًا عاجلاً أم آجلاً، طالما تمتع الشعب الفلسطيني بالإرادة التي تسندها العقيدة وتقويها، وطالما تسلَّح بالصبر على الخسائر التي يتكبدها، ووحد قواه وبرامجه على قاعدة المقاومة.. فتكنولوجيا العدو لم توقف الانتفاضة بل زادتها قوة.
المقاومة تواجه قمة التكنولوجيا الصهيونية
لعل القدرات التكنولوجية الصهيونية المتطورة، التي تستطيع التغلب على قوة سبعة جيوش عربية، وقفت عاجزةً عن التعاطي مع قوة المقاومة الفلسطينية، الذي يظهر مدى قوتها حجم وتطور السلاح الصهيوني؛ حيث يمتلك الكيان الصهيوني تقنيةً وتكنولوجيا متقدمةً، استخدمها لاغتيال كوكبة من كبار المجاهدين، في الفترة بين أواسط مارس وأواخر يونيو، على رأسهم شيخ الشهداء أحمد ياسين ، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي ، وآخرهم الشهداء الذين سقطوا في نابلس، وجرى اغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي ونصار وصرصور.. بواسطة الطائرات، وباستخدام التكنولوجيا العسكرية الحديثة بكل تقنياتها، رصدًا ومتابعةً وتنفيذًا، فارضًا رقابةً تكنولوجيةً صارمةً من الجو والأرض والبحر على أرض قطاع غزة والضفة الغربية طيلة 24 ساعة.. وتنقسم هذه التكنولوجيا الحديثة- التي يعتمد عليها المحتل في متابعة ومراقبة الأرض الفلسطينية وملاحقة المجاهدين- إلى أقسام عدة:
- أولاً: المناطيد
- وهي مناطيد عملاقة ثابتة، مملوءة بغاز الهليوم، وتشترك مع الطائرة بدون طيار بوجود تكنولوجيا عالية التقنية في مجال التصوير والمراقبة؛ إذ تعتمد على الكاميرات الحرارية وأنظمة إلكتروبصرية، وغالبًا ما تكون مهمة هذه المناطيد مراقبةَ هدف ثابت، كمراقبة حدود أو مراقبة مغتصبة بصورة دائمة، وتنتشر هذه المناطيد في أماكن معينة في سماء فلسطين ، موزعة كتالي:
- أ- منطاد مثبَّت في الجنوب الغربي لقطاع غزة بالتحديد على شواطئ مغتصبة "غوش قطيف".
- ب - منطاد في صحراء النقب في الجنوب الشرقي، ومهمته مراقبة الحدود الصحراوية مع مصر.
- ج- منطاد يتمركز في جنوب الضفة في منطقة الخليل.
- د- منطاد يتمركز في وسط الضفة.
- ه- منطاد يتمركز في شمال الضفة.
- ثانيًا: الأقمار الصناعية
- ويمتلك الكيان الصهيوني عدة أقمار اصطناعية خاصةً به، أطلقها في السنوات القليلة الماضية، تختص بمراقبة الأراضي الفلسطينية وحدود فلسطين مع الدول العربية، ومراقبة الجيوش والتطورات العسكرية في البلدان العربية، من خلال مسح أرضي بصورة دورية، ولهذه الأقمار دورٌ كبير في عمليات الاغتيال الأخيرة التي تتميز بوجود بصمات تكنولوجية لارتباط بعض التقنيات- التي تُستخدم في عمليات الاغتيال بها- ارتباطًا وثيقًا كما سيأتي؛ ولأن الدائرة التكنولوجية كلها مرتبطة ببعضها البعض.
- ثالثًا: طائرة "Tf12"
- وهي طائرة بطيار، تحمل تكنولوجيا وتقنيات، تعمل بالأشعة تحت الحمراء في مجال التصوير، خاصةً في الأماكن الضيقة المكتظة، وبين الأزقة وبين الشجيرات الكثيفة، وتستطيع هذه الطائرة إرسال صور عالية الوضوح وملونة بحجم40×40 إلى القاعدة الأرضية في غضون ثوانٍ قليلة، وقد نشطت هذه الطائرة خلال الانتفاضة الأولى، وما زالت تُستخدم في انتفاضة الأقصى ، ولكن بصورة غير دائمة.
- رابعًا: طائرة AX13
- وهي طائرة تشبه إلى حد بعيد طائرة الإنذار المبكر (أواكس)، وهي طائرة بطيار، مجهزة بتقنيات إلكترونية حديثة تحتوي على مجموعة من أجهزة الكمبيوتر تعمل على فكِّ شفرة أي رسالة صوتية، أو أي رسالة SMS وتحليلها عبر تقنية حديثة تعمل وفق نظام فلترة الصوت "نظام أشلون" الأمريكي الذي يطلق عليه الخبراء وصفُ "صائد الجواسيس"؛ حيث يستطيع هذا النظام- الذي تعمل به هذه الطائرة- اعتراض والتقاط اتصال هاتفي أو أي بث- سواءٌ أكان سلكيًّا أم لا- وتتبعه ومعرفة شخصية المرسل والمستقبل، وتحليل وتخزين بصمات الصوت لآلاف المكالمات، وتعمل هذه الطائرة في مجال قطرُه 8 كيلو متر مربع خلال سيرها، ويستخدم الصهاينة هذه الطائرة لمراقبة الاتصالات في جميع أنحاء فلسطين ، بما في ذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 م.
- وقد استخدم الصهاينة تقنية هذه الطائرة في عدة عمليات اغتيال، كان من أبرزها محاولة اغتيال المجاهدَين العطار وأبو شمالة في مدينة رفح من خلال تتبعهم عن طريق بصمة الصوت خلال اتصال أحدهم من الجوال، حيث تم قصف السيارة بصاروخ، وحينها استطاع المجاهدان النزول من السيارة والهرب، فتبعهم الصاروخ الثاني فتنبه المجاهد رائد العطار للجوال فقذفه فتبعه الصاروخ الثالث، وهذا يدل على أن الصاروخ يتبع الذبذبات الكهرومغناطيسية حتى وإن كان الجوال مغلقًا.
- أما المحاولة الثانية التي استخدمت هذه التقنية فيها هي عملية اغتيال مجاهدي القسام أعضاء المجموعة "103" على الطريق الساحلي لمدينة غزة ؛ حيث تبعتهم الصواريخ بعد نزولهم من السيارة واختبائهم بين الشجيرات على شاطئ غزة، وقد اعترف ضابط صهيوني في تصريح لصحيفة صهيونية بتطوير صاروخ يحمل بصمات صوت لبعض المجاهدين ليتم اغتيالهم من خلال هذه الصواريخ.
- خامسًا: طائرة دون طيار "الزنانة"
- تعتبر الطائرة دون طيار من طراز سيرتشر "الزنانة" التي أنتجتها الصناعات الجوية الصهيونية من أكفأ الطائرات دون طيار، ومن أكثرها تطورًا حتى أصبحت دولة الكيان تنافس الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال، ويملك سلاح الجو الصهيوني العديد من هذه الطائرات، ويقوم بتوجيهها فوق الأراضي الفلسطينية لمتابعة ورصد المجاهدين ومتابعة المتغيرات على الأرض.
- وهذه الطائرة لا تُرى بالعين المجردة إلا بعد تدقيق البصر في السماء، ويشبه صوت هذه الطائرة صوت المنشار الآلي الذي يستخدم في تقطيع الأشجار، وتستطيع طائرة واحدة إجراء مسح أرضي، وتصوير معظم قطاع غزة ، وهذه الطائرة لها قواعد تحكم أرضية وجوية تتبع لهيئة الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو الصهيوني، ويقوم فريق من خبراء سلاح الجو بتسيير هذه الطائرات والتحكم بها وتوجيهها.
- وقد طورت الصناعات الجوية الصهيونية طائرةً بطيار يستطيع فريق من الخبراء بداخلها من تسيير ثلات طائرات دون طيار وتوجيهها؛ بحيث تسير كل واحدة من هذه الطائرات خلف الأخرى بشكل دائري، وهذا من شأنه إجراء مسح دقيق ومتابعة لعدة أهداف متحركة في آن واحد، وقد شوهدت هذه المجموعة من الطائرات في سماء غزة قبل اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
- ولقد طورت الصناعات الجوية الصهيونية جيلاً جديدًا من هذه الطائرات من طراز سيرتشر يتميز عن سابقاته بعدة مميزات، أهمها: أنها تستطيع حمل صاروخين أو ثلاث من طراز "هلفاير" أمريكية الصنع، والتي تتميز بالدقة في إصابة الأهداف سواء كان الهدف كبيرًا وثابتًا أو صغيرًا ومتحركًا، وتتميز هذه الطائرة أيضًا بأنها تطير على ارتفاعات شاهقة جدًا ولا ترى بالعين المجردة كسابقاتها، وصوتها يتشتت في الفضاء بحيث لا يميز أي إنسان الجهة التي يأتي منها الصوت، إضافةً إلى ميزة أخرى وهي أن هذه الطائرة لا تؤثر في البث الفضائي "الدجيتال" بصورة كلية كما سابقاتها، ويبقى لها تأثير جزئي على قنوات التردد 12111 بقيمة ترميز 27500 باستقطاب رأسي على القمر الأوروبي"هوت بيرد"، وعلى قنوات التردد 12034 بقيمة ترميز 27500 باستقطاب رأسي على القمر المصري النايل سات.
- وأول ما استخدمت هذه الطائرة في فلسطين في عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، وأخيرًا استخدمت في عملية اغتيال المجاهدين وائل طلب نصار ومحمد صرصور، وهما على دراجة نارية في حي الزيتون.
- سادسًا: تقنية G-B-C
- وهي نظام تحديد المواقع الجغرافية أو نظم المعلومات الجغرافية، وهي تقنية حديثة تعمل على تحديد المواقع الجغرافية بدقة بالغة ونقل الإحداثيات على الأرض من خلال خطوط العرض والطول، وتحديد مكان الهدف أو الموقع بدقة، وقد استخدمت هذه التقنية في شتى الميادين؛ حيث تستخدمها سفن الصيد في البحار والمحيطات، وتستخدمها الفرق الكشفية الجغرافية، وتستخدم في سباقات الرالي الصحراوية.
- وهذه التقنية مرتبطة بالعنصر البشري "العملاء" بالدرجة الأولى، وبوجود التقنيات العالية للهواتف الجوالة أصبحت هذه التقنية من أهم وأخطر أدوات الرصد والمتابعة على الأرض.
وتعمل هذه التقنية على النحو التالي:
بداية تستقبل وحدة التحكم الرئيسية معلومات دقيقة عن موقع الهدف من وحدة التتبع الجغرافي "G-B-C" وتحديد الإحداثيات على الأرض بوضع رسالة هاتفية قصيرة SMS وإرسالها عن طريق وحدة الاتصال "الهاتف الجوال" وتُستقبل الرسالة، ويتم عرض محتوياتها على نظام التتبع الجغرافي في وحدة التحكم الرئيسية، وبذلك يتم تعقب وتتبع الهدف وعرض المسار الخاص به عن طريق وحدة التتبع الجغرافي، والتي تعمل بطريقة مباشرة عن طريق الأقمار الصناعية؛ حيث تتم عملية برمجة مسبقة لوحدة التتبع الجغرافي ولوحدة التحكم الرئيسية التي تعمل بنظام تحديد المواقع الجغرافية فتنقل الإحداثيات الخاصة بالهدف على الأرض إلى طائرات المراقبة أو إلى الطائرات التي ستنفذ عملية الاغتيال والتي عادةً ما تكون على أهبة الاستعداد للانقضاض واقتناص الهدف.
هذه هي التقنيات التي يستخدمها المحتل في ملاحقة المجاهدين وضربهم، هذا إضافة إلى المعلومات التي يقدمها "العملاء" الذين يمدون تلك التقنيات بكل ما تحتاجه من معلومات لتصبح هذه التكنولوجيا سلاحا فتاكا.
وعلى الرغم من كل هذه التكنولوجيا، استطاعت المقاومة الفلسطينية الوصول إلى عمق المواقع الصهيونية، وتدميرها.كما استطاعت المقاومة خلال الثلاث سنوات الماضية من عمر انتفاضة الأقصى التكيف مع الوضع الذي فرضته التكنولوجيا الصهيونية؛ وذلك من خلال استحداث وسائل جديدة للإفلات من علميات الاغتيال أو خلال التخطيط للعمليات الفدائية..
وسائل صهيونية لاجهاض مشروع المقاومة
استطاعت الانتفاضة أن تثبت أنها قادرة على الاستمرار والتواصل إزاء التطوير التكنولوجي الصهيوني وتمكنت من تجاوز امتحان الصمود والاستمرارية، وذلك على الرغم من كل التقديرات المتحفظة حول إمكانية استمرارها، في الوقت الذي دفع فيه الاحتلال بكل إمكاناته العسكرية والسياسية والنفسية لوقفها، وحينما لم تفلح هذه الأساليب في التأثير على إرادة الشعب الفلسطيني لجأ العدو إلى ضرب مؤسسات السلطة المدنية والعسكرية بهدف إرهابها ودفعها لممارسة ضغوط على الشعب الفلسطيني لوقف انتفاضته، ولكن ذلك لم ينجح بسبب قوة الفعل الجماهيري الذي كان ولا يزال من العسير على السلطة أن تتصدى له.
وأردف العدو إجراءاته العسكرية بإجراءات على الصعيد الاقتصادي من خلال حصار المدن والقرى الفلسطينية وعزلها عن بعضها البعض بهدف إخضاعها وتجويعها، إضافةً إلى إطلاق النار على العمارات السكنية الفلسطينية وترويع سكانها الآمنين، في الوقت الذي منع فيه عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين من التوجه إلى أعمالهم في المناطق المحتلة عام 1948 م، وحرمهم من لقمة عيشهم بهدف حملهم على القيام بمنع أبنائهم وإخوانهم من المشاركة في الانتفاضة لإفساح الطريق أمامهم للعودة إلى أعمالهم! ولكن هذا لم ينفع أيضًا لأن الشعب الفلسطيني فضَّل الجوع والحصار على أن يرضخ للاحتلال أو أن يقبل بالتنازل عن مطلب دحره مهما كلفه ذلك من ثمن.
إستراتيجية توزيع الرعب
إزاء محاولات الصهاينة العديدة لإجهاض مشروع المقاومة الذي نجح حتى الآن في التحول إلى مشروع وطني للتحرر تنوعت وسائل المقاومة للتجاوب مع مستوى الحدث فطورت الانتفاضة من العمليات المسلحة ضد جنود العدو والمستوطنين التي أوقعت حتى الآن عددًا كبيرًا من الإصابات، وزرعت الخوف في صفوف الصهاينة، وجعلتهم يشعرون بأنهم سيدفعون أثمانًا غالية لاستمرار احتلالهم وعدوانهم على الشعب الفلسطيني.
كما جاءت عمليات التفجير والعمليات الاستشهادية في الأراضي المحتلة عام 1948 م التي كان لها وقع أشد على العدو لأنها تزرع الرعب والخوف وتنقل المعركة إلى عقر دار الاحتلال وتكبده خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وتؤثر بسرعة على الرأي العام فيه باتجاه التخلي عن احتلاله للأراضي الفلسطينية، وكان لهذه العمليات صدَّى وردود فعل كبيرة في أوساط العدو الذي عبَّر صراحةً عن عجزه عن مواجهة هذا النمط من العمليات دون وجود تعاون أمني مع السلطة الفلسطينية.
وهنا يتوجب الإشارة إلى ما بات يعرفه حتى قادة جيش الاحتلال أنفسهم، أنه إلى جانب المقاومة الباسلة في مواجهة جنود الاحتلال، فإنَّ المقاومين الفلسطينيين يعكفون على نقل المواجهة إلى ساحات أخرى، فالآن بات معروفًا أن العديد من عناصر الأجهزة العسكرية لحركات المقاومة قد لجئوا إلى مغارات في جبال الضفة الغربية لتنظيم أنفسهم، ولترتيب طرق شن غاراتهم على أهداف تكون سهلة نسبيًّا لهم: مثل مهاجمة المستوطنات الصهيونية التي اضطرت قيادة جيش الاحتلال إلى إجبار المستوطنين أنفسهم على تجنيد أنفسهم للدفاع عنها.
وفي نفس الوقت الذي يعلن فيه رجال المقاومة أنهم يخططون لموجات من العمليات الاستشهادية لم تشهد لها الدولة العبرية مثيلاً حتى الآن هناك اتجاه داخل حركات المقاومة الفلسطينية لتقليص جهدها داخل المدن الفلسطينية التي أعيد احتلالها، لكي يتم استثمار طاقة المقاومة في تنفيذ عمليات داخل العمق الصهيوني.
وهناك مَن يقول إنه من الأفضل تقليص الجهد في الساحات التي يزج بها العدو بكل قوته إلى الساحة التي تعتبر نقطة ضعف كبيرة لدى الكيان الصهيوني ، وهي الجبهة الداخلية.
ومن المفارقات التي تدعو للإعجاب، حقًّا هو حقيقة تمكن رجال المقاومة الفلسطينية بقدراتهم البسيطة من التنصت على الاتصالات التي تجريها قيادة الحملة العسكرية الصهيونية في الضفة الغربية وقيادة هيئة أركان الجيش في تل أبيب. وقد أقرَّت قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال بحدوث هذا الاختراق الكبير، والذي مكَّن عناصر المقاومة في كثير من الأحيان من معرفة تحركات قوات الاحتلال قبل أن تحدث.
دور مؤثر وتضحيات واسعة للمرأة في الانتفاضة
يعد دور المرأة الفلسطينية إحدى ثمار انتفاضة الأقصى التي جمعت الشعب الفلسطيني على قلب مشروع واحد، وهو مشروع المقاومة ، وفي هذا الإطار جاءت تضحيات المرأة الفلسطينية متوالية فبلغ عدد الفلسطينيات اللاتي استشهدن إبان انتفاضة الأقصى وحتى تاريخ 30/4/2004 م في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة قد بلغ 208 شهيدة، فيما بلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات داخل سجون الاحتلال الصهيوني إبان الانتفاضة حتى تاريخ 24/9/2003 م 77 أسيرة يقطن كافة محافظات الوطن، بما في ذلك أسيرتين اثنتين تقطنان داخل فلسطين المحتلة عام 48، وثالثة تقطن في سوريا.
وتتحدث الدراسة التي أعدها الباحثان: إسماعيل الأشقر ومؤمن بسيسو، والتي تعتبر الرابعة ضمن سلسلة تأريخ أحداث انتفاضة الأقصى التي يصدرها المركز العربي للبحوث والدراسات بغزة، عن دور المرأة الفلسطينية المؤثر وعطاؤها الجهادي وتضحياتها الكفاحية، ومدى إسهامها في إذكاء نيران انتفاضة الأقصى ورفدها بالطاقات المنتجة في مواجهة الاحتلال الصهيوني في إطار خمسة فصول رئيسة 118 شهيدة في الضفة و 88 في القطاع تشمل معطيات توثيقية ورؤى تحليلية تتناول أوجه عطاء وتضحيات المرأة الفلسطينية خلال الانتفاضة.
والأهم في ذلك هو الطبيعة العمرية لشهيدات انتفاضة الأقصى؛ حيث احتلت الفئة العمرية التي تتراوح بين سن (18 إلى 50 سنة) المرتبة الأولى بواقع 99 شهيدة، وهو ما نسبته (47.6%) من إجمالي عدد الشهيدات، تلاها الفئة العمرية التي تتراوح بين (يوم واحد إلى 18 سنة) بواقع 74 شهيدة، وهو ما نسبته (35.6%) من إجمالي عدد الشهيدات، وجاءت الفئة العمرية التي تبدأ من (50 سنة فما فوق) في المرتبة الثالثة والأخيرة بواقع 35 شهيدة، وهو ما نسبته (16.8%) من إجمالي عدد الشهيدات.
وتكشف لنا المقارنة العددية بين أعداد الشهيدات في كل سنة من سنوات انتفاضة الأقصى الثلاث (السنة الثالثة حتى 30/4/2004 )، حيث احتلت السنة الثانية المرتبة الأولى بواقع 111 شهيدة وهو ما نسبته(53.4%) من إجمالي عدد الشهيدات، تلاها السنة الثالثة حتى تاريخ 30/4/2004 م بواقع 55 شهيدة، وهو ما نسبته (26.4%) من إجمالي عدد الشهيدات، وجاءت السنة الأولى في المرتبة الثالثة والأخيرة بواقع 42 شهيدة، وهو ما نسبته (20.2%) من إجمالي عدد الشهيدات.
وأبرزت الدراسة أماكن إصابة الشهيدات الفلسطينيات؛ حيث احتلت المنازل وأماكن السكن المرتبة الأولى بواقع 113 شهيدة، وهو ما نسبته (54.3%) من إجمالي عدد الشهيدات، تلاها الحواجز والمعابر بواقع 30 شهيدة، وهو ما نسبته (14.4%) من إجمالي عدد الشهيدات، وجاءت السيارات ووسائل النقل في المرتبة الثالثة بواقع 26 شهيدة، وهو ما نسبته (12.5%) من إجمالي عدد الشهيدات، تلاها الشوارع والطرقات بواقع 16 شهيدة، وهو ما نسبته (7.7%) من إجمالي عدد الشهيدات، وجاءت المرافق العامة (مدارس- محلات- مزارع) في المرتبة الخامسة بواقع 15 شهيدة، وهو ما نسبته (7.2%) من إجمالي عدد الشهيدات، تلاها أراضي فلسطين المحتلة عام 48 بواقع 7 شهيدات، وهو ما نسبته (3.4%) من إجمالي عدد الشهيدات، وجاءت المناطق المحيطة بالمواقع العسكرية الصهيونية في المرتبة السابعة والأخيرة بواقع شهيدة واحدة، وهو ما نسبته (0.5%) من إجمالي عدد الشهيدات اللاتي سقطن خلال الفترة الزمنية محور الدراسة إبان انتفاضة الأقصى.
وتشير تقارير الحالة الاجتماعية للأسيرات الفلسطينيات، إلى أن الأسيرات العازبات قد بلغن 67 أسيرة، وهو ما نسبته (87%) من إجمالي عدد الأسيرات، فيما بلغ عدد الأسيرات المتزوجات 10 أسيرات، وهو ما نسبته (13%) من إجمالي عدد الأسيرات اللاتي يقبعن في سجون الاحتلال.بما يعد مثالاً وإفرازًا لروح المقاومة التي اجتاحت نفوس عموم الشعب الفلسطيني الذي بات جميعه يرفع شعار"طالما هناك احتلال هناك مقاومة".
مستقبل مشروع المقاومة الفلسطينية
بعد أن تحول مشروع المقاومة إلى مشروع للتحرر الوطني الفلسطيني لا يعقل أن تبقى المقاومة على وتيرة واحدة، فالصراع القائم ليس بين جيشين نظاميين، بل هو مجموعة من المقاومين تكر وتفر وتكثف وتوقف من عملياتها مقابل قوة تُعَدّ الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن الدعم والمساندة الأمريكية اللامحدودة، فالصراع القائم يحتاج إلى نفس طويل لكون توازن القوى مفقودًا، ولدى القوى الفلسطينية قناعة أنها وحدها لا يمكن لها أن تحقق أهدافها وأن تحقق انتصارًا على الكيان الصهيوني ، دون مساندة من محيطها العربي والإسلامي، ولديهم قناعة أن قتالهم مع الصهاينة هو لإبقاء جذوة الجهاد والمقاومة قائمة حتى تتغير الظروف الإقليمية والدولية القائمة الآن.
وينحصر مستقبل المقاومة بين عوامل تحدّ من حجم وكيف ونوع هذه المقاومة ، وبين عوامل القوة الذاتية للمقاومة المتمثلة في روح الجهاد والتصميم على انجاز التحرير لكامل الارض الفلسطينية فالمتابع لمجريات العمل اليومي يجد أن المقاومة الفلسطينية تحاول بما لديها من إمكانيات، ووفقًا للظروف أن تنفذ هجماتها، فالقذائف الصاروخية وقذائف الهاون لم تتوقف والعبوات الناسفة والهجمات بالأسلحة الرشاشة أيضًا لم تتوقف، صحيح أن العمليات سواء الاستشهادية أو الهجمات داخل فلسطين المحتلة منذ عام 48 (الكيان الصهيوني) شبه متوقفة، باستثناء عملية بئر سبع المزدوجة الإستراتيجية التي تعد تطوراً نوعيًّا مهمًّا في تاريخ الصراع الصهيوني الفلسطيني، وهذا التوقف ليس مرده أن قوى المقاومة الفلسطينية لا تملك إمكانات لتنفيذها أو أنه لا يوجد من لديهم قناعات بتنفيذها، أو أن هناك ضغوطاتٍ من هنا أو هناك، أو أنها تأثرت بالتهديدات الصهيونية، ولكن الإجراءات الأمنية الصهيونية المكثفة جعلت من هذا الأمر من الصعوبة بمكان.
يُضاف إلى ذلك أن الجدار الفاصل والحواجز العسكرية الكثيرة وإعادة احتلال الضفة الغربية أدَّى إلى الحد من هذه العمليات، أما قطاع غزة فهو محاصر عمليًّا بأسلاك إلكترونية صعّبت على رجال المقاومة الانطلاق منه لتنفيذ مثل هذه العمليات، إلا أنَّ التفكير بتنفيذ عمليات داخل الخط الأخضر ومحاولة اختراق هذا الجدار لم تتوقف من قبل قوى المقاومة الفلسطينية ، بالإضافة إلى أن السلطة الفلسطينية أيضًا تقوم أحيانًا بالكشف المبكر عن مثل هذه العمليات، فرئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات أعلن في أكثر من مرة أن السلطة أحبطت ما يزيد عن 35 عملية استشهادية.
كل هذه المعطيات تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية لم تتوقف عن التفكير والإعداد للقيام بهذه الأشكال من المقاومة ، وتبحث بشكل دائم على إحداث اختراق هنا أو هناك في منظومة الأمن الصهيونية المضروبة على المدن أو في الحواجز، حتى باتت بعض المدن، وعلى سبيل المثال القدس المحتلة، عبارة عن ثكنة عسكرية لا يبعد فيها الجندي عن الآخر أمتارًا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، إضافةً إلى الكاميرات المنصوبة في كل زاوية.
المقاومة الفلسطينية باتت إذن محاصرة، ورغم ذلك تحاول أن تنفذ ما تصل يديها إليه من عمليات عسكرية ضد الأهداف الصهيونية، وتحاول أن توجد ثغرة تدخل منها إلى أهدافها.
وهكذا تبقى إستراتيجية المقاومة ذات عنوان ثابت هو: "طالما هناك احتلال هناك مقاومة".
- كما أن مستقبل انتفاضة الأقصى بات يبدو في أفقه مزيدًا من الاستمرار في ضوء عدد من المتغيرات الإيجابية التي أحدثتها فترة الثلاث سنوات الماضية التي نجحت في خلق المناخ المواتي لحركة المقاومة والتحرر والمتمثل في:
- 1- خلق قيادة موحدة للعمل الميداني المقاوم:
- رجال المقاومة الفلسطينية- الذين ينتمون إلى حركات تختلف في انتماءاتها الأيدلوجية- استطاعوا توحيد عملهم الميداني. فلأول مرة- منذ انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني- تتفق فصائل المقاومة على تشكيل قيادات ميدانية مشتركة للإشراف على عمليات المقاومة ضد القوات الغازية، وقد كانت تجربة المقاومة في جنين هي مثال تمَّ تطبيقه في كل المدن الفلسطينية التي أعيد احتلالها.
- وإلى جانب وجود قيادة مشتركة، فإن هناك غرف عمليات سرية مشتركة يقوم ممثلو حركات المقاومة بدارسة ما تم إنجازه خلالها؛ والإتفاق على مخططات المقاومة في المنطقة مستقبلاً، مع الوقوف على مكامن الضعف ومحاولة تقويتها، ومكامن القوة ومحاولة تعزيزها. ومن الأمور التي تعكس روح التعالي على الاختلافات الفصائلية الضيقة، هو حقيقة أن رجال المقاومة في مدينة جنين وافقوا على أن يكون ممثل حركة الجهاد الإسلامي- وهو أحد الفصائل الصغيرة في المدينة- أن يتولى قيادة عمليات المقاومة ، في حين يتولى ممثل حركة حماس قيادة المقاومة في منطقة "بيت لحم" التي يمثل المسيحيون نصف سكانها.
- ويساعد العمل المقاوم المشترك على استغلال مكامن التميز في العمل العسكري لدى كل تنظيم فلسطيني. وإذا كان جناح حركة حماس يتميز بتنفيذ عمليات التسلل إلى قلب المستوطنات إلى جانب تنفيذ العمليات الاستشهادية الكبيرة- وكذلك حركة الجهاد الإسلامي- فإن الجناح العسكري للحركة "يتميز" في نصب الكمائن المسلحة وعمليات القنص؛ ويسهم هذا التكامل في إنجاح عمليات المقاومة.
- 2- هل تتآكل الفروق الأيدلوجية؟
- إلى جانب توحيد العمل المقاوم الميداني، فإن الوضع الجديد الذي نجم عن الحملة العسكرية الصهيونية على الشعب الفلسطيني وحصار الرئيس عرفات قد صنع مناخًا مغايرًا لدى فصائل العمل الوطني الفلسطيني، لا سيما لدى تلك الفصائل التي كانت ترى في التسوية السياسية طريقًا لحل القضية الفلسطينية ، وعلى وجه الخصوص حركة "فتح"، حزب السلطة وأنصارها.
- وبات من الواضح أن أدبيات هذه التنظيمات باتت تعمل على تعبئة أنصارها على حقيقة أنه لم يَعُد هناك خيار أمام الشعب الفلسطيني إلا خيار المقاومة والجهاد . والذي يستمع إلى الشعارات التي تطلقها حركة "فتح" على سبيل المثال في مسيراتها وبياناتها، فإنه يخال له أنه يستمع إلى شعارات حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بكلمات أخرى، فإن الحركات التي كانت تؤمن بالحل السياسي باتت على الأقل تؤكد لأنصارها أن هذا الخيار لم يَعُد واقعيًّا في ظلِّ سياسة حكومة شارون الإجرامية غير القابلة للتوافق مطلقًا.
- وقد انعكس التعاطي السياسي لهذه التنظيمات على طابع عملها الميداني المقاوم، فبعد أن كانت حركة "فتح" على سبيل المثال تدعو إلى تركيز العمليات العسكرية ضد المستوطنات اليهودية وجنود الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم تنفيذ عمليات استشهادية داخل المدن الصهيونية، فإذا بالجهاز العسكري لحركة "فتح" المعروف بـ "كتائب شهداء الأقصى" يشرع في التنافس مع الأجهزة العسكرية لبقية التنظيمات على تنفيذ العمليات الاستشهادية في قلب المدن الصهيونية.
- ومن اللافت بشكل خاص، هو اعتماد حركة "فتح" على الخطاب الديني في تعبئتها لجمهورها.
- ويكفي أن كل بيان صادر عن "كتائب شهداء الأقصى" يعلن عن عملية جهادية تقوم بها يبدأ بالآية الكريمة: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلِيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِين﴾، وهذا لم يكن سائدًا في الماضي. صحيح أن سقف متطلبات حل القضية الفلسطينية بالنسبة لحركة "فتح" واليسار ينحصر في المطالبة بإجلاء الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وإقامة الدولة الفلسطينية فيها إلى جانب عودة اللاجئين الفلسطينيين، في حين أن حركات المقاومة الإسلامية تنادي بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، إلا أن استمرار ممارسات حكومة شارون على هذا النحو، ورفضها الشديد والمطلق لمطالب الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية- فضلاً عن استمرار سيطرة اليمين المتطرف على الحكم في الدولة العبرية- كل هذه العوامل من شأنها أن تؤدي إلى تآكل الفروق الأيدلوجية بين حركات المقاومة.
- على كل الأحوال، فإنه مما لا خلاف حوله أن حركات المقاومة على اختلاف مشاربها الفكرية تتفق على أن اتفاق "أوسلو" قد انتهى، وأصبح من عداد الأموات، وأن العلاقة بين الشعب الفلسطيني ودولة العدوان قد دخلت مرحلة جديدة.
- 3- انضمام قطاعات جماهيرية جديدة للمقاومة:
- اللافت للنظر أن المقاومة والفلسطينية ونجاحاتها في المعركة غير المتوازنة قد أدَّت إلى ارتفاع معنويات الجمهور الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل، وعلى الرغم من أن تدهور الأوضاع الاقتصادية لجماهير الشعب الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل؛ حيث إن مستويات الفقر في قطاع غزة قد تجاوز الستين بالمائة، في حين يتجاوز الثلاثين بالمائة في الضفة الغربية، وعلى الرغم من تدمير البنى التحتية للاقتصاد الفلسطيني، فإن الجمهور الفلسطيني يظهر استعدادًا كبيرًا لمواصلة التضحية.
- وهنا يتوجب الإشارة إلى أن هناك قطاعات جديدة قد دخلت إلى عمل المقاومة ، فقد كانت عمليات المقاومة محصورة في نطاق الأجهزة العسكرية للتنظيمات، إلا أنه مع عمليات الاجتياح التي قامت بها قوات الاحتلال لقلب المدن الفلسطينية، فقد انضم الآلاف من الشباب الفلسطيني إلى إطار المقاومة . وهناك الكثيرون منهم ممن لم يكن له انتماء تنظيمي محدد.
- وبذلك فقد أدَّت الحملة الصهيونية إلى تحويل كل المناطق الفلسطينية إلى ساحة مواجهات، بعد أن كانت مقصورة على مخيمات اللاجئين أو الريف الفلسطيني، إلى جانب ذلك، فقد تجلَّت الوحدة الوطنية الفلسطينية في أسطع مظاهرها، ففي بيت لحم تشاهد المقاوم المسلم إلى جانب المقاوم المسيحي يتخندقون في نفس الخندق، وتجد النساء المسيحيات والمسلمات وهن يقمن بنقل المؤن إلى رجال المقاومة في معاقلهم.
شهادات صهيونية بحق المقاومة
"إنهم حقًّا مقاتلون أشداء، يصعب على المرء أن يتصور كيف يتجرأ شباب في مثل هذا العمر على مواجهة الدبابات بسلاح خفيف"، وإن كان الحق ما شهدت به الأعداء، فإن هذه شهادة الجنرال إسحاق إيتان قائد حملة "الجدار الواقي" الهادفة إلى اجتثاث المقاومة الفلسطينية ، ويضيف إيتان في تقرير بعث به إلى هيئة أركان الجيش قائلاً: "إننا حقًّا نستطيع أن نحتل مدن الضفة الغربية والبقاء فيها مدة ما، لكن بناء على انطباعاتي، فإنه ليس ورادًا لدى هؤلاء الاستسلام لنا" (القناة الأولى في التلفزيون الصهيوني 3/4/2002 م).
وبالفعل، فإنَّ المقاومة الفلسطينية كانت من البسالة إلى درجة جعلت جنود الاحتلال رغم احتلال رام الله وغالبية المدن الفلسطينية، غير قادرين على الترجل من دباباتهم. ويكفي هنا أن نشير إلى أن عناصر الوحدات الخاصة لا يتحركون في أي شارع من شوارع المدن التي أعيد احتلالها إلا في حال كانت مروحيات "الأباتشي" أمريكية الصنع تحلق فوقهم لإعطاء عناصر هذه القوات شعورًا بالأمن.
ومن الأمور التي تلفت الأنظار بشكل خاص، حقيقة تفوق المقاومين الفلسطينيين في مجال القنص. وحسب بيانات مكتب الناطق بلسان جيش الاحتلال نفسها، فإن جميع جنود الاحتلال الذين قتلوا أو أصيبوا منذ بدء الحملة كانوا قد أصابتهم رصاصات القناصة الفلسطينية عندما حاولوا رفع رؤوسهم من الدبابات، بكلمات أخرى، إنَّ كل جندي حاول الخروج من الدبابة كان هدفًا لرصاص القناصة الفلسطينيين.
والخلاصة
أن الشعب الفلسطيني- برغم الجراح- يعيش عصره الذهبي تحت ظلِّ المقاومة والجهاد.. وأحرار فلسطين باتوا يؤمنون بأن هذا الواقع ليس قدرًا، بل يجب مقاومته حتى التخلص منه بشكل نهائي، وكل الدلائل تؤكد أنه-وبخلاف انتفاضة الحجر التي اندلعت في العام 1987 م- فإنه لا يبدو أن هناك أي إمكان للالتفات على مقاومة الشعب الفلسطيني المتصاعدة، وقد يكون أهم سبب وراء ذلك- إلى جانب تصميم الشعب الفلسطيني على استعادة حريته- حقيقة أنه لا يوجد في الدولة العبرية مَن يبدي أي استعداد للتعاطي مع أكثر الأطراف الفلسطينية مرونة في كل ما يتعلق بالتسوية مع الصهاينة.
المصدر : إخوان أون لاين