مرجعية بديلة.. أم تبديد للانتصار؟
بقلم : معتصم حمادة
2009-02-07
من رأوا أن الانتصار والصمود في غزة، يستوجب تعميق الانقسام بالدعوة لمرجعية بديلة، أخطأوا في قراءة النتائج، ووضعوا قدمهم، في الخطوة الأولى، على طريق تبديد انتصار غزة وصمودها
قليلون فوجئوا بإعلان حركة حماس ، على لسان رئيس مكتبها السياسي، العمل على بناء مرجعية بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في الوطن وفي الشتات؛ وبدعوى أن الخلاف لم يعد بين حماس وبين فتح، أو بين حماس وبين السلطة الفلسطينية، بل بين برنامج المقاومة، وبين برنامج التسوية.
فلقد سبق هذا الإعلان سلسلة من التداعيات، كان أبرزها لجوء حماس إلى السلاح لحسم الخلافات السياسية مع فتح في السلطة الفلسطينية في 14/6/ 2007 .
ثم لجوء حماس إلى السلاح لحسم الخلافات السياسية مع فتح (كتنظيم) عبر الاعتقالات والنفي القسري خارج القطاع.
وبين هاتين المحطتين، قامت حماس ببناء مؤسسات سلطة خاصة لها، من أجهزة شرطة، ونيابة عامة، وقضاء، فضلا عن إعادة ترميم حكومة إسماعيل هنية المقالة باعتبارها الحكومة الفلسطينية الشرعية، تحمل اسم «حكومة الوحدة الوطنية»، مع أن وزرائها، بعد 14/6/ 2007 ، باتوا كلهم من حركة حماس وحدها.
دعونا ندقق في بعض المفردات والتصريحات والتوصيفات التي ترد في الخطاب السياسي الفلسطيني، منعا للتعمية والتضليل.
- هناك أولا المقاومة: المقاومة ليست برنامجا، بل وسيلة من وسائل تحقيق البرنامج السياسي.
والقول ببرنامج المقاومة عبارة مضللة، الهدف منها محاولة حصر المقاومة بفصيل دون غيره، انطلاقا من أن كل الذين ينادون بالمفاوضات والتسويات السياسية هم خارج مربع المقاومة، كأسلوب كفاحي.
وأن تنتمي إلى مربع التفاوض (أيضا كأسلوب كفاحي) وصولا إلى تسوية للصراع مع العدو الإسرائيلي لا يعني أنك خارج مربع المقاومة، ودليلنا على ذلك ان حماس نفسها، وعلى لسان رئيس مكتبها السياسي، لا تكف عن دعوة الجانبين الأميركي والإسرائيلي للتفاوض معها هي، دون غيرها، باعتبارها هي المؤهلة لتطبيق ما يتم الاتفاق عليه والالتزام به، وانطلاقا من أن الرئيس محمود عباس ـ كما تقول حماس ـ حالة ضعيفة، لا تستطيع الوصول مع الأميركيين وإسرائيل إلى اتفاق.
- وهناك ثانيا التسوية السياسية: والتسويات السياسية تم حين يقتنع الطرفان المتصارعان، أن كلا منهما عاجز عن القضاء على الطرف الآخر، هذا ما شهدناه في أكثر من بقعة في هذا العالم دارت فيها صراعات دموية قومية ودينية ومذهبية وغيرها.
ولقد أدركت الحالة الفلسطينية، منذ هزيمة أيلول ( سبتمبر ) 1970 استحالة القضاء على دولة إسرائيل، لذلك تبنت البرنامج المرحلي (العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة) في العام 1974.
وقد اعتبر ذلك البرنامج آنذاك «برنامج تسوية»، لذلك سمي بالبرنامج المرحلي، أي إنه لا ينهي الصراع مع العدو الإسرائيلي، بل ينهي مرحلة من مراحل هذا الصراع، ويفتح الباب، حين إنجازه، لمرحلة جديدة، هدفها الوصول إلى الحل الناجز عبر إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني. (راجع في ذلك البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين).
ومع أن حركة حماس انطلقت في شعاراتها، لمحو إسرائيل في الوجود، إلا أنها، وعلى لسان رئيس مكتبها السياسي، طرحت ما هو دون البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية حين قبلت بدولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وعاصمتها القدس، مقابل هدنة مدتها أربعون عاما مع تأجيل «القضايا الشائكة» ـ أي قضية اللاجئين وغيرها ـ «للأجيال القادمة كي تحلها».
وبالتالي باتت حماس هي أيضا مع التسوية السياسية للصراع مع العدو الإسرائيلي رغم أنها ترفع في الوقت نفسه شعار المقاومة.
- وهناك ثالثا المفاوضات: منذ مؤتمر مدريد، بات التفاوض مع العدو الإسرائيلي ـ خلافا لما سبق ـ عملا سياسيا مشروعا.
فقد دخلت الأطراف العربية، ذات الصلة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، في عملية تفاوضية مع العدو الصهيوني، كل في مسار خاص به.
بعضهم وصل في ختام هذه العملية إلى معاهدة سلام نهائية (ك الأردن ) وبعضهم الآخر مازالت المفاوضات قائمة بينه وبين الجانب الإسرائيلي، بتقطع تارة، وبتواصل تارة أخرى؛ مباشرة تارة، وبشكل غير مباشر تارة أخرى؛ نعني بذلك فلسطين و سوريا.
مع ملاحظة أن بعض المسارات (كالمسار السوري) قامت على قاعدة قرارات الشرعية الدولية (242 و338) التي تنص على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الشامل حتى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 67، وبعضها الآخر، كالمسار الفلسطيني، نزل تحت سقف قرارات الشرعية الدولية، وهذا هو سبب رئيس من الأسباب التي دعت معظم فصائل م.ت.ف. للمطالبة بوقف هذه المفاوضات، نظرا لكونها مختلة لصالح العدو الإسرائيلي.
والمطالبة، في الوقت نفسه، بضرورة إطلاق مفاوضات ذات هدف واضح: «جلاء الاحتلال والاستيطان عن الأرض الفلسطينية المحتلة بحرب حزيران ( يونيو ) 67، وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948 ».
مع التمسك بقرارات الشرعية الدولية التي تكفل هذه الحقوق وهذه الأهداف، ورسم سقف زمني للعملية التفاوضية، حتى لا تصبح ملهاة، الهدف منها كسب الوقت على حساب المصلحة الفلسطينية.
ومن الطبيعي القول إن من يهدف الوصول إلى تسوية لابد له من دخول المفاوضات.
وهناك «تسويات» مؤقتة يتم الوصول إليها عبر المفاوضات، كالاتفاق على التهدئة مع العدو الإسرائيلي. ولقد انخرطت حركة حماس نفسها في مفاوضات غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي (بواسطة الوسيط المصري) حين وافقت على التهدئة 19/6/2008 وهي تفاوض الآن (دوما عبر الوسيط المصري) الجانب الإسرائيلي للاتفاق على التهدئة الجديدة.
- وهناك رابعا «الانتصار»: ونعني به انتصار المقاومة في القطاع في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
هنا يجب التأكيد أن الصامد الأكبر والمنتصر الأكبر هو الشعب الفلسطيني، الذي قدم الغالبية العظمى من الشهداء والجرحى، مقارنة بعدد الشهداء والجرحى من بين المقاتلين (باعتراف الفصائل المقاومة نفسها).
كما يجب التأكيد أن ما من حق فصيل دون غيره الإدعاء أنه حمل واجب المقاومة على عاتقه منفرداَ، ولقد أكد كثير من المتحدثين من داخل القطاع (وخلافا لبعض المتحدثين خارجه) أن أذرع المقاومة قاتلت متضامنة متكافلة في خندق واحد ضد العدوان الهمجي.
كما صدرت تقارير عدة عن مراكز الأبحاث والدراسات والجهات المعنية تشير إلى الأذرع العسكرية التي قاتلت وكم قدمت من شهداء وجرحى، وما كان عليه دورها في مناطق القتال المختلفة.. وبالتالي لا يحق لأحد أن يدعي المقاومة لنفسه، أيا كانت قدراته «الحنجرية» والإعلامية، وتحالفاته الإقليمية.
وفي السياق، لا يحق لأحد أن يدعي لنفسه «الانتصار والصمود» دون غيره، ثم يتقدم باسم هذا الانتصار وهذا الصمود، ليعبث في الحالة الفلسطينية، كالإعلان عن مرجعية «بديلة» لمنظمة التحرير الفلسطينية، ففي هذه المواقف استغلال سيء للصمود والانتصار.
لقد ولد الصمود والانتصار نتيجة للوحدة الميدانية للمقاتلين، كل في موقعه، وكل في خندقه، وإن من يود أن يستخلص الدروس توجب عليه أن يدرك ـ بفعل تجربة صمود غزة ـ أن الوحدة، لا الانقسام، وأن التكاتف لا التشرذم، هما الطريق إلى منع العدو من أن يستثمر هو أيضا عدوانه ضد القطاع، بتحالفات دولية تهدف، ليس فقط إلى فرض حصار عسكري على قطاع غزة بل ربما إلى تغيير في قواعد اللعبة السياسية، وصولا إلى تغيير في الخرائط الإقليمية، على حساب القضية الفلسطينية وعلى حساب حقوق شعبها ومصالحهم الوطنية.
بعد هذا، نقول، يمكن لأي كان أن ينتقد القيادة الرسمية في م.ت.ف. (وليس م.ت.ف. بكافة فصائلها والمنتسبين إليها، فالمنظمة هي ائتلاف وطني وهي كيان سياسي تعتبر كل فلسطيني عضوا فيها) وأن ينتقد سلوكها وأداءها السياسيين وأن ينتقد انخراطها في مفاوضات مختلة انبثقت عن مؤتمر أنابوليس، وعلى قاعدة هذا النقد، تكون الدعوة إلى الإصلاح والتطوير.
ولا نأتي بجديد، حين نقول إن وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني، وبتوقيع كل الفصائل، الأعضاء في المنظمة، والذين هم خارجها، اعترفت وأقرت وأكدت أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني تحتاج إلى إصلاح، وأن مؤسساتها تحتاج إلى تفعيل, من هنا دعت الوثيقة إلى انتخاب مجلس وطني جديد، من الداخل والخارج، وفق مبدأ التمثيل النسبي، تنبثق عنه لجنة تنفيذية جديدة ومجلس ثوري جديدين ومنتخبين، وتتشكل من بين أعضائه اللجان البرلمانية، المعنية بمراقبة أعمال اللجنة التنفيذية ودوائرها المختلفة.
وحتى لا تصبح الانتخابات هدفا بحد ذاتها، (وكأن المسألة هي مسألة صراع على مقاعد ومناصب ومغانم) ربطت وثيقة الوفاق الوطني بين إصلاح م.ت.ف، وبين برنامجها السياسي، حين أكدت على البرنامج المرحلي (كما أشرنا إليه أعلاه) وحين رسمت آليات تحقيق هذا البرنامج، فربطت بين المقاومة، والمفاوضات، والنضال في الميادين الأخرى، الجماهيرية والإعلامية والدبلوماسية.
لذا نختم ونقول، إن من دعوا إلى «مرجعية بديلة» باسم المقاومة، ليسوا هم وحدهم، المتحدثين باسم المقاومة، ومن رأوا أن «الانتصار والصمود» في غزة يستوجب تعميق الانقسام وتعميق التشرذم أخطأوا خطأ فادحا في قراءة هذا الانتصار وهذا الصمود.
بل دعونا نقول، إنهم وضعوا قدمهم، في الخطوة الأولى، على طريق تبديد انتصار غزة وصمودها.
المصدر
- مقال:مرجعية بديلة.. أم تبديد للانتصار؟المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات