مذابح الإسلاميين في سجون العسكر - معمر القذافي ومجازر ليبيا
مقدمة
لم تختلف المجازر في البلدان الواقعة للحكم العسكري في العالم العربي عن بعضها البعض – خاصة ضد الأبرياء العزل في السجون – فما قام به النظام المصري العسكري قام به النظام السوري والنظام الليبي والتونسي والجزائري – في ظاهرة تحتاج لدراسة عميقة عن الأسباب الحقيقية التي تدفع هؤلاء العسكر – الموكل لهم حفظ الأرواح – أن يقوموا بمثل هذه المجازر خاصة ضد الإسلاميين داخل السجون.
انقلاب عسكري ليبي
لعبت الطريقة السنوسية دورا سياسيا كبيرا في حماية الأمن القومي الليبي خلال عصور مختلفة، ففي القرن 19 عارضت الدولة العثمانية، وقاتلت الإيطاليين في القرن العشرين بقيادة عمر المختار، وحكمت ليبيا بقيادة الملك إدريس الأول. (1) قاوم إدريس السنوسي مع أعوانه الاستعمار الإيطالي مقاومة شرسة حتى اضطر إلى مغادرة وطنه إلى مصر.
وفي الحرب العالمية الثانية عاون الانجليز بنفوذه ورجاله إلى أن تم جلاء البريطانيين عن ليبيا واعتراف بريطانيا به أميرا على برقة عام 1949م، حتى استقلت ليبيا عام 1951م ووافقت الأمم المتحدة على جعلها دولة اتحادية تحت حكم الملك إدريس السنوسي الأول، والذي اهتم بالتعليم، وبنهضة البلاد، وأسس الجامعة الليبية عام 1958م في بنغازي، ثم جامعة طرابلس عام 1964م.
في 1963م أقام إدريس حكومة دستورية، ووحد ليبيا وألغى نظام الاتحاد الفيدرالي، وظل الوضع كذلك حتى تفاجأ الشعب الليبي بانقلاب العقيد معمر القذافي على الملك في 1 سبتمبر 1969م، مما دفعه للهرب لمصر حيث مات بها عام 1983م.(2) لقد حاولت دعاية القذافي أن تؤثر على الرأي العام وتلصق التهم بالملك، حيث روج أن السنوسي صورة مشابهة للملك فاروق ونزواته وفسقه وفساده. (3)
لكن الواقع يقول أن ليبيا بدأت تصدر النفط عام 1961م، وفي هذا التوقيت بدأ عبد الناصر يغير السياسة في بعض دول الشرق الأوسط – خاصة بعد تراجع امبريالية بريطانيا وفرنسا- وهذه التغيرات أثرت في بعض طلاب ليبيا وضباطها الصغار الذين انجروا إلى الأفكار الاشتراكية، والذي ولد عندهم كره للغرب.
وهذا ما دفع الملازم معمر القذافي للانقلاب على نظام الملك إدريس سميت بثورة الفاتح، ووضع أيديولوجية في الكتاب الأخضر. (4) وبدأ الأمر بحركة الضباط الوحدويين الأحرار في الجيش الليبي بقيادة الملازم أول معمر القذافي والتي قامت بالزحف على مدينة بنغازي لتحتل مبنى الإذاعة وتحاصر القصر الملكي بقيادة الضابط الخويلدي محمد الحميدي لتستولي على السلطة في الأول من سبتمبر عام 1969م ،وسارع ولي العهد وممثل الملك بالتنازل عن الحكم حيث كان الملك محمد إدريس السنوسي خارج البلاد في رحلة لتلقي العلاج في تركيا.
قام القذافي بإجلاء القواعد الأمريكية والإنجليزية عن ليبيا،وقام بإلغاء الدستور الليبي حيث ظلت البلاد بلا دستور ينظمها طوال فترة حكمه، وقام بشل الحياة السياسية التي كانت قائمة بما فيها الأحزاب والمنظمات والجمعيات والصحافة الحرة، كما حاول العمل على الوحدة العربية وباءت كل محاولاته الاندماجية بالفشل في دمج ليبيا مع مصر وتونس. (5)
الإخوان في ليبيا
منيت ليبيا بما منيا به العالم الإسلامي من احتلال من الدول الغربية التي عملت جاهدة على طمس هوية الشعب الليبي الإسلامية، ولذا انطلقت صيحات المجاهدين تحت قيادة عمر المختار تدك حصون الطليان.
ولذا اهتم الإخوان بشأن ليبيا – من ضمن أهدافهم الاهتمام بشئون العالم الإسلامي - ووقفوا بجانب حريته واستقلاله بكل إمكاناتهم، وفي سبيل ذلك أفسحت جرائد ومجلات الإخوان المجال أمام الطرابلسيين لينشروا جرائم المحتل، ويكشفوا خططه.
كما حاول الإخوان عقد مؤتمر إسلامي يبحث قضية طرابلس الغرب ومايحدث فيها، في 24/3/1939 بجمعية الشبان المسلمين.وطالبوا الهيئات المختلفة بتبني قضايا البلدان المحتلة،والعمل على تحرير شعوبها من الاحتلال،والاعتراف باستقلالها ودعمه والاعتراف به،من ذلك رسالة أرسلها الإمام حسن البنا إلى مؤتمر وزراء الخارجية
قال فيها:
- "في هذا الوقت الذي تقررون فيه مصير الشعوب نتشرف بأن نعلن إليكم - باسم الإخوان المسلمين في مصر وفي العالم العربي والإسلامي عامة - أن الأمة العربية والإسلامية في جميع أنحاء العالم تأمل ألا تهضم حقوقها الثابتة في الحرية والاستقلال التي ضمنها ميثاق الأطلنطي، ودعمها اشتراكها في المجهود الحربي مع الأمم المتحدة؛حتى تتوطد دعائم السلم على أساس العدالة والأخوة الإنسانية" (6)
وكانت ليبيا من هذه البلدان التي يطالب الإخوان بتحريرها ؛لذلك فقد أعد قسم الاتصال بالعالم الإسلامي مذكرة عن قضية طرابلس،وقام وفد من الإخوان بالإسكندرية بتقديمها إلى سعادة الأمين العام لجامعة الدول العربية، مطالبين فيهاالجامعة بأن تقف موقفًا إيجابيًّا من قضايا بلدان الشمال الإفريقي ومنها ليبيا. (7)
كما تحرك تشعب الإخوان للتبرع لإعالة الطلبة الطرابلسيين في مصر، حينم نعت عنهم الحكومة الإيطالية المدد المالي الذي كان يأتيهم من أهليهم بطرابلس وبنغازي وبرقة، (8) وطالبت الأزهر ومشيخته أن تعتني بهؤلاء الطلاب كل العناية، وتمدهم بما يضمن لهم العيش حتى ينتهوا من دراساتهم. (9)
كما بعث المركز العام للإخوان المسلمين بمذكرتين إحداهما خاصة بالقضية الليبية (برقة وطرابلس) مقدمة إلى مؤتمر وزراء خارجية الدول العظمى المنعقد فى باريس ، يطالبون فيها بحقوق ليبيا المغتصبة
حيث جاء فيه:
- والشعب الليبى إذ ينكر عودة الإيطاليين كل الإنكار، لايقر لأى دولة أجنبية أخرى بأى حق فى بلاده؛ لأنه لايحارب أى دولة لذاتها، وإنما يحارب مبدأ الاستعمار أينما وجد، ولايقبل تقسيم بلاده،أو الفصل بين أجزائها،الأمر الذى يتعارض مع حالة البلاد الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، وهو مالايقره هذا الشعب بأى حال من الأحوال ،كما أنه لايعترف بأى حل لايؤخذ فيه رأيه فى استفتاء حر بعيد عن كل ضغط أو تدخل من جانب الإنجليز أوغيرهم. (10)
وبدأت حركة الإخوان المسلمين في ليبيا في أواخر الأربعينيات، وذلك بثلاثة طرق:
- عن طريق الطلبة الليبيين الذين كانوا يدرُسون في مصر مهد الدعوة.
- عن طريق أعضاء هيئة التدريس المصريين من جماعة الإخوان المسلمين،والذين كانوا يدرِّسون في ليبيا.
- عن طريق الجهد المشكور الذي بذلها لأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم، وهو أحد ثلاثة من شباب الإخوان المسلمين هربوا من الجور والظلم الذي حاق بالجماعة في سنة 1948م، والآخران هما الأستاذ محمود الشربيني وجلال سعدة، وقد لجآ إلى قصر الملك في بنغازي، وكان الدور الخاص بالدكتور عز الدين إبراهيم في مدينة بنغازي بالذات دورًا له آثاره الطيبة؛ حتى إنه لايكاد يكون هناك شاب من شباب هذه المدينة ممن لهم شأن يُذكر إلا وقد تتلمذ على يد هذا الداعية المسلم. (11)
إلا أن الحركة تعرضت للتضييق من قبل الملك السنوسي أو من القذافي بعدما استولى على السلطة عام 69م الإسلاميين و7 أبريل منذ أن تولى معمر القذافي سدنة الحكم وقد أعلن احترامه للدين، حتى أنه أصدر تشريع بتحريم الخمر والدعارة، لكن مع مرور الأيام تملكه هاجس الخوف على الكرسي، خاصة من الإسلاميين الذين وجد فيهم تأثير قوي على المجتمع.
حيث قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية:
- أن العقيد الليبي كان إبان حكمه البلاد يعتبر الإسلاميين التهديد الأعظم لسلطته، وأنه أمر باعتقال الآلاف منهم وبتعذيبهم وفي بعض الأحيان بإعدامهم. (12)
وكشف تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" عن جانب من انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا في عهد الراحل معمر القذافي والممارسات التي اتبعها ضد معارضيه ،خاصة الإسلاميين منهم. وقالت خبيرة مكافحة الإرهاب وكاتبة التقرير لورا بيتر "كانت المعاملة في ليبيا سيئة جدا، لقد كان السجناء عرضة لكثير من الانتهاكات والضرب،وتعرض بعضهم لصدمات الكهربائية ومحاكمات سريعة ،وحبس انفرادي".
ويشير تقرير هيومان رايتس واتش إلى أن القذافي استهدف بشكل أساسي الإسلاميين المعارضين له،وأن كثيرا من هؤلاء فروا من ليبيا أثناء حكمه. (13)
لقد تعرض الإخوان بليبيا لاعتقالات وملاحقات واسعة وقتل نظام القذافي عددا من أعضائها وسجن البعض من قادتها وحكم عليهم بالإعدام والمؤبد إلى أن تم الإفراج عنهم في عام 2005. ازداد هاجس الخوف لدى القذافي – خاصة مع زيادة حركة ونشاط طلاب الجامعات – وظهور تحرك إسلامي وسطهم فكان لابد من توصيل رسالة.
قال السيد بو يصير:
- إن اللجان الثورية طلبت من كل طلبة الجامعة - وكانوا بين الـ 9000 و10000 طالب -الحضور ومشاهدة عملية الشنق، لقد كان الشناقون ينشدون بحماس "لانريد مزيد من الكلام، فقط اقتلوا عدو الثورة".
ويضيف:
- إن الصفوف الأمامية من مشاهدي الإعدام كان يحتلها أعضاء اللجان الثورية المبتهجين والمهللين بالقتل العلني. (14)
لقد قال القذافي بعدما قام بعملية الشنق:
- إنه لو لم يفعل ذلك لأحرقوا طرابلس وأحرقوني معها. (15)
وبالفعل نفذ القذافي وعيده بشنق الطلاب في ميدان الجامعة العام، على تهليل وصيحات أعضاء طلائع الثورة – التابعين للقذافي
يقول أسامة علي شويهدي - الذي كان طالباً في العام الأول في كلية إدارة الأعمال حين قَتَل المجلس الثوري طالباً في جامعة بنغازي عام 1976م:
- "اعتادوا أن يطلقوا على أنفسهم اسم طلائع الثورة؛ وتبع تلك الحادثة نزاع بين المؤيّدين والمعارضين مما دفعنا إلى التظاهر في ميدان الشجرة، وهناك وقعت اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة وتدخل الجيش، تمّ القبض على بعض الطلاب وكنت أنا من ضمنهم،حيث تم سجننا لأكثر من أسبوع ثم أطلقوا سراحنا بعد أن وقّعنا على تعهّدٍ".
وبعد عدّة أشهر في السادس من أبريل ألقى القذافي خطاباً في مدينة سلق بالقرب من بنغازي، حيث قال القذافي: بأن اللجان الثورية ستطهّر الجامعة من المتطرّفين. (16)
في السابع من أبريل عام 1976 بدأ مسلسل الرعب في الجامعات الليبية، وشاهد الطلاب بأعينهم زملاءهم معلقين على المشانق، وكانت كل التهم المتوفرة الوقوف ضد الثورة. حيث قامت اللجان الثورية في ليبيا بإعدام عشرات الطلبة داخل الحرمين الجامعيين لجامعتي الفاتح في طرابلس وقاريونس في بنغازي.
كانت البداية بانتفاضة قام بها الطلبة في يناير 1976م ضد القذافي في جامعتي طرابلس وبنغازي، خاصة بعدما كثف نظام القذافي مع بداية العام الدراسي 75-76 جهوده لتجنيد طلبة الجامعات والثانويات من خلال استدراجهم لحضور المعسكرات والملتقيات التسييسية والعقائدية
وكان من نتيجة ذلك انتظام عدد من الطلاب لـ "قوى الثورة" و"هيئة أمن الجماهيرية" حيث تحصلوا تدريبا أمنيا وعسكريا خاصا تضمن تدريبات عملية علىا ستعمال السلاح وطرق الاعتقال والتحقيق والاستجواب والتعذيب، ولوحظ في تلك المرحلة أن معظم القيادات الطلابية وضعت تحت المراقبة الأمنية الشديدة. (17)
في 21 ديسمبر 1975، استكمل طلاب جامعة بنغازي انتخاب ممثليهم في رابطة جامعة بنغازي وكانت تلك الانتخابات ضد رغبة القذافي الذي أعلن رفضه للمؤسسات الطلابية المستقلة بسبب صعوبة السيطرة عليها واحتوائها.
وفي 25 ديسمبر أعلن الطلبة المنتخبون تكوين رابطة جامعة بنغازي المستقلة بالكامل عن اتحاد الطلبة الحكومي.وفي اليوم التالي اعتقل أمين إعلام الرابطة وعدد من القيادات الطلابية،وقد تعرض الطلبة المعتقلون للتعذيب من قبل "قوى الثورة" المسلحين.
ثم في نفس الليلة قام "قوى الثورة" بحرق موقف (جاراج) للسيارات في بيت أحد العناصر القيادية في الرابطة اعتقادا من النظام أن الجاراج يحتوي على المادة الإعلامية التي ينوي الطلاب توزيعها.وفي اليوم التالي، أعلن أمين التنظيم في الإتحاد الاشتراكي العربي الليبي حل الإتحادالعام لطلبة ليبيا ورابطة جامعة بنغازي بناء على أوامر القذافي.
وبعد يومين من صدور القرار نظم طلبة الجامعات مسيرات سلمية نددوا فيها بقرار الحكومة مطالبين برفع الوصاية على الإتحاد العام لطلبة ليبيا. ومع بداية السنة الميلادية الجديدة 1976 اقتحم أكثر من سبعين مسلحا من "قوى الثورة" الحرم الجامعي في جامعة بنغازي وكانوا مدججين بالسلاح والعصي والسكاكين والسلاسل،وتعرضوا خلال الهجوم إلى الطلبة والطالبات العزل بالضرب، كما قام بعضهم بحرق بعض سيارات الطلاب وهددوا قيادة الإتحاد بالتصفية إذا لم يعلنوا تخليهم عن فكرة الإتحاد العام لطلبة ليبيا.
وانتهت المواجهة بتدخل الشرطة وفك الاشتباكات بين الطلاب العزل و"قوى الثورة". وبعد يومين افتتح وزير التعليم والتربية المؤتمر التأسيسي للإتحاد الحكومي الذي قاطعته كل الروابط الطلابية في الكليات، ثم في اليوم التالي قام طلبة جامعة بنغازي بالاعتصام في الحرم الجامعي منددين بالجرائم التي ارتكبتها عناصر "قوى الثورة". (18)
قام الطلاب في اليوم التالي بالتظاهر وسط المدينة في بنغازي ولكن بعد ساعات من السير في الشوارع، حاصرت قوات الحرس الجمهوري الطلبة المتظاهرين من كل جانب وأطلقو االنار عليهم مما أدى إلى سقوط طالب ووفا ة أخر في المستشفى فيما بعد.
ما أن انتشرت الإخبار حول الصدام الذي تم بين طلبة جامعة بنغازي و "قوى الثورة" وعناصرا لأمن حتى عمت مظاهرات التنديد كليات طرابلس وبعض المدارس والمعاهد، وذلك في السادس من يناير 76. فقامت الحكومة في نفس اليوم بإخراج مسيرات تأييد من " قوى الثورة" الذين بينوا أنهم على أتم الاستعداد للمواجهة المسلحة.
كما قامت المباحث العامة باعتقال قيادات الحركة الطلابية واعدمت اثنين من قيادات الطلبة شنقا في السابع من أبريل 1977. قرر طلبة جامعة طرابلس الاعتصام أمام مكتب المدعي العام مطالبين بتنفيذ القانون ومحاكمة قوى الثورة وخاصة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين.
كما قرر الطلاب في مدينة بنغازي الخروج إلى شوارع المدينة في مظاهرة غاضبة، وعندما اعترضتهم قوات الحرس الجمهوري واجهوها بالحجارة وقنابل المولوتوف حتى تغير الموقف تماما وسيطر الطلاب على وسط مدينة بنغازي تماما، ثم قام بعض المواطنين الذين انتظموا للمظاهرة بتفجير عبوات الجيلاتينه في مبنى الإتحاد الاشتراكي العربي الليبي ، فأطلقت قوات الحرس الجمهوري النار على المتظاهرين مما أدى إلى سقوط العديد من الجرحى وقامت قوات الحرس الجمهوري باعتقال المئات.
وعندما تبين أن المئات من الموظفين والتجار والعمال والمدرسين والحرفيين انتظمو اإلى صفوف الطلاب،أصدر القذافي أوامره بضرورة السيطرة الكاملة على الموقف والقضاء على الانتفاضة بأي ثمن ولو أدى ذلك إلى احتلال مدينة بنغازي بالأسلحة الثقيلة. في مساء السابع من يناير عقد عضو مجلس قيادة الثورة اجتماعا مع عدد من القيادات الطلابية لمناقشة مطالبهم مقابل التوقف عن التظاهر في المدينة.
وفي اليوم التالي حاول وفد من قيادات الطلاب في جامعة طرابلس السفر إلى جامعة بنغازي للإطلاع على مجريات الأحداث والاتصال بإخوانهم فيها ولكن الحكومة منعتهم من السفر مما أدى إلى استفزاز الطلبة وغضبهم حيث قام عدد منهم باحتلال مكاتب الإتحاد الحكومي.
وفي نفس اليوم أعلن طلبة جامعة طرابلس أنهم ينوون التجمع أمام مسجد مولاي محمد بعد صلاة الجمعة والتحرك من هناك نحو وسط المدينة في مسيرة احتجاج على تصرفات قوى الثورة حيال الحركة الطلابية.
فتدخل الرائد الخويلدي الحميدي في نفس الليلة وسعى إلى عقد اجتماع مع قيادات الحركة الطلابية في طرابلس وطلب منهم التراجع عن المسيرة بعد أن استلم مطالبهم وأبدى تعاطفه معهم واعدا إياهم بالتحقيقف يالموضوع واتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف المواجهة ومعاقبة الجناة.
قام الطلبة الليبيين الدارسين في الخارج باحتلال بعض السفارات الليبية احتجاجا على أساليب الحكومة في التعامل مع مطالب الحركة الطلابية، وقد احتل عناصر الحركة الطلابية سفارات ليبيا في القاهرة (8 يناير) ولندن (12 يناير) وواشنطن (12 يناير) وكانت مطالب الطلبة تتلخص في إطلاق سراح المعتقلين ومحاكمة قوى الثورة ورفع الوصاية على الإتحاد العامل طلبة ليبيا. (19)
شن القذافي حملة على الحركة الطلابية في أكثر من خطاب ولمدة 3 أيام متتالية متهما الطلاب بالعمالة للمخابرات الأجنبية، ومعلنا بأنه لن يسمح بتكوين اتحاد طلابي يتدخل في الشؤون السياسية للبلاد وأنه لن يتردد في أن يصفي الحركة الطلابية بقوة الحديد والنار.
رد الطلاب على حملة القذافي ببيان أصدرته رابطة جامعة بنغازي في السادس عشر من يناير 76، رفض الطلاب الأحرار فيه الاعتراف بالهيئة التنفيذية للإتحاد الطلابي الحكومي، كما أيد البيان لكل ماقام به الطلاب في الداخل والخارج وطالب بضرورة تشكيل لجان للإسراع في متابعة التحقيق في الإحداث حسبما تم الاتفاق عليه مع الجهات المختصة.
وحين أصدر وزير التعليم قرارا بقطع المنح الدراسية عن عدد كبير من الطلاب الدارسين في الخارج الذين قاموا بالتظاهر والاعتصام داخل السفارات الليبية، ردت الحركة الطلابية ببيانات إدانة من فروع الإتحاد في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ومن عدة تجمعات طلابية في ولايات متشجان وكولورادو وكاليفورنيا الأمريكية خلال شهر فبراير.
وفي 5 أبريل 1976 ألقى القذافي خطابا في سلوق وهاجم فيه الطلبة واتهمهم لوجود عملاء لدول أجنبيه وطالب بتطهير الجامعات والمعاهد والمدارس ممن اسماهم باليمن الرجعي. وفي يوم 6 أبريل 1976 حضر عبد السلام جلود إلى جامعة طرابلس وفي ساحة كلية الهندسة اخرج مسدسه وأطلق عدة طلقات في الهواء وألقى خطاب حرض فيه على التنكيل بما سماهم اليمن المتعفن.
وفي يوم 7 أبريل 1976 بدأت الحافلات تتوافد على الجامعة محمله بالعمال والطلبة من كل مكان والذين حاول القذافي الزج بهم في ضرب الطلبة الشرفاء.
وفي صباح ذلك اليوم بدأت المواجهات في ساحة كلية الهندسة واستطاع الطلبة صدالمهاجمين من "قوى الثورة " ورجال الأمن الداخلي والخارجي وتم طردهم خارج ساحة الهندسة في ملحمة بطوليه لطلبة جامعة طرابلس ولكن الكثرة تغلب الشجاعة فتكالب الهمج من رجال القذافي على الطلبة وتم اعتقال أعداد كبيره منهم وبعدها أصبح يوم 7 أبريل يوم يحتفل به المقبور وشرذمته وأسموه ثورة الطلاب
وبداء بتقديم القرابين من الطلبة الشرفاء حيث :
- اعدم عمر علي دبوب وهو مدرس وكان طالبا جامعيا شارك في انتفاضة يناير المجيدة أعدم شنقا يوم 6 أبريل 1977 أمام مبني الاتحاد الاشتراكي ببنغازي
- محمد الطيب بن سعود مدرس كما طالبا جامعيا شارك في انتفاضة يناير المجيدة اعدم شنقا يوم 6 أبريل 1977 أمام مبني الاتحاد الاشتراكي
وتوالت بعدها الإعدامات
- عمر صادق المخزومي 6 أبريل 1977 اعدم شنقا بميناء بنغازي
- احمد فؤاد فتح الله اعدم شنقا يوم 6 أبريل 1977 بميناء بنغازي.
- صالح على الزروق النوال (مدرس) اعدم داخل السجن أبريل 1982
- محمد مهذب احفاف (طالب جامعي) اعدم شنقا 7 أبريل 1983 في كلية الهندسة جامعة طرابلس
- نمر خالد خميس اعدم شنقا أمام الطلاب 7 أبريل 1983 بمدرسة الفاتح الثانوية باجدابيا
- ناصر محمد سريس (مدرس فلسطيني) أعدم شنقا أمام الطلاب 7 أبريل 1983 بمدرسة الفاتح الثانوية اجدابيا
- علي احمد عوض الله (مدرس فلسطيني) اعدم 7 أبريل 1983 أمام الطلبة في مدرسة الفاتح الثانوية #باجدابيا
- بديع حسن بدر (مدرس فلسطيني) اعدم 7 أبريل 1983 أمام الطلاب بمدرسة الفاتح اجدابيا
- حسن احمد الكردي (طالب) اعدم أبريل 1984 شنقا في السجن
- عبدالله أبو القاسم المسلاتي (طالب) اعدم أبريل 1984 دون محاكمه
- رشيد منصور كعبار (طالب جامعي) اعدم شنقا 16 أبريل 1984 كلية الصيدلة بطرابلس
- حافظ المدني (طالب جامعي) اعدم شنقا 16 أبريل 1984 بكلية الزراعة
- مصطفى ارحومة النويري أعدم شنقا 21 أبريل 1984 جامعة بنغازي.
وكتب عبد المجيد (شاهد عيان):
- تمهيد المجزرة السابع من أبريل لعام 76، قام النظام باعتقال عدد من القيادات الطلابية في جامعتي طرابلس وبنغازي الذين شاركوا في أحداث يناير 76،ونظم عدة مسيرات في طرابلس (4 أبريل) وسلوق (5 أبريل) بقيادة القذافي شخصيا،أعلن فيها بدء الهجوم والزحف على الجامعات في اليوم التالي (الثلاثاء السادس من أبريل) داعيا قوى الثورة باستعمال العنف الثوري لتصفية الحركة الطلابية وتطهير الجامعات منها.
وفي نفس اليوم الخامس من شهر أبريل ،اعتصم الطلاب الأحرار في الجامعة تضامنا مع إخوانهم المعتقلين في السجون والذين قطعت عنهم المنح الدراسية في الخارج رافعين مطالب الحركة الطلابية التي أعلنتها قيادة الإتحاد العامل طلبة ليبيا.
وفي نفس اليوم أعلنت قوى الثورة عن قائمة المطلوب القبض عليهم من الطلاب بما فيهم قيادات الحركة الطلابية التي لم يتم اعتقالهم بعد،وضمت القائمة أكثرمن 200 اسم من مختلف الجامعات والمدارس الثانوية والمعاهد المتوسطة. وكانت المصادمات بين طلبة جامعةبنغازي والعناصر الثورية والأمنية قد وصلت ليومها الرابع حيث سقط فيها العديد من الجرحى. (20)
لقد تداول من حضر هذه الحادثة المروعة عدداً من الشهادات حول ماحدث،وكيف كان المشاركون في حفل التعذيب مخلصين "لإجرامهم" ليصبحوا فيما بعد قادة لجماهيرية القذافي، ويصبح مافعلوه بطولة لا جريمة.
يتحول استحضار الجريمة بدون بحث أسبابها وحلولها إلى بكائية مستمرة، لكن الاستحضار هنا ليس للبكاء على من رحل ظلماً، بل توضيحاً لما كان بداية للهجوم على كل الحركات السلمية والثقافية في ليبيا، فترويع شريحةالشباب والطلاب كان القصد منها القضاء على كل بذور أي حركة عقلانية قد تشهدها ليبيا في عام من الأعوام.
تفرقت السبل بالمسؤولين عن جريمة 7 أبريل، البعض واصلوا مشوار النظام إلىن هايته،وآخرون انشقوا عنه في فترة من الفترات،دون الاعتذار أوالمحاكمة أمام قانون ينصف التاريخ قبل الأشخاص.
وتمر ذكرى السابع من أبريل كل عام من دون أن يتم محاكمتها محاكمة عادلة، ولاالإشارة إلى نتائجها التي دمرت الحركة الطلابية،وظل القذافي يحتفل بها لسنوات في الجامعات،تمر الذكرى ومعها الرغبة في الصفح لا النسيان. (21)
كانت أحداث السابع من أبريل بداية المجازر التي بدأها القذافي ضد الشعب الليبي عامة والحركات الإسلامية خاصة.
المراجع
- ضياء يوسف العظمة: جيش رجال الطريقة النقشبندية في العراق، دار المكتب العربي للمعارف، 2015م، صـ54
- الحسيني الحسيني معدي،الملك محمد إدريس السنوسي: حياته وعصره، كنوز للنشر والتوزيع، 2012م، صـ4
- الملك محمد إدريس السنوسي: حياته وعصره ،مرجع سابق، صـ285
- ج. آ. سغر نفيل: الموسوعة التاريخية العسكرية الكبرى لأحداث القرن العشرين، ترجمة علي مقلد، الجزء الرابع، الدار العربية للموسوعات، 2012م،صـ121
- محمد يوسف المقريف: انقلاب بقيادة مخبر، مركز الدراسات الليبية أكسفورد، 2009م
- مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (70)،السنة الثالثة، 14 شوال 1364ه- 20 سبتمبر 1945م،صـ18.
- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (71)،السنة الثالثة، 21 شوال 1364ه- 27 سبتمبر 1945م،صـ16.
- جريدة النذير، العدد (35)، السنة الثانية، 10 رمضان 1358ه - 24 أكتوبر 1939م،صـ19.
- مجلة الإخوان المسلمين ،العدد (101)،السنة الرابعة، 9 جمادى الآخرة 1365ه- 11 مايو 1946م،صـ18.
- عبده مصطفى دسوقي: نشأة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين: من النشأة حتى السبعينات، مؤسسة إقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، 2013م، دولة ليبيا.
- تحرر الإسلاميين من قبضة القذافي
- مخابرات غربية تعاونت مع القذافي سكاي نيوز
- القذافي : يحتفل بشنق الطلاب علناً في حرم جامعة الفاتح الليبية
- رفاق العقيد يكشفون خبايا عهده
- انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا في عهد القذافي
- قصة 7 أبريل: صفحة جامعة طرابلس
- المرجع السابق
- المرجع السابق
- المرجع السابق
- من ذاكرة 7 أبريل
- 7 أبريل .. مشانق الرأي المخالف