مدنية الدولة بين الإخوان المسلمين والليبراليين
- إعداد/ إخوان ويكي
محتويات
المقدمة
أراد الليبراليون والعلمانيون أن يفرضون رؤيتهم السياسية ومرجعيتهم الفكرية على الدولة بموضوعات متنوعة ، مما جعل ثورة 25 يناير تستهلك فى خلافات لاطائل من ورائها غير الرجوع بالثورة إلى الخلف لا الأمام ، و" تتحمل النخبة السياسية مسئولية أساسية عما آل إليه المجتمع من تخبط فى الرؤية، وعدم تفاؤل بالحاضر، وغياب اليقين فى المستقبل. فقد تجمعت أطياف هذه النخبة فى ميدان «التحرير» مطالبة بسقوط النظام، تعرف ماذا تريد أن تهدم، دون أن تتفق على ماذا تريد أن تبنى. تاهت، وتاه معها المجتمع. .. مرة تحت لافتة الدستور أم الانتخابات أولا، وأخرى فى معركة «الدولة المدنية» أم «الدولة الدينية»، وثالثة حول ما سمى بالمبادئ فوق الدستورية. تطاحنت القوى الثورية، وانشغل الإعلام بخلافاتها، ولم يصل شىء مفيد له معنى للمواطنين العاديين. لم تبتكر النخبة القائمة فى معاركها بعد 25 يناير أساليب جديدة للتواصل، ولغة خطاب مختلفة، بل عادت إلى مخزون السجال الذى تعرفه على مدى عقود ممتدة من نظام مبارك. " (1)
ويحرص الليبراليون والعلمانيون على إثارة موضوع الدولة المدنية بمرجعيتهم الفكرية ، لتحقيق مكاسب لاتجاهم الفكرى فى الساحة الإعلامية والسياسية بعيدا عن الانتخابات التى يتخوفون منها ، ويرجع إلى إفلاس شعبيتهم ،ومن ثم فإنهم يلجئون إلى طرح مفهوم الدولة المدنية من خلال الرؤية الليبرالية ـ العلمانية عن طريق الضغط على السلطة الحاكمة ممثلة فى المجلس العسكرى والحكومة والنخب السياسة بعيدا عن الشعب الذى يدركون أنه لا يؤيد مشروعهم، ولا يمكن أن يقبل مفهوم الدولة المدنية من خلال الذى يعبرون عنه ، فقد حرصت الأحزاب الليبرالية على أن يكون لها وجود فعلى فى اللجنة التى تتولى صياغة الدستور قبل الانتخابات البرلمانية ثقة منهم أن الانتخابات البرلمانية لن تكون لصالحهم ، ولن يستطيعوا تحقيق ما يصبون إليه من خلال التمثيل البرلمانى ،فكانت محاولتهم إيجاد آلية تعبر عن تصورهم للدولة المدنية فى الدستورغير طريق الانتخابات البرلمانية ، فحاولوا تمرير المبادى فوق الدستورية التى تبناها د. يحيى الجمل ، وفشلت باستقالته ،ثم وثيقة د. على السلمى التى انتهت باستقالة الحكومة التى كان يعمل بها .
وقد عمدوا إلى استغلال مختلف وسائل الإعلام فى تشويه صورة الإخوان المسلمين والسلفيين ، وتخويف المجتمع منهم بإثارة قضايا مختلفة الهدف منها إقناع الناخب بعدم التصويت لأى من الإخوان( حزب الحرية والعدالة )والسلفيين ( حزب النور)، لكن الشعب عبر عن كلمته وتقدم حزبا الحرية والعدالة والنور الأحزاب جميعا فى الانتخابات المصرية الأخيرة التى بدأت فى 28/11/2011.
و"ثمة إصرار على تحويل الخلاف السياسى إلى صراع على الهويات، يضع الإسلامين فى جانب ويضع العلمانيين والأقباط فى معسكر الضد. ويحاصر الأولين فى قفص الدولة الدينية بكل الشرور التى ارتبطت بها فى الخبرة الغربية. فى حين يجعل الآخرين الوكلاء الحصريون للقيم المدنية والحداثة والديمقراطية والليبرالية.
حتى حين كتب مثقف بارز بوزن وحجم المستشار طارق البشرى دراسة أزال فيها التعارض المفتعل بين الدولة المدنية والمرجعية الإسلامية، فى محاولة لإقامة مصالحة رصينة بين القيمتين، فإن بعض المثقفين لم يعجبهم ذلك، فرفضوا المصالحة وأصروا على المفاصلة. رغم أن للرجل تاريخا حافلا بالدفاع عن تماسك لحمة الجماعة الوطنية، وله اجتهاداته المنيرة فى توثيق العرى بين المسلمين والأقباط بوجه أخص." (2)
وهم حقيقة لا يشيرون إلى هذا الناحية فى فكرهم حتى لا يسخط عليها السواد الأعظم من الشعب الذى لا يقبل أن يقارن الإسلام بالعلمانية ، وأي دعوة لعلمانية الدولة مرفوض من الشعب مصدر السلطات والذى لن يمنح أى فكر ثقته فى مخالفة الإسلام ، وبالتالي فأي إظهار لحقيقة علمانية الدولة المدنية التى يدعون إليها تكون معركتهم فيها خاسرة من بدايتها.ومن هنا نجدهم يرفضون مدنية الدولة عند الإخوان على أساس أنهم يدعون إلى دولة مدنية بمرجعية لا يقولون إسلامية ، بل دينية إمعانا فى المراوغة والتلاعب بالألفاظ واستهلاك الإخوان فى خلافات جانبية بعيدا عن الموضوع الأساسي وهو مرجعية الدولة المدنية ، وبالتالي يدخل الإخوان فى جدال يحاولون فيه إثبات براءتهم من تهمة الدولة الدينية .
وسعت أحزاب ليبرالية إلى التوحد فى مواجهة التيار الإسلامى تساندهم الكنيسة المصرية ، وفقا لما نشرته جريدة اليوم السابع بتاريخ الجمعة 25 نوفمبر 2011 تحت عنوان : " قائمة الكنيسة تشعل المرحلة الأولى من الانتخابات.. لجنة مركزية من الكهنة تختار المرشحين.. 24 من المصريين الأحرار و2 من الحرية..تقول : وكشفت مصادر لـ"اليوم السابع"، أن بولا أسقف طنطا، والمسئول عن لجان المواطنة بالكنيسة هو الداعم الرئيسى لفكرة تحديد قوائم من المرشحين وتوزيعها فى مختلف الكنائس المصرية فى الدوائر الانتخابية المختلفة، فضلاً عن كونه صاحب القرار فى اختيار المرشحين على تلك القوائم بالمحافظات المختلفة. "
ومن ناحية أخرى" نفى القمص سرجيوس وكيل البطريركية المرقصية بالعباسية والقائم بأعمال البابا شنودة فى غيابه، علمه بما انفرد به "اليوم السابع" أمس، حول توزيع الكنيسة قوائم على الناخبين الأقباط تدعم مرشحين بعينهم، بعد أن أعد الأنبا بولا أسقف طنطا ورئيس لجنة المواطنة تلك القوائم وأمر بتوزيعها على الكنائس فى المحافظات المختلفة.واكتفى وكيل البطيركية بالتعليق "لا أعلم" ولم ينف صحة الواقعة، بينما أكد القمص صليب متى ساويرس كاهن كنيسة السيدة العذراء بشبرا، أن شباب الكنيسة قاموا بالفعل بالاجتماع فيما بينهم واختيار مجموعة من المرشحين نظرا لاتساع الدوائر وعدم معرفة الناخبين بالمرشحين الجدد، ومن ثم بدأ الشباب فى مساعدتهم وتعريفهم بالمرشح الأفضل كأى مؤسسة أو جمعية تقوم بخدمة الناخب، مشددا على أن تلك القوائم استرشادية ولا تجبر أحدا على الالتزام بها." (3)
وبداية نؤكد أن من حق أى حزب أو جماعة أن تؤيد مرشحيين معنيين لأسباب شخصية فى نظرهم ، ولفت نظر أفراد الحزب إلى انتخابهم بما يعكس توجهات الحزب . ويقتصر دور رجال الدين فقط على حث الناس إلى الخروج للتصويت لمارسة دورهم السياسى والخروج من السلبيه التى توارثوا عليها ، وليس مقبولا أن يقوم الفقهاء المسلمون ورجال الدين المسيحى بتوجيه المواطنين نحو انتخاب قوائم أو أفراد بعينهم ، فإن الناس يطنون أن ذلك من الدين ، وهو رأى شخصى لادخل للدين (الإسلامى والمسيحي ) فى اختيارأسماء مرشحين بعينهم ، وإنما يوصى باختيار مواصفات المرشح الأفضل .
ويعبر د. رفيق حبيب عن رأيه فى حشد الكنيسة أنصارها في اتجاه معين بقوله : " أعتقد أنه عندما تقرر فئة من المجتمع أن تدعم تيارا بعينه بمعني إجماع أصوات المسيحيين فهذا أمر يحدث في أي عملية سياسية في دول كثيرة فعملية الحشد للأصوات هذه داخل وخارج الكنيسة أمر طبيعي.لكن أحد أسباب ذلك أنه لا توجد تنظيمات مدنية تنظم حركة المسيحيين في المجال الاجتماعي, فيصبح الإطار التنظيمي لهم هو الكنيسة وأعتقد أنه بقبول من الكنيسة, ولكن المؤكد أن اختيار المسيحيين أن يكونوا كتلة تصويتية موحدة مسألة تقبلها العملية السياسية أيا كان مزاياها أو عيوبها ولكن من الأفضل أن تقوم أطر مدنية للمسيحيين مثلما كان موجودا قبل ثورة23 يوليو، فيتحرك المسيحيون في العملية السياسية بعيدا عن أسوار الكنيسة, حتي لايتم الدفع بالكنيسة في منافسة سياسية تضر بها." (4) ، و"عندما يسترد الشعب حريته, ويصبح هو السيد أو مصدر السيادة في أي بلد, لا يبقي خوف هنالك أو فزع. قد تأتي الانتخابات بما لا يشتهيه بعض الناخبين. فلابد أن تكون نتائج الانتخابات, أي انتخابات في مصلحة فريق أو أكثر. ولكن من يخسرون الانتخابات لا ينبغي أن يقلقوا, مادام الشعب حاضرا ومتفاعلا ومشاركا.
ويعرف كل من قرأ تاريخ الديمقراطية في العالم أن الشعب الذي يذوق حلاوة الحرية ويشعر كل من أبنائه بأنه يشارك في صنع مستقبله لا يفرط فيما ينعم به ولا يسمح لأحد بأن يحرمه من هذه النعمة. (5)
يقول د. رفيق حبيب :" غالبية الإعلام الخاص بعد سقوط نظام مبارك أصبح إعلاما حزبيا يدافع عن تيار سياسي بعينه, كما يدافع عن مصالح النخب ورجال الأعمال التي تنتمي لهذا التيار وهو التيار العلماني وكثير من رجال الأعمال الذين كانت مصالحهم المحمية بالنظام السابق اتجهوا إلي تأسيس وسائل إعلام تحمي مصلحتهم, لذلك نجد اغلب وسائل الإعلام العلمانية تعمل من أجل ابقاء سياسات نظام حكم مبارك والتي تحمي مصالح رجال الأعمال الكبار, خاصة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وصندوق النقد والبنك الدولي, وسياسات الرأسمالية التي اسميها الرأسمالية المتطرفة. وتحاول هذه الوسائل الاعلامية منع أي تغيير كبير في سياسات نظام مبارك ولأن السياسات القائمة علي التبعية للغرب تتعارض مع رؤي التيار الاسلامي كما تتعارض العلمانية مع الرؤية الإسلامية ويتعارض نشر القيم الغربية مع الهوية الإسلامية لذلك تري وسائل الإعلام العلمانية أن التيار الإسلامي هو عدوها الأول والأخير." (6)
المبحث الأول :الليبراليون والمرجعية الاسلامية للدولة المدنية
إن «المدنية» فى الاستخدام العادى لها كانت تقوم فى مواجهة «العسكرية»، وكان القانون «المدنى» يقوم فى مواجهة القانون الجنائى والقانون الإدارى. ولكنها فى الاستخدام السائد المقصود فى الحوار الدائر الآن تقوم فى مواجهة «الدينية». وهى فى هذا الاستخدام الجارى الآن مقصود بها التنظيم المؤسسى للدولة وللمجتمع. و«الدينية» فى هذا التصور يكون مقصودا بها المرجعية الفكرية والثقافية العامة التى تقوم وراء هذا التنظيم المؤسسى. (7)
الدولة المدنية ،هى دولة سيادة القانون لا دينية ولا عسكرية ينعم فيها المواطنون بالحرية والمساواة فى الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية دون تمييز على أساس اللون أو الدين أو الجنس،والشعب مصدر السلطات ، ويفصل فيها بين السلطات ، والتدوال الديمقراطى السلمى للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة بنزاهة وشفافية . وتمارس تلك الحقوق وفقا لتعاليم الإسلام وقواعده الكلية ، وذلك المقصود بمرجعية الإسلام للدولة المدينة .
والدولة الدينية الكهنوتية التى عرفت فى أوربا التى يحكم فيها الحاكم بالحق الإلهى نيابة عن الله ، فلا مراجع لحكمه ؛ لأنه مستمد من الله ، والاعتراض عليه اعتراض على حكم الله ، وتمارس الاستبداد والظلم باسم الدين. والدولة الدينية لا وجود لها فى الإسلام ، والإخوان المسلمون يرفضون وجود الدولة الدينية والحكم الدينى لأنه يتنافى مع الإسلام ، وبالتالى فهى مرفوضة عند الإخوان. (8)
والدولة العسكرية البوليسية التى يسيطر فيها رجال الجيش على الحكم ويتحكمون فى الأمور، ويتم ذلك فى الظروف الاستثانئية ، أو يصلون للحكم عن طريق الانقلابات العسكرية ويمارسون الديكاتورية.
أولا : مفهوم المرجعية الإسلامية للدولة المدنية عند الإخوان
يقول المستشار طارق البشرى : " والإنسان والناس جميعا، هم من يمارسون العمل داخل مؤسسات الدولة، وهم أيضا من يمارس عمل الدولة وتطبق سلطاتها عليهم بوصفهم محكومين لها. ولابد من صيغة ثقافية عامة تجمع هؤلاء الناس الحكام مع هؤلاء الناس المحكومين، وإلا كان فعل الدولة عدوانا محضا، لابد من شرعية تجمع بين الجانبين، وإلا لم يفترق عمل الدولة عن فعل المغتصبين. فإن أحد تعريفات الدولة أو أحد خصائصها هو ما يذكره العالم المعروف «ماكس فيبر» من أنها هى من يملك وسائل العنف المشروع، فالمشروعية هنا هى المرجعية الثقافية. أو بعبارة أدق أنها مجموعة من المبادئ والقيم تؤول فى التحليل إلى مرجعية ثقافية معينة، أى مورد أو مصدر ثقافى معين. والمرجعية والمصدرية هما فى ظنى أمر واحد، لأن ما تصدر عنه فى البداية لنفرع عنه التفاريع، هو ما نرجع إليه فى النهاية لنؤصل هذه التفاريع." (9)
وقد سبق أن تناولنا فى الفصل الأول : المرجعية الإسلامية للدولة عند الإخوان المسلمين ،وأنها مدنية ودستورية وتقوم على المواطنة ، وديمقراطية ، ويتوافق الشعب فيما بينه على النظام السياسى الذى يفضله عن طريق مؤسساته التشريعية وتحديد سلطات رئيس الجمهورية ونظام الحكم للدولة رئاسى أو برلمانى أو برلمانى رئاسى.
ويرى الإخوان أن إدارة الدولة تكون وفقا للنظم الإدارية الحديثة ، فالإسلام لا يفرض طريق معينة لإدارة الدولة،فهذا شأن كل دولة وفقا لمؤسساتها التشريعية وتوافقها الوطنى ، والمهم تحقيق مبادىء الإسلام فى الحكم من الحرية والعدالة والمساواة ، ومراعاة مصالح الدولة داخليا وخارجيا . والحكم وفقا للدستور والقانون وينطلق من خلال مؤسسة تشريعية منتحبة من قبل الشعب ، ولا يخضع لسطة دينية تعقب عليه ،بل مؤسسة رقابية وتشريعية من نواب الشعب ، وليس من المقبول فى ظل دولة غالبيتها من المسلمين أن يصدرفيها قرارات تخالف الشريعة الإسلامية ،أو أن يُجبر الشعب على مخالفة عققيدته إرضاء لهوى الحاكم ورؤيته الشخصية حتى لا يتهم بأنه يريد حكما دينيا ، بل ينطلق من خلال تعاليم الإسلام وتطبيقه والحفاظ عليه ، وليس فى ذلك أدنى قيد عليه ، فهو مطلق التصرف وفقا لتعاليم الإسلام .فهل عندما يسير الحاكم وفقا لدستورالدولة وقانونها الذى لا يخالف أحكام الإسلام، فيتهم بأنه حكم دينى مستبد يحكم الحاكم بالحق الإلهى ؟! ترى هل المطلوب من الدولة أن تخالف الإسلام حتى يكون الحكم فيها دستوريا لا دينيا ؟
ويوضح الأستاذ حسن البنا رأي الإخوان المسلمين فى النظام الدستوري فى ( رسالة المؤتمر الخامس) بقوله: "... وأحب قبل هذا أن نفرق دائما بين ( الدستور ) وهو نظام الحكم العام الذي ينظم حدود السلطات وواجبات الحاكمين ومدى صلتهم بالمحكومين , وبين( القانون ) وهو الذي ينظم صلة الأفراد بعضهم ببعض ويحمى حقوقهم الأدبية والمادية ويحاسبهم على ما يأتون من أعمال . وأستطيع بعد هذا البيان أن أجلي لكم موقفنا من نظام الحكم الدستوري عامة ، ومن الدستور المصري خاصة:
الواقع أيها الإخوان : إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها , وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب و محاسبتهم على ما يعملون من أعمال , وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم .
ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاماً آخر .
..... فنحن نسلم بالمبادئ الأساسية للحكم الدستوري باعتبارها متفقة ، بل مستمدة من نظام الإسلام ، و إنما ننقد الإبهام و طرائق الإنفاذ. (10 )
ويثيرالليبراليون تخوفات المجتمع من تطبيق الشريعة ، كأنَّ المفروض على المسلم أن يحتكم لغير شريعة دينه إرضاء لليبراليين ، ويبسط الدكتور محمد بديع تطبيق الشريعة الإسلامية الذى يخوفون المجتمع منه بقوله: "الشريعة الإسلامية هي الضوابط والقواعد والأصول، أي الحرية والعدل والمساواة والأمن والأمان وحقوق المواطنة والحقوق الإنسانية والأكل والشرب والزواج.. عندما يؤمن كل هذا للمجتمع، نكون قد طبقنا الشريعة الإسلامية وهي كل أصول الرسالات السماوية .." (11)
ثانيا: انفصال الليبراليين عن الشعب ومرجعيته
إن من يقرأ للإخوان والليبراليين والعلمانيين يجدهم متفقون على الدولة المدنية ، لكنهما يختلفان فى مرجعية الدولة المدنية، فهي عند الإخوان مرجعيتها إسلامية وعند الليبراليين مرجعيتها علمانية ، لذلك فإن عدم قبول الليبراليين لمدنية الدولة التى يطالب بها الإخوان يرجع إلى رفضهم لمرجعيتها الإسلامية ، ويريدونها مدنية فقط مما يسمح لهم بتوجيه مرجعية الدولة المدنية إلى الفكر العلماني .
و"مدنية الدولة لا خلاف عليها، وجماعة الإخوان المسلمين، وكل الحركات الإسلامية، لم تعرف فكرة الدولة الدينية المستبدة، والتي تحكم بالحق الإلهي المطلق، ولم تعرف بالتالي الحاكم الذي يحكم باسم الله. والدولة المدنية هي دولة المجتمع، وهي وكيل عنه، تلتزم بقيمه ومرجعيته، ويقوم الحكم فيها علي الوكالة عن المجتمع، ويصبح الحاكم وكيلاً، والدولة وكيلة. وفي الدولة المدنية لا مكان للاستبداد أيا كان نوعه أو مبرره، وفي الدولة المدنية أيضا لا مكان للحكم العسكري أو الديكتاتوري. الدولة المدنية إذن، هي دولة تقوم علي ولاية الأمة، وعلي مبدأ أن الأمة مصدر السلطات، وفيها تختار الأمة مرجعيتها ودستورها، وتختار حاكمها وممثليها. ولا خلاف بين التيارات السياسية حول تلك الدولة، ولكن ممارسات بعض النخب العلمانية تهدم أسس الدولة المدنية، عندما تضع شروطا لمدنية الدولة، يتضح منها أنها دولة مدنية، ولكن علمانية، وتلك هي المشكلة. (12)
والأمرالغريب هوإصرارالليبراليين والعلمانيين على ضرورة اعتراف الإخوان المسلمين بالدولة المدنية ، فالإخوان يعلنون فى كل مكان أنهم يريدون دولة مدنية بمرجعية إسلامية ، وأوضحوا المقصود بالمصطلح، وأنهم ضد الدولة الدينية تماما ، والليبراليون يتجاهون تلك التصريحات ـ كصيحات فى واد ـ ويرفضونها ، ويصرون على وصف الإخوان بأنهم دعاة الدولة الدينية ويصفون أنفسهم بأنهم دعاة الدولة المدنية .
ولنستمع إلى أقوالهم، فمنهم من يقول : " إننا نريد أن نعرف , هل يستطيع الإخوان تقديم تصورهم لدولة مدنية حقيقية تقوم علي المواطنة, والديمقراطية استنادا إلي مرجعية إسلامية رصينة" (13) ويقول آخر :" وما الذى يدفعهم إلى هذا الإصرار على رفض أي إشارة للدولة المدنية ، واعتبارها طاغوتا لا يدعو إليه إلاّ الكفرة.. وكأن حظر تشكيل الأحزاب أو ممارسة النشاط السياسي على أساس ديني ليس أحد الملامح الأساسية للدولة المدنية بمقتضى نص القانون القائم والإعلان الدستوري المطبق الآن." (14)
و" كثيرًا ما تستخدم التصنيفات السياسية في المعارك بين التيارات والنخب السياسية، بصورة تفقدها معناها، أو تجعل معناها مشوها أو ملتبسا. فأحيانا يستخدم التصنيف من باب الهجاء، أو يستخدم من باب الحرب النفسية السياسية، التي يحاول فيها كل طرف تحقيق نصر علي الطرف الآخر. وفي بعض الأحيان تستخدم التصنيفات والتعبيرات بصورة ملتبسة وبشكل متعمد، حتي تختلط الصورة علي الجماهير، وتلتبس المعاني في وعي المجتمع. وتلك الحالة هي نتاج الظرف السياسي غير الطبيعي الذي تعيشه المنطقة، ونتاج كثرة المشاريع السياسية المحلية والمستوردة، وتعدد التوجهات السياسية بين النخب. يضاف لهذا، ما تفرضه السلطة المستبدة من قيود علي العمل السياسي تعرقل التطور الطبيعي للفكر السياسي، كما تعرقل الحوار الحر بين القوي السياسية." (15)
والليبراليون والعلمانيون يرفضون المرجعية الإسلامية للدولة المدنية بمفهوم الإخوان المسلمين ؛ لأن تقييدها بالمرجعية الإسلامية مما يعوق ـ فى رأيهم ـ تحقيق مدنية الدولة ويجعلها مرجعيتها دينية بما يتنافى مع مفهوم الدولة المدنية أى أن الإخوان يريدونها دولة دينية بنوع من الالتفاف والغموض يكتنف رؤيتهم للدولة المدنية ؛ لأنهم يستعملوا أسلوب المراوغة والخداع فى رفضهم للدولة المدنية ، ولذلك فإنهم يرفضون تلك الرؤية عند الإخوان ويطالبونهم بالاعتراف بالدولة المدنية دون قيد أو شرط ، فالمعوق الأساسى عند الليبراليين والعلمانيين فى قبول الدولة المدنية التى يطرحها الإخوان هو تقييدها بالمرجعية الدينية على حد تعبيرهم ، وقد عبروا عن رفضهم للمرجعية الإسلامية للدولة المدنية بصورة واضحة فى كتاباتهم .
لقد بات حقيقة واضحة أن الليبراليين والعلمانيين يمارسون الاستبداد الفكرى عن طريق احتكار المصطلحات السياسية مثل : الدولة المدنية ، والمواطنة ، والحريات ، والديمقراطية . ولا يقبلونها ولا يستمعون إلى مَن يتكلم بها غيرهم ، ويفرضون على الشعب القبول بتلك المصطلحات بنظرتهم هم ، ومن يختلف معهم فى تفسير تلك المصطلحات فهو ضد الدولة المدنية والمواطنة والديمقراطية .
وخطاب الليبراليين بعيد عن الشارع ثقافته الإسلامية التى لا يقبل أن يساوم عليها ، ويقصى كل من يقصيها ، ويرفع من يرفعها ، والمواطن لا يهتم بالمصطلحات بقدر اهتمامه بالواقع الذى ينعكس عليه، فهم حقيقة الأمر فى عزلة عن الاتصال بالشعب ومعرفة معاناته والتفاعل معه والتعبير عن طموحاته .
فالمواطن يريد أن يشعر بكرامته وإنسانيته ،وأن يحصل على حقه بالعدل والمساواة بين الجميع دون تفرقة طبقية، فلا تفرض الضرائب على محدودى الدخل ويترك أصحاب الملايين والمليارت ،ولا يحصل أصحاب الثروات والنفوذ على أعمال متميزة لا يستحقونها بينما يحرم منها المؤهلين من أبناء الفقراء ومن ليس له نفوذ ، وأن يشعر المواطن أنه لافرق فى الحقوق بين غنى وفقيرأو صاحب السلطة والمواطن العادى ، وأنه يحصل على العمل الذى يستحقه وفقا لمؤهلاته دون رشوة أو وساطة من أحد ، والمواطن يريد سيادة القانون على الجميع ، فلا يطبق على الضعفاء من الشعب ، ويترك أصحاب القروض والمليارات الذين لهم سطوة ونفوذ ، فهذا لا يمثل العدالة والمساواة، وأن يشعر أن الحكومة حريصة على مصالح المواطنين ورفع شأن الدولة فى المحافل الدولية ، فيشعر المصرى فى دول العالم المختلفة بمكانته وكرامته وأن وراءه حكومة ترعاه فى أى مكان كان، وهذه الحكومة تخضع للمراقبة .
وعندما يجد المواطن انتخابات حرة ونزيهة دون تزوير وتأتى الحكومة وفقا لإرادة أغلبية الشعب . فإننا نكون بذلك قد طبقنا الدولة المدنية فعلا كما يفهم المواطن الذى لا يهتم بالمصطلحات السياسية التى يردد الليبراليون عن الدولة المدنية ؛لأنه فقد الثقة فى الأقوال .لذلك فإن حديثهم عن الدولة المدنية لا يجد آذنا صاغية من جمهور الشعب المصرى . وخطابهم السياسى يتسم بلغة ثقافية لا يفهمها المواطن البسيط ، وهذا أدى بالفعل إلى ضعف شعبيتهم وقلة أنصارهم .
ثالثا : الشعب هو الوحيد الذى يختار مرجعيته
الشعب فى أى دولة هو الوحيد الذى بيحدد مرجعيته ، " المرجعية هى تشكل ثقافى يجتمع عليه الناس، والجماعة من الناس تحتاج إلى تنظيم، والتنظيم يقرر ضوابط للحركة والتزامات متبادلة، والمرجعية دائما تعكس الثقافة السائدة فى المجتمع بين الجماعة البشرية، والمعول عليه فى تكشف المرجعية السائدة بين الناس فى الجماعة المعنية، هو بالواقع الفعلى لحقيقة ما ينتشر لدى الناس ويسود من أصول فكرية وثقافية ومعتقدات ذائعة بين الناس وتتغلغل فى نفوسهم وعقولهم بما يشكل دوافعهم وكوابحهم الذاتية والجماعية، وهى كشأن اللغة عنصر مهم وحاسم تنبنى به قوة التماس لدى الجماعة البشرية المعنية. وهى كشأن اللغة فى الجماعة لا تختارها من بدائل تقف على ذات المستوى من الأفضلية والترجيح، وإنما هى تحيط بالجماعة بوصفها من أسس نسيجها المعنوى، وهى قد تتطور عبر المراحل التاريخية وقد تتغير فى الكثير من مفرداتها بحكم التبادلات الثقافية مع الجماعات الأخرى فيدخلها جديد ويزوى منها قديم، ولكنها كشأن اللغة أيضا لا توضع موضع الاختيارات الإرادية مع غيرها من الثقافات كشأن السلع التى تعرض فى واجهات المحال التجارية....
وفى علوم القانون يقابلنا مفهوم مهم مؤثر جدا فى تصرفات المتعاملين وهو مفهوم «النظام العام» الذى يمكن به إبطال أى تصرف يتراضى عليه المتعاملون مع بعضهم البعض، ومفهوم النظام العام هو ما يمثل مجموعة المبادئ والقيم التى تسود الجماعة فى مرحلة تاريخية معينة." (16)
والليبراليون فى مصريمثلون طبقة مثقفة تحمل فكرا يعبرون عنه فى مختلف وسائل الإعلام ويؤيدهم عدد كبير من الإعلامين فى مختلف الصحف والقنوات الفضائية حتى إن قنوات وصحفا معينة تحمل فكرهم وتتحامل على خصومهم .وبالتالى فهم يحاولون تشكيل رأى عام شعبى يؤمن بفكرهم ويؤيدهم فى طموحاتهم ليأخذ مكانا فى الدولة بعد ثورة 25 يناير . وهم يدركون أنهم ليس لهم شعبية تؤيدهم لذلك فهم بالرغم من دعوتهم إلى ممارسة الديمقراطية والقبول بتنائجها إلا أنهم يتخوفون من الانتخابات البرلمانية وكانوا يحاولون تأجيلها لأقصى فترة ممكنة، أى دعاة مدنية الدولة يؤيد بقاء الحكم العسكرى الذى هو ضد مدنية الدولة أطول فترة وتأخير التحول الديمقراطى ، لأنهم يدركون أنهم لن يحصلوا على المقاعد التى يطمحون إليها لضعف شعبيتهم .
"فليس في إمكان من لا يثق في شعبه أن يتطلع إلي فوز انتخابي أو إلي دور سياسي يعتد به. فأحد أهم محددات التنافس الانتخابي هو مقدار ثقة المتنافسين في الناخبين. وقد ثبت, علي مدي تاريخ الانتخابات, أن من يبدأ السباق الانتخابي ولديه ثقة أكبر في شعبه يتمتع بميزة علي غيره الذي قد لا يشعر بمثل هذه الثقة. وينعكس ذلك, في الأغلب الأعم, علي الاستراتيجيات الانتخابية. فالحزب أو المرشح الأكثر ثقة بشعبه يعتمد استراتيجية انتخابية إيجابية تركز علي تقديم نفسه إلي الناخبين وتسعي إلي الاقتراب منهم. أما من لا يثق بقدرة شعبه علي الاختيار, أو تقل هذه الثقة لديه مقارنة بغيره من منافسيه, فهو يلجأ في كثير من الأحيان إلي استراتيجية انتخابية سلبية تركز علي مهاجمة منافسين آخرين وشن حملات مضادة لهم أكثر مما يسعي إلي الاقتراب من الناخبين. كما تقوم هذه الاستراتيجية علي محاولة حشد قطاع محدود من الناخبين, وبالتالي توجيه الخطاب إليه دون غيره أو أكثر من غيره, علي نحو يفقده القطاعات الأخري أو يضعف فرصته في أوساطها". (17)
" المرجعية إذن هى مفهوم فكرى ثقافى يتعلق بالأصول الفكرية المرجوع إليها فى التقدير النهائى لبيان ما هو الصواب وما هو الخطأ، أو ما هو الصحيح وما هو الباطل الفاسد، أو ما كان يعبر عنه قديما علماء الكلام بقولهم، ما هو الحسن وما هو القبيح، وذلك فى تصرفات الناس وعلاقاتهم مع بعضهم البعض. وهى على سبيل البيان، أولا الأصول الفكرية والثقافة العامة التى تؤمن بها الجماعة، التى تشكل قوة التماسك الأساسية لها بوصفها البشرى. وهى ثانيا الأصول الفكرية والثقافية العامة التى تصدر عنها مبادئ المشروعية فى المجتمع، سواء بالنسبة للأوامر والنواهى التى يلتزمون بها فى علاقاتهم مع بعضهم البعض، أو بالنسبة لأحكام التعامل التى يتداولونها ويتبادلونها بينهم. وهى ثالثا الأصول الفكرية والثقافية العامة التى تتشكل منها هياكل النظم السياسية والاجتماعية المشخصة للجماعة والمنظمة لها بوصفها الاجتماعى والسياسى، سواء الجماعة السياسية العامة أو الجماعات الفرعية التى يتكون منها المجتمع من أسر وعشائر وقبائل وطوائف وحرف ومهن، وهى المنظمة لأنماط العلاقات الاجتماعية السائدة فى كل من ذلك." (18)
" إن العديد من المواقف يظهر خوف النخب العلمانية أو بعضها علي الأقل من أن الحرية سوف تسمح للمجتمع باختيار مرجعيته، والتي قد تكون المرجعية الإسلامية، في حين أن التيارات الإسلامية لا تخشي إعطاء الحرية للمجتمع لاختيار مرجعيته، لأنها تتصور أن المجتمع سوف يختار المرجعية الإسلامية، أو أنها تقدر علي العمل داخل المجتمع لإقناعه بالمرجعية الإسلامية، وتلك هي المشكلة الأساسية. فالتيار الإسلامي يبني مشروعه من أسفل، معتمدا علي إيمان الناس بمشروعه، أما التيار والنخب العلمانية فتبني مشروعها من أعلي، معتمدة علي دورها النخبوي، وكأن هذا الدور يعطيها حق اختيار ما تراه مناسبا للمجتمع. ومن هنا تبدأ الأزمة، فخوف النخب العلمانية من اختيارات المجتمع، يجعلها غير صادقة في إيمانها بالديمقراطية، مما يجعل البعض منها يربط بين الديمقراطية والعلمانية والليبرالية، لدرجة تجعل العلمانية شرطا لتحقق الديمقراطية، وبالتالي تصبح العلمانية شرطا لتحقيق الحرية للمجتمع، فلا يحصل المجتمع علي حريته إلا إذا انحاز للعلمانية. وإذا كانت الديمقراطية في أصلها كفلسفة ترتبط بالعلمانية والليبرالية، فالديمقراطية كآلية لتحقيق حق الأمة في اختيار مرجعيتها ودستورها وحاكمها وممثليها، لا ترتبط بالعلمانية من أي وجه، فهي أداة ووسيلة لتحرير إرادة الأمة، حتي تحدد اختياراتها بحرية، وإذا كانت الديمقراطية لا تجوز إلا بالتزاوج مع العلمانية، فمعني هذا أن الديمقراطية تفرض وصاية علي المجتمع، وتحدد له خيارا واحدا إجباريا، وهنا تصبح الديمقراطية معادية للدولة المدنية، وتصبح أسلوبا لبناء دولة استبدادية، تتيح للنخب العلمانية الهيمنة علي النظام السياسي.
إن فك الارتباط بين الديمقراطية والعلمانية ضرورة، حتي تصبح الديمقراطية هي الآلية المتفق عليها لتنظيم العمل السياسي، بما يسمح بالتداول السلمي للسلطة، ويسمح للمجتمع بأن يكون صاحب الولاية الأصلية في اختيار مرجعيته." (19)
والإخواب ينطلقون فى خطابهم السياسى عن المرجعية الإسلامية للدولة المدنية من منطلق شعبى وثقافى ، فالمنطلق الشعبى من خلال احتكاكهم بالشعب ، والخدمات المختلفة التى يقدمونها ، وانتشارهم بين طبقات الشعب فى جميع المدن مصر والقرى فتعرف عليهم الشعب المصرى عن قرب وتواصل معهم، فمنهم الأطباء والمهندسون وأساتذة الجامعات والمعلمون والأئمة والخطباء والمثقفون والحرفيون والعمال . أما المنطلق الثقافى ، فالمجتمع غالبيته يدين بالإسلام ، ولا يقبل مرجعية له غيرالتى يؤمن بها ويعتقدها ، وعندما يعرض الإخوان مرجعيتهم الإسلامية للدولة المدنية على الشعب ، فإنها ليس غريبة ولا بعيدة عن ثقافته ، وتلقى تأييدا كبيرا من مختلف طوائف المجتمع.
ومن هنا فالمرجعية هى جزء أساسى من مكونات الدولة ، وهى حق للمجتمع وحده ، " وما يتعين الجزم به أنه يستحيل فى نشاطنا السياسى والاجتماعى وبناء مؤسساتنا ونظم معاملاتنا، يستحيل أن نجردها من المرجعية الثقافية، كما يستحيل أن تكون هذه المرجعية غير صادرة عن الأصول الثقافية السائدة لدى الجماعة السياسية المعنية. وأنه بذات القدر من الاستحالة لا يمكن لذوى المرجعية الثقافية المعنية، أيا كانت أن يغفلوا عن الآثار الدنيوية للأفكار والثقافات، لأن المرجعيات الثقافية تتميز بأنها يمكن أن تنحذر منها وتتفرع الحلول المتنوعة المتوافقة لكل عصر ومصر، وأن من يتعمد إغفال الآثار الدنيوية المناسبة لما يحيى فيه من عصر ومصر إنما يكون ذلك منه موقفا دنيويا مخالفا للصوالح العامة التى تناسب الجماعة المعنية." (20)
والمجتمع المصرى لا يقبل بحال من الأحوال فكرة فصل الإسلام (الدين ) عن الدولة التى بمثابة العمود الفقرى للفكر الليبرالى والعلمانى ، ويرفض تأييد من يدعو إليها ،والليبراليون برغم دعوتهم إلى فصل الدين عن الدولة ينفون عن أنفسهم العلمانية حتى لا يفقدون ثقة الشعب فيما يدعون إليه ، فهم يدركون أن المجتمع يلفظ العلمانية ولا يؤيد دعاتها . " فالدولة المدنية متفق عليها، ولكن مرجعيتها مختلف حولها، فالبعض يراها مرجعية بشرية لا دينية، وهم النخب والتيارات العلمانية، والبعض يراها مرجعية إلهية دينية، وهم الحركات الإسلامية، ومنهم جماعة الإخوان المسلمين. والاختيار إذن، بين دولة مدنية دينية، وبين دولة مدنية لا دينية. وهنا لا ينبغي لطرف أن يدعي لنفسه حق الاختيار نيابة عن المجتمع، ولا ينبغي لطرف أن يفرض الوصاية علي الأطراف الأخري، أو يفرض الوصاية علي المجتمع. فالدولة المدنية الدينية لا تقوم إلا في مجتمع يغلب عليه الطابع المدني الديني، والدولة المدنية غير الدينية، لا تقوم إلا في مجتمع يغلب عليه الطابع المدني غير الديني. فالدولة الإسلامية تقوم في المجتمع الإسلامي، والدولة العلمانية تقوم في المجتمع العلماني، والمجتمع هو صاحب الحق في اختيار مرجعيته. " (21)
فمرجعية الدولة المدنية تنبع من ثقافة المجتمع ، ولا يمكن بحال فرض مرجعية للدولة المدنية بالقوة تخالف الثقافة التى يؤمن بها شعب من الشعوب أو أن يكره عليها ، أو أن تستنخ مرجعية دولة ما على مجتمع آخر ، فكل بلد له خصوصيته الثقافية التى يتخذ من خلالها مرجعيته ، لذا فإن مرجعية الدولة المدنية تختلف من دولة إلى أخرى ، ولايمكن لأى فصيل سياسى أن يفرض مرجعيته على الدولة بالقوة، وإنما مرجعية الدولة باختيارالشعب لا أن تفرض عليه ، فأى مرجعية تخالف عقيدة الشعب لا يمكن قبولها ، ولا يمكن أن تتخذ أساسا للدولة المدنية .ولقد اتخذت أمريكا العلمانية مرجعية لها، لأنها نابعة من ثقافة المجتمع ، واتخذتها كذلك بعض الدول الأوربية ، نظرا لأن العلمانية هى الثقافة السائدة بين طوائف المجتمع ، ولا يمكن أن يرضى الشعب بغيرها بديلا .
"إن «المرجعية» بوصفها مفهوما ثقافيا تفرض نفسها شئنا أم أبينا على جميع المؤسسات والسلطات وقيم السلوك ونظم المعاملات، وهى لا نختارها من مرجعيات عديدة معروضة علينا، وإنما هى ما يتعلق بالشأن الثقافى الحاصل وبالواقع الفكرى السائد لدى الجمهرة الغالبة من المواطنين فى كل عصر ومصر، هى ما يؤمن به الشعب فى عمومه ويتخلل العقول والأذهان فى الحياة البشرية الوطنية، وهى ما يحفظ قوة التماسك لهذه الجماعة المعنية." (22)
وإذا كنا نتحدث عن المرجعية الثقافية للدولة وأنها ينبغى أن تكون نابعة من ثقافة المجتمع لا مفروضة عليه وليست غريبا عنه، وأن يمارس المجتمع التعبير عن إرادته فى اختيار مرجعيته بحرية ،" والحرية الحقيقية، هي الحرية التي تمكن المجتمع من اختيار مستقبله الذي يتمناه، ومادمنا نعيش أزهي عصور الاستبداد، فالحل يكمن في تحرير إرادة المجتمع حتي يختار المرجعية التي يريدها. وإذا كانت النخب والتيارات السياسية تريد تحقيق الحرية للمجتمع، وتريد التنسيق فيما بينها لتتعاون من أجل مواجهة الاستبداد، فعليها أن تؤمن أولا بحق المجتمع في اختيار مرجعيته، وهو أول شروط الدولة المدنية.
أما الدولة المدنية التي تفرض العلمانية علي الجميع، وتفرض العلمانية علي المجتمع، فليست بدولة مدنية. والملاحظ أن التيار الإسلامي، ومنه جماعة الإخوان المسلمين لا يطلب من التيارات الأخري الالتزام بالشريعة الإسلامية، لأنه يري أن تحرير إرادة المجتمع يجعل المجتمع صاحب القرار، فلماذا تطلب بعض النخب العلمانية من جماعة الإخوان المسلمين الالتزام بشروط علمانية، تحت لافتة الدولة المدنية؟
وموقف النخب العلمانية، الذي يجعل من الدولة المدنية عنوانا للدولة العلمانية، هو الذي يدفع بعض التيارات الإسلامية لرفض الديمقراطية جملة، واعتبارها نوعا من الكفر. ولكن عندما تكون الديمقراطية آلية لاستخلاص إجماع الأمة، تصبح بذلك قاعدة للعمل السياسي يرضي بها الجميع، وتصبح الدولة المدنية متفقًا عليها، فيصبح الاختلاف حول مرجعيتها، وهل تكون دينية أملا دينية، وهو اختلاف يحسمه المجتمع، لأنه صاحب الحق الوحيد في اختيارمرجعيته. (23)
وقد حاول كل منهما إثبات تأييد رؤيته للدولة المدنية ، فالإخوان أن الخيار الشعبى هو الذى يحدد الدولة المدنية التى يريدها من خلال اختيار نوابه الذين يقومون بدورهم باختيارلجنة صياغة الدستور ، والليبراليون لا يعولون على الإرادة الشعبية التى لا تؤيد فكرتهم ، ويشعرون أن الانتخابات لن يحصلوا فيها على ما يطمحون إليه من مقاعد تؤهلهم لمارسة دور مؤثر فى صياغة الدستور .
" وتلك القناعة، والتي تنتشر لدي التيار الإسلامي أكثر من التيار العلماني، ترتبط برغبة التيار الإسلامي في أن يتم اختيار المرجعية الإسلامية من خلال الاختيار الحر للمجتمع؛ لأن المشروع الإسلامي هو مشروع الأمة قبل أن يكون مشروع الدولة، لذا يصبح من المهم أن يتبني المجتمع المشروع الإسلامي قبل أن تتبناه الدولة. مما يعني ضمنا أن تبني الدولة للمشروع الإسلامي دون تبني المجتمع له، لا يحقق الشروط اللازمة لنجاح هذا المشروع. وعليه، نجد جماعة الإخوان المسلمين تتبني فكرة الحرية الكاملة لكل التيارات السياسية دون إقصاء؛ لأن هذا هو الشرط اللازم حتي يختار المجتمع المشروع المعبر عنه، وعندما يختار المجتمع المشروع الإسلامي، يكون قد اختاره بحرية كاملة، ومن بين خيارات أخري، فيصبح تبنيه للمشروع الإسلامي عن قناعة.
كما يكشف موقف الجماعة عن ثقتها في رغبة المجتمع أو أغلبيته في تبني المشروع الإسلامي، لذا نجد التيار الإسلامي عموما لا يخشي من خيارات المجتمع؛ لأنه يري أن مشروعه هو الخيار التاريخي للأمة. وهذا ما يدفع جماعة الإخوان لعدم الخوض في الاختلافات بينها وبين التيارات السياسية الأخري؛ لأنها تري أن المجتمع هو الذي سيحكم علي مختلف الخيارات، وهو الذي سيختار الخيار الذي يعبر عنه، إذا تحققت له حرية الاختيار. وهذا الموقف يختلف عن موقف بعض التيارات العلمانية، والتي تخشي من خيارات المجتمع، وتريد إقصاء التيار الإسلامي، قبل تحقيق الديمقراطية أو الحرية، لتصبح الديمقراطية مشروطة بعدم السماح بحرية العمل السياسي للتيارات الإسلامية،خوفا من اختيار المجتمع للمشروع الإسلامي ورفضه للمشروع العلماني." (24)
رابعا : أسباب رفض الليبراليين للمرجعية الإسلامية للدولة المدنية
تكلمنا فى الفصل الثانى حول رفض الليبراليين للمرجعية الإسلامية للدولة عامة ومعارضتهم أن تكون منظومة إدارة الدولة فى سياستها العامة داخليا وخارجيا وفقا لتعاليم الإسلام (الدين )، وبدأت مطالبهم بإلغاء المادة الثانية من الدستور ثم تطور الأمر كما أوضحنا سابقا ،ثم انتقلوامن الرافض العام للمرجعية الإسلامية للدولة إلى رفضها مرجعية للدولة المدنية بصفة خاصة ، الأمر الذى يعنى ممارسة الحريات والعدالة والمساواة والمواطنة والديمقراطية فى إطار مرجعية الإسلام ،والليبراليون يريدونها ممارستها دون قيد ، ويرون فيها ممارسة دعاة المرجعية الإسلامية الاستبداد باسم الدين ، وهو موضعنا فى هذا الفصل ، ويعبرالليبراليون عن رفضهم للمرجعية الإسلامية للدولة المدنية كما عبروا فى كتاباتهم بالأسباب الآتية :
- 1ـ الفصل بين الدولة المدنية والمرجعية الإسلامية .
الفكر الليبرالى يقوم أساسًا على الفصل بين الدين (الإسلام ) والدولة ، فأى حديث للإخوان عن مرجعية إسلامية للدولة المدنية مرفوض من قبل الليبراليين ، فيقول الأديب الكبير أحمد عبد المعطى حجازى : " بالأمس كانوا يتحدثون عن الخلافة, واليوم يتحدثون عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية, أي دولة مدنية بمرجعية دينية, وهذا خلط غير مفهوم, فالدولة إما أن تكون مدنية وإما أن تكون دينية, والخلط بينهما تزييف وتضليل. وبالأمس كانوا جماعة دينية وهيئة سياسية كما كان يقول حسن البنا, واليوم وزع الإخوان أنفسهم علي الحزب والجماعة, أي علي الدين والسياسة, فلم يعد التمييز ممكنا لا بين الحزب والجماعة، ولا بين السياسة والدين, وهكذا يواصل الإخوان المسلمون أسلوبهم في المراوغة والتخفي, لأن الديمقراطية بالنسبة لهم حفلة تنكرية يشاركون فيها ليستولوا في نهايتها علي السلطة, وعندئذ تسقط الأقنعة, وتنكشف الوجوه! (25)
ويؤكد ذلك أنه يجب الفصل بين الإسلام (الدين) والدولة المدنية ، فيقول : " حين يتحدث الإخوان المسلمون عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية, يتحدثون عن دولة هجين لا نعرف إن كانت مدنية أم دينية؟ وكيف تستقيم الديمقراطية مع هذا الخلط؟ وهل يكفي أن يصوت الناخبون للطغيان لكي يصبح الطغيان ديموقراطيا؟ فإذا أردنا ألا نقع في هذا الفخ فعلينا أن نبدأ من إيماننا الراسخ بأن الأمة وحدها هي مصدر كل السلطات. والديمقراطية اذن لا تتحقق إلا في دولة وطنية وبدستور تضعه الأمة لنفسها يفصل بين السلطات, ولا يخلط بين الدين والدولة, ولا يميز بين دين ودين, ويضمن حرية التفكير والتعبير." (26)
ويقول د. علاء الأسواني :"وقد استحدث الإخوان شعارا جديدا، فهم ينادون الآن بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية.وهذا كلام غريب فلا توجد أبدا دولة مدنية بمرجعية دينية.. ما المقصود بالضبط بالمرجعية الإسلامية..؟! إذا كان المقصود بها مبادئ الإسلام مثل العدل والحرية والمساواة فهذه هي الأسس التى تنهض عليها الدولة المدنية وبالتالي فهي لا تحتاج إلى مرجعيات إضافية.. أما إذا كان المقصود بالمرجعية الإسلامية وضع أسس مقدسة غير قابلة للنقاش وفرضها على الناس باسم الدين فإننا نكون إزاء الدولة الدينية الاستبدادية وإن تغيرت التسمية." (27) أى أن المرجعية الدينية مرفوضة أيّا كانت التسمية إسلامية أو غيرها .
وفى موضع آخريقول : " الطريق الوحيد للنهضة هو تطبيق مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة.. وهذه لن تتحقق إلا بإقامة الدولة المدنية التى يتساوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون، بغض النظر عن الدين والجنس واللون." (28)
ونقطة الخلاف الجوهرية بين الإخوان المسلمين والليبراليين أن الإخوان المسلمين يؤمنون بالدولة المدنية والديمقراطية والمواطنة فى إطارها الإسلامى ، أما الليبراليون يريدونها فى الإطار العلماني .
وانطلاقا من الفصل بين الإسلام (الدين ) والدولة المدنية لابد أن يختار الإخوان ويحددوا موقفهم ، هل هم مع الدولة المدنية أم مع الدولة الدينية ؟ ولا يمكن أن تكون هناك دولة مدنية دينية ،فالدولة إما مدنية، وإما دينية ،والأولى مع الديمقراطية والمساواة والتجديد والحرية ، بينما الثانية تمثل الاستبداد والظلم والطغيان والجمود ، فلابد أن يحددوا موقفهم بدقة دون خلط أوالتفاف ، فيقول :"وفي أي معسكر يقف الإخوان المسلمون؟ معسكر الفصل بين الدين والدولة, أم معسكر الخلط بينهما؟ الدولة المدنية, أم الدولة الدينية, أم هذا الهجين الذي يجمع بينهما؟
ومعسكر الشعب الواحد, أم معسكر المسلمين والذميين؟ ومعسكر الديمقراطية أم معسكر الطغيان؟ حرية التفكير والتعبير أم المصادرة والتكفير؟ والعقل أم النقل؟ والتقليد أم الاجتهاد؟ والقوانين الوضعية التي تتطور مع الزمن أم القوانين التي لا تتغيرولا تتطور؟. " (29)
ويوجه الاتهامات للإخوان لمطالبتهم بالمرجعية الإسلامية المستمدة من القرآن بقوله : " والإخوان لا يقولون: نحن ضد الدستور! لكنهم يقولون: القرآن دستورنا, وإذن فلا حاجة بنا لدستور نضعه لأنفسنا, أو قانون ننظم به حياتنا التي تتغير كل يوم وتتطور, والإخوان لا يقولون إنهم ضد الدولة المدنية, لكنهم يسعون لإحياء الخلافة, ويزعمون أن الدولة الإسلامية دولة مدنية, وليست دولة دينية؟ والإخوان المسلمون لا يقولون إنهم ضد تداول السلطة, لكنهم ينادون بحل الأحزاب، ويعتبرون تعدد المنابع الفكرية هرطقة واختلاف الطرق تفرقا وانقساما, هؤلاء كيف لهم أن يدخلوا في حوار, أو يبحثوا عن الحقيقة ولا يستبعدون أن يجدوها لدي الخصوم؟ وكيف لهم أن يقبلوا اختلاف الرأي؟ وكيف ينزلون عند حكم الأغلبية؟ (30)
وبمنطق غريب يحاول أن يعطى مسوغا للفصل بين المرجعية الإسلامية والدولة المدنية بأن الحكام يستغلون الإسلام (الدين ) لتبرير ظلمهم واستبدادهم ، فيقول : " فإذا كان الدين لا يكسب شيئا من ارتباطه بالدولة، بل يخسر الكثير كما رأينا، لأنه يتحول من علاقة خالصة مبرأة من الغرض بين الإنسان وربه إلى إذعان يفرضه الخوف والطمع، ولا يستفيد منه إلا الحكام، فبوسعنا أن ننظر فى الوجه الآخر للمسألة، أى فيما يترتب على فصل الدين عن السلطة السياسية وعدم الخلط بينهما، وأمامنا شاهدان: أوروبا المسيحية، وتركيا المسلمة." (31)
ويوضح د. رفيق حبيب خطورة دعوة الفصل بين الدين والسياسة بقوله : " دين بلا سياسة: فيما سمي بتجديد الخطاب الديني، نجد محاولة مستمرة لفصل الدين عن السياسة، تحت عدة ذرائع، منها: أن الدين مقدس والسياسة نسبية، وكأن المطلوب هو الحفاظ على الدين المقدس بعيدًا عن حياة الناس، وبعيدًا عن السياسة، حتى يتم الحفاظ عليه بعيدًا عن الاجتهاد البشري النسبي، وبهذا يبقى الدين مقدسًا، ولكن بلا دور، وفي نفس الوقت يتم الحفاظ على السياسة وهي اجتهاد بشري، بعيدًا عن الدين، فتظل متحررة من الدين ومن قيمه وقواعده، وتصبح سياسة بلا قيمة تحكمها إلا القيمة العلمانية المادية؛ فلا توجد سياسة بلا قيمة، وعندما يتم نزع القيمة الدينية عن السياسة، تحل محلها قيم أخرى وهي القيم العلمانية الغربية؛ وبهذا يتم إلحاق السياسة بالمنظومة السياسية الغربية. (32)
ويثنى على موقف أتاتورك لأنه ألغى الخلافة وفصل الإسلام عن الدولة ، واستبد القوانين الوضعية بالشريعة الإسلامية ، فيقول : " لقد ألغى الخلافة لأنها نظام بال يقوم على الاستبداد والانفراد بالسلطة، وفصل الدين تماما عن الدولة، وألغى الامتيازات الأجنبية، وأبطل استعمال الطربوش والعمامة والحجاب، وأحل القوانين المدنية محل القوانين المستقاة من الشريعة الإسلامية، وحين رشح نفسه رئيسا للجمهورية انتخب بالإجماع ثلاث مرات. والنتيجة هى تركيا التى خرجت من الضعف إلى القوة، ومن الفقر إلى الغني، ومن الطغيان إلى الديمقراطية، والفضل يرجع لفصل الدين عن الدولة، وهذا ما نريده لمصر." (33)
وهكذا يمكن أن نستنسخ تجربة الشعب التركى الذى اختار العلمانية مرجعيته على الشعب المصرى الذى لا يقبل المرجعية العلمانية أو فصل الدين عن الدولة ، فالغريب أن الليبراليين دعاة الحرية والديمقراطية يفرضون على الشعب خيارا يرفضه ولا يقره ،ويتحدثون عن حق مملوك للشعب كأنهم أوصياء عليه ، وكأننا يجب علينا أن نطبق تجارب الآخرين ـ وإن كانت مرفوضه من المجتمع المصرى ـ بالقهر والاستبداد أى نستبدل استبداد العلمانيين والليبراليين باستبداد مبارك ، ونلغى خيار الشعب وحقه فى اختيار مرجعيته ، فأين الديمقراطية التى يدعون إليها ، والشعب مصدر السلطات ؟ وهل فرض العلمانيين على المجتمع مرجعية لا يؤمن بها هو من أسس الدولة المدنية التى يدعون إليها ؟
ونشرت صحيفة المصرى حوارا مع الدكتور محمد البرادعى ، ومما جاء فيه : " وأطلب من الجماعة أن تنفصل عن حزب الحرية والعدالة، حتى لا ندخل الدين فى السياسة، لأن المرجعية الدينية شىء وإدخال الدين فى السياسة شىء آخر،.....نتائج المرحلة الأولى هى نتاج ٦٠ سنة من غياب الديمقراطية، وذلك لأن الشعب فقد انتماءه للدولة، التى لم توفر له أى شىء على مدار الـ٦٠ سنة تقريباً وبعد ذلك أصبح الشعب يزيد فقراً وقمعاً، وأصبح الشعب ينتمى أكثر للدين...والطبقة المثقفة والسياسية فقدت مصداقيتها بالكامل... لذلك كل القوى المدنية لابد أن تراجع نفسها." (34)
- 2 ـ المرجعية الإسلامية ضد مطالب ثورة 25 يناير.
يرى الليبراليون والعلمانيون أن ثورة 25 يناير كان من مطالبها دولة مدنية ، والإخوان عندما يعلنون عن مرجعية إسلامية للدولة المدنية ،فهم بذلك يجعلونها دولة دينية ضد الديمقراطية بإصرارهم على المرجعية الدينية على حد تعبيرهم ، وهم بذلك ضد الدولة المدنية التى جاءت من أجلها ثورة 25 يناير ، فيقول : " إذا كانت الدولة المدنية والنظام الديمقراطي هما المطلبين الأساسيان لثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة المعبران عن مضمونها السياسي وعن رسالتها الحضارية, فالإخوان المسلمون في هذه الثورة خصوم لا أنصار. (35) ثم يقول : " هكذا رددوا مع الثوار شعار الدولة المدنية, ولكنهم التفوا عليه بإضافة ماكرة تفرغه من معناه وتحول الدولة المدنية إلي دولة دينية فقالوا: نعم, دولة مدنية, لكن بمرجعية إسلامية, أي بشروط تعطي الإخوان المسلمين الحق في فرض وصايتهم علي الدولة, والانفراد بالسلطة والبقاء فيها باعتبارها سلطة إلهية يتولونها بالوكالة, فلا يحق لأحد من الناس أن يراقبهم أو يحاسبهم أو يعارضهم أو يناقشهم مهما يكن علمه, ومهما تكن حكمته, !" (36)
- 3ـ المرجعية الإسلامية تتناقض مع الدولة المدنية و الديمقراطية .
يقول الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى : " هكذا نري أن المرجعية الدينية تتناقض من ناحية مع الدولة الوطنية, وتتناقض من ناحية أخري مع النظام الديمقراطي ". (37)
ويرى أن المرجعية الإسلامية تتعارض مع الحرية السياسية، نظرا لأن الدين لا نخالفه وتنتناقش فيه ، خلافا للقوانيين الوضعية ،ولذا "لا يصح أن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي أو المرجعية لأننا بهذه المرجعية, نصادر علي حق المصريين في التشريع لأنفسهم ونخرج علي أهم مبدأ في الدستور وفي الديمقراطية وهو أن الأمة مصدر كل السلطات... هكذا نري أن المرجعية الدينية في الدستور خروج علي الدستور يستبعد غير المسلمين من الحياة الوطنية " (38)، وقد أكد ذلك فى أكثر من موضع ، بقوله :" إذا كنا نريد حقا أن نبني دولة وطنية حديثة ننعم فيها بنظام ديمقراطي حقيقي وسلطات مدنية تصدر كلها عن الأمة ـ إذا كانت هذه هي حقا إرادتنا, فالمرجعية الدينية التي يراد فرضها علي هذه الدولة تتناقض مع كل هذه الشروط التي نريد أن تتوافر فيها....المرجعية الدينية تتناقض أول ماتتناقض مع الدولة الوطنية. لأن المرجعية الدينية أساس مفهوم في الدولة الدينية التي يكون فيها الدين هو الرابطة التي تجمع بين الناس, وهو الشرط الذي تتأسس عليه الحقوق والواجبات .... حين نقول أن الأمة هي مصدر السلطات, ثم نضيف إلي هذا المبدأ أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين ننفي حق الأمة في التشريع لنفسها, ونفرض عليها الصمت والامتثال لما يقرره الذين يتحدثون باسم الشريعة فيخلطون بين الدين ومايفهمونه من الدين. (39)
"الدين نشاط روحي, والسياسة نشاط عملي. والدين مطلق, والسياسة نسبية ، فكيف يجتمعان؟ لابد إذن أن يصطدما وأن تتناقض الأفعال مع الأقوال. لأننا في الكلام أحرار نقول ما نشاء." (40)
" حين نتحدث عن مرجعية دينية في الدستور نخرج علي الدستور وعلي كل المبادئ والأفكار التي نبع منها الدستور وقامت علي أساسها الديمقراطية ...فاذا كانت مصر اليوم هي هذا كله فكيف تكون المرجعية في الدستور هي المرجعية الدينية وحدها؟الدستور من جديد, وكما يعرف الجميع هو الاتفاق الأول أو القانون الاساسي الذي نشخص به هويتنا الوطنية. . (41)
إن العلمانيين يضعون الدولة المدنية بمفهومهم مقابل الإسلام (الدين ) فلايمكن أن يجتمعا ، وعلى الشعب أن يمارس حقه الديمقراطي فى اختيار واحد منهما إما الإسلام أو الدولة المدنية كما يفهمون ، يقول الأستاذ فهمى هويدى : " من جانبى كنت اعتبر نفسى أحد المسلمين المدافعين عن الحداثة والديمقراطية والمجتمع المدنى، ولى فى ذلك كتب ومقالات منشورة خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أننى فوجئت فى الآونة الأخيرة بدعاة المفاصلة يصرون على استحالة اجتماع تلك القيم مع بعضها البعض، بحيث يتعين على خلق الله الأسوياء أن يختاروا بين الولاء لدينهم أو الانخراط فى صفوف الحداثيين والديمقراطيين. وهو موقف أثار حيرتى، حتى قلت إننا إذا كنا متفقين حول الحداثة والديمقراطية ومدنية المجتمع. فمصدر الخلاف إما أن يكون حول ما تعنيه تلك المصطلحات أو أن يكون حول الإسلام ذاته دينا ودورا. ....الأخطر مما سبق هو ذلك الاستقطاب القبيح الذى مزق الجماعة الوطنية إلى معسكرين متحاربين بين إسلاميين فى جانب وعلمانيين وأقباط فى جانب آخر، الأمر الذى حول التنافس بينهما إلى صراع هويات وليس صراعا بين سياسات." (42)
والحقيقة التى تؤيدها الأدلة أن الدول العلمانية فى أوربا لم تعزل المسيحية عن الحياة السياسية كما أوضحنا فى الفصل الثالث ، والغريب " أن الفكر المرجعى المستند إلى الدين، متهم من غير ذويه بأنه ينكر شئون المصالح الدنيوية، وهو اتهام لا يقوم فى أساسه ولا لدى الغالبية الغالبة من مفكرى هذا المجال، حتى فى العصور قبل العصر الحديث. " (43)
والعلمانيون يتجاهلون الدراسات التى قدمت من أجل صياغة الشريعة الإسلامية فى قوانيين مدنية ، تطبق على الجميع وتحقق الدولة المدنية الحديثة فى أزهى صورها وتكون فيه الأمة مصدر السلطات ، ويفصل فيها بين السلطات ويطبق فيها العدل والمساواة ويتمتع فيها المواطنون بالحرية ، لا الدولة البالية التى يريد العلمانيون أن يصوروها لنا إذا تمسكنا بالإسلام فى الحكم ، " في سنة 1929م تابع فقيه الشريعة الإسلامية وأبو القانون المدني الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا ( 1313 – 1391هـ - 1895 – 1971م ) دراساته القانونية الدستورية عن علاقة الدين الإسلامي بالسياسة والدولة والحكم والقانون.. فنشر بحثه البالغ الأهمية - في مجلة المحاماة الشرعية – عن "الدين والدولة في الإسلام" – وهو البحث الذي أعيد نشره بالمجلد الأول من ( إسلاميات السنهوري باشا) – وهو الذي قيم فيه وقرر أن " الإسلام دين ودولة ".. كما تحدث عن "السلطات العامة في الدولة المصرية" ولخص تاريخ هذه السلطات في مصر..
ولقد تحدث السنهوري في هذا البحث إن الدولة جزء من رسالة الرسول – صلي الله عليه وسلم -.. وإن الإسلام، مع جمعه بين الدين والدولة، فإنه "يميز" بينهما – دونما فاصل كما هو الحال في العلمانية.. ودونما دمج كما هو الحالة في الدولة الكهنوتية الكنسية.. فالدين ثابت – لأنه وضع إلهي – والدولة متطورة – لأن فيها اجتهاداً بشرياً محكوماً بثوابت الدين.. ثم حدد السنهوري المصادر التراثية التي بني منها الاجتهاد المعاصر قانونا إسلاميًا عصريًا ومتطورًا.. وهي مصادر: فقه المعاملات، وعلم أصول الفقه، ومباحث الأمانة في علم الكلام.. فمنها نستطيع بلورة القانون الخاص – المدني، والمرافعات والتجارة – والقانون العام – الدستوري، والإداري، والجنائي -.. كما يمكننا أن نكتشف فيها أصولاً نبني عليها قانوناً إسلاميا دولياً عاماً، وقانوناً دولياً خاصاً.. كما تحدث السنهوري – في هذا البحث الذي يجب أن يدرس بكليات الحقوق والشريعة في كل البلاد الإسلامية – عن مذهب الشريعة الإسلامية في التمييز بين سلطات التشريع و القضاء والتنفيذ.. وخلص إلى أن "الشريعة الإسلامية إذا صادفت من يعني بأمرها، تستطيع أن تجاري القانون الحديث دون تقصير، بل وتتفوق عليه في بعض المسائل"، لأنها تجمع إلي اجتهاد المجتهدين – الممثلين إلى سلطة الأمة – كخليفة من الله – كتاب الله، والسنة النبوية المبينة بكتاب الله، وفيهما تتمثل سيادة الله وحاكميته.. وفي هذا النظام الإسلامي الفريد تجتمع " الشريعة الأهلية "، و"سلطة الأمة" المستخلفة من الله في إقامة حكمه، و " الدولة " المستخلفة عن الأمة – بينما لا وجود للشريعة في الدولة العلمانية.. ولا وجود للامة الكهنوتية الكنسية." (44)
المبحث الثانى : الدولة المدنية عند الليبراليين : رؤية نقدية
لننظر إلى مفهوم الدولة المدنية والمواطنة عند الليبراليين نجد أن " الدولة المدنية الديمقراطية: هي الدولة التى تكون فيها السيادة للشعب والسلطة للأمة. دولة القانون والمؤسسات التى يستوي فيها المواطنون جميعا أمام القانون بغض النظر عن أديانهم." (45)
أولا: مرجعية الدولة علمانية
إن مفهوم الدولة المدنية عند الإخوان والليبراليين واحد ، لكن لماذا هذا الإصرار الغريب من الليبراليين على الدولة المدنية كأنها أمر مختلف عليه ، ويمكن تفسيرهذا الموقف بأن" المشهد المصري الحادث حول القضايا الدينية، يمثل مرحلة من الخلط والالتباس الشديد، وربما المراوغة أيضا. فهناك العديد من الأطراف التي تحاول زرع العلمانية بكل وسيلة في التربة المصرية، وفي النظام السياسي المصري، وتحت العديد من المسميات والتوصيفات، ومنها فكرة مدنية الدولة ومدنية القانون. وتلك الفكرة تقوم على ربط المساواة والمواطنة بتعبير المدنية، دون تحديد دقيق لفكرة المدني، وكيف يمكن صنع معاداة بين المدني والديني ؟!.
والحقيقة أن المقصود بالمدني هو العلماني ، والذي يختلف بالفعل عن الديني، بل ويتعارض معه، وربما يعاديه أحيانا. ولكن كل تلك المعارك تدور حول الوضع السياسي المصري، من خلال التركيز الواضح على وضع الجماعة المصرية المسيحية، داخل المنظومة السياسية والقانونية. فكل المعارك نجدها في النهاية تجعل من المدني أي العلماني بمثابة وسيلة الحماية الوحيدة لحقوق الأقباط في مصر، وتجعل من كل ما هو إسلامي بمثابة الخطر على حقوق الأقباط. مما يعني أن الرؤية الإسلامية في نظر هذه الفئة العلمانية تحقق المساواة للمسلمين فقط ولا تحققها للمسيحيين، وغير المسلمين عموما " (46)= ، ودعاة الدولة المدنية ذات المرجعية العلمانية, يطرحون فكرتهم الأساسية من منظور فصل الدين عن الدولة, ويركزون جُلَّ اهتمامهم لنشر هذه الفكرة بدعوي أنها كفيلة بتحقيق مدنية الدولة, وأنها كفيلة أيضا بأن يكون الشعب مصدر السلطات وأن تكون الحكومة مسئولة عن أعمالها, ويتهمون أنصار المرجعية الإسلامية بأن فكرتهم غائمة, وشديدة العمومية. (47)
ونجد ذلك بصورة أوضح فى موقع حزب الجبهة الديمقراطية الذى يقترح ـ قبل ثورة 25 يناير ـ مرجعية ليبرالية للدولة .ومن ناحية نجد د. خالد منتصر فى برنامج العاشرة مساء على قناة دريم 2 فى مايو الماضى 2011يقول : ( ما دخل الله فى السياسة ؟ ..الحل فى العلمانية التى ليست ضد الدين )، ولعله يشير إلى فصل الدين عن الدولة التى هى جوهر العلمانية . والليبرالية والعلمانية وجهان لعملة واحدة هى فصل الدين عن الدولة ، والأحزاب الليبرالية تعلن عن نفسها صراحة ، فالأساس فى الدولة المدنية التى يريدها العلمانيون والليبراليون أن تكون بعيدة عن الإسلام تحديدا ، ومرجعيتها علمانية تحتكم فى مرجعيتها إلى الشعب والمواثيق الدولية، يقول الأديب أحمد عبد المعطى حجازى عن رؤيته للدولة المدنية التى يريدها: " لن تكون دولة دينية, وإنما ستكون دولة مدنية تحتكم لمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان كما حددتها وأقرتها المواثيق الدولية, فهي دولة وطنية لأنها تمثل جماعة وطنية ربطت بين أفرادها المصالح والغايات المشتركة, وهي دولة ديمقراطية لأن الأمة فيها هي مصدر السلطات, وهي المرجع الوحيد في التشريع والتنفيذ." (48)
والعجيب أن نقبل الحرية والمساواة والعدالة من خلال المواثيق الدولية، ولا نقبلها من خلال الإسلام ، يقول المستشار طارق البشرى : " وأن منا من يستند فى مرجعيته عن حقوق الإنسان إلى نص البيان العالمى الصادر من الأمم المتحدة بأن جميع الناس يولدون أحرارا متساوين فى الكرامة والحقوق، فلماذا لا يقبل مواطن له يقول ذات المعنى مستندا إلى نص عبارة عمر بن الخطاب ؟، ولماذا تقوم الفرقة بين الاثنين، وكذلك بالنسبة للقول عن حرية الفكر والاعتقاد وأنه لا إكراه فى الدين، وبالنسبة للوفاء بالعهود ؟." (49)
ويمكن تفسيرهذا الموقف بأن" المشهد المصري الحادث حول القضايا الدينية، يمثل مرحلة من الخلط والالتباس الشديد، وربما المراوغة أيضا. فهناك العديد من الأطراف التي تحاول زرع العلمانية بكل وسيلة في التربة المصرية، وفي النظام السياسي المصري، وتحت العديد من المسميات والتوصيفات، ومنها فكرة مدنية الدولة ومدنية القانون. وتلك الفكرة تقوم على ربط المساواة والمواطنة بتعبير المدنية، دون تحديد دقيق لفكرة المدني، وكيف يمكن صنع معاداة بين المدني والديني ؟!.
والحقيقة أن المقصود بالمدني هو العلماني ، والذي يختلف بالفعل عن الديني، بل ويتعارض معه، وربما يعاديه أحيانا. ولكن كل تلك المعارك تدور حول الوضع السياسي المصري، من خلال التركيز الواضح على وضع الجماعة المصرية المسيحية، داخل المنظومة السياسية والقانونية. فكل المعارك نجدها في النهاية تجعل من المدني أي العلماني بمثابة وسيلة الحماية الوحيدة لحقوق الأقباط في مصر، وتجعل من كل ما هو إسلامي بمثابة الخطر على حقوق الأقباط. مما يعني أن الرؤية الإسلامية في نظر هذه الفئة العلمانية تحقق المساواة للمسلمين فقط ولا تحققها للمسيحيين، وغير المسلمين عموما " (50) ، ودعاة الدولة المدنية ذات المرجعية العلمانية, يطرحون فكرتهم الأساسية من منظور فصل الدين عن الدولة, ويركزون جُلَّ اهتمامهم لنشر هذه الفكرة بدعوي أنها كفيلة بتحقيق مدنية الدولة, وأنها كفيلة أيضا بأن يكون الشعب مصدر السلطات وأن تكون الحكومة مسئولة عن أعمالها, ويتهمون أنصار المرجعية الإسلامية بأن فكرتهم غائمة, وشديدة العمومية. (51)
وهناك مرجعيات أخرى طرح بعض الليبراليين ، لكنها تعتبر اجتهادات فردية لاتمثل اتجاها عاما ، ومنها :
المرجعية المصرية
ونجد الأديب أحمد عبد المعطى حجازى يكتب سلسلة مقالاته يوم الأربعاء فى الأهرام تحت عنوان : (مصر هـي مرجعيتنـــــا) ، ومما جاء فيه :" اذا كانت المرجعية هي المنبع الذي نستقي منه, والأصل الذي تصدر عنه جماعتنا الوطنية كلها, وترجع إليه, وتقيس عليه, فمصر هي مرجعيتنا. ومصر التي أتحدث عنها ليست مجرد اسم أو شعار, ولكنها تاريخ عريق وتراث حافل بالتجارب والخبرات, والعناصر الأصيلة والعناصر الوافدة التي تواصلت وتفاعلت وتشكل منها هذا الكيان الجامع, الذي ننتمي له ونتحقق به.... وهل يستطيع الذين يتحدثون عن المرجعية الإسلامية أن ينفوا من الإسلام ما هو مشترك بينه وبين الديانات السماوية الأخري؟ وهل يستطيعون أن يسقطوا من ثقافة الإسلام ما دخلها من تراث الماضي والحاضر ومن الثقافات المحلية والثقافات الأجنبية؟
لا, هم لا يستطيعون, ولا أحد يستطيع, ومصر إذن كلها بحضارتها كلها وتاريخها كله هي مرجعيتنا!" (52)" وهكذا كنا نستطيع أن نكتفي بما ذكرته الوثيقة(وثيقة الأزهر) عن الدولة التي نريد أن نبنيها ونعتبره ضمانا لمدنيتها, لولا أن الذين أسقطوا كلمة المدنية في وثيقة الأزهر أثبتوا عكسها, فاشترطوا ان يكون الاسلام هو مرجعية الدولة, وأن تكون الشريعة الاسلامية مصدر القوانين, وهو شرط يقيد السلطة التشريعية, ويعطل حق المصريين في أن يضعوا قوانينهم بأنفسهم, ويعدلوها ويغيروها كلما دعتهم الي ذلك حاجاتهم التي تتغير وتتطور علي الدوام, أي أنه يتعارض مع وطنية الدولة وديمقراطيتها, ويحولها الي دولة دينية, ومن هنا أصبح محتما ان نتمسك بالشعار الذي رفعه الثورار مدنية.. مدنية.. مدنية"! (53)
المرجعية الدستورية
نجد من يقترح مرجعية دستورية، فيقول : " فإنني لا أخفي الآن, ولم أخف في كل ما كتبت من قبل, إنحيازي للدولة المدنية التي تكون مرجعيتها الأساسية كما قلت هي الدستور والقانون المدني والجنائي وسائر أفرع القانون التي يضعها مشرعون ملتزمون بالدستور. ولم أخف أيضا فيما أكتب استرابتي في عبارة الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية. فهذه المرجعية منصوص عليها في الدساتير المصرية, وحتي في الإعلان الدستوري الأخير الذي ينص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
غير أني أرفض أن تتولي أي جماعة أو حزب تفسير تلك المرجعية واحتكارها. فتلك هي المقدمة الطبيعية لقيام الدولة الدينية التي عاني عالمنا الإسلامي منها ومازال يعني الويلات". (54)
إن الإخوان لم يقولوا يوما من الأيام أنهم يتكلمون باسم الإسلام ، أو أنهم يمثلون الإسلام ، ولم يصادروا حرية الآخرين فى التعبير عن رؤيتهم السياسية أو الدينية ، وأيا كان مصدرها ، فهو لا يعدو سوى كونه رأيا يعبر عن أصحابه ويمكن قبوله أو مناقشته .
والإخوان لا يطلبون أن يعتنق غيرهم رأيهم ، ولا يريدون أن يستأثروا بصنع القرار دون غيرهم ، فهم يعرضون رأيهم ومستعدون للتحاور حوله مع من يعارضونهم ،والاتفاق معهم حول النقاط الأساسية المشتركة .فمرجعية الدولة الإسلامية تعنى ألا يصدر قانون أوأن يوجد فى المجتمع ما يخالف الأحكام القطعية فى الشريعة الإسلامية ، وهى معدودة وقليلة .ومَن الذى يريد أن تخالف الدولة الأحكام القطعية فى الشريعة الإسلامية ؟ هذه هى المرجعية الإسلامية التى ينادى بها الإخوان ، ولا يمكن بحال أن يتخلوا عنها أو أن يقبلوا بغيرها بديلا ، فهى من ثوابت الإخوان المسلمين .
الكل متفق على احترام الدستور والقانون بعد إقراره من السلطة التشريعة والشعب ، وواجب على الجميع احترام الدستور والقانون والمرجع إليهما عند الاختلاف . فالخطوة الأولي في بناء هذه الشرعية هي تحديد الأسس التي تقوم عليها الجمهورية الديمقراطية التي يتطلع إليها المصريون. ولا يمكن تحديد هذه الأسس قبل التوافق علي المرجعية العليا للدستور .فالمرجعية الدستورية تكون عندما يوجد دستور فعلى بتوافق مجتمعى وباختياره ، وعند ذلك يصبح الدستور مرجع الجميع بلا خلاف .
المرجعية العلمية
ونجد آخر يطالب بمرجعية علمية للدولة بقول : " المستقبل الآمن والوحيد لمصر يكمن في تأسيس دولة مدنية مستندة علي مرجعية علمية حقيقية وصادقة, أما الدين ـ أيها السادة ـ فهو أمر شخصي بحت يعود الي علاقة شخصية بين الانسان وخالقه, ولايمكن لأي إنسان آخر يتدخل في هذا الأمر." (55)
واقتراح مرجعية علمية قول عام يحتاج لتحديد المفاهيم والخصائص للمرجعية العلمية التى بناء عليها تسير الدولة عليها ، وأىُّ العلوم يكون المرجعية وأيها يستبعد ، وعلى أى أساس يكون الاختيار ؟. إن المرجعية لا بد أن تكون على أسس واضحة وليست مبهمة ، ولا تخضع للأمور النسبية كى تكون هى الحاكمة لغيرها ، وليست هى محكومة بغيرها .
ثانيا: الديمقراطية بمرجعية علمانية عند الليبراليين
- 1 ـ مفهوم الديمقراطية الليبرالية .
الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، وهى بالمعنَى الأوسع نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة ، فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة .
والديمقراطية الليبرالية نوع من أنواع الديمقراطية تؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقليات وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد ، ويوفر حمايةُ حقوق الأقليات والأفراد عن طريق تثبيت قوانين بهذا الخصوص بالدستور، بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية .
ومن مبادئ تحكيم حكم الأكثرية ومفاهيمه :
- ـ مبدأ فصل السلطات ومفهوم تجزيء الصلاحيات.
- ـ مبدأ التمثيل والانتخاب.
- ـ مفهوم المعارضة الوفية.
- ـ مفهوم سيادة القانون.
- ـ مفهوم اللامركزية .
- ـ مبدأ تداول السلطات سلميا .
والديمقراطية الليبرالية هي بالتحديد شكل من أشكال الديمقراطيات النيابية حيث السلطة السياسية للحكومة مقيدة بدستور يحمى بدوره حقوق وحريات الأفراد والأقليات (وتسمى كذلك الليبرالية الدستورية). ولهذا يضع الدستور قيوداً على ممارسة إرادة الأغلبية. فالديمقراطية الليبرالية شكل من أشكال الديمقراطية تكون فيها السلطة الحاكمة خاضعة لسلطة القانون ومبدأ فصل السلطات، ويضمن دستور الدولة للمواطنين (وبالتالي للأقليات أيضا) حقوقاً لا يمكن انتهاكها.
والانتقادات الموجهة للديمقراطية الليبرالية ،ومنها : أنها تفترض بالضرورة وجود حس بالقيم المشتركة بين أفراد الشعب، وأن الشعب وحدة واحدة ، بخلاف ذلك ستسقط الشرعية السياسية. ولأسباب تاريخية تفتقر العديد من الدول إلى الوحدة الثقافية والعرقية للدولة القومية ، فقد تكون هناك فوارق قومية ولغوية ودينية وثقافية عميقة.
ومن محاسن الديمقراطية :الاستقرار السياسي و خلق نظام يستطيع فيه الشعب أن يستبدل الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم.والتجاوب الفعال وقت الأزمات ،وانخفاض مستوى الفساد ، ارتفاع معدلات الدخل القومى للشعب والتمتع بالحريات. (56)
وقد نادى الإخوان بأن الأمة مصدر السلطات والفصل بين السلطات ، وحق التدوال السلمى للسلطة عن طريق الانتخاب فى الدولة المدنية التى ينادون بها ،وهى نفس ما تدعو إليه الديمقراطية الليبرالية ، ونقطة الفاصلة أن الديمقراطية الليبرالية تريد الحد من سلطة الأغلبية ، وإعطاء حقوق منصوص عليها للأقليات مما يؤدى إلى التوازان بين السلطات حتى لا تمارس الأغلبية دورا استبداديا ضد الأقلية فى رأيهم .
- 2ـ الديمقرطية عند الليبراليين .
والديمقراطية الليبرالية بهذا المفهوم تتفق فى مجملها العام مع الديمقراطية عند الإخوان ، ونقطة الخلاف بينهما هى مرجعية الديمقراطية ، فعند الإخوان مرجعيتها إسلامية ، وعند الليبراليين مرجعيتها علمانية . وقد ارتبطت الديمقراطية عند الليبراليين بالعلمانية ،فهم يرون الديمقرطية والمرجعية الإسلامية نقيضان لا يجتمعان فيقول أحمد عبد المعطى حجازى : " وقد يكون من الأفضل أن نبدأ بالسؤال عما تريده جماعات الاسلام السياسي ، فما الذي تريده هذه الجماعات؟ تقول إنها تريد دولة ديمقراطية تشترط أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي لقوانينها, وأن يكون الدين الاسلامي هو مرجعيتها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن أن يجتمع هذان الشرطان المتناقضان في دولة واحدة ؟ الديمقراطية من جانب, والمرجعية الدينية من الجانب الآخر؟ وما هي هذه الدولة الاسلامية التي جمعت بينهما؟ ." (57)
وتدول السلطة وتعبير الشعب عن نفسه يكون عن طريق الانتخاب الحر، والغريب أن اختيار الشعب لو اتجه لاختيار الإخوان فإن الشعب قد اختار الحكم الدينى رمز الاستبداد ، وبالتالى فالشعب متهم وغير مؤهل للاختيار الصحيح ، فيقول :"والديمقراطية كما يعرف الجميع هي النظام الذي تكون فيه الدولة للشعب, ويكون فيها الشعب المصدر الوحيد لكل السلطات بما فيها سلطة سن القوانين التي تتأسس عليها كل السلطات. فاذا انتزعنا من الشعب هذه السلطة ومنحناها لرجال الأزهر مثلا أو للإخوان المسلمين والسلفيين ، فلن تكون الدولة في هذه الحالة دولة ديموقراطية, وإنما ستكون بكل وضوح وكل بساطة دولة دينية. وهذا هو ماتريده جماعات الاسلام السياسي وترفض من اجله مدنية الدولة. لأن الدولة المدنية معناها السلطة المدنية التي لا يستأثر بها حاكم فرد أو جماعة مهما تكن الحجج والادعاءات. والجماعات الدينية تريد ان تستأثر بالسلطة... فكيف تتفق الديمقراطية مع النص علي أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين, فضلا عن النص الخاص بالمرجعية الاسلامية, وهما نصان يتعارضان مع حق الأمة, في وضع قوانينها, كما يتعارضان مع مبدأ المواطنة الذي يسوي بين المواطنين, ولايميز بين دين ودين؟!." (58)
والسؤال الذى يطرح نفسه من الذى يمنح ؟ إنه بالطبع الشعب ، وليس الكاتب أو غيره ، فما الذى يزعجه إذا كان الشعب مصدر السلطات اختار رجال الأزهر أو الإخوان المسلمين أو السلفيين ، أليست هذه هى الديمقراطية التى ينادون بها ؟
والإسلام أمر أتباعه أن يتشاوروا فيما بينهم من أمور تخصهم ، فقال تعالى : " وأمرهم شورى بينهم "والضمير فى كلمة ( أمرهم... بينهم ) يعود على المسلمين أى الشعب بالمفهوم المعاصر ، فمعنى الآية : أمرالشعب شورى بين الشعب ، وبالتعبير المعاصر : الشعب مصدر السلطات .
والحقيقة " إن فك الارتباط بين الديمقراطية والعلمانية ضرورة، حتي تصبح الديمقراطية هي الآلية المتفق عليها لتنظيم العمل السياسي، بما يسمح بالتداول السلمي للسلطة، ويسمح للمجتمع بأن يكون صاحب الولاية الأصلية في اختيار مرجعيته. وموقف النخب العلمانية، الذي يجعل من الدولة المدنية عنوانا للدولة العلمانية، هو الذي يدفع بعض التيارات الإسلامية لرفض الديمقراطية جملة، واعتبارها نوعا من الكفر. ولكن عندما تكون الديمقراطية آلية لاستخلاص إجماع الأمة، تصبح بذلك قاعدة للعمل السياسي يرضي بها الجميع، وتصبح الدولة المدنية متفقًا عليها، فيصبح الاختلاف حول مرجعيتها، وهل تكون دينية أملا دينية، وهو اختلاف يحسمه المجتمع، لأنه صاحب الحق الوحيد في اختيار مرجعيته. (59)
وقد عبر عنها صراحة عن الارتباط بين الديمقراطية والعلمانية صراحة شريف الشوباشي (60) فى مقاله تحت عنوان) : لا ديمقراطية بدون علمانية ) " ومن يتابع إرهاصات العملية الديمقراطية خلال القرن التاسع عشر يكتشف أنها كانت دائما تدين في تطورها لتطور الفكر العلماني. فالعلمانية كانت تأخذ بيد الديمقراطية في كل خطوة تخطوها للأمام وكان كل نجاح للعلمانية يعني نجاحا للديمقراطية.
وكانت مصر من أهم دول العالم التي دارت فيها رحى تلك المعركة بدءا من محمد علي إلي الخديوي عباس حلمي مرورا بالخديوي إسماعيل. وبرغم كل المآخذ التي يمكن أن نستمسكها علي هؤلاء الحكام إلا أن موقفهم كان واضحا من قضية سيطرة الدين علي الحكم ومالوا شيئا فشيئا إلي فكرة الدولة المدنية, أي دولة تكون مرجعيتها عقل الإنسان ومصلحته وليس محاولة فرض تفسير قاصر للدين من أجل الهيمنة علي عباد الله. لكن الصراعات في مصر كانت مستترة ولا يتعرض فيها الناس صراحة لقضية الدين نظرا لحساسيته المفرطة عندنا وإن كان كبار المفكرين مثل الطهطاوي وعلي مبارك وقاسم أمين قد حسموا المسألة لصالح عقل الإنسان.... والخلاصة هي أن العلمانية هي شرط مسبق للديمقراطية وليس العكس. ومن يريد أن يضع الديمقراطية قبل العلمانية كمن يضع الحصان أمام العربة. فلن تتقدم العربة.. ولن يتقدم الحصان.. (61)
ومن هنا فالكاتب يرى أن العلمانية هي التى تقود إلى مدنية الدولة و الديمقراطية ، ولابد أن توجد على أرض الواقع أولا .
ولعل الوقت الذى كتب فيه الكاتب مقاله بهذه الصراحة والوضوح قبل ثورة 25 يناير نفتقده عند الليبراليين والعلمانيين بعد ثورة 25يناير ، الأمر الذى يجعلنا نفهم لغة الخطاب السياسي وتطوره عند الليبراليين والعلمانيين ، وتساعدنا كثيرا فى فهم الأحداث السياسية التى يتناولها الليبراليون بالكتابة فيما يخص الدستور ومدنية الدولة والمواطنة، وفيما يتعلق باستقطاب الليبراليين للمسيحيين لتأييد فكرة علمانية الدولة عن طريق إثارة موضوعات تمس المسيحيين والدولة ، ومن ناحية أخرى يتحصنون بها ضد خصومهم الإسلاميين الذين يتناولون كتاباتهم بالنقد ، ومن ثم ينعتهم الليبراليين بأنهم ضد مدنية الدولة والمواطنة والديمقراطية عموما دون توضيح المرجعية العلمانية لتلك المصطلحات فى فكرهم .
وكما مثلت العلمانية بكل ألوانها ودرجات علاقتها بالمسيحية ، كما أكد ذلك الفيلسوف الألماني كارل شميت مدخل شعوب الغرب إلى الحداثة وثمارها العلمية والسياسية كالمواطنة والديمقراطية (62)، فقد دأب العلمانيون والليبراليون على الصاق تهم الاستبداد باسم الدين للإخوان وغيرهم من التيار الإسلامى ، ليظل فى موقف الدفاع المتوصل وعليه أن يستنزف جهده ووقته فى الاستدلال على إيمانه بالديمقراطية وكفره بما سواها، ولجئوا إلى تخويف المجتمع المصرى من كل من يمت إلى الإسلام بصلة حتى يشعر المجتمع بالخوف من الإسلاميين والشعور بالثقة فى الليبراليين والعلمانيين ،"فالخوف على الديمقراطية ليس من التيار الإسلامى ، بل من الطبقة العلمانى فهذه الطبقة تريد فرض العلمانية على المجتمع ، ومعنى ذلك أنها تريد تجاوز الإرادة الشعبية الحرة. إذن يؤكد الواقع أن التيار الإسلامى سوف يكون الأكثر التزاما بآليات العمل الديمقراطى ، ولكن الطبقة العلمانية لن تلتزم بقواعد العمل الديمقراطى ، وهو ما يؤكده الواقع حيث نجد أن الطبقة العلمانية هى التى ترفض نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، وهى التى تريد فرض مبادىء حاكمة مقدسة غير قابلة للتعديل على الشعب ، وهى التى تريد أن تكون الإرادة الشعبية منقوصة ، فلا يضع الشعب الدستور الذى يختاره ، بل يلتزم بالدستور الذى تضعه له الطبقة العلمانية . (63)
ولعل التناقض يبدو واضحا فى المطالبة بالديمقراطية وتحدديها ومطالبة الشعب بممارستها ، وإذا ما جاءت خلاف رأيهم ينكرونها ، فمن ذلك قول أحمد عبد المعطى حجازى : " في الديمقراطية نمارس وجودنا وحضورنا كجماعة متمدنة. نجتمع لنستعرض مشكلاتنا وقضايانا, ونفكر فيها, ونتبادل الرأي ونتحاور, ونبحث معا عن الحق والصواب, ونمتحن الحجج والبراهين, ونمتثل لما تهدينا إليه عقولنا وتجاربنا." (64)
وفى موضع آخر يقول : " من المؤسف حقا والمحزن أن تتحول نقائصنا لدي جماعات الإسلام السياسي إلي ثروة تستغلها في ترويج بضاعتها, وإخفاء مقاصدها, وإجبارنا علي السكوت والاستسلام وإخلاء الطريق أمامها لتغتصب السلطة في وضح النهار وتفرض طغيانها الغاشم علي الجميع باسم الإسلام. إنها تستغل فقر الفقراء فترخص لهم أسعار اللحوم ليرخصوا لها أسعار أصواتهم في الانتخابات القادمة! ". (65)
وفى موضع آخر يقول : " وإذا كان الإخوان يرفضون النشاط الحزبي فهم بالطبع يرفضون الديمقراطية لأن الديمقراطية حرية. ويرفضون الدستور, لأن الدستور هو أبوالقوانين الوضعية, ويرفضون كل مبدأ وكل حق وكل قانون يحرر الإنسان من عبوديته للماضي الذي يريدون أن يبعثوه من مرقده ويحكمونا باسمه!
ولقد يبدو فيما يقوله الإخوان الآن وينشرونه علينا أنهم غيروا موقفهم السلبي من الديمقراطية. لكننا نفاجأ بأفعال تكذب الأقوال. وهو تناقض لابد أن يقع فيه كل من يخلط الدين بالسياسة." (66)
" لذلك نجد الطبقة العلمانية فى مصر تريد فرض ديمقراطية لا تقوم على الإرادة الشعبية ، بل تقوم على أساس أن الطبقة العلمانية تمثل النخبة صاحبة حق الوصايا على الشعب ، وتريد هذه الطبقة فرض رؤيتها العلمانية ، ثم تترك للشعب يختار داخل الإطار المفروض عليه . ولأن العلمانية ليست خيارا شعبيا ، لذا فبناء نظام علمانى فى بلد له هوية إسلامية يمثل نموذجا مستبدا بالضرورة ، وأيضا فإن بناء نظام إسلامى فى بلد علمانى سيكون نموذجا للاستبداد أيضا . (67)
و"هناك من «الديمقراطيين» من اعتاد على موقف المواجهة مع الحكام المستبدين مطالبا بالديمقراطية ورافضا الاستبداد، ولكنه اعتاد على موقف المطالبة، فإذا صار فى وضع التمكن من الممارسة الديمقراطية، فزع من الذات وعمل على أن يعود إلى وضعه الأول، وضع وجود الاستبداد وبقائه هو فى موقف المطالبة والاعتراض والتحدى.
وهم يطالبون أن تطول فترة حكم مصر بغير انتخابات تشريعية، وأن تبقى محكومة إما بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن عن تحديده لمدة حكمه بالشهور والمهام المحددة أو بمجلس رئاسى لم نعرف من يقترحون أن يكون المعيِّن لهم، أو بانتخابات رئيس جمهورية لايزال مجهولا لدينا جميعا حتى الآن، ويكون انتخابه قبل كل مؤسسات الدولة التشريعية بمثابة توليه لسلطة مطلقة تجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية بغير وجود كيان موازٍ له يحد من سلطته. ويبقى كذلك حتى تتكون المجالس التشريعية بالانتخاب، وهؤلاء المطالبون بطول مدة الحكم الفردى، يقولون ببقائها حتى تنشأ الأحزاب الجديدة وتنمو وتستعد لملء الفراغ السياسى، وكأن الحاكم الفردى المطلق المشيئة سيكون بالنسبة للأحزاب الوليدة كالأب الحنون على أولاده الصغار، فيرعاهم ويصبر عليهم وعلى تنميتهم ليقطعوا أجزاء من سلطته ويحدوا نفوذه المطلق، أى يكون حاكما يتعهد منافسيه ومقيديه بالرعاية حتى ينافسوه جيدا...إن كل ما نصنعه الآن هو تكوين مؤسسات ديمقراطية لهذه الفترة الانتقالية المحددة لنضع من خلالها دستورا ديمقراطيا جديدا. لأن الفترة الانتقالية إن كانت مبنية على أسس نظام استبدادى أو فردى فلن تنتج إلا نظاما جديدا استبداديا وفرديا، أما إن توافر فيها عنصر الاختيار الإجماعى الحر والعمل الجماعى المشترك الممثل لجماهير الشعب، فالغالب إن شاء الله أن تنتج مثيلا لها فى الجوهر فى هيئة دستور جديد." (68)
والديمقراطية العلمانية تفرض على الشعب أن يختارهم دون سواهم ، وإن لم يفعل فالشعب متهم حتى يثبت براءته ، ولنقرأ لأحدهم معلقا على نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية التى تمت يوم 28/11/ ، 2011وأخفت فيها الليبراليون ، فيقول :" وإذا كانت الانتخابات التي تجري حاليا تعتبر مدعاة للفخر فإن دوافع تصويت الناخب المصري الجديد تعد مأساة في حد ذاتها. فالناخب المصري المتوسط الذي يمثل الأغلبية يختار مرشحه علي أساس معيار واحد هو الدين. فالمرشحون من أحزاب أو مستقلين يتم تقسيمهم إلي قسمين لا ثالث لهما من وجهة نظر الغالبية الكاسحة من الشعب: إسلامي وغير إسلامي. وأغلبية هذه الغالبية تصوت تلقائيا لصالح المرشح الإسلامي علي أساس أن الحل هو تطبيق الشريعة بحذافيرها. أما الأقلية فهي تصوت بغير تفكير للناخب غير الإسلامي أي الذي لا ينتمي للأحزاب الدينية لاقتناعها بأن سيطرة التيارات الإسلامية علي الحكم سيؤدي إلي خراب البلاد. وهذه الثنائية هي تركة ثقيلة لأربعين عاما من سياسات أدت إلي تخريب العقل الجماعي المصري وتغييب الضمائر.
والنتيجة أنه بعد نتائج المرحلة الأولي من الانتخابات نجد أنفسنا في موقف لا نحسد عليه وهو أن تتحول مصر من موقعها التقليدي كرائدة التطور والتقدم في العالم العربي والمنطقة بأسرها لتكون اليوم في المؤخرة خلف تونس والمغرب, حيث فاز الإسلاميون فيهما بأغلبية محدودة لا تمكنهم من الانفراد بالسلطة. (69)
" فالمسألة إذن ترتبط أساسا بالخيارات العامة للإرادة الشعبية الحرة ، فما دامت هذه الخيارات هى التى تحدد التوجه السياسى وطبيعته ، فتلك هى الديمقراطية ، ومادامت خيارات المجتمع تتمسك الهوية الإسلامية ، لذا فإن تطبيق الديمقراطية يؤدى بالضرورة إلى تطبيق الشورى ، وتصبح الشورى وسيلة وآلية لتطبيق المرجعية الإسلامية ، ولا يمكن أن تنتج الديمقراطية قيما غريبة أو قيما علمانية ، لأن أساس الديمقرطية يقوم أولا على خيارات الإرادة الشعبية الحرة، أما الديمقراطية التى يتصورها البعض ويتصورأنها سوف تنتج قيما غربية فى مجتمعنا فهى لن تكون ديمقراطية أساسا لأنها سوف تفرض القيم الغربية على المجتمع ، وبهذا تغيب الإرادة الشعبية ومادامت تغيب الإرادة الشعبية ، فنحن إذن أمام نظام استبدادى وليس نظاما ديمقراطيا . ." (70)
والأفضل اتهام إما للشعب أو للإخوان ، فيقول أحمد عبد المعطى حجازى عن الإخوان : " فهم بالطبع يرفضون الديمقراطية لأن الديمقراطية حرية. ويرفضون الدستور, لأن الدستور هو أبوالقوانين الوضعية, ويرفضون كل مبدأ وكل حق وكل قانون يحرر الإنسان من عبوديته للماضي الذي يريدون أن يبعثوه من مرقده ويحكمونا باسمه!
ولقد يبدو فيما يقوله الإخوان الآن وينشرونه علينا أنهم غيروا موقفهم السلبي من الديمقراطية. لكننا نفاجأ بأفعال تكذب الأقوال. وهو تناقض لابد أن يقع فيه كل من يخلط الدين بالسياسة. (71)
ولعل ادعاد احتكار مصطلحات الديمقراطية والمواطنة ودعاة الدولة المدنية "من المفارقات التى تثير الانتباه فى هذا الصدد أن العلمانيين والليبراليين ينتقدون ما يعتبرونه احتكارا للإسلام من جانب الإسلاميين، فى حين أنهم لا يترددون فى احتكار العديد من القيم السياسية الإيجابية، مثل التعددية والحداثة والتنوير ومدنية المجتمع. وهذه الفجوة لا يمكن تجاوزها إلا إذا أدير الصراع على قاعدة الخلاف السياسى وليس الهوية العقائدية.
فى مواجهة هذا المأزق لا مفر من الاعتراف بمسئولية النخبة فى مصر عن الاحتراب والتشرذم الحاصلين... هل غدت النخبة جزءا من مشكلة مصر بعد الثورة بدلا من أن تصبح أملها فى الحل ؟ (72)
والحقيقة أن الجميع يدرك لغة الاتهام والاستبداد التى يتمتع بها الليبراليون عند خسارتهم فى العملية الانتخابية ، وقد أكدت ذلك الصحافة العالمية ، ومن ذلك مقال " لمجلة تايم, أكد بوبي جوش محللها لشئون الشرق الأوسط والعالم العربي أن الحركات الإسلامية التي أحرزت انتصارات كبيرة في انتخابات ما بعد الربيع العربي تفهم الديمقراطية أكثر بكثير من القوي العلمانية والليبرالية التي واجهتها, مضيفا أن الاتهامات التي وجهت لتلك الحركات باستخدام المال أو الدعاية الكاذبة ليست مضخمة فحسب, بل تحمل في طياتها نظرة استعلائية من الليبراليين تجاه الناخبين الذين يجري الحديث عنهم علي أنهم سذج. " (73)
ثالثا : المواطنة من منظور ليبرالي علماني
" المواطنة هي حالة الإنتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة. وتبعا لنظرية "العقد الإجتماعي" لجان جاك روسو;المواطن له حقوق إنسانية يجب أن تقدم إليه وهو في نفس الوقت يحمل مجموعة من المسؤوليات الإجتماعية التي يلزم عليه تأديتها. وينبثق عن مصطلح المواطنة مصطلح "المواطن الفعال" وهو الفرد الذي يقوم بالمشاركة في رفع مستوى مجتمعه الحضاري عن طريق العمل الرسمي الذي ينتمي إليه أوالعمل التطوعي. ونظرا لأهمية مصطلح المواطنة تقوم كثير من الدول الآن بالتعريف به وإبراز الحقوق التي يجب أن يملكها المواطنون كذلك المسؤوليات التي يجب على المواطن تأديتها تجاه المجتمع فضلا عن ترسيخ قيمة المواطن الفعال في نفوس المتعلمين." (74)
- 1 ـ الدولة الإسلامية قامت على أساس المواطنة .
وفى دراسة المفكر الإسلامى راشد الغنوشي بعنوان (المواطنة فى الإسلام ) ألقى الضوء على كثير من الأمور المتعلقة بالمواطنة ، يقول :" وفي السياق الإسلامي تمتّع أهل ديانات وأعراق مختلفة بحقوق المواطنة أو بكثير منها في ظل حكومات إسلامية عبر تاريخ الإسلام الذي برئ من حروب الإبادة والاضطهاد الديني أو العرقي، بدءا بدولة المدينة التي تأسست على دستور مكتوب اعترف بحقوق المواطنة لجميع المكونات الدينية والعرقية للسكان باعتبارهم " أمة من دون الناس" حسب تعبير دستور المدينة المعروف باسم "الصحيفة" (سيرة ابن هشام) حيث نصت على أن "اليهود أمة والمسلمين أمة" (أي أمة العقيدة) وأن "المسلمين واليهود أمة" (هي أمة السياسة أو المواطنة) بالتعبير الحديث أي شركاء في نظام سياسي واحد يخولهم حقوقا متساوية باعتبارهم أهل كتاب وأهل ذمة أي مواطنين حاملين لجنسية الدولة المسلمة من غير المسلمين. قال عنهم أحد أكبر أًئمة الإسلام الخليفة الراشد الرابع علي كرم الله وجهه "إنما أعطوا الذمة ليكون لهم مالنا وعليهم ما علينا ".
وقد قامت دولنا الإسلامية الحديثة على أساس المواطنة أي الاشتراك في امتلاك الوطن من كل سكانه بصرف النظر عن دياناتهم، بعد أن اشتركوا في تحريره من الاحتلال، فقامت شرعية التحرير أساسا لمجتمعاتنا الإسلامية الحديثة بديلا عن شرعية الفتح، التي قامت عليها مجتمعاتنا ما قبل الاستعمار، وهو ما أرسى أساسا مشتركا للحقوق والواجبات بين كل المواطنين على اختلاف اتجاهاتهم وعقائدهم.
فإن سبيل المسلمين إلى ذلك هو الإسلام وليس غيره بسبب جمعه في منظومة واحدة متماسكة بين ضمير الإنسان ونظامه الاجتماعي، بين المادي والروحي والدنيوي والأخروي، وبسبب عمق قيمه في الوجدان والثقافة، وهو ما يفسر أن تهميشه من قبل النخب العلمانية التي حكمت المنطقة كان العامل الرئيسي في فشل التجارب التنموية على كل صعيد، علمي تقني أو سياسي أو اقتصادي، ومنها الفشل في حل القضية الفلسطينية، وكيف ترتجى تنمية على أي صعيد مع استبعاد الروح الجامع والوقود المحرك للجماهير؟".
- 2ـ المسيحيون موطنون لا أهل ذمة .
ويقول الأستاذ راشد الغنوشى : " ورغم أن مفهوم الذمة شابته شوائب استغلت في تشويهه إلا أنه يظل معلما بارزا من معالم السماحة والتحضر في حضارة الإسلام التي تأسست على مبدأ "لا إكراه في الدين" (البقرة:256) وأيضا " لكم دينكم ولي دين"( الكافرون:6) .
ومع ذلك فإن هذا المفهوم ليس من ألفاظ الشريعة الملزمة، فإذا غدا يلقي ظلالا من التحقير على جزء من مواطني الدولة غير المسلمين فيمكن الاستعاضة عنه بأي مفهوم آخر تجنّبا للبس، مثل مفهوم المواطنة، مادام يحقق المبدأ الإسلامي في المساواة بين المواطنين، وذلك على قاعدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا ". ولقد ارتضى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبيلة تغلب العربية النصرانية أن يؤدوا الضريبة تحت عنوان الزكاة لا الجزية، مما يعين على توحيد معايير الاستخلاص الضريبي ." (75)
- 3ـ الشريعة الإسلامية تحقق مبدأ المواطنة .
وانطلاقا من الحرية الدينية لجميع الأديان ، فإن الشريعة الإسلامية تتيح لغير المسلمين الاحتكام إلى شرائعهم ، ولذلك فإن حزب الحرية والعدالة قد بنى سياسته تلك على هذه الأساس ، ففي برنامج الحزب : " أقرت الشريعة الإسلامية حق غير المسلمين في الاحتكام إلى دياناتهم في أمور العقيدة والشعائر الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة ببناء الأسرة ، وهي الأحكام التي يوجد فيها اختلاف عن أحكام الشريعة الإسلامية، أما غير ذلك من أمور الحياة الدنيوية بكل أنواعها، والنظام العام والآداب فتحكمها القاعدة الإسلامية التي تقرر أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وهو ما يمثل أسمى قواعد العدل والإنصاف والمساواة بين المواطنين جميعاً دون استثناء". (76)
وفي أعقاب هذه الثورة, اجتمعت لجنة وضع دستور 1923م, التي ضمت ممثلين عن المكونات الاجتماعية والدينية لمصر ـ وفي مقدمتهم هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.. والكنيسة الوطنية.. وحاخامية اليهود المصريين ـ واتفقوا جميعا علي أن يتضمن الدستور المصري النص علي أن العروبة والإسلام هي هوية مصر ـ الدولة والمجتمع ـ فنص الدستور علي أن اللغة العربية هي اللغة القومية لمصر, وأن دين الدولة المصرية هو الإسلام.. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه القسمة من قسمات العقد الاجتماعي لمصر والمصريين موضع إجماع, لا يخرج عنه إلا قلة من أهل الشذوذ الفكري, أو اللقطاء الذين يريدون استبدال الهوية الغربية بهوية العروبة والإسلام (77)
ولقد جعل الإسلام أساس التوحيد والإيمان بالله البحث والنظر, لا القهر, ولا المحاكاة والتقليد, وليس أضمن لحرية الاعتقاد من هذا.. كذلك جعل الإسلام لغير المسلمين الحرية التامة في أن يقيموا شعائر دينهم في كنائسهم ومعابدهم, وجعل لهم أن يتبعوا أحكام دينهم في معاملاتهم وأحوالهم الشخصية.. وأساس العلاقة بين المسلمين ومخالفيهم في الدين المسلم (78)
وقد نادى الإخوان منذ نشأتهم باحترام الأديان جميعا والتعايش بين جميع الأديان فى وطن واحد دون تفرقة فيما يعرف بالمواطنة ، وقد سبق الإشارة إلى ذلك.
وقد تقدم أن الارتباط بين الديمقراطية والعلمانية هو من هذا القبيل ، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة بين فكرة المواطنة والعلمانية أو المواطنة والدولة القومية. فلقد عرف العالم ومنه أوروبا دولا قومية علمانية لا تعترف لكل مواطنيها بحق المساواة ، بل قد تقترف في حقهم اضطهادا يبلغ حد الإبادة ، كما فعلت النازية والفاشية، ولم يكتسب السود في الولايات المتحدة، مع أنها دولة قومية علمانية، حقوق المواطنة ولو من الناحية النظرية إلا في ستينيات القرن الماضي، ولا يزال المسلمون يتعرضون وكذلك أعراق وديانات أخرى لضروب بشعة من التمييز والقمع في دول قومية علمانية عديدة ، بما يؤكد أن هذا الربط لا يحمل أي دلالة عابرة للتاريخ ، وإنما هو مجرد واقعة، ومقابل ذلك قامت في الغرب والشرق حكومات ديمقراطية على أساس المواطنة دون أن تكون علمانية ، بل تتبنى دينا رسميًا مثل المملكة المتحدة البريطانية حيث تجتمع في رئاسة الدولة السلطتان الدينية والسياسية، وكذا حكومات غربية وشرقية أخرى. (79)
وتعرضت البوسنة والهرسك لحرب إبادة والعالم ساكن لا يتحرك سنة 1993م ، وفرنسا التى ينص دستورها على أنها دولة علمانية، والعلمانية كما يقول الليبراليون تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان ، إلا أنها تضطهد المسلمين وتمنع المسلمات من ارتداء الحجاب وتمنع المحجبات من دخول المدارس والجامعات ، وتمنع إصدار ترخيص ببناء مساجد للمسلمين.أهذه هي العلمانية التى يتشدقون بها صباح مساء بأنها تحترم حرية الأديان والعبادة ؟!.
إن المواطنة فى ظل العلمانية تفتقد إلى العدالة والمساواة والتعصب وعدم احترام الديمقراطية ، فالعالم الذى يتشدق بالديمقراطية لا يرضى بالانتخابات التى أتت بحماس ، ويصمت إزاء حصار الشعب الفلسطيني فى غزة ، ويعتبر حق المقاومة المشروعة للاحتلال الصهيونى بأنها إرهاب .
ومن ناحية أخرى يرتبط مفهوم المواطنة كما تبلور في الفكر السياسي الحديث بالدولة القومية من جهة وبالديمقراطية من جهة ثانية. والتطور إليهما ارتبط بالعلمانية غالبا ،وقد اعتاد الغرب في بحثه للظواهر الاجتماعية أن ينطلق من مسلّمة مركزيته الكونية، فما يصح في تاريخه ومجتمعاته يصح قانونا للبشرية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها! (80)
ولنستمع إلى أقوال من التى يتهمون الدولة المدنية عند الإخوان ، فمنهم من يقول : " إننا نريد أن نعرف , هل يستطيع الإخوان تقديم تصورهم لدولة مدنية حقيقية تقوم علي المواطنة, والديمقراطية استنادا إلي مرجعية إسلامية رصينة" (81) ويقول آخر :" وما الذى يدفعهم إلى هذا الإصرار على رفض أي إشارة للدولة المدنية ، واعتبارها طاغوتا لا يدعو إليه إلاّ الكفرة.. وكأن حظر تشكيل الأحزاب أو ممارسة النشاط السياسي على أساس ديني ليس أحد الملامح الأساسية للدولة المدنية بمقتضى نص القانون القائم والإعلان الدستوري المطبق الآن." (82)
وإذا كان الليبراليون والعلمانيون يريدون تصورا للدستور الإسلامى ، فإن الشعبة القانونية للإخوان المسلمين سنة 1952 أي ما يقرب من ستين سنة قدمت مسودة الدستور الإسلامى ، ومما جاء فيه :" الباب الأول : في السيادة : مادة 2- تباشر الأمة سلطانها عن طريق هيئة تنوب عنها ." (83)
وقد حرص الليبراليون والعلمانيون على مخاطبة وُدِّ المسيحيين بالإصرار فى كتاباتهم على حقوق المواطنة وحق المسيحيين فى بناء الكنائس ، وبالفعل أيد المسيحيون الفكر الليبرالي نحو علمانية الدولة ، لكنهم لم يدركوا أن فصل الدين عن الدولة لا ينطبق على الإسلام فحسب ، بل ينطبق على علاقة الكنيسة بالسياسة كذلك ، " والجماعة المسيحية التي رحبت بحكم المحكمة الذي ألزم وزارة الداخلية بتغيير الدين في بطاقة الرقم القومي على أساس أنه تأكيد لمدنية الدولة أي علمانيتها، هي نفسها التي تعارض حكم المحكمة الذي جعل الدستور فوق أحكام الإنجيل. (84)
وهنا أصبح الموقف الملتبس للجماعة المسيحية المصرية ومعها الكنيسة، نتاج التأييد الجزئي للعلمانية، رغم أن تلك الجماعة المسيحية لا تؤيد مبادئ العلمانية في حياتها. وبهذا يصبح موقف الجماعة المسيحية والكنيسة يوما مع العلمانية ويوما مع الشريعة الإسلامية. وهذا أمر غريب، لأن الذين يقفوا أمام تطبيق الشريعة الإسلامية، يتحججوا بوجود غير المسلمين في مصر، أي المسيحيين. والدولة التي تريد وقف الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية، ووقف أي نشاط سياسي إسلامي، هي نفسها التي وقفت صامتة أمام تصريحات الكنيسة الرافضة لحكم المحكمة. والكنيسة تعلم في تصوري أن تلك التصريحات لا تجوز في ضوء سيادة المبادئ الدستورية العلمانية في الدستور الحالي لمصر، ولكنها تجوز في ضوء المبادئ الإسلامية في الدستور الحالي، أي المادة الثانية من الدستور. فالدستور المصري أصبح خليطا من المبادئ والمرجعيات. وبهذا تكون الكنيسة المصرية قد اتخذت موقفا يقوم على الشريعة الإسلامية، واحتمت الكنيسة بهذه الشريعة، وحمت الجماعة المسيحية من مخالفة أحكام الإنجيل حسب تصورها. وبهذا نكون بصدد تطيق عملي للشريعة الإسلامية في شأن يخص المسيحيين،رغم أن تلك الشريعة غير مطبقة في بعض الشئون الخاصة بالمسلمين." (85)
" أما من قال إن الحل يتمثل في قانون مدني للأحوال الشخصية، فمعني هذا اللجوء إلي المرجعية العلمانية، وتحييد دور الدين في تشكيل الأسرة، وهو ما يؤدي إلي تفكيك الأساس الديني للأسرة، بما يؤدي إلي تفكيك الجماعة المسيحية، أي جماعة المؤمنين، وبالتالي يؤدي هذا إلي تفكيك الكنيسة نفسها، كما قال قداسة البابا شنودة الثالث بحق. كما أن اللجوء إلي قانون موحد للأحوال الشخصية، يعني غلبة المبادئ التي تتوافق عليها الأغلبية، بما يحرم المسيحيين من خصوصية قوانينهم الخاصة بالأحوال الشخصية، ويصبح القانون المطبق أقرب إلي قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين.
والقانون المدني غير الديني في كل الأحوال، لن يلتزم بأي مرجعية إسلامية أو مسيحية، وسيجعل الأسرة تفقد أساسها الديني. ويلاحظ أن للكنيسة ولاية علي الأقباط في أمورهم الشخصية، وهذه الولاية لم تنقطع بعد إلغاء المحاكم الشرعية في بداية الخمسينيات، والتي مثلت واحدة من القرارات العلمانية لنظام حكم عبد الناصر، ولكن أحيلت تلك الولاية إلي القضاء في المنازعات، وظلت الولاية للكنيسة في عقد مواثيق الزواج، وفي تحديد قوانين الأحوال الشخصية.
والشريعة الإسلامية أعطت الحق للكنيسة في وضع تشريع الأحوال الشخصية للمسيحيين، ثم تعتمده الدولة، ومعني هذا أن المجلس التشريعي ليس له ولاية علي تشريعات الأحوال الشخصية للأقباط، وهو أمر يتعارض مع كل أسس النظام العلماني، فالشريعة الإسلامية، هي الشريعة الوحيدة التي تسمح بالتعدد القانوني في الأحوال الشخصية، حفاظا علي عقيدتي المسيحي واليهودي، وحتي يحتكم كل منهما إلي عقيدته، ولا يتعارض معها في أحواله الشخصية. وبهذا أصبح التزام المسيحي واليهودي بشريعتهما، واجبًا والتزامًا وحقًا طبقا للشريعة الإسلامية.
لهذا أصبحت الكنيسة تمثل جهة التشريع وجهة التنفيذ، فيما يخص الأحوال الشخصية للمسيحيين، طبقا للشريعة الإسلامية. وهنا تظهر الأزمة العميقة، فالشريعة الإسلامية هي التي تعطي للكنيسة ولاية في الأحوال الشخصية للمسيحيين، وهي التي تمنحها الحق في التشريع في الأحوال الشخصية، وتلزم الدولة والنظام السياسي بما يصدر عن الكنيسة في هذا الشأن. كما أن الشريعة الإسلامية هي التي تمنع ازدراء الأديان، وبالتالي تمنع ازدراء الإسلام والمسيحية. وعندما تعمل الكنيسة وأيضا بعض الأقباط علي منع أي عمل يهاجم المسيحية، تقوم بذلك تحت مظلة الشريعة الإسلامية، لذا فالشريعة الإسلامية هي التي تحفظ للكنيسة والجماعة المسيحية خصوصيتها، وتحفظ لها حقها في تطبيق شريعتها في الأحوال الشخصية، وتحفظ لها حماية مقدساتها ورموزها.
ولكن الموقف العام داخل الكنيسة وداخل الجماعة المسيحية، أصابه قدر من الخوف من الشريعة الإسلامية، يصل إلي حد مهاجمة الشريعة الإسلامية، والمناداة بإلغاء المادة الثانية من الدستور والتي تقول بأن دين الدولة الإسلام والشريعة المصدر الرئيس للتشريع. وهنا يبدو المأزق، عندما تتزايد موجات الخوف من الشريعة الإسلامية لدي الجماعة المسيحية، وفي نفس الوقت، لا تجد تلك الجماعة أو كنيستها إلا الشريعة الإسلامية لتحتمي بها في مواجهة المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها، ولن تجد الكنيسة إلا الشريعة الإسلامية لتحميها من توجهات الدولة أو النظام السياسي أو النخب العلمانية، عندما تتجاوز دور الكنيسة وتحاول الحد من دورها داخل الجماعة المسيحية.
تلك الأزمة تكشف عن أن الملاذ التاريخي الذي حمي الكنيسة وحمي الجماعة المسيحية، كان هو الشريعة الإسلامية، كما تكشف تلك الأزمة عن أن سيادة مرجعية غير دينية في المجال العام، تؤدي إلي توسع تلك المرجعية ضد دور الدين في حياة الأغلبية المسلمة والأقلية العددية المسيحية. فما يحمي دور الدين لدي المسلمين، هو الذي يحمي دور الدين لدي المسيحيين، وهو موجود في المادة الثانية من الدستور. (86)
رابعا : تعقيب
اختلاف المرجعيات بين الإخوان والليبراليين
إن الاجتماع على رأى واحد أمر متعذر ، وما ينبغى التأكيد عليه هو أنه ينبغى الالتقاء والاتفاق حول النقاط المشتركة ، وهى كثيرة دون أن يفرض كل فريق إرادته ورؤيته على الآخرين . لكننا ما ندركه فى الوقت الحالى أنه يوجد بعض التصريحات الحادة من الإسلاميين التى تشعر الليبراليين والعلمانيين والمسيحيين بالقلق ، ومن ناحية أخرى حاول الليبراليون أن ينالوا نصيبهم من منجزات الثورة عن طريق فرض إرادتهم عن طريق علاقاتهم بالنخبة السياسية الأمر الذى استفز الاتجاه الإسلامى بما له من أغلبية شعبية تؤيده مما خلق احتقانا فى الحياة السياسية .
" والحاصل أن بين التيار العلماني والتيار الإسلامي خلافًا في القيم السياسية العليا الحاكمة للنظام السياسي الرشيد، مما يجعل تصور كل منهما النظام السياسي الرشيد أو الصالح مختلفا.لأن كلا منهما استمد مرجعيته من إطار مختلف.
والاختلاف في المرجعية التي تستمد منها الأفكار، يوسع الاختلاف، وربما يحوله إلي خلاف. فالتيار العلماني يري أن المرجعية تستمد من العصر، ومن القوة المتقدمة في العصر الحالي، ومادام الغرب يمثل الحضارة المتقدمة، لذا تصبح الحضارة الغربية هي المرجعية التي يمكن أن تحقق التقدم والنهوض. ولكن التيار الإسلامي يري علي العكس من ذلك، أن المرجعية تستمد من التاريخ الحضاري لكل أمة أو شعب، وأن تلك المرجعية تمثل الخصوصية الحضارية الخاصة بكل أمة أو شعب، وأن الحضارة المتقدمة لا تمثل النموذج الأفضل لكل شعوب الأرض، حتي وإن كانت تمثل الأفضل للشعب الذي ينتمي لها، وتقدم من خلالها....وبهذا يصبح الالتزام بالمرجعية الغربية بالنسبة للتيار الإسلامي هو مصدر التأخر والتدهور والسقوط في التبعية، والالتحاق بالغرب، وهو أيضا مصدر عدم قدرة الأمة علي مواجهة الاستعمار الخارجي. أما بالنسبة للتيار العلماني، فيصبح التمسك بالمرجعية الحضارية للأمة الإسلامية هو مصدر تخلفها وتراجعها، وهو سبب تأخرها، وهو الذي يمنعها من اللحاق بالغرب المتقدم، وعليه يصبح السبيل للتقدم والنهوض، مختلفًا عليه بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، مما يجعل لكل منهما طريقا محددا يتعارض مع الآخر. " (87)
ومن أهم التصنيفات التي تميز الساحة السياسية، هي تلك المتعلقة بأهم تيارين، هما التيار العلماني والتيار الإسلامي. وبين العلمانية والإسلامية العديد من الفروق، ولكن التمييز بينهما يحتاج إلي تحديد معايير محددة، تساعد علي إبراز الفروق المهمة بينهما. فالتباين بين التيارات السياسية، ليس تباينًا كليًا، ولكنه تباين في القيمة المركزية المشكلة لكل تيار، مع وجود مساحة للتشابه في العديد من السياسات والقواعد. وكل نظرية سياسية تقوم علي منظومة قيم أساسية، وكل منظومة قيم لها مصدر، ولها أيضا قيمة مركزية عليا، تمثل أهم القيم السياسية، أو القيمة الأولي بالرعاية، مع بقاء القيم الأخري لها أولوية وموضع معتبر. (88)
" وبين العلمانية والإسلامية اختلاف في مصدر القيم السياسية. فالعلمانية تستمد القيم السياسية من العقل البشري، واجتهاده الحر، غير الملتزم بأي قيم أعلي من العقل البشري. لذا فالعلمانية هي في الترجمة الدقيقة الدنيوية، والتي تقوم علي قاعدة استنتاج القيم المركزية السياسية للمجتمع من خلال عقله البشري، ومن خلال ظروفه وأحواله الدنيوية، فتصبح منظومة القيم السياسية العلمانية منظومة دنيوية بشرية نسبية خالصة، يضعها العقل البشري دون أي مرجعية متجاوزة له، أي دون أي مرجعية مستمدة مما وراء الطبيعة، ولذلك فالعلمانية هي الدنيوية الوضعية.
أما الإسلامية فهي علي النقيض من ذلك، لأنها تقوم علي مرجعية القيم العليا الإلهية، وتعتبر أن القيم الإلهية هي المصدر الأساسي للقيم السياسية، ويجتهد العقل البشري في فهم القيم الإلهية وفي تطبيقها، أما العلمانية فتضع لنفسها مقدسا دنيويا من تصميم العقل البشري، وتعتبره قيمتها العليا. (89)
ومع الاختلاف في المصدر، تختلف التيارات السياسية في منظومة القيم التي تقوم عليها، كما تختلف في القيمة العليا الأولي بالرعاية والتطبيق. فالليبرالية تمثل فرعا من فروع العلمانية، وهي تقوم أساسا علي قيمة الحرية الفردية باعتبارها القيمة الأولي بالرعاية، أي القيمة العليا التي يعمل النظام السياسي علي تحقيقها، وبجانب الحرية الفردية، تعمل الليبرالية علي تحقيق قيمة الرفاهية المادية، وأيضا قيمة السوق الحرة. وبهذا تتشكل الليبرالية كفلسفة علمانية وضعية، أي دنيوية، حول قيمة الحرية الفردية. أما الشيوعية، فهي أيضا فلسفة علمانية وضعية، أي دنيوية، وتقوم أساسا علي قيمة المساواة، بوصفها القيمة الأولي بالرعاية. حيث تعمل الشيوعية علي تحقيق المساواة الكاملة والمتطابقة بين الجميع، وبجانب المساواة تعمل الشيوعية علي تحقيق التنمية والتقدم. وبهذا تختلف الشيوعية عن الليبرالية، في القيمة الأولي بالرعاية، حيث تعمل الدولة الليبرالية العلمانية علي تحقيق الحرية الفردية قبل أي قيمة أخري، وتعمل الدولة الشيوعية علي تحقيق المساواة قبل أي قيمة أخري. ولكن كلاهما يمثل فكرا علمانيا دنيويا، وبينهما العديد من التيارات البينية. (90)
و"الخطاب الديني الجديد يحاول تصوير الحركة السياسية الإسلامية بأنها تستخدم الدين، وتستغل الدين للوصول للسلطة، وهنا يتم خلط المصطلحات لتشويه الحركة الإسلامية، رغم أن الحركة الإسلامية تجعل الدين حاكمًا أعلى عليها، وتتحرك بمقتضى القيم الدينية، وترفع الدين كمرجعية عليا، وهذا ليس استخدامًا للدين؛ فاستخدام الدين يتحقق عندما يكون الدين أداة من أدوات العمل السياسي، ولكن عندما يكون الدين هو المرجعية العليا للعمل السياسي، تصبح السياسة في خدمة الدين، بدلاً من أن يكون الدين في خدمة السياسة؛ وهذا هو الفرق بين منطلق الحركة الإسلامية، ومنطلق السلطة الحاكمة؛ فالسلطة الحاكمة تجعل الدين في خدمة السياسة العلمانية، والحركة الإسلامية تجعل السياسة في خدمة الدين، فتصبح سياسة إسلامية." (91)
" أما منظومة القيم السياسية الإسلامية، وهي منظومة تستند إلي المصدر الإلهي المقدس، فهي تختلف أيضا مع المنظومات العلمانية في القيمة الأولي بالرعاية، وليس فقط في مصدر منظومة القيم السياسية. فالنظام السياسي الإسلامي يقوم أساسا علي قيمة العدل، بوصفها قيمة عليا مطلقة، وليست قيمة نسبية، وتقوم الدولة الإسلامية علي تحقيق العدل، بوصفها القيمة الأولي بالرعاية بجانب ذلك تقوم الدولة الإسلامية لتحقيق قيم أخري، من أهمها قيمة الحرية، بمعني التحرر، فهي دولة منوط بها تحقيق الحرية لكل المنتمين لها، حتي يكون كل فرد حر وغير مستعبد لأي جهة أو فرد، ويكون عليها حماية كل فرد من أي ظروف تستعبده. وهنا نلمح فرقا آخر، فالحرية في المنظومة الإسلامية، هي التحرر من كل أشكال العبودية، أيا كان نوعها، بما في ذلك أي شكل من أشكال العبودية للسلطة الحاكمة أو النخب المسيطرة أو أصحاب الثروة أو الشركات الكبري، وغيرها.
أما الحرية في المفهوم الليبرالي، فهي حرية الفرد في تصرفاته الشخصية، حيث يتاح له أن يفعل ما يشاء في مجاله الفردي، دون أي قيود من المجتمع وقيمه العليا. أما في المنظومة الإسلامية، فيصبح الفرد جزءا من المجتمع ويتبع نظامه الاجتماعي، مع احتفاظه بحريته في مجاله الخاص، دون التعدي علي قيم المجتمع المتفق عليها. وفي الليبرالية، لا تكون حرية الفرد مطلقة، فهي محكومة بالدولة والنظام السياسي، فيصبح الفرد حرا في حدود النظام السياسي والقانوني، وليس في حدود النظام الاجتماعي. ففي الليبرالية تكون الدولة هي الكيان الذي يحظي بالرعاية والتأمين، أما في الإسلامية، فتصبح الأمة والمجتمع، هي الكيان الأولي بالرعاية والتأمين.
هكذا تختلف الرؤي السياسية في مصدرها، ثم تختلف في قيمها وترتيب تلك القيم، وفي القيمة الأولي المركزية، كما تختلف في معني القيم، ثم تختلف بعد ذلك في وسيلة التنظيم، والكيان الذي يحظي بالرعاية والتأمين. فالدولة العلمانية الليبرالية، تقوم علي اجتهاد بشري دنيوي متحرر من الدين وقيمه، لتحقيق الحرية الفردية، وتلتزم بالأمن القومي باعتباره الالتزام الأول. أما الدولة الإسلامية، فهي اجتهاد بشري يستمد مصدره من المصدر الإلهي المقدس، وتجعل الدين هو الحكم الأعلي فوق الدستور، وتقوم لتحقيق وإقامة العدل، وتلتزم بأمن الأمة باعتباره التزامها الأول. ولكن كلاهما يقبل التعددية، ويعطي للمجتمع الحق في اختيار حكامه وممثليه، ويجعل الحرية السياسية شرطا للنظام السياسي الرشيد. لهذا يمكن للقوي السياسية التوافق علي القواعد العامة للعمل السياسي، التي تجعل الأمة مصدرا للسلطات، رغم الاختلاف بينها في القيم المركزية. مما يجعل التعدد مصدرا للثراء، ويجعل المجتمع حكما وحيدا أصليا بين التيارات السياسية المختلفة." (92)
الليبراليون لا يفهمون معنى المرجعية الإسلامية للدولة
حقيقة إن حملة تشويه الإخوان وكل من يدعو للتمسك بالإسلام قديمة تحت مسمى معادة الوطن والعمل على المصالح الشخصية ، وقد بين الأستاذ حسن البنا، فيقول فى ( رسالة نحو النور) تحت عنوان : ( رجال الدين غير الدين): " ومن المبررات التي اتخذها بعض الذين سلكوا سبيل الغربيين , أنهم أخذوا يشهرون بمسلك رجال الدين المسلمين من حيث موقفهم المناوئ للنهضة الوطنية , وتجنيهم على الوطنيين وممالأتهم للغاصبين وإيثارهم المنافع الخاصة والمطامع الدنيوية على مصلحة البلد والأمة , وذلك إن صح فهو ضعف من رجال الدين أنفسهم لا في الدين ذاته , وهل يأمر الدين بهذا ؟ , وهل يمليه سيرة الأجلاء الأفاضل من علماء الأمة الإسلامية الذين كانوا يقتحمون على الملوك والأمراء أبوابهم وسدودهم , فيقرعونهم ويأمرونهم وينهونهم ويرفضون أعطيتهم ، ويبيّنون لهم الحق ويتقدمون إليهم بمطالب الأمة , بل ويحملون السلاح في وجوه الجور والظلم ... (93)
" فالشريعة ليست مسألة دينية تتعلق بالمسلمين فقط ، لأنها ترتبط بثقافة شعبنا وأمتنا وميراثهما الحضاري. كما أنها ليست قضية سياسية تخص التيارات الإسلامية وحدهم ، أو أنها تنتمي إلي الماضي ولا تليق بالمستقبل ، لذلك نفروا منها هاربين دون إدراك أن المرء لا يمكن أن يفر من نفسه.
ولم يختلف موقف الليبراليين المصريين بشأن مسألة الشريعة الإسلامية عن الناصريين والقوميين بوجه عام . فقد تبني كثير من هؤلاء وأولئك ومن معظم أطياف اليسار موقفا سلبيا إزاءها لم يخل من حدة حينا وعداء حينا آخر.
ولذلك لم يدركوا, وهم الذين ناضلوا طويلا من أجل الاستقلال الوطني, أن هذا الاستقلال ليس سياسيا واقتصاديا فقط ، بل هو قانوني أيضا أو هكذا ينبغي أن يكون.
ولم يدرك غير قليل من الليبراليين الأهمية القصوي للنص الدستوري الذي يقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. فهذا النص ليس مجرد كلمات لإرضاء التيارات الإسلامية. فالمفترض أن يكون هذا النص منطلقا لاستقلال قانوني يتحقق تدريجيا في الوقت الذي نتقدم نحو استعادة الاستقلال السياسي وبناء الاستقلال الاقتصادي غير أن إنجاز استقلالنا القانوني يبدو أكثر صعوبة بعد أن صارت قاعدته الأساسية ، وهي الشريعة الإسلامية موضع صراع.." (94)
ولا ندرى لماذا لا يكتبون كلمة " الإسلام " فى كتابتهم ويستبدلونها بكلمة " الدين " ، هل هو إمعان فى التضليل أم كره لكلمة الإسلام ؟
" قولهم إن المرجعية الإسلامية ستكون مدخلا للدولة الدينية, هو قول مرسل ، ولا يقوم عليه دليل واحد لا من أصول المرجعية الإسلامية, ولا من وقائع تاريخ السلطة في الاجتماع السياسي الإسلامي. ومع ذلك يظل أنصار مدنية الدولة ذات المرجعية العلمانية يرددون هذه التهمة, ويلقونها هكذا علي عواهنها دون أن يدعموها بدليل يؤيدها, أو برهان يثبتها. " (95) "فالشريعة ليست مسألة دينية تتعلق بالمسلمين فقط ،لأنها ترتبط بثقافة شعبنا وأمتنا وميراثهما الحضاري. كما أنها ليست قضية سياسية تخص التيارات الإسلامية التي يتحمل بعضها مسئولية تاريخية عن تحويلها إلي موضوع للاستقطاب. ويشاركهم في هذه المسئولية غيرهم ممن تركوها للإسلاميين وظنوا أنها تنتمي إلي الماضي ولا تليق بالمستقبل ونفروا منها هاربين دون إدراك أن المرء لا يمكن أن يفر من نفسه. (96)
وقد أوضح الإخوان فى أكثر من موضع رفضهم فكرة الدولة الدينية ومحاربتها وعلى من يتهمهم بأن يسعون إلى دولة دينية ،وقد أفاض الأستاذ عمر التلمسانى بالرد على من يزعمون أن الإخوان يدعون إلى دولة دينية . (97)
و نسوق ما قاله الأستاذ خالد محمد خالد ، وهو ليس من الإخوان ، وقد كان من قبل من القائلين بأن الدولة فى الإسلامية دولة دينية ثم عاد إلى صوابه ، يقول الأستاذ خالد محمد خالد : " والإسلام يقيس نوع السلطة بنوع قيمه ومبادئه ، فهو لا يفرض أي سلطة تفرضها ظروف مجافية لمبادئه ، بل لابد أن يتوفر لهذه السلطة من العدل واحترام الشريعة التى يجعلها جديرة بكونها سلطة إسلامية." (98)
" هناك فارق هائل بين الحكومة الدينية والحكومة الإسلامية ... فالأولى : حكومة الطائفة أو الطوائف والثانية حكومة الجميع ، وهذا يجعل الحكومة الإسلامية بالضرورة حكومة قومية أي أن قومية الحكم فى الإسلام تشكل جوهر هذا الحكم وأقوى دعاماته وركائزه ..!!
وهذا بدوره ينفى تماما تقسيم الدولة المسلمة إلى أكثرية وأقلية .. هناك فقط وطن واحد لمواطنين أكفاء ومتساوين ..
ولا أعرف دينا كالإسلام يحترم وجود وحياة وحرية وحقوق غير المسلمين ، فالمسلم مواطن وغير المسلم مواطن أيضا تجمع بينهما المواطنة مهما تباعد بينهما الأديان ..
ولا أذكر أن الدولة الإسلامية خلال ما يزيد على أربعة عشر قرنا قد خلعت صفة الأقلية على غير المسلمين فيها ، إنما خلع هذا الوصف الاستعمار لا سيما فى مصر حين زعم أنه باق فى بلادنا ليحمى الأقليات ، بيمنا كان ( الصف المسيحي ) الذى يعنيه بالأقلية يسابق الصف المسلم فى دحض الاستعمار البريطاني ورفضه وقتل جنوده وضباطه .
ولقد يقول قائل : إنه أي الإسلام لم يستخدم كلمة " أقلية " واضعا مكانها عبارة "أهل الكتاب ".. والحق أن وصف المسيحيين بأهل الكتاب تكريم لهم ؛ لأنه بهذا الوصف يريد تمييزهم عن المشركين والوثنيين الذين لا كتاب لهم ولا رسول وبهذا المعنى نكون جميعا" أهل كتاب " ، فالمسلمون أهل كتاب " القرآن " ، والمسيحيون أهل كتاب " الإنجيل " ، واليهود أهل كتاب هو " التوراة " . ..!!
وبهذا المعنى كذلك نكون أصحاب وطن حر لمواطنين أحرار ، وللمسيحيين ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، ولا ينتهك أي دين منزل رشيد حر لأمة المواطنة وحقوقها وكرامتها ، وهكذا انتهيت إلى أن الحكومة الإسلامية مختلفة تماما ويجب أن تكون مختلفة عما عرف فى التاريخ بالحكومة الدينية من حيث قومية الحكم وتقديس الحرية والعدل ومن حيث التكوين الإلهي والبشرى لها العبادى والسياسي : الروحي والمادي ، ومن حيث التركيب العضوي والفلسفي ، ومن حيث العلاقات المهيمنة والمتبادلة بين أفراد المجتمع وصفوفه ومن حيث التفاهم المشترك بين أفكاره وأهدافه ومن حيث التواصي بالإخاء والتراحم والمساواة فى الحقوق والواجبات ومن حيث ديمقراطية الحكم وديمقراطية القانون .. وديمقراطية المجتمع ." . (99)
إن الإسلام كما فهمته تماما لا كما يفهمه المفلسون ولا كما يفهمه الغلاة والمتطرفون ولا كما يفهمه المتاجرون .. هذا الإسلام الذكي السمح الفتى المضيء ..دين الإخاء القومي والوئام ـ العالمي ـ هو بيقين :
- ـ دين ودولة .
- ـ حق وقوة .
- ـ عبادة وسياسة .
- ـ ثقافة وحضارة .
- ـ إخاء وتعارف .
.....وتذكرت كلمة المفكر الفرنسي "فولتير " :
" إن الذي يقول لك اليوم اعتقد ما أعتقده و إلا لعنك الله ، سيقول لك غدا اعتقد ما أعتقد و إلا قتلتك !!! .. وكان هذا خطأ آخر وقعت فيه .. كان الخطأ الأول مضاهاتي الحكومات الدينية الكنسية بحكم الإسلام ....كان هناك خطأ في المنهج ذاته . فقد جعلت ما تأثرت به من قراءاتي عن الحكومات الدينية في المسيحية وما تأثرت به من تحول بعض الشباب المسلم من نساك إلى قتلة .. جعلت هذا وذاك مصدر تفكيري ..لا موضع تفكيري ، وفارق كبير بين أن تجعل الحدث أو الشيء مصدر تفكيرك وبين أن تجعله موضع تفكيرك .." (100)
".... وأود أولا أن أشير إلى أن تسمية الحكومة الإسلامية بالحكومة الدينية فيه تجنى وخطأ ، فعبارة الحكومة الدينية فيها مدلول تاريخي يتمثل في كيان كهنوتي قام فعلا وطال مكثه ، وكان الدين المسيحي يستغل أبشع استغلال في دعمه ، وفى إخضاع الناس له ، فالحكومة الدينية مؤسسة تاريخية نهضت على سلطان ديني ، بينما كانت أغراضها سياسية ، وأصلت الناس سعيرًا بسوء تصرفاتها وتحكُّمِها ، وهى في المسيحية واضحة كل الوضوح ، بينما الإسلام لم يشهد في فترات استغلاله ما شهدته ، وما تكبده المسيحية لاسيما في العصور الوسطي عصور الظلام .
ولعل أول خطأ تغشى منهحى الذي عالجت به قديما قضية الحكومة الدينية كان تأثري الشديد بما قرأته عن الحكومات الدينية التي قامت في أوربا والتي اتخذت من الدين المسيحي دثارا تغطى بها عريها وعارها .
وإذن فالإسلام لا يعرف الحكومة الدينية التي عرفتها أوربا في العصور الوسطي واكتوت بنارها حين حكمها القسس والباباوات ..!! إنما يعرف الحكومة الإسلامية التي تستمد وجودها ونظامها وضميرها من الشريعة الإسلامية التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة من احتياجات البشر إلا لبتها وغطتها ، وقالت فيها كلمة الفصل .وإنما قلت الشريعة الإسلامية لأضع أمــام الأعين المبصرة والقلوب الفــاقهة اعتمادها على الاجتهــاد وإعمــال العقل واستبطان النص واحترام المعاصرة .
هناك فارق هائل بين الحكومة الدينية والحكومة الإسلامية ، فالأولى حكومة الطائفة أو الطوائف والثانية حكومة الجميع ، وهذا يجعل الحكومة الإسلامية بالضرورة حكومة قومية أي أن قومية الحكم فى الإسلام تشكل جوهر هذا الحكم وأقوى دعاماته وركائزه . ." (101)
ويسوق الأستاذ خالد الآيات التى تدعو إلى ضرورة الحكم بين الناس بما أنزل الله ، ثم يقول : إن هذه الآيات التى سلفت يكشف القرآن بها عن أن للإسلام دورا غير هداية الناس ، وهو دور الحكم والحاكم الذى يحمى ديارهم وينظم حياتهم عن طريق دولته التى يجب أن تقوم وأن تبقى ما بقى فى الدنيا إسلام .
ودستور هذه الدولة ماثل فى كتاب الله ، وسنة الرسول وإجماع الأمة .وإجماع الأمة يتشكل وفق ما فى القرآن والسنة من أحكام .قال تعالى : "يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول ."
والقرآن فى الدولة المسلمة هو أبو القوانين فيها . (102)
وما دام المجتمع البشرى بطبيعة تكوينه فى حاجة إلى دولة أو دول تنظم سلوكه وحياته ، فكيف يغفل الإسلام عن تلبية هذه الحاجة الضرورية ؟؟ . (103)
والغريب الذى يجهله الليبراليون والعلمانيون أن الشريعة الإسلامية بطبيعتها مدنية وأن الأحكام التى لا يوجد فيها نقاش هي الأحكام قطعية الدلالة قطعية الثبوت ، وهى قليلة للغاية ، تمثل مواد فوق دستورية ، فهل يريد الليبراليون والعلمانيون التعامل من الدولة المدنية ذات المرجعية العلمانية التى يدعون إليها أن تخالف عقيدتها الإسلامية وتشرع قانونا يبيح التعامل بالربا مثلا ؟، ولعل السؤال المطروح " هل المادة الثانية من الدستور- بعد تعديلها عام ١٩٨٠- تبعد مصر عن الدولة المدنية وتقربها من مفهوم الدولة الدينية، هذا سؤال دقيق ويثير كثيرًا من الحساسيات وكثيرًا من المناقشات في هذه الأيام؟ ....
وجاءت المحكمة الدستورية العليا فحكمت أن مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبر كذلك- المصدر الرئيسي- هي المبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة وهذه بطبيعتها محدودة للغاية، ذلك أن الغالبية الكبرى من الأحكام الشرعية فيها اجتهادات واختلافات كثيرة بين الفقهاء المسلمين والمذاهب المختلفة، بل إنه بين فقهاء المذهب الواحد تتعدد الآراء ومن ثم فإن حكم المحكمة الدستورية الذي اقتضي شرطي قطعية الثبوت وقطعية الدلالة جعل تطبيق هذه المادة شديد المحدودية والضيق. " (104)
ويقول المستشار طارق البشرى ردا على الذين يقولون إن تطبيق الشريعة الإسلامية سيجعل الدولة دينية : " أكثر من يتكلمون فى هذا الأمر لا يفهمون معنى تطبيق الشريعة الإسلامية. ولم يدخلوا فى الفقه الإسلامى، ولم يعرفوه، ولا خبروه، ولا يعرفون كيفية توليد الأحكام من النصوص، لتطابق الواقع الحاضر، لأن ذلك له مناهج، يعرفها رجال القانون، فأغلب من يتكلمون فى هذا الأمر لم يدرسوه، وليس من السهل تبسيطه وشرحه فى ثلاثة سطور فى حديث، لأن ذلك الأمر مكتوب فيه كتب. وأغلب من تحدثوا عن تطبيق الشريعة، لم يكونوا من التيار السياسي الإسلامى ، وأهم من كتب فى موضوع الشريعة الإسلامية، كانوا أساتذة مصريين درسوا الفقه الإسلامى فى فرنسا.
المادة الثانية تمثل الهوية للجماعة الوطنية، نحن عندنا أناس يتكلمون الإنجليزية ، فهل نكتب فى الدستور إلا الذين يتحدثون الإنجليزية ؟ وعبارة « الدين الإسلامى دين الدولة الرسمي »، موجودة من قبل دستور 23، فلماذا يقولون إنهم «خائفين الشعب لا يفهم »، كيف أخاف من هذا الشعب الذى نزل 15 مليون ، ولم يكسر واحد منهم فانوسًا ، أأخاف أنا منه ؟! هذا لأنني لم أفهم ، وأنا الذى قاعد فى حجرة أشرب قهوة سادة ، أبقى أنا الذى فاهم ، وهم ليسوا فاهمين، أنا أتحدث عن هؤلاء الذين يطالبون بإلغاء المادة الثانية، أقول لهم ما هو الذى يميزكم عن الشعب من الفهم كي تدعوا أنكم فاهمون ، والشعب ليس فاهما ؟، الشعب هو البلد، وليس أنتم.
علينا أن نواجه هؤلاء والحكم بعد ذلك للشعب، وأنا واثق أن الشعب سيأخذ بالميزان المضبوط فى الأمور، ثم من سيلغى المادة الثانية ؟ اليوم لا يوجد أحد يريد أن يلغيها على فكرة، وما رأيناه هذه الأيام، أن لا أحد من الليبراليين يريد إلغاءها، وحسنا فعلوا، وأنا أتحدث فقط عمن يريد إلغاءها إلى الآن." (105) هل يوجد مسلم يخاف من دينه ؟
الشعب يختار المرجعية الإسلامية
حقيقة إننا نجد من خلال قراءة الأحداث نجد أن الليبراليين والعلمانيين لم يتفقوا على مرجعية واحدة تعبر عن وجهة نظرهم ، فذهب كل منهم يعبر عن رؤيته وتصوره للمرجعية البديلة للمرجعية الإسلامية ، وهى فى حقيقة الأمر مرجعيات متعددة لا يساندها ويدعمها اتجاه ليبرالى أو علمانى ، لذلك نجد الاتجاهات الليبرالية والعلمانية واليسارية عموما تركز على الفصل بين الإسلام والدولة وأن يترك الأمر للشعب لاختيار ما يريد ، وتطبيق المبدأ العام فى الدولة المدنية ( الشعب مصدر السلطات).
ومن هنا فالاجتهادات الفردية فى اقتراح بدائل للمرجعية الإسلامية لا تجد ما يؤيدها من أنصارها فضلا عن الشعب ، وبالتالى فهى لا تعبر إلا عن رأى أصحابها ، ولا تأثير لها فى الحياة السياسية .
ولونظرنا إلى الاتجاهات الإسلامية ،فإنها تتوحد على اختيارالمرجعية الإسلامية للدولة مهما اختلفت تلك الاتجاهات فيما بينها منطلقة فى ذلك من تأييد معظم الشعب المصرى والعربى لها فى ذلك الاختيار.وليس أدل على ذلك من الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى المغرب التى فاز فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامى ، وحزب النهضة الإسلامى فى تونس ، حزب الحرية والعدالة الإسلامى فى الانتخابات البرلمانية فى مصر التى بدأت يوم 28/11/2011 وحقق حزب النور السلفى مركزا متقدما بالنسبة للأحزاب الأخرى الليبرالية واليسارية .
فإذا تجاوزنا عن الاستشهاد بحزب الإخوان المسلمين ( الحرية والعدالة )الذى يقولون عنه إن له خبرة وأكثر تنظيما تجعله يتقدم على الأحزاب الأخرى. ونأخذ مثلا حزب النور السلفى ذى المرجعية الإسلامية حديث العهد بالتأسيس وبالسياسة نجده فى موضع المنافسة للأحزاب الليبرالية واليسارية ،مثل الوفد ، وأحزاب (الكتلة المصرية )، وأحزاب (الثورة مستمرة ) ، والجبهة الديمقراطية ، والعدل ، وغيرهم .مما يدل على أن المرجعية الإسلامية للدولة اختيار الشعوب العربية فى مصر وتونس والمغرب التى جرت فيها انتخابات حرة ونزيهة .وأن الاتجاهات الرافضة للمرجعية الإسلامية أقلية ولا تؤيدها شعبية فى المجتمعات العربية .
تلك هى مقومات النهضة الحديثة التى نقل بها أتاتورك تركيا من الاستبداد إلى دولة عصرية عن طريق : وفصل الدين تماما عن الدولة ، وأحل القوانين المدنية محل القوانين المستقاة من الشريعة الإسلامية .
لكن إذا كان أتاتورك فعل ذلك فإنه لم يكن بمعزل عن الشعب الذى أيد صنيع أتاتورك ، فالعلمانية فى ذلك الوقت كانت خيار الشعب ، وهو حر فى اختيار مرجعيته ، والدليل على ذلك أن الشعب اختار أتاتورك رئيسا ثلاث مرات كما يقول.
والسؤال الذى يطرح نفسه ، هل الشعب المصرى يرحب بفصل الدين عن الدولة ، وإحلال القوانين المدنية محل الشريعة الإسلامية ؟
لعل الإجابة واضحة للعيان ولا تحتاج إلى عناء فى الإجابة عنها ، إن الشعب المصرى لا يقبل أن يساوم على دينه، والانتخابات البرامانية التى شهدتها مصر فى مراحلها الثلاث والتى بدأت فى 28 /11/2011يؤكد تصويت الشعب للتيار الإسلامى والمفاجأة الكبرى هى بروز السلفيين بحزبه الوليد وتجربتهم السياسة الأولى ومنافسته للأحزاب الليبرالية العريقة ، أليس فى ذلك انحياز الشعب للمرجعية الإسلامية التى يدعو إليها الإخوان والسلفيون ؟ . أليس فى تأخر الأحزاب الليبرالية مؤشر على ضعف شعبيتهم ورفض معظم المجتمع لأفكارهم وبرنامجهم فى فصل الإسلام عن الدولة واستبدال القوانين الوضعية بالشريعة الإسلامية ؟ .
ترى هل يعيد الليبراليون والعلمانيون التفكيرو يستمعون إلى صوت الشارع ويعبرون عنه ؟ أم أنهم يظلون فى عزلتهم الفكرية بعيدا عن المجتمع ؟ أم أنهم مصرون على فرض رأيهم على الدولة بالقوة لا بالتأييد الشعبى ؟ إن الإجابة متروكة لليبراليين والعلمانيين أنفسهم يجيبون عليها . إن تجربة العلمانية فى أوربا كانت خيار الشعوب لا يرضون عنها بديلا ، أما فى مصر والبلاد العربية ، فإن المرجعية الإسلامية خيار الشعوب العربية لا يرضون عنها بديلا.
الهامش
(1)سامح فوزي:النخبة السياسية المتطهرة دائمًا ، صحيفة الشروق المصرية ،السبت 5 نوفمبر 2011 .
(2 ) فهمي هويدي : شهادة الغفلة وإهدار الأولويات ، جريدة الشروق ، الثلاثاء 13 ديسمبر 2011 .
(3) جريدة نبض المصريين : الكنيسة منقسمة حول دعم قوائم المرشحين فى الانتخابات ، وهى جريده شامله تصدر عن مؤسسة المصريين للصحافة و الطباعة و النشر و التوزيع.
(4) الأهرام 16 الأحد من المحرم 1433هـ / 11 من ديسمبر 2011 الصفحة الأولى تحت عنوان : النائب المسيحي لرئيس حزب الحرية والعدالة رفيق حبيب : تشويه الإسلاميين مستمر منذ أيام مبارك والإعلام الخاص يدافع عن مصالح رجال أعمال .
(5) د. وحيد عبدالمجيد : كيف نفهم مفاجآت المرحلة الأولي للانتخابات ، الأهرام 18من المحرم 1433هـ / 13 من ديسمبر 2011الصفحة الأولى ، قضايا وآراء .
(6)الأهرام الأحد 16من المحرم 1433هـ / 11 من ديسمبر 2011 ا لصفحة الأولى تحت عنوان : النائب المسيحي لرئيس حزب الحرية والعدالة رفيق حبيب : تشويه الإسلاميين مستمر منذ أيام مبارك و الإعلام الخاص يدافع عن مصالح رجال أعمال حوار: عبدالجواد توفيق .
(7)طارق البشرى : فى الجدل حول: المدنية والدينية، صحيفة الشروق المصرية ،الإثنين 7 نوفمبر 2011 .
(8) راجع : أشرف عيد العنتبلى : موقف الإخوان المسلمين من الدولة الدولة الدينية ، موقع إخوان ويكى ، أحداث صنعت التاريخ ، فى حرف الميم .
(9 ) طارق البشرى : فى الجدل حول: المدنية والدينية، صحيفة الشروق المصرية ،الإثنين 7 نوفمبر 2011 .
(10) مجلة النذير ، العد (35)السنة الأولى ، 17 من ذى الحجة 1357هـ / 7من فبراير 1939 ص 3ـ34. تحت عنوان:(الإخوان المسلمون فى عشر سنوات (1347ـ 1357هـ )ـ الإخوان المسلمون والدستور المصرى ، وجمعت فى رسائل الإمام البنا تحت اسم : ( رسالة المؤتمر الخامس)ـ الإخوان المسلمون والدستور المصرى.ص 356ـ358.
(11) حوار المرشد العام للإخوان لوكالة الأنباء الألمانية : الفلول سبب الفوضى ، اخوان أون لاين بتاريخ 12/9/ 2011
(12) د. رفيق حبيب: الدولة المدنية.. دينية أم لا دينية؟ ، الدستور 14/ 5/ 2010.
(13) د.أسامة الغزالي حرب : الإخوان المسلمون عند مفترق الطرق! ، الأهرام الأربعاء 22من جمادى الآخر 1432هـ / 25 من مايو 2011م . صفحة : قضايا وآراء .
(14)صلاح عيسى : حرب المبادئ الحاكمة المصري اليوم ، ٢٠/ ٨/ ٢٠١١.
(15)د. رفيق حبيب: في الفرق بين العلماني والليبرالي والإسلامي ،صحيفة الدستور المصرية بتاريخ 22/ 5/ 2010.
(16 ) طارق البشرى : فى الجدل حول: المدنية والدينية، صحيفة الشروق المصرية ،الإثنين 7 نوفمبر 2011 .
(17 ) د. وحيد عبدالمجيد: كيف نفهم مفاجآت المرحلة الأولي للانتخابات ، الأهرام 18من المحرم 1433هـ / 13 من دسمبر 20011الصفحة الأولى | قضايا وآراء .
(18) طارق البشرى : فى الجدل حول: المدنية والدينية، صحيفة الشروق المصرية ،الإثنين 7 نوفمبر 2011 .
(19)د. رفيق حبيب: الدولة المدنية.. دينية أم لا دينية؟ ، الدستور 14/ 5/ 2010.
(20) طارق البشرى : فى الجدل حول: المدنية والدينية، صحيفة الشروق المصرية ،الإثنين 7 نوفمبر 2011 .
(21 ) د. رفيق حبيب: الدولة المدنية.. دينية أم لا دينية؟ ، الدستور 14/ 5/ 2010.
(22) طارق البشرى : فى الجدل حول: المدنية والدينية، صحيفة الشروق المصرية ،الإثنين 7 نوفمبر 2011 .
(23 ) د. رفيق حبيب: الدولة المدنية.. دينية أم لا دينية؟ ، الدستور 14/ 5/ 2010.
(24 ) د. رفيق حبيب يكتب: الإخوان وحركة التغيير ، الدستور 24 / 7/ 2010
(25) أحمد عبد المعطي حجازي:الديمقراطية حفلة تنكرية!،الأهرام6 من رجب 1432هـ / 8 من يونيو2011،ص 12 .
(26) أحمد عبد المعطي حجازي: أين نقف؟ وأين يقفون؟، الأهرام 13 من رجب 1432هـ /15من يونيو2011،ص12.
(27) د. علاء الأسواني : المصري اليوم هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة؟ ١٤/ ٦/ ٢٠١١.
(28) د. علاء الأسواني : هل نحارب طواحين الهواء..؟! ، جريدة المصري اليوم ٣١/ ٥/ ٢٠١١
(29)أحمد عبد المعطي حجازي: أين نقف؟ وأين يقفون؟الأهرام 13من رجب1432هـ /15من يونيو 2011، ص12 .
(30)أحمد عبد المعطي حجازي:الديمقراطية حفلة تنكرية!، الأهرام 6 من رجب 1432هـ / 8 من يونيو2011،ص12.
(31)أحمد عبد المعطي حجازي : لا نطالب الدولة بقصور فى الجنة! الأهرام 12من شعبان 1432هـ / 13 من يوليو 2011، ص12.
(32) د. رفيق حبيب : الخطاب الدينى : تجديد أم علمنة ؟ ، موقع اخوان أون لاين ، بتاريخ 10/5/ 2010.
(33) أحمد عبد المعطي حجازي : لا نطالب الدولة بقصور فى الجنة! الأهرام 12من شعبان 1432هـ / 13 من يوليو 2011، ص12 .
(34 )المصرى اليوم بتاريخ الأحد11/12/ 2011تحت عنوان : محمد البرادعى:أقول للإخوان مدوا أيديكم للآخرين لإنقاذ مصر.
(35) أحمد عبد المعطي حجازي : لا دولتهم مدنية ولا نظامهم ديموقراطي الأهرام 20 من رجب 1432هـ / 22من يونيو 2011، ص12 .
(36) أحمد عبد المعطي حجازي: لا دولتهم مدنية ولا نظامهم ديموقراطي الأهرام 20 من رجب 1432هـ / 22من يونيو 2011، ص12.
(37 )أحمد عبد المعطي حجازي : مصر هـي مرجعيتنـــــا (2) الأهرام 13 من ذى الحجة 1432هـ / 9من نوفمبر 2011، ص12 .
(38)أحمد عبد المعطي حجازي : مصر هي مرجعيتنا (4) الصفحة الأولى | الكتاب الأهرام 27 من ذى الحجة1432هـ / 23 من نوفمبر 2011، ص 12.
( 39 )أحمد عبد المعطي حجازي : مصر هـي مرجعيتنـــــا (2) الأهرام 13 من ذى الحجة 1432هـ / 9من نوفمبر 2011، ص12.
(40)أحمد عبد المعطي حجازي : مصر هي مرجعيتنا (5) الأهرام 5 من المحرم 1433هـ / 30 من نوفمبر 2011، ص 12.
(41) أحمد عبد المعطي حجازي : مصر هي مرجعيتنا (4) الصفحة الأولى | الكتاب الأهرام 27 من ذى الحجة 1432هـ / 23 من نوفمبر 2011، ص 12.
(42) فهمي هويدي : شهادة الغفلة وإهدار الأولويات ، جريدة الشروق ، الثلاثاء 13 ديسمبر 2011 .
(43)طارق البشرى : فى الجدل حول: المدنية والدينية، صحيفة الشروق المصرية ،الإثنين 7 نوفمبر 2011 .
(44) د. محمد عمارة : يجهله الإسلاميون.. ويتجاهله العلمانيون ، جريدة المصريون الالكترونية ، 16/ 8/2011.
(45) د.علاء الأسواني : المصري اليوم هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة؟! ١٤/ ٦/٢٠١١
(46) د. رفيق حبيب : الشريعة الإسلامية للأقباط فقط! ، جريدة المصريون بتاريخ 25- 3 – 2008.
(47)د.إبراهيم البيومى غانم : مبادئ المرجعية الإسلامية للدولة المدنية ،الأهرام 21من رجب 1432هـ/ 23من من يونيو 2011 صفحة الكتاب.
(48) أحمد عبد المعطي حجازي:مدنية.. مدنية.. مدنية! الأهرام19من شعبان1432هـ /20 من يوليو2011، ص12.
(49)طارق البشرى : فى الجدل حول: المدنية والدينية، صحيفة الشروق المصرية ،الإثنين 7 نوفمبر 2011 .
(50) د. رفيق حبيب : الشريعة الإسلامية للأقباط فقط! ، جريدة المصريون بتاريخ 25- 3 – 2008.
(51)د.إبراهيم البيومى غانم : مبادئ المرجعية الإسلامية للدولة المدنية ،الأهرام 21من رجب 1432هـ/ 23من من يونيو 2011 صفحة الكتاب.
(52)أحمد عبد المعطي حجازي : مصر هـي مرجعيتنـــــا الأهرام 6 من ذى الحجة 1432هـ / 2من نوفمبر 2011، صفحةالكتاب .
(53) أحمد عبد المعطي حجازي:مدنية.. مدنية.. مدنية! الأهرام19من شعبان1432هـ /20 من يوليو2011، ص12.
(54) بهاء طاهر: الدولة المدنية والدولة الدينية، الأهرام اليومية 20 نوفمبر 2011 ، الكتاب ، ص 12.
(55) د. مينا بديع عبد الملك : نحو دولة مدنية ذات مرجعية علمية: قضايا وآراء الأهرام 7من رمضان 1432هـ / 7من أغسطس 2011م.
(56) راجع : الموسوعة الحرة : الديمقراطية .
(57)أحمد عبد المعطي حجازي: مصر هي مرجعيتنا(6)،الأهرام 12من المحرم 1433هـ / 7من ديسمبر 2011.
(58) أحمد عبد المعطي حجازى: مصر هي مرجعيتنا(6)،الأهرام 12من المحرم 1433هـ / 7من ديسمبر2011.
(59 ) د. رفيق حبيب: الدولة المدنية.. دينية أم لا دينية؟ ، الدستور 14/ 5/ 2010.
(60) كاتب فى جريدة الأهرام ومن المدافعين عن العلمانية فى المجتمع المصري، وقد ألف كتابا بعنوان " فليسقط سيبويه "يدعو إلى إعادة كتابة قواعد اللغة العربية، وبمنطقه يوضح الشوباشي أنه قال يسقط سيبويه ؛ لأنه معجب جدا بسيبويه الذي لعب دورا بالغ الخطورة، وسيبويه كان عبقريا وقعّد اللغة التي قامت عليها حضارة عظيمة. لكن ما فعله سيبويه تعداه الزمن ، ولم تعد قواعده تلائم القرن الواحد والعشرين، وهو يعترف بأنه ليس متخصصا في اللغة العربية، وليس عالما. وقد قوبل كتابه بالرفض من المتخصصين والمثقفين .راجع : جريدة الشرق الأوسط ، الاثنيـن 02 جمـادى الثاني 1425 هـ 19 يوليو 2004 العدد 9365.
(61)شريف الشوباشي: لا ديمقراطية بدون علمانية الأهرام الأربعاء 23 من المحرم 1432هـ / 29 من ديسمبر 2010صفحة الكتاب .
(62)الإسلام والمواطنة: راشد الغنوشى : موقع الجزيرة .
(63) د. رفيق حبيب : التلازم بين العلمانية والاستبداد ، صحيفة المصريون الالكترونية بتاريخ 7/9 /2011.
(64) أحمد عبد المعطي حجازي : مصر هي مرجعيتنا (4) الصفحة الأولى | الكتاب الأهرام 5 من المحرم 1433هـ / 30 من نوفمبر 2011، ص 12.
( 65) أحمد عبد المعطي حجازي: مصر هي مرجعيتنا(5) :الأهرام 5من المحرم 1433هـ / 30 من نوفمبر 2011
(66) أحمد عبد المعطي حجازي: مصر هي مرجعيتنا(5) :الأهرام 5من المحرم 1433هـ / 30 من نوفمبر 2011
(67) د. رفيق حبيب : التلازم بين العلمانية والاستبداد ، المصريون الالكترونية بتاريخ 7/9 /2011.
(68)طارق البشرى : الخائفون من الديمقراطية ، جريدة الشروق ، الخميس 17 مارس 2011.
(69) شريف الشوباشى : رسالة بصراحة إلي المجلس العسكري :الأهرام الأربعاء 7من المحرم 1433هـ / 2من ديسمبر 2011
(70 ) د. رفيق حبيب : التلازم بين العلمانية والاستبداد ، صحيفة المصريون الالكترونية بتاريخ 7/9 /2011.
(71) أحمد عبد المعطي حجازي : مصر هي مرجعيتنا (4) الصفحة الأولى | الكتاب الأهرام 5 من المحرم 1433هـ / 30 من نوفمبر 2011، ص 12.
(72) فهمي هويدي : جناية النخبة ، جريدة الشروق المصرية ، الأحد 20 نوفمبر 2011.
(73) الإسلاميون فهموا الديمقراطية جيدا بعكس الليبراليين : الأهرام 18 من المحرم 1433هـ / 13/12 /2011 .
(74) الموسوعة الحرة : مواطنة .
(75) راشد الغنوشى : الإسلام والمواطنة: موقع الجزيرة .
(76)برنامج حزب الحرية والعدالة : الفصل الثاني: السياسات والاستراتيجيات .
(7 7) د. محمد عمارة شهادات قبطية للمرجعية الإسلامية ،الأهرام بتاريخ 7من ذى الحجة 1432هـ / 5 من أكتوبر 2011م الصفحة الأولى ، قضايا وآراء .
(78)د. محمد عمارة : السياسة الشرعية عند الشيخ خلاف جريدة الأهرام :الأربعاء 32من شوال 1432 هـ / 21 من سبتمبر 2011 قضايا وآراء .
(79)راشد الغنوشى : الإسلام والمواطنة، موقع الجزيرة .
(80) راشد الغنوشى : الإسلام والمواطنة ، موقع الجزيرة .
(81) د.أسامة الغزالي حرب : الإخوان المسلمون عند مفترق الطرق! ، الأهرام الأربعاء 22من جمادى الآخر 1432هـ / 25 من مايو 2011م . صفحة : قضايا وآراء .
(82)صلاح عيسى : حرب المبادئ الحاكمة المصري اليوم ، ٢٠/ ٨/ ٢٠١١.
(83 ) دستور الإخوان سنة 1952، نسخة منشورة على موقع إخوان ويكى ، الوثائق .
(84 ) أصدرت المحكمة حكما قضائيا سنة 2010 بإلزام البابا شنودة باستخراج وثيقة زواج ثانى لمسيحى طلق زوجته مخالفا بذلك أحكام الإنجيل ،الذى لا يبيح الزواج الثانى للمطلق، وقد أصدرت الكنيسة تصريحات شديدة تجاه الدولة . وخروجا من المأزق احتكمت الكنيسة والدولة للمادة الثانية من الدستور(الشريعة الإسلامية )التى تنص على أن غير المسلمين يتحاكمون إلى شرائعهم فى أحوالهم الشخصية . وكانت الشريعة الإسلامية المخرج للأزمة بين الدولة والكنيسة .
(85) د. رفيق حبيب : الشريعة الإسلامية للأقباط فقط! ، جريدة المصريون بتاريخ 25- 3 – 2008.
(86) د. رفيق حبيب يكتب : أحكام الإنجيل وأحكام القضاء ، الدستور 12/ 6/2010.
(87) د. رفيق حبيب : الإصلاح السياسي بين الإسلامي والعلماني ، صحيفة الدستور ، 5/6/ 2010.
(88)د. رفيق حبيب: في الفرق بين العلماني والليبرالي والإسلامي، صحيفة الدستور المصرية 22 / 5/ 2010.
(89)السابق.
(90)السابق
(91) د. رفيق حبيب : الخطاب الدينى : تجديد أم علمنة ؟ ، موقع اخوان أون لاين ، بتاريخ 10/5/ 2010.
(92)د. رفيق حبيب: في الفرق بين العلماني والليبرالي والإسلامي 22/ 5/ 2010.
(93) مجموعة رسائل الإمام حسن البنا : من تراث الإمام البنا ( رسالة نحو النور) ج 15 ص 172 ، وهى منشورة على موقع إخوان ويكى : رسائل المرشدين (رسائل الإمام البنا ).
(94)د. وحيد عبدا لمجيد: الليبراليون والشريعة الإسلامية.. والاستقلال القانوني ، الأهرام 9 من رمضان 1432هـ / 9 من أغسطس 2011 قضايا وآراء.
(95) د.إبراهيم البيومى غانم : مبادئ المرجعية الإسلامية للدولة المدنية ،الأهرام 21من رجب 1432هـ/ 23من من يونيو 2011 صفحة الكتاب .
(96) د. وحيد عبد المجيد: الليبراليون والشريعة الإسلامية.. والاستقلال القانوني الأهرام 9 من رمضان 1432هـ / 9 من أغسطس 2011 قضايا وآراء.
(97 )عمر التلمساني : الحكومة الإسلامية والدولة الدينية .وقد كتبه فى مجلة الدعوة فى السبعينات ثم نشره موقع إخوان أون لاين .
(98) الدولة فى الإسلام ص 24.
(99 ) قصتي مع الحياة ص 376 ـ 375.
(100)السابق : قصتي مع الحياة ص375
(101) قصتي مع الحياة ص 371.
(102) الدولة فى الإسلام ص34
(103) الدولة فى الإسلام ص 38 .
(104)د/ يحيى الجمل: لا للدولة الدينية.. ونعم للدولة المدنية، موقع إخوان ويكى .
(105 ) طارق البشرى : " الذين يقولون إن تطبيق الشريعة الإسلامية سيجعلنا دولة دينية أكثرهم لا يفهم في الشريعة ولا القانون " : تحقيق صحفي مع المستشار نشر على صفحته الفيس بوك .